2014 عام مشؤوم حقاً، خصوصاً عندما يتعلق الأمر ببلد كالعراق تنافس اعوامه المشؤومة بعضها بعضاً. فالحدود الهشة، والنيات المبيتة، والوطنية المطعون فيها، كانت سمحت للاميركيين قبل عشرة اعوام باحتلاله في ساعات، وهي نفسها التي اتاحت لـ «داعش» احتلال نصف مساحته في ايام.
من الصعب ان نتعامل مع عام 2014 من دون ان تجرنا نظريات المؤامرة الى متونها، ومهما كان بالامكان تلمس اسباب ومقدمات لما حصل، لا يمكن الا ان نعود الى الاجواء المريبة التي اسقطت واحدة من اكبر مدن الشرق الاوسط وأعرقها مثل الموصل بين ايدي بضع عشرات من المتطرفين اجتمعوا من انحاء العالم على فكرة اعادة اعلان الخلافة.
المشكلة ان النظريات التي فسرت لغز «داعش» انطلقت من مرجعيات محلية واقليمية مختلفة ومتباينة.
ثمة نظرية ما زالت قائمة تقول ان ايران الرابح الاكبر من خلطة «داعش»، ليس لجهة ان التنظيم أنقذ عملياً النظام السوري من السقوط وانهى مفهوم الثورة في سورية كما كان انهى عام 2005 مفهوم «المقاومة» في العراق، بل ايضاً لأن نتائج احتلال مدن العراق قربت طهران من فك الحصار الدولي ضدها، وباتت واشنطن على ابواب تقديم تنازلات، وهي تعترف لطهران اليوم كما اعترفت لها عام 2005 بنفوذ محسوم على المدى الطويل في بلاد الرافدين.
هناك معطيات أخرى تدعم هذه الفكرة، فعام 2014 هو عام لكشف الاوراق بامتياز. اللعب صار فوق الطاولة ولم يعد تحتها، ودول المنطقة تحاول ضمان مصالحها وسط المتغيرات، وبات من المنطقي ان يفسر تحرك الحوثيين في اليمن، بتطورات الاحداث في العراق، وموقف واشنطن من النووي الايراني، مثلما ان دور حزب الله في سورية مرتبط بارهاصات المنطقة ودور ايران فيها.
حرصت ايران على دور محوري، في حرب تحرير العراق من «داعش»، بل ان اصدقاءها العراقيين يتحدثون عن ان قاسم سليماني هو من انقذ بلادهم، وليس للطلعات الجوية الاميركية من اثر في ذلك، لكن ما هو الثمن الذي تطلبه طهران؟ بالتأكيد لن يكون الثمن مجرد الحفاظ على نفوذ اكتسبته بلا جهد عام 2003.
النظرية لا تجيب عن اسئلة اساسية منها ان وصول «داعش» الى حدود ايران يعني تفجير الجمهورية الاسلامية من الداخل، فالتنظيم يهدد حكم الشيعة في العراق وحكم العلويين في سورية، ولهذا تصر طهران على انها هي هدف المؤامرة وضحيتها، وان صانع «داعش» ليس سوى الولايات المتحدة نفسها، ومعها اصدقاؤها في الشرق الاوسط تتقدمهم دول الخليج العربي وتركيا.
التصور الايراني لنظرية المؤامرة قائم على تراتبية زمنية، فالفشل في تغيير نظام الاسد في سورية دفع هذه القوى الى ابتكار مارد «داعش» لقطع الامتداد الجغرافي والسياسي الايراني من سواحل الخليج الى سواحل البحر المتوسط. كما ان النتائج، لا يبدو انها تخدم ايران تماماً، فحليفها الاستراتيجي في سورية يصبح اكثر عزلة وضعفاً، وحليفها المأمول الذي طالما دعمته في العراق يفشل في الحصول على الولاية الثالثة، والوسط الشيعي العراقي، يحتشد بعيداً من ايران، لتغيير المنظومة الامنية والسياسية التي كانت تقاد عملياً بواسطة الجنرال سليماني.
ما يمكن تأكيده اليوم اكثر من اي وقت سابق ان رئيس الحكومة السابق نوري المالكي افتتح عام 2014 بإرادة واضحة المعالم لاختلاق ازمة كبرى تقود الى الولاية الثالثة، ومع تغول «داعش» بدا انه متيقن من خطة الحل النهائي، وتتضمن «الاستقرار لمنابع النفط في جنوب العراق وحرباً طاحنة في غربه وشماله»، ما يسمح بضم العراق (الشيعي على الاقل) رسمياً الى جبهة روسيا – ايران – سورية. وكانت روسيا مستعدة لدعم هذا الحلف لولا ان طائرات «السوخوي» التي سارعت بارسالها الى العراق كانت متهالكة، وان اميركا اشترطت في النهاية اخراجها من اللعبة قبل دخول الحرب كما اشترطت اخراج المالكي نفسه.
الواقع ان المالكي الذي تلقى الثناء اخيراً لـ «جهوده الوطنية» من المرشد علي خامنئي، وزعيم حزب الله حسن نصر الله، قامر بمستقبل العراق عندما كان يعتقد انه يؤسس لدولة بمعايير الحكم التقليدية في الشرق الاوسط.
القناعة التي لم تتركز في الوسطين الشيعي والسني على الاقل، هي ان عراق ما بعد الاحتلال الاميركي لن يشبه ابداً العراق الذي سبق هذا الاحتلال، ولن يعاد انتاج نسخة الحكم المركزي فيه مرة اخرى، وهذه الحقيقة تطورت اليوم للقول ان عراق ما بعد احتلال «داعش» لن يشبه النسخة التي سبقته، وان على العراقيين ايجاد نمط بقاء جديد يتكيف مع الخراب الذي خلفته وستخلفه الحرب الجديدة.
تردد الولايات المتحدة في التدخل مبكراً في العراق على رغم انها وقعت معه معاهدة ستراتيجية تلزمها الدفاع عنه، من بين القرائن التي تطرحها النظرية الايرانية لتفسير تمدد «داعش»، وفي المقابل يؤكد رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني ورئيس الحكومة الحالي مسعود بارزاني ان طهران لم تتردد منذ الايام الاولى في ارسال المساعدات العسكرية والخبرات الى بغداد واربيل.
«داعش» بدوره لديه نظرية مؤامرة خاصة به، فهو يسوق انه ضحية هجوم تحالف «اميركي صهيوني صفوي عربي»، ويسرد ابو بكر البغدادي في خطبته الاخيرة بعـنوان «ولو كره الكافرون» معطيات متعددة لهذه النظرية، تبدو سخيفة في نظر النخب السياسية والاعلامية، لكنها تتقمص في الذاكرة الشعبية خطب صدام حسين، الذي لطالما تحدث عن هذا الحلف الكوني ضده.
اعتاد العراقيون ان يقرنوا احداثهم الشخصية بنكبات بلادهم، كأن يولد شخــص في عام الجمهورية، ويتزوج في عام الحرب مع ايران، ويموت في عام الاحتلال الاميــركي، ومؤكد ان الكثير سيقال مستقبلاً عن مؤامرة عام «داعش»، الذي يرجح ان يتمدد بدوره الى شهور عدة، قبل ان يفرغ مكانه لعام آخر، ومؤامرة اخرى!
المبادرة الآن بيد «داعش»، هذا ما أفضى إليه التحالف المستجد بين واشنطن وطهران. فالمشهد اليوم على النحو الآتي: «داعش» يتقدم في سورية، فيما تُعلن واشنطن بلغة شبه محايدة أن طائرات إيرانية قصفت مواقع لـ «داعش» في العراق من دون استشارتها، وطهران إذ تنفي الخبر، تُرفق نفيها بالقول إنها لن تتوانى عن دعم الحكومة العراقية في مواجهة الإرهاب!
نحن نشهد فعلاً فصولاً من تحول كبير، وهو، شأن التحولات السابقة، لا يخلو من احتمالات مآسٍ جديدة. فالإدارة الأميركية في قرارها الانكفاء حسمت أمرها على ما يبدو وقررت تسليم طهران مهمة ملء الفراغ الذي ستخلفه. لم تعد صور قاسم سليماني يقود العمليات العسكرية ضد «داعش» في العراق المؤشر الوحيد إلى قرار واشنطن. فما رشح من اجتماعات فيينا كان مؤشراً أهم. تأجيل إعلان الاتفاق ستة أشهر سببه الصعوبات التي قد تواجهها واشنطن مع حلفائها التقليديين في الإقليم، خصوم طهران. أما الأخيرة فقد باشرت المهمة. لم تعد أميركا «الشيطان الأكبر»، ويتركز الآن خطاب الممانعة التي تقودها طهران على «داعش».
لنراقب مثلاً زيارة نوري المالكي إمارة «حزب الله» في بيروت. فنائب الرئيس العراقي كان في استقباله في مطار بيروت رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد، وفُرش السجاد الأحمر له في مقر «حزب الله» في مليتا، واقتصرت زياراته على أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله ورئيس مجلس النواب نبيه بري ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الشيخ عبد الأمير قبلان. أما الكلمات التي ألقاها أو استقبل بها، فكشفت أن قضية الممانعة أصابها تحول دراماتيكي. فلسطين صارت مجرد متحف للزيارات في مليتا، والقضية المركزية هي النزاع الطائفي الذي يقسم المنطقة.
وقف نوري المالكي، رجل طهران وواشنطن الذي تسبب للعراق بمآسيه الأخيرة، في «معلم مليتا» الذي أنشأه «حزب الله» لأغراض «سياحة المقاومة»، وأعلن من هناك وقوفه مع الحلف الذي يُمثله إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد. واستلزم الخطاب استعادة عابرة ومبتذلة لبعض شعارات المواجهة مع إسرائيل، لكن متن كلامه وكلام مضيفيه تركز على المواجهة التي تشهدها المنطقة، والتي يبدو أن إسرائيل خارجها، فيما «الشيطان الأكبر» يقف إلى جانب السيد النائب هناك، في معلم مليتا للسياحة «الجهادية».
لهذه الأسباب ستكون المبادرة في الأشهر المقبلة بيد «داعش». فالتنظيم الإرهابي سيستثمر في هذا المشهد. فقد انعقد له حلف العَدوان القريب والبعيد، أميركا وإيران! هل من هدية أثمن من هذه الهدية. بالنسبة للعراقي السنّي والسوري السنّي، وبالنسبة لأي سني في المنطقة اليوم، ستكون استعادة أي مدينة من «داعش» بمثابة احتلال آخر لها. قاسم سليماني هو من سيستعيد الموصل من «داعش» وستؤمن طائرات أميركية غطاء جوياً له، وفي هذا الوقت يواجه أثيل النجيفي صعوبات كبيرة في استقطاب مقاتلين عراقيين سنّة لحشدهم في تشكيلات عسكرية لاستعادة المدينة. والآن يرى سكان المدينة أن الحرب الدائرة هي بين عدوين لهم، أي «داعش» والميليشيات الشيعية. ولكن عندما تتضح أكثر معالم التحالف بين واشنطن وقاسم سليماني لن يكون أمام أهل الموصل سوى حسم ترددهم وحيادهم لمصلحة تنظيم «الدولة».
المسألة الأخطر والتي تؤشر إلى أن المبادرة ستنتقل إلى يد «داعش» على نحو سريع تتمثل في أن دول المنطقة التي انخرطت في التحالف الدولي ضد «داعش» بدأت تعاني من صعوبات فعلية لجهة استمرارها في المشاركة في الغارات على مواقع التنظيم. فانكشاف حلف واشنطن وطهران جعل من تسويق المشاركة في الغارات أمراً غير يسير، ومخاوف الحكومات من تعاظم نفوذ طهران في المنطقة لا يقل عن مخاوفها من تعاظم نفوذ «داعش»، وبما أن الأخيرة رأس حربة المواجهة مع طهران، فهي تملك فرصة كبيرة للفوز بالرهان. ومؤشرات ذلك تتمثل في الموقف التركي - القطري غير الحاسم لجهة المواجهة مع «داعش»، فبالنسبة إلى أنقرة يُعتبر تنظيم «الدولة» ورقة يجب أن تُلعب في سياق المواجهة، وهي لا ترى أن القضاء عليه يجب أن يكون مجانياً.
«داعش» حتى الآن لم يستجب للرغبة في اللعب، ويقتصر «تعاونه مع أنقرة» على غض طرف متبادل عن الحدود وعن أسواق النفط المستجدة، لكن ما إن يعي التنظيم الإرهابي أن في الأفق فرصة عبر تقديم تطمينات لأنظمة تشعر بتهديده وهي خارج حلف طهران واشنطن، فسيجد استجابة.
نعم، لقد أعطي «داعش» الدور الكبير الذي يطمح إليه. هو الآن رأس حربة في المواجهة المذهبية التي تشهدها المنطقة. هو لا يقيم دولة على نحو ما يُروج، وهو أعجز من أن يدير مجتـمعاً ومُدناً، هو فقط يستعد للحرب ويُضاعف يومياً استعداده لها، ويرفده كل يوم بمزيد من المتطوعين، وتتكشف وقائع مذهلة عن معسكرات تدريب في دول بعيدة تعد المقاتلين وتُرسلهم إليه، على نحو ما كُشف في ليبيا أخيراً.
السرعة التي تجري فيها الأحداث يوازيها بطء قاتل تقابل به الولايات المتحدة هول ما يجري. بيان بارد عن مشاركة طائرات إيرانية في قصف مواقع «داعش» في العراق، وآخر أكثر برودة عن معسكر «داعش» في ليبيا. وفي هذا الوقت يتكشف تراجع واضح في حماسة دول المنطقة في المشاركة في الحرب على «داعش»، وهذه البرودة ستتحول على ما يبدو انكفاءً كاملاً عن المهمة في ظل تصدر طهران لها.
المسألة الآن لم تعد مرتبطة بـ «ظلامة السنّة العراقيين»، ذاك أن رفع هذه الظلامة، إذا تم أصلاً، لن يحرم «داعش» في العراق من أسباب وجوده، إذ إن «داعش» سيُمثل منطقة بأكملها في سياق المواجهة. أما في سورية فالتنظيم الإرهابي يتقدم على وقع غارات التحالف والنظام، وعلى وقع ارتسام مشهد مذهبي مختلف هذه المرة. ذاك أن واشنطن «العدو البعيد» انتقلت فيه من موقع إلى موقع، وستبقى في موقعها الجديد لسنتين على الأقل هما المتبقيتان للرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض.
في آخر مقابلة له مع مجلة "باري ماتش" الفرنسية لم يتورع بشار الأسد عن مد يد الاستجداء لأمريكا، من أجل التعاون معه ضد "الدولة الإسلامية"، وبتعبير أدق ضد عموم فصائل الثورة السورية.
مما قاله في الحوار "لا يمكن وضع حد للإرهاب عبر الضربات الجوية، لذا فالقوات البرية الملمة بتفاصيل جغرافية المناطق ضرورية.. لذلك بعد أشهر من ضربات التحالف لا توجد نتائج حقيقية على الأرض".
وأضاف "ليس صحيحاً أن ضربات التحالف تساعدنا، لو كانت هذه الضربات جدية وفاعلة لكانت ساعدتنا فعلاً، ولكننا نحن من نخوض المعارك على الأرض ضد داعش ولم نشعر بأي تغير".
في الوقت ذاته كان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يعتبر أن أية ضربات توجهها إيران لمواقع الدولة الإسلامية تعد "إيجابية".وفي حين نفت طهران كالعادة وجود تعاون بينها وبين أمريكا على هذا الصعيد، فإنها لا تنكر أبداً ما تفعله في سوريا والعراق (تريدان العشق سرياً؛ طهران لاعتبارات الصورة النمطية، وأمريكا خشية إغضاب بعض الحلفاء الآخرين، والتخريب على وضع التحالف وصورته كمستهدف للجانب السنّي وحده).
هكذا تتبخر تماماً حكاية المقاومة والممانعة، ويغدو بشار الأسد في معسكر "الإمبريالية الأمريكية"، وبالتأكيد الصهيونية أيضاً؛ لأن الجميع يدركون أن واشنطن لا يمكن أن تقود تحركاً في المنطقة من دون الحصول على الضوء الأخضر من تل أبيب، فضلاً عن أن تبادر إلى تشكيل تحالف عريض كالذي نحن بصدده ضد "الدولة الإسلامية".
لم يتطرق بشار الأسد إلى السيادة المنتهكة من طائرات التحالف، بل هو يرحب بها عملياً (قال على استحياء إنها "تدخل غير مشروع"، بينما رحّب بها وليد المعلم قبل أسابيع)، لكن المشكلة الوحيدة هو أنه يريد تنسيقاً عملياً معه لأن الضربات الجوية لا تكفي، ولا بد من قوة تتحرك على الأرض، وهو بالطبع من يملك تلك القوة؛ ليست من جيشه المنهك بكل تأكيد، ولكن من المليشيات الشيعية التي جمّعتها له إيران من كل أصقاع الأرض.
أين تذهب مقولات المقاومة والممانعة والحالة هذه؟ وماذا سيقول شبيحة بشار المنبثين في طول العالم العربي وعرضه بعلو صوتهم وليس بشعبيتهم ولا بقدرتهم على الإقناع، بعد أن ظهر زعيمهم المقاوم البطل يستجدي الأمريكان من أجل التحالف معه، ضد من كان يقول قبل قليل من الوقت إنهم عملاء للإمبريالية والصهيونية؟!
لقد بات واضحاً أن الولايات المتحدة لا تريد الإطاحة ببشار الأسد، لكنها تخشى مساعدته بشكل مباشر خشية إغضاب الحلفاء الآخرين، وفي العموم فهو يكذب إذ يدعي أن ضربات التحالف لم تساعده في إحداث بعض التقدم في أكثر من منطقة، في حين يعلم الجميع أن جيشه المنهك هو الذي لا يسمح له بالتقدم وليس شيئاً آخر. أما المليشيات التي تقاتل معه فتبدو مبتدئة أيضاً رغم التدريب الذي تتلقاه على يد الحرس الثوري، ربما باستثناء مقاتلي حزب الله الذين ينشغلون منذ شهور طويلة في منطقة القلمون التي تحولت إلى مربع استنزاف لهم، هم الذين أعلنوا انتصارهم فيها قبل شهور طويلة!!
الأسخف في المقابلة التي أجراها بشار هو رده على سؤال حول الخشية من أن يكون مصيره مشابهاً لمصير القذافي، حيث رد بالقول: "القبطان لا يفكر بالموت أو الحياة، ولكن يفكر بإنقاذ السفينة، فإذا غرقت السفينة سيموت الجميع، وبالتالي ينبغي فعل ما هو ممكن لإنقاذ سفينتي، لكن أريد أن أؤكد شيئاً مهماً، وهو أن هدفي ليس البقاء رئيساً، لا قبل الأزمة ولا خلالها ولا بعدها، لكن مهما يحدث، نحن كسوريين لن نقبل أن تكون سوريا لعبة بيد الغرب".
أليس هذا ضرباً من الهراء؟ يتحدث عن إنقاذ السفينة وقد دمَّرها على رؤوس من فيها بيديه، في مواجهة ثورة مكثت تبذل الدماء في الشوارع 6 شهور قبل أن تُطلق رصاصة واحدة، ثم كانت العسكرة التي هيّأ هو الأجواء المواتية لانطلاقها.
أي إنقاذ بعد قتل واعتقال وتشريد الملايين؟ لكن الأسوأ هو قوله إنه لا يريد لسوريا أن تكون لعبة بيد الغرب، بينما يستجدي التحالف مع أمريكا، ويعلن في مرات سابقة، وقبل ابن خاله رامي مخلوف أن أمن إسرائيل رهن بوجوده في سوريا، وهو ما ردده الممانع الآخر؛ نائب وزير الخارجية الإيراني قبل شهور، وإن على نحو أكثر فجاجة كما يتذكر الجميع!!
بدأت العلاقات الروسية ـ التركية، منذ 2003، تأخذ منحى مختلفاً عن صيغة التوتر التي حكمتها طوال عقود الحرب الباردة. وكان لاستراتيجية حزب العدالة والتنمية الحاكم (تصفير المشكلات الإقليمية)، والاعجاب الروسي بمحاولات أنقرة مع الحزب التمايز عن الحلفاء الغربيين، (رفض أنقرة استخدام القوات الأميركية أراضيها في غزو العراق) عاملين رئيسيين في إعادة ترتيب العلاقة على أسس جديدة. وقد توجت عام 2010، في زيارة الرئيس الروسي السابق، ديمتري ميدفيدف، أنقرة، واتفاق البلدين على تأسيس مجلس التعاون التركي ـ الروسي، وما يزال قادة البلدين يلتقيان إثره كل عام.
غير أن إرث الحرب الباردة والخلافات الكبيرة بين الجانبين حول قضايا (أوكرانيا وأرمينيا وأذربيجان في القوقاز وكوسوفو في البلقان وقبرص اليونانية، وأخيراً سورية)، دفع البلدين إلى إعطاء البعد الاقتصادي في علاقتهما دوراً رئيسياً، بسبب حاجة كل طرف للآخر، وترك الخلافات السياسية جانباً، أو على الأقل الحيلولة دون تأثيرها على القضايا الاقتصادية.
وهذا ما بدا جليّاً من خلال اتفاقية مهمة وقّعها رئيسا البلدين في مجال النفط والغاز الطبيعي، إضافة إلى توقيع محضر اجتماع مجلس التعاون الروسي ـ التركي الحكومي المشترك للشؤون الاقتصادية والتجارية، وتوقيع مذكرة تفاهم بين وكالة الطاقة الروسية ووزارة الطاقة والموارد الطبيعية التركية، في مجال الحفاظ على الطاقة والطاقة المتجددة. ويهدف البلدان إلى رفع حجم التبادل التجاري بينهما من 33 مليار دولار إلى 50 ملياراً العام المقبل، ومن ثم إلى 100 مليار دولار بحلول 2020.
" إرث الحرب الباردة والخلافات الكبيرة بين الجانبين في عدة قضايا، دفع البلدين إلى إعطاء البعد الاقتصادي في علاقتهما دوراً رئيسياً "
وكانت الخطوة الاقتصادية الكبرى موافقة موسكو على تخفيض سعر الغاز الطبيعي لتركيا بـ6%، وزيادة حجم الغاز المار منها إلى 3 مليارات متر مكعب، وتحويل مسار خط أنابيب الغاز الطبيعي المعروف باسم السيل الجنوبي، من بلغاريا إلى تركيا، الأمر الذي سيحوّل تركيا إلى محطة مهمة للطاقة.
ومع أن تركيا هي المستفيد الأكبر من الناحية الاقتصادية، فإن روسيا هي المستفيد السياسي، فهذه الاتفاقات ذات أهداف سياسية كبرى بالنسبة لموسكو، وإن كانت بلباس اقتصادي، إنها رسالة قوية للغرب الذي فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، ومكافأة لأنقرة، لرفضها الانخراط في العقوبات الغربية، كما أنها رسالة سياسية من أنقرة إلى العواصم الغربية، لا سيما واشنطن، بعد توتر العلاقة بينهما على خلفية الأزمة السورية.
وإذا كانت العلاقة الروسية ـ التركية نموذجاً للعلاقة، المتقدمة اقتصادياً والمتراجعة سياسياً، تبدو موسكو، هذه المرة، عازمة على دفع العلاقة السياسية مع أنقرة إلى الأمام لعدة أسباب:
ارتفاع حدة التوتر بين روسيا والغرب، التوتر بين أنقرة وواشنطن، التقارب الإيراني ـ الأميركي على خلفية الملف النووي، الجهود الروسية لعقد مؤتمر دولي حول سورية.
وتسعى روسيا إلى التقارب مع أنقرة، من أجل ملفاتٍ تعتبرها موسكو استراتيجية، وتستطيع أنقرة المساهمة فيها بفاعلية: في شبه جزيرة القرم، حيث توجد أقلية تترية مسلمة، مرتبطة بتركيا ارتباطاً قوياً، وفي أرمينيا وأذربيجان، مع تزايد التوتر بين البلدين أخيراً، حيث لتركيا علاقات وطيدة مع أذربيجان، في حين ترتبط روسيا بعلاقات متينة مع أرمينيا، العدو اللدود لتركيا.
وفي سورية، حيث تبحث موسكو عن خطوط تلاقٍ مع تركيا، وليس مصادفة أن يقول بوتين، في أنقرة، إن الاتصالات مع الحكومة السورية محدودة، وإن الروس غير قادرين على التأثير مباشرة على المجريات في سورية. وهو يحاول إجراء اختراق في صفوف التحالف الدولي المضاد للنظام السوري، من البوابة التركية، على الرغم من تباعد كبير في مواقف الطرفين من هذه الأزمة، فتركيا لا تزال تصر على رحيل الأسد، وتطالب بمنطقة عازلة شمالي سورية، وهي مطالب ترفضها موسكو بحزم، وتصر على ترك مسألة الأسد إلى مرحلة لاحقة.
ومع ذلك، تبدو روسيا، اليوم، أكثر حاجة لتركيا مع سعيها إلى عقد مؤتمر "موسكو 1" بديلاً عن " جنيف 3 "، ذلك أن تركيا هي الدولة الإقليمية الأكثر قدرة في التأثير على المعارضة السياسية، والأكثر قدرة على الفعل في الميدان السوري، بحكم الحدود الممتدة نحو 900 كلم مع سورية، وعلاقاتها مع فصائل إسلامية مقاتلة على الأرض.
إن القرب الجغرافي لتركيا وعلاقاتها التاريخية في البلقان والقوقاز وآسيا الوسطى والشرق الأوسط، تعطيها دوراً ريادياً في هذه المناطق، بحسب رئيس الوزراء، أحمد داوود أوغلو، وهذا دور تبحث عنه روسيا في المرحلة المقبلة، بعيد وصول علاقاتها مع الغرب إلى مستوى مترد.
عندما اعتذرت ميشيل فلورنوي عن عدم خلافة تشاك هيغل لتكون أول وزيرة دفاع أميركية، بدا أن الجميع يريدون القفز من سفينة باراك أوباما المتأرجحة، أو على الأقل لا يرغبون في الصعود إليها. فلورنوي كانت أبرز اسم على قائمة الذين رشّحهم أوباما للمنصب، لكنها رفضت أن تكون ضحية جديدة للخلافات العميقة بين البنتاغون ومستشاري البيت الأبيض حول الأزمة السورية والحرب على «داعش».
وعندما اختار أوباما ترشيح آشتون كارتر الإداري البيروقراطي للمنصب، والذي كان نائبا سابقا لوزير الدفاع، تأكّد أنه مصرّ على المضي في «سياسة اللاسياسة» أو في «الفوضى الاستراتيجية» كما وصفها خبير شؤون الدفاع أنتوني كوردسمان، الذي يرى أن تعيين آشتون سيساعد أوباما على الاستمرار في تطبيق رؤيته من دون اصطدام بين البنتاغون والبيت الأبيض ومجلس الأمن القومي كما حدث مع هيغل.
التناقض الواضح يوم الثلاثاء الماضي بين وزارة الخارجية، التي أعلنت عن الاقتراب من اتفاق مع تركيا على المنطقة العازلة وعن الاتجاه إلى السماح باستخدام قاعدة إنجرليك، وبين البيت الأبيض الذي سارع إلى التخفيف من هذه الاحتمالات، يؤكد تماما أن أوباما الذي دخل عهده مرحلة العدّ العكسي، باعتبار أن ولايته ستنتهي بعد أقل من سنتين، مصرّ على عدم التورّط في حروب خارجية لا في العراق ولا في سوريا.
أمام هذا الانكفاء الأميركي من الضروري الانتباه إلى الاندفاع الروسي نحو الحلبة السورية تحديدا، بعد فترة من الابتعاد النسبي فرضتها ظروف التورط العميق والمكلف في أوكرانيا، وهنا يرى بعض المراقبين أن أفكار المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا التي تدعو إلى «تجميد» القتال في حلب ربما انطلقت من جليد روسيا، التي بدأت منذ أشهر حركة اتصالات ومشاورات بهدف استنساخ صيغة جديدة لمؤتمر جنيف ولكن تحت مظلّة موسكو هذه المرة.
في هذا السياق ذهب دي ميستورا إلى موسكو مرتين، وزار وفد من الضباط والشخصيات السورية المعارضة مع معاذ الخطيب العاصمة الروسية، ثم ذهب وليد المعلم الذي التقى فلاديمير بوتين، وارتفعت حرارة الحديث مجددا عن التسوية السياسية التي لا تزال تدور في دوامة العقدة الواحدة التي سبق أن أفشلت مؤتمر جنيف في مرحلتيه: مصير الأسد.
ما هو موقع الرئيس بشار الأسد من التسوية؟.. هل يتوارى مع حلقته العسكرية وبيئته التي أدارت الحرب التي دمّرت سوريا واستولدت كل هذا الإرهاب؟.. هل يبقى وإلى متى ومع من، ووفق أي صيغة يمكن أن تضمن وقف القتال والانصراف إلى إلحاق الهزيمة بداعش وأخواته؟.. وهل يتم التفاهم على روزنامة واضحة ومحددة ومتفق عليها لعملية «الانتقال السياسي»، التي أفشلت مفاوضات جنيف لمجرد استعمال كلمة «انتقال»، في ظل إصرار أهل النظام على أن «الأسد قائدنا إلى الأبد»؟
معاذ الخطيب عاد من موسكو بجواب لكنه أشبه بسؤال: «الروس غير متمسكين بالأسد، لكن إلى متى يجب أن يبقى، ثلاثة، خمسة، أو ستة أشهر؟ عندما يتّضح هذا الأمر وتكون هناك رؤية واضحة وصريحة تعلن إلى الشعب السوري، ويتم وضع ترتيب معيّن، هذا الشخص سيغادر بالتأكيد، وصلاحيته ستنتهي بطريقة معيّنة، وهذا أمر معقول».
هذا الكلام ليس جديدا، إذ سبق لسيرغي لافروف في مرحلة من الأزمة السورية أن أعلن أن روسيا لا تتمسك بشخص معّين، وهو موقف كررته موسكو أمام وفود عدة، متمسكة بمعارضة انهيار بنية الدولة السورية ووقوع البلاد في الفوضى الكاملة، والموقف الأميركي يتلاقى في هذه النقطة مع موسكو، وكذلك موقف «الائتلاف المعارض» وموقف الجامعة العربية التي دعت منذ ثلاثة أعوام إلى عملية انتقال سياسي في سوريا على الطريقة اليمنية.. لهذا يمكن اختصار الوضع بسؤال واحد:
هل تستطيع موسكو حل عقدة مصير الأسد للبدء في إرساء تسوية سياسية في سوريا تستطيع أن تلملم هذا الحطام من الجغرافيا الممزقة والمشتعلة، وهذا الحطام من المعارضات المنقسمة والمتصارعة، وهذا الحطام من التدخلات والأهداف الإقليمية والدولية المتقاطعة في سوريا؟
وليد المعلم أعلن موافقة النظام على عقد حوار سوري - سوري في موسكو، لكن كلام لافروف عن هذا الأمر بدا وكأنه يشبه القول «الأمر لي»، بمعنى أن موسكو تريد حصة الأسد من أي مؤتمر للحوار بين السوريين: «إننا نرفض تنظيم مؤتمر دولي واسع النطاق بشأن التسوية في سوريا.. إذا كنتم تعوّلون على عقد مؤتمر آخر مثل ذلك الذي عقد في مدينة مونترو بمشاركة 50 دولة وآلاف الصحافيين والتلفزة فإنه لن يعقد».
لكن هل يعني هذا أنهم يريدون عقد مؤتمر للمتنازعين السوريين وراء «ستار حديدي» في موسكو بما يساعدهم على إخضاع المعارضة وترويض الأسد للقبول بروزنامة واضحة ومحددة توضّح بنود عملية انتقال سياسي على مراحل، وتتوازى مع تقدّم الحرب على «داعش» وأخواته، وأيضا مع لملمة شظايا المعارضة؟
المعلومات التي وردت في تقارير دبلوماسية عليا أجمعت في الأسابيع القليلة الماضية قبل زيارة المعلم إلى موسكو وزيارة بوتين إلى أنقرة، على أن الدب الروسي يقظ وواعٍ إلى درجة أنه لن يفوّت الفرصة التاريخية السانحة على الساحة السورية، فإذا كان أوباما يحاذر التورط في سوريا ويفضل الانغماس في النوويات الإيرانية وما لها من تداعيات سلبية ستترك فراغا استراتيجيا عند حلفائه خصوصا في الخليج، وإذا كانت إيران تتحسّب وتعّد لدور محوري على مستوى الإقليم، يمكن أن يتناقض لا بل يَرث النفوذ الروسي في سوريا، فإن بوتين لن يتراجع لحظة عن توظيف كل ما يملك من أوراق الضغط لإنجاح تسوية سلمية في سوريا سيكون ثمنها بالتأكيد رأس الأسد ولو في مرحلة لاحقة.
صحيح أن ملفات الاقتصاد وتصدير الغاز الروسي كانت في مقدمة محادثات بوتين مع رجب طيب إردوغان، لكن الشأن السوري استحوذ على الهمس بينهما انطلاقا من إصرار أنقرة على أنه لن ينجح أي حل في سوريا ما لم يضمن خروجا نهائيا للأسد من السلطة.
والسؤال: هل تستطيع روسيا أن تشتبك مع الأسد مباشرة لإنجاح تسوية شرطها الأساس إقصاؤه، ومع حلفائه الإيرانيين في الكواليس الذين سيخسرون نفوذهم الطاغي في سوريا إذا خسروه؟
من يقرأ كلام المعلم عن شروط النظام لقبول مقترح دي ميستورا بتجميد الصراع، ويكتشف أنه يريد استسلاما كاملا واستباقيا للمعارضة، يعرف مدى الصعوبة التي تواجه الاندفاعة الروسية الاستئثارية في سوريا.
هل طلب " دي مستورا " وقف الدعم للنازحين السوريين !؟
من المعلوم لكل متابع للوضع السوري أن نظام الأسد لم يستطع حسم أي معركة عسكرية في أي منطقة حسما عسكريا ناجزا , ولم يستطع أن يخمد الثورة فيها إن كانت مسلحة أو سلمية .
لاشك بأن النظام قد استطاع أن يقتحم بعض المناطق لفترة وجيزة , ولكن الثوار في كل مرة كانوا يعودون ويفرضون سيطرتهم عليها , والسبب الأهم في استطاعتهم لإعادة السيطرة هو الحاضنة الشعبية المؤيدة للثورة وللثوار .
رغم كل الآلام والمصاعب التي واجهها المدنيون ولازالوا يواجهونا ... إلا أن هذه الحاضنة لم تتوقف عن احتضانها للثوار والوقوف معهم .
الطريقة الوحيدة التي " نجح " فيها النظام بإخماد الحراك الثوري هي تطبيقه للشعار الذي رفعه " الجوع أو الركوع " .
لقد نجح النظام بتطبيق هذا الشعار في بعض المناطق فقط , حتى أن الثوار والمدنيين الذين كانوا تحت الحصار أكلوا أوراق الأشجار ولحوم القطط والكلاب وقد استشهد العديد من الثوار والمدنيين نتيجة أكلهم لأعشاب سامة وأغذية منتهية الصلاحية تم تسريبها للمحاصرين عن طريق عملاء للنظام كانوا يتاجرون بالأغذية داخل المناطق المحاصرة .
هذه المقدمة كانت ضرورية لتوضيح الطريقة التي فكر فيها المبعوث الدولي الجديد " دي مستورا "
وهو الذي أخذ بعين الإعتبار جميع التجارب التي مر بها المبعوث السابق " الأخضر الإبراهيمي " والمبعوث الأسبق " كوفي عنان ".
وعلم أن أية محاولة لتطبيق العدالة والإستجابة لمطالب الشعب السوري بالحرية ستواجه بفيتو روسي صيني في مجلس الأمن وبتخاذل منقطع النظير من أصدقاء الشعب السوري .
وأيضا وبنفس الوقت أخذ دروسا من مجريات حرب النظام على الشعب وفهم أن الطريقة الوحيدة التي نجح فيها النظام بتهدئة الثورة في " بعض " المناطق كانت عن طريق حصار وتجويع سكان هذه المناطق .
وبناء على ذلك أتى إلينا بخطة رمادية لاتعرف بدايتها وليس لها نهاية , الشيء الوحيد الذي يمكن استشفافه من خطة دي مستورا هو تخدير بعض المناطق , بغض النظر عن موقعا الجغرافي والديمغرافي , بغض النظر عن أهمية هذه المناطق فهو ليس من نقاط كلامنا في هذا المقال .
عندما يعرض دي مستورا الخطة بكامل تفاصيلها على نظام الأسد أولا , والسماع لملاحظات النظام والتعديل على الخطة بناء على هذه الملاحظات .
وعندما لايعلم أي طرف معارض بمافيه الإئتلاف الوطني عن أي تفصيل من هذه الخطة , ماعدا بعض رؤوس الأقلام التي تم التصريح بها من قبل دي مستورا لوسائل الإعلام .
فإننا نستشف أن مصلحة الشعب السوري والإستجابة لمطالبه المحقة والشرعية هي آخر مايفكر دي مستورا والأطراف الدولية التي عينته مبعوثا لها .
والنقطة الأهم هي كيفية تطبيق هذه الخطة والأسلحة التي سيستخدمها دي مستورا ومن عينه مبعوثا وناطقا باسمهم .
لا أحد يشك بإمكانية محاربة شعب كامل وبلد كامل عسكريا , لأنها ستكون حربا خاسرة بامتياز , ولأن النظام ومنذ مايقرب من 4 أربعة سنوات وهو يحارب هذا الشعب بأعتى أنواع الأسلحة الفتاكة وغير الفتاكة , لدرجة أنه استخدم السلاح الكيماوي في مناطق مكتظة بالسكان المدنيين من أطفال ونساء .
ومع ذلك ومع دعم دول عظمى ودول اقليمية كبيرة لهذا النظام ماديا وعسكريا , إلا أنه فشل في إخماد هذه الثورة .
ولأن الطريقة الوحيدة التي نجح فيها نسبيا , كانت تجويع سكان المناطق التي استعصى عليه اقتحامها .
لذلك كان قرار الدول المانحة للمساعدات للنازحين السوريين باقتطاع مبالغ كبيرة من تبرعاتهم , ولاننسى أن كثيرا من هذه الدول لم تلتزم أصلا بالمبالغ التي وعدت بتخصيصها للنازحين السوريين في مؤتمر الكويت للمانحين خلال الأشهر المنصرمة , وهو الأمر الذي دعى دولة الكويت لإلغاء مؤتمر المانحين القادم والذي كان مقررا أن يكون على أراضيها .
فها كانت هذه القرارات من الدول المانحة قرارا من تلقاء هذه الدول , أم انه تنفيذا لطلب من " دي مستورا " لكي يكون هذا الإجراء هو السلاح الأقوى والذي جربه النظام وكان فعالا في بعض المناطق !؟
بكل الأحوال يبقى استغرابنا كبيرا ﻹقاف الدعم للنازحين السوريين , بينما يبقى دفع مبالغ شبه خيالية لقيام قوات التحالف الدولي بقصف قوات " داعش " والتي يقول أغلب المحليين عن هذه الضربات أنها استعراضية في أغلب حالاتها .
■ عاشت سورية ثلاثين عاما تحت حكم حافظ أسد لا يستطيع الأخ أن ينبس ببنت شفة أمام أخيه، خوفا من أن تكون للجدران آذان، فيذهب هو وأخوه ومن خلفوه.
كان السوريون من قبل ذلك، كما اللبنانيون، صحافيي العرب بحق. عندما هلك حافظ وورثه ابنه بشار استبشر البعض، حسب مقولة القائل «موت الرؤساء رحمة للأمة».
وبدأ المثقفون يلتقون في بعض الدارات التي فتحت صالاتها لهم، مثل «منتدى الأتاسي»، وقرأنا عن بيان الـ»99» الذي وقعه 99 مثقفا، ثم بيان الـ «1000»، حيث رفع موقعو البيانين من وتيرة كلامهم مطالبين ببعض الحرية. تصدى لهم حرس النظام القديم مثل عبد الحليم خدام، يسفهون كلامهم، قبل أن ينشق هو عن نظام خدمه قرابة 40 عاما، ولم يقف الأمر عند التسفيه فقد أودع بعض المثقفين المعتقل.
تغيرت الأمور منذ 15 آذار/مارس 2011 وحتى اليوم، فلم يعد الأمر مسألة خوف أو جرأة، فمتظاهرو الأمس وجد أغلبهم طريقة أو أخرى ليحمل السلاح وينضم مع الفصائل التي كانت تقاتل جيش بشار أسد، فقتل من الطرفين خلق كثير. ورغم الدعم الذي قدمته طهران وموسكو، فقد استطاع الثوار أن يحاصروا قصر بشار حتى رأيناه يستقبل زواره في غرفة صغيرة في مبنى صغير. كما استطاع الثوار أن يعطلوا مطار دمشق عن استقبال الطائرات وإقلاعها. حتى أن وليد المعلم كان مضطرا للذهاب إلى بيروت ليطير إلى الوجهة التي يريدها لنقل رسائل بشار.
وعندما كان سقوط نظام بشار قاب قوسين أو أدنى، تحرك أوباما بنصيحة من مستشارة الأمن القومي سوزان رايس، وبتعليمات من اللوبي اليهودي لمنع سقوط بشار الأسد، بحجة دعمها الحل السلمي، رغم نصائح كل من الوزيرة كلينتون ووزير الدفاع ورئيس الأركان ورئيس الـ(cia) كي يسلح المعارضة السورية. رفض اوباما تسليح المعارضة السورية. يومها لم يكن زعيم «تنظيم الدولة» سوى مقاتل يقود مجموعات قليلة، وقد طالب أبو محمد الجولاني قائد جبهة النصرة ليتوحدا تحت مسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش).
اليوم يبحث الكتاب العرب والأجانب مآلات الحل في سورية. فمنهم من يعلق آمالا على تدخل واشنطن لتفرض حلا سلميا تحت البند السابع، يبقي سورية مقسمة، وكل جهة تحكم ما تحت يدها من مدن بموجب الأمر الواقع. وآخرون يتوقعون أن ينقلب ضباط علويون على بشار أسد بعد أن قُتل منهم خلق كثير، فيأتلفون مع من تبقى من ضباط سنيين ألجأهم الراتب أو الخوف، إلى البقاء في جيش بشار. وبالمناسبة يعتقد هؤلاء أن واشنطن سترتب لانقلاب كهذا، وينسون أن واشنطن هي من دعم بقاء بشار حين اهتز كرسيه تحته من ضربات الثوار.
الأكيد أن الشعب الذي يعيش داخل سورية لن يرضى أن يتعايش مع من تسبب بقتل ربع مليون سوري. فلم يبق بيت إلا قتل من أهله واحد أو أكثر. والفصائل المقاتلة كلها صنفتها واشنطن تحت بند الإرهاب، وأي مقاتل يعرف أن إلقاء سلاحه يعني ذهابه إلى محكمة لاهاي ليحاكم بصفته إرهابيا.
يعتقد السوريون أن «تنظيم الدولة» وزعيمه أبو بكر البغدادي سيضمحل كسحابة صيف مهما عظم خطره. وأنه لا يستطيع أن يمتلك حاضنة شعبية تجعله يطمئن كأنه يعيش بين عشيرته، التي تدفع عنه تكالب أعدائه. أما الفصائل المقاتلة الأخرى بما فيها جبهة النصرة فستترسخ داخل محيطها لأن أفرادها جزء من الشعب السوري، وسيأتي يوم على بشار الأسد لينفض عنه مناصروه ويعودون إلى جبل العلويين. وحين يذهب إلى المطار ليغادر سورية فلن يجد الوقت كي يقول إلى لقاء، أما ما سيتبقى من كتائب علوية ناصرته، فلن يكون أمامها إلا الصلح مع الكتائب السنية المقاتلة، وعندها لن يكون لواشنطن ما تفعله إلا التسليم بما اتفق عليه السوريون.
قد يقول قائل هذه أضغاث أحلام، أما نحن فنقول هذا ما نعرفه عن سورية، قبل أن يفسد حافظ الأسد السلم الأهلي بين مكوناتها. قد يطول الأمر أو يقصر، لكن لا بد أن يدرك الجميع أن الحل يجب أن يأتي من الذين اكتووا بنار الحرب الأهلية، لا من واشنطن وطهران.
ثمّة انتقادات شديدة لإدارة أوباما، من الأميركيين أنفسهم، ومن العرب، والسوريين خصوصاً، لجهة عدم اتخاذ قرار حاسم يتعلّق بمصير رأس النظام السوري، وإطلاق الحبل له كي يدّمر سورية، وأن ذلك فتح الباب على مصراعيه لرياح التطرّف والإرهاب والاحتراب الأهلي. وهذه الانتقادات في محلّها. وثمّة تحليلات كثيرة تناولت تباطؤ إدارة أوباما، بل تورّطها غير المباشر، في إطلاق يد الأسد، ومن خلفه إيران وروسيا، في المنطقة.
ويرى كثيرون أن أحد أبرز حوامل الموقف الأميركي «انعدام البديل» ضمن المعارضة السوريّة التي يمكنها الحلول محلّ نظام الأسد. ذلك أن فساد وتشتت وتخبّط قواها هي ما لا حاجة لشرحه. لكن صحيح أيضاً أن الغرب، وواشنطن تحديداً، لم تهتم بالمعارضة السوريّة ودعمها، حتّى في مراحل اشتداد الخلاف بين نظام الأسد الأب والغرب، في السبعينات والثمانيات، أو بعد وفاة حافظ الأسد عام 2000، ولا حتّى مع ارتكاب نظام الأسد الابن جرائمه في لبنان وفي العراق!. ذلك أنه لو كان إسقاط نظام الأسد الأب أو الابن نصب عين أميركا، لأعدّت العدّة لذلك، منذ سنوات، وهيّأت البديل، أو أعادت تأهيل المعارضة السوريّة لتكون البديل!. وهذا فيما المعارضون السوريون سقطوا في مستنقع المزايدة العروبيّة والوطنيّة على نظام الأسد، ورفضوا الاتصال بالغرب، لئلا يتمّ اتهامهم بأنهم كالمعارضة العراقيّة التي أتت إلى السلطة على متن الدبابة الأميركيّة. وهذا علماً بأن هذه المعارضة كانت تعلم أنه من عاشر المستحيلات الوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع!
وهذا ما يعني أن هذه المعارضة لم تكن آنذاك معارضة هدفها تغيير النظام والوصول للحكم، بقدر ما كان هدفها إقناع النظام بوطنيّتها، وأنها تستحق أن تشارك في السلطة وتكون جزءاً من النظام!. وهذا ما كان يرفضه نظام الأسد الأب، وما زال يرفضه نظام الأسد الابن.
وحتى بعد مرور سنة تقريباً على الثورة السوريّة، وتكشير الأسد عن أنيابه ومخالبه، كانت المعارضة السوريّة خجلة جداً من الإفصاح عن رغبتها في التدخّل الأجنبي الفوري والعاجل لإنقاذ البلاد والعباد من التوحّش الأسدي!. وبدأت المعارضة تجهر بهذا المطلب فقط «بعد خراب بصرة»، أي حين أصبحت القضيّة السوريّة في موقع ثانٍ أو ثالث أو رابع في مسلسل الاهتمام العالمي، بعدما استأثرت «داعش» و«النصرة» و«القاعدة» بجلّ تركيز واهتمام الغرب وواشنطن.
ويمكن النظر إلى المشهد من زاوية أخرى، قياساً بالوقت الذي استغرقه اقتلاع نظام صدام حسين. فجورج بوش الأب كان بإمكانه خلع صدّام عام 1991، بعد حرب تحرير الكويت، عبر تقديم الدعم الفوري والمباشر، العسكري والسياسي واللوجستي، للانتفاضة الشيعيّة - الكرديّة التي اندلعت في نفس العام، والحؤول دون ارتكاب صدّام المذابح بحقّ الشيعة والكرد العراقيين!. لكنه لم يفعل ذلك. إدارة بيل كلينتون أيضاً، وجّهت ضربات جويّة وصاروخيّة لنظام صدّام، ولكنها أبقته حاكماً للعراق وشعبه تحت رحمة الحصار المفروض عليه وعلى العراق الذي أهلك نحو مليون عراقي. كل ذلك وصولاً إلى آذار (مارس) 2003، وحلول ساعة الإطاحة بنظام صدّام إبان إدارة جورج بوش الابن.
وعليه، مخطئ من يقول إنه لو كان جورج دبليو بوش الآن في البيت الأبيض، لكان أطاح بنظام بشّار الأسد. ومخطئ من يقول إنه لو كان أوباما في البيت الأبيض عام 2003، لكان أبقى على صدام حسين. فالمسألة ليست أمزجة أشخاص أو أحزاب تقود أميركا، بل مقتضيات المصلحة السياسيّة والاقتصاديّة الأميركيّة بالدرجة الأولى.
غالب الظنّ أن السيناريو العراقي، لجهة التعاطي مع نظام صدّام، ينتظر نظام بشار الأسد أيضاً. مع اختلاف مدّة بقائه في مكانه. فمن غير المعقول أن تقوم الإدارة الأميركيّة ببدء تشكيل معارضة سوريّة مسلّحة (معتدلة) وتخصص لذلك برامج وموازنة، وفي الوقت عينه، تحاول الإبقاء على نظام الأسد، إلى الأبد، عبر عقد الصفقات مع ملالي إيران!؟. إذ لن تكتفي واشنطن بتحريك ملف المحكمة الدوليّة الخاصّة بلبنان، ولو على نار هادئة وحسب، بل ثمّة ملف جرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد، خلال السنوات الأربع الماضية، مما يمكن تحريكه لملاحقة الأسد.
بتقديري، تنتظر سورية سنوات أكثر دمويّة وقتامة وبؤساً، ولن تنتهي هذه السنوات بإسقاط نظام الأسد، بحيث تكون سنوات الاحتراب الأهلي - الطائفي أشدّ وطأة من سابقاتها. وربما يلزم سورية نحو عقدين حتى تجد الأحوال طريقها إلى الاستقرار والخروج من هذا النفق الكارثي، الذي لا مناص منه. وبعد أن تتحوّل «سورية الأسد» إلى أكوام من الخراب والركام، قد يتمّ البدء بمشروع مارشال غربي - خليجي لإعادة إعمارها. والسؤال: كم من السنوات يلزمنا، وعبر كم مشروع مارشال سياسي، اجتماعي، ثقافي، تربوي ونفسي، حتى نعيد ترميم وبناء الأنسجة الوطنيّة والثقة والأمل بالتعايش الوطني المشترك بين المكوّنات التي تصارعت في مستنقعات الأحقاد والكراهيات على مدى سنوات؟!.
الترحيب الأميركي بالغارات الإيرانية على مواقع تنظيم «داعش» في العراق ومقابلة مجلة فرنسية مع بشار الأسد وإعادة فتح السفارة السورية في الكويت، إشارات قد تكون بسيطة وغير مرتبطة ببعضها، لكنها لا تنفصل عن المفاوضات الأميركية – الإيرانية الجارية ولا عن المآلات التي انتهت إليها الثورات العربية.
بعد أربعة أعوام من بداية الثورات، يمكن القول بقدر من الثقة أن موازين القوى الاجتماعية والداخلية في العالم العربي قد مالت إلى غير مصلحة التغيير العميق الذي تتطلبه الثورة كمفهوم ومسار. انحازت أكثرية المصريين إلى الخيار السلطوي المألوف ورفضت مغامرات «الإخوان المسلمين» وتبنى التونسيون خياراً مشابهاً مع بعض التحسينات، وغرقت ليبيا في صراعاتها الجهوية والقبلية، فيما وقع اليمن في قبضة النفوذ الإيراني الذي يسيّر ممثلوه وضباطه يوميات الحرب في سورية.
تركت الثورات آثاراً عميقة على المجتمعات العربية ولن تُمحى من الذاكرة قريباً لا صور الملايين المحتشدة في الميادين مطالبة بالكرامة والعدالة ولا صور زبانية الأنظمة الذين صوبوا أسلحتهم إلى صدور المتظاهرين العزل. ستظل مفارقات الثورات العربية وتناقضاتها ومصائر المشاركين فيها حاضرة في وعي الشعوب العربية على امتداد عقود طويلة. وستظل كذلك الإخفاقات الكبرى لهذه الثورات في نقل المجتمعات نحو سوية أرقى اجتماعياً وسياسياً، من الدروس الكبرى في فهم مجتمعاتنا وشعوبنا وطرقها في تحديد مصائرها وتصوراتها للمصائر هذه.
يجوز إلقاء اللوم على قسوة الظروف المحيطة بالثورات التي وقعت في زمن أزمة عالمية تمثلت في غياب القيادة والانكفاء إلى أضيق التعريفات للمصالح الوطنية، على ما ظهر من تعامل القوى الدولية مع آمال الشباب العرب.
ويصح كذلك النظر إلى عجز الثورات عن تحقيق شعاراتها الأولى من خلال ضراوة التدخل الخارجي، الأميركي والإيراني والتركي، وإلى تعارض قيام دولة عربية ديموقراطية وحديثة مع المصالح الإسرائيلية (على ما يُفهم من التمسك الإسرائيلي بالأسد ونظامه). بيد أن تاريخ هذه المنطقة هو سلسلة من التدخلات الضارية والصراعات التي لم يبدِ أي طرف منها وعلى امتداد الأجيال، أي رحمة أو رأفة بأعدائه.
وليس الترحيب الأميركي بالغارات الإيرانية أو المقابلة مع الأسد وسواهما إلا من العلامات على بدايات تطبيع دولي مع الوضع القائم بذريعة أن العالم الذي لم يساعد على نجاح الثورات العربية، لن ينتظر وقتاً أطول لظهور نتائجها وأنه على استعداد لاستئناف سيرته الأولى من التعامل مع الأمر الواقع والحوار مع «الشيطان الذي نعرفه» بغية استخراج الفوائد المرجوة منه.
وسيان، من هذا المنظور، أن يكون النظام الإيراني قد سيطر على العراق واليمن ولبنان وسورية أو أن تكون أيدي مسؤولي النظام السوري ترشح دماً من مئات آلاف الضحايا الذي سقطوا في ملحمة المقاومة الأسطورية لحكم الأقلية العائلية المسلحة.
ولا تحرك صور الأطفال الذي قضوا تحت أنقاض مباني حلب ببراميل الممانعة مشاعر أحد في «المجتمع الدولي»، ولا تقول معاناة ملايين السوريين الذين قُطع عنهم الغذاء في مخيمات الشتات شيئاً لعالم بارد لا يرى إلا بعيني مصالحه وعلى استعداد دائم للتحالف مع من يحميها ويوفرها.
في المقابل، إذا كانت هذه الثورات قد كشفت هول الخراب في مجتمعاتنا ومدى نفاق ولامبالاة العالم، فذلك سيكون مقدمة لأنواع جديدة من الحراك والاعتراض اللذين سيستمران لآماد طويلة.
أهداف الزيارة التي قام بها السيسي إلى فرنسا عديدة، فقد أراد الرجل تغطية أوروبية لتدخله العسكري السافر في ليبيا، وأرد أن يظهر نفسه بصورة المدافع عن قيم العلمانية وتشاركه مع الغرب في الحرب على الإرهاب حيث يدعي الرجل أنه يقاتل مجموعات إرهابية في شمال سيناء. إضافة لمحاولة الفريق المنقلب محاصرة تركيا، وتحجيم دورها في المنطقة.
كما شكلت المواضيع الاقتصادية والعسكرية جانباً هاماً من نقاشات الجانبين، حيث أسفرت عن توقيع عقود بملايين اليوروهات، والاتفاق على دعم عسكري فرنسي للسيسي في مجال البحرية والطيران، إذ تنوي فرنسا تزويد الجيش المصري بأربعة زوارق «غويند» وتجديد الأسطول الجوي بطائرات الميراج.
لا يفاجئنا الأسلوب الفرنسي في التعامل مع القضايا العربية والإسلامية، وما هذا بجديد على السياسية الفرنسية التي كانت على الدوام داعماً للدكتاتوريات العربية والطغمة العسكرية في بلادنا. وأولاند الذي استقبل السيسي بالترحاب وبالغ الحفاوة، لا يختلف كثيراً عن ساركوزي الذي استقبل بشار الأسد بالسجاد الأحمر، وهو بدوره لا يختلف عن جاك شيراك، الذي أطلقت مدفعيته إحدى وعشرين طلقة في استقبال حافظ الأسد.
بالعودة إلى الملف السوري، فهناك نقطة هامة وحساسة استقبل بها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، الجنرال الفريق المنقلب على الشرعية في مصر عبد الفتاح السيسي، وهي الحديث عن محاربة تنظيم الدولة قبل محاربة الأسد، وإنني أجزم أن وسائل الإعلام العربية قصدت تجاهل تلك القضية الخطيرة، بسبب الموقف العالمي المهادن للأسد، والذي وصل أخيراً حد تشكيل تحالف دولي لضرب بعض المناطق المدنية في سوريا تحت ذريعة محاربة الإرهاب.
المؤكد أن الرئيس الفرنسي كان مستعداً لمجاملة السيسي على حساب الشعب السوري، ولهذا أكد عند استقباله، على ضرورة التوصل إلى حل سياسي في سوريا حتى «لو كنا مضطرين في البداية الى مكافحة «إرهاب» الدولة الاسلامية». ولا يخفى أن هذا التصريح يطابق إلى حد بعيد طريقة تفكير السيسي، الذي يريد أن يحارب «الإرهاب» في سيناء، وليبيا، والعراق، وسوريا أيضاً، وأعتقد أن شرح معنى كلمة الإرهاب عند السيسي لا يحتاج إلى مجهود كبير، فالمقصود به محاربة رغبة الشعوب العربية في التحرر من نير الدكتاتورية، وهذا ما لا يرضاه الرجل، وما لا ترضاه فرنسا أيضاً، فالتحرر من التسلط يُسقط السيسي وكثيرين مثله كما يعصف بتبعية الدول العربية للغرب والولايات المتحدة.
تصريح الرئيس الفرنسي حول البدء بمحاربة تنظيم الدولة، يعد أولاً تخلياً صريحاً عن كل التلفيقات السابقة التي ادعتها فرنسا حول الشعب السوري وضرورة حمايته، إذ توافق باريس اليوم بوضوح على ترك الأسد في هذه المرحلة يقتل السوريين كيف يشاء بصواريخ سكود والبراميل المتفجرة.
كما يعد التصريح تراجعاً عن الموقف الذي أبداه أولاند في الشهر الماضي إثر زيارة أردوغان للإليزيه، بأن باريس ترى ضرورة محاربة تنظيم الدولة والأسد معاً. كما يعد مجاملة للسيسي على حساب تركيا أيضاً، ذلك أن التعبير عن الموقف السابق تم خلال زيارة الوفد التركي إلى باريس.
دخول بيرنارد كوشنير، وزير خارجية فرنسا الأسبق إلى عين العرب في سوريا، قبل يوم واحد من زيارة السيسي لباريس، دون علم الثوار أو الائتلاف، وتأييده المكشوف للحكم الذاتي شمال البلاد، يفضح الموقف الفرنسي من الثورة السورية، فقد جاء الرجل ليرسخ فكرة تقسيم الأراضي السورية.
بكل حال، ساندت فرنسا ولا تزال، الدكتاتوريات في العالم كله، وافتخر أولاند بدعم الأقليات في العراق وسورية مشيراً للأكراد واليزيدية، وتلك هي السياسية الفرنسية التي تستغل الأقليات وتألب بعضها لإفساد البلاد واستغلال ثرواتها، أما الأكثرية التي يقتلها بشار الأسد فلا تحظى بالدعم الفرنسي، ولربما تنتظر باريس أن نصبح أقلية في بلادنا، وإنني لأعتقد أنها تنتظر ذلك بفارغ الصبر، غير أنها لن تدعمنا أيضاً.
تجري عدة أمور سلبية وعلى أصعدة مختلفة في سوريا. وأبرز هذه التطورات وآخِرها ما صار يُعرف بمبادرة دي مستورا للتهدئة في مناطق أولها حلب. لكن هناك أيضا تقدم النظام البطيء في بعض المناطق بريف دمشق والغوطة بمساندة من حزب الله. وهناك الحركة الروسية الغامضة باتجاه «جنيف 3» أو «موسكو - 1». وهناك استمرار الجدل الأميركي - التركي بشأن المنطقة الآمنة بشمال سوريا. وهناك أخيرا وليس آخرا تقدم جبهة النصرة على فصائل المعارضة الأخرى خارج مناطق «داعش». وهذا تطور سلبي لا ينبغي تجاهله ولا شك!
أول المشاهد أو التطورات غير الواعدة ولا شك هو ازدياد فظائع النظام بالبراميل المتفجرة وبصواريخ سكود، وبعودة المذابح ضد المدنيين. فحتى عندما تقصف طائرات النظام «داعش» بالرقة أو دير الزور تتعمد أو لا تتعمد إصابة المدنيين، فالذين يقتلون من «داعش» بقصف النظام قليلون، وهو قصف بدأ قبل 5 أشهر فقط. وعدم إصابة «داعش» قد لا تكون متعمدة باعتبار أن التنظيم صار يخفي مراكزه بعناية خوفا من ضربات قوات التحالف الدولي. إنما الطريف هو تطور الموقف إلى حد أن النظام صار يقاتل بالطائرات في المناطق ذاتها التي تقاتل فيها طائرات التحالف الدولي، دونما احتجاج أو اعتراض من جانبهم. وكان الجميع قد ظنوا بعد بدء الهجمة على «داعش» في سوريا، أن حرب الطيران من جانب النظام قد انتهت. ثم تبين أن أوباما ما اتفق مع الروس فقط؛ بل وطمأن الخامنئي في رسائل سرية إلى أنه لن يتعرض للنظام السوري، وأنه سيكافح معه الإرهاب في العراق وسوريا. وعلى أي حال، ودون المزيد من الاستطراد؛ فإن الأعداد الرسمية للقتلى في سوريا تقترب بالفعل من ربع المليون. أما المهجَّرون فصاروا بالفعل أكثر من 10 ملايين. وقد ذكرت مفوضة الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة أموس أن المهجَّرين بلغوا 13.6 مليون، وأن 12 مليون سوري وعراقي بالداخل والخارج يحتاجون للمساعدة العاجلة من الجوع والصقيع!
ولنمضِ إلى دي مستورا والحركة الروسية. دي مستورا قال إنه يريد إنقاذ حلب بترتيب وقف لإطلاق النار هناك، يمكن إن نجح أن يمتد لمناطق أخرى. بيد أن الشيطان في التفاصيل. فقد تبين أن ما يقصده لا يختلف جوهريا عما جرى بحمص. وما جرى بحمص خروج لبقية المقاتلين، وعدم السماح للسكان بالعودة بحجة أن المباني مدمرة أو ملغومة. وهذا شبيه بما يجري الآن بالعراق. فالمناطق التي تستعيدها الميليشيات الشيعية بمساعدة الطيران الأميركي، يهجر منها السكان أو يقتلون، أما الذين هربوا من «داعش» فيمنعون من العودة بحجة أن «داعش» يمكن أن تتسلل معهم عائدة إلى أمرلي وجرف الصخر!
هل لخطط دي مستورا علاقة بالمبادرة الروسية؟ يبدو أن إحداها تكمل الأخرى. وكنا قد اعتبرنا الكلام الروسي جديا عندما رأينا أن وزير الخارجية السعودي زار موسكو، وهو أمر لم يفعله منذ زمن طويل. ثم زارها المعارضون القوميون واليساريون السابقون. وزارها معاذ الخطيب رئيس الائتلاف السابق، والذي صار «معتدلا». وأخيرا زارها وزير الخارجية السوري بصحبة بثينة شعبان بالطبع! ولو تجاوزنا تصريحات السوريين بعد لقاء لافروف أن الطرفين يتعاونان في مكافحة الإرهاب، فإن المفهوم أمران: أن هناك فهما مشتركا بين الروس والسوريين (وربما الأميركيين) لجنيف - 1، وأن المقصود تصفية المعارضة المسلحة، من طريق إعطاء المعارضين السياسيين بعض المناصب ما تلبث أن تذوب كما ذاب «الربيع السوري» (2001 - 2004)، ومن طريق إلحاق كل المسلحين بإحدى خانتين: خانة المتطرفين والإرهابيين، أو خانة قطاع الطرق.
إن الأمر الذي يجري السير فيه بقوة وسرعة الآن هو إدخال المعارضة المسلحة بالفعل في خانة التطرف والإرهاب. وهذا المنزع يعمل عليه الروس والإيرانيون بقوة، بعدم الإغارة على المناطق التي تسيطر عليها جبهة النُصرة وجبهة ثوار سوريا، وبعض التنظيمات الحليفة لهم - واندفاع جبهة النُصرة من جهتها للاستيلاء على مناطق الثوار الآخرين. جبهة النُصرة، أفادت عام 2012 مثل «داعش» من النظام السوري بإطلاق مئات من السجون، والدفع إلى المناطق التي كان المسلحون الآخرون قد سيطروا عليها لانسحاب قوات النظام منها تركيزا على المدن والبلدات الكبرى. وفي عام 2013 أعلنت جبهة النُصرة عن الانتماء لـ«القاعدة» (قاعدة الظواهري). وما غيَّر ذلك من سياسات النظام تجاهها، إلى أن اشتبكت كما هو معروف مع «داعش» التي انشقت عن الظواهري وأقامت «الدولة الإسلامية في العراق والشام». النصرة تجنبت في البداية الاشتباك مع الثوار الآخرين بقدر الإمكان، بل وتعاونت معهم ضد «داعش»، وضد قوات النظام (دون المناطق التي فيها حزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى). لكن الضغوط اشتدت عليها أخيرا من جهتين: جهة إغارة الأميركيين عليها عندما أغاروا على «داعش» في سوريا. وجهة صعود مطامح التنظيمات الأخرى الداخلة وغير الداخلة في الجبهة الإسلامية للدخول في عداد التنظيمات المعتدلة التي يعينُها الأميركان والأتراك وبعض الدول العربية! ولذلك فإن جبهة النُصرة التي لم تتفق مع «داعش» حتى لا تذوب فيه وفي مشروع الدولة، اتجهت للعمل الأسهل وهو المزيد من الاستيلاء على مناطق الموسومين ذاتيا أو من الغير بأنهم من المعتدلين. وقد أُذيع أخيرا أن النُصرة استولت على تلبيسة (البلدة الكبيرة جانب حمص)، كما أنها هي السائدة في بلدة الشيخ مسكين التي سيطرت عليها قوى المعارضة أخيرا بمنطقة درعا باتجاه دمشق وريفها. وكانت جبهة النُصرة قد استولت على مناطق المعارضة (جمال معروف) في ريف إدلب، ساعة بحجة أنهم أميركيون، وساعة بحجة أنهم قتلة وقطاع طرق. وفي المقابل اتهم جمال معروف الجولاني زعيم النصرة بأنه إيراني وأسَدي! لماذا نخوضُ في هذه التفصيلات؟ لأن استيلاء النُصرة على المشهد ضمن المعارضة المسلحة، يجعل من النظام السوري بديلا وحيدا عن «داعش» والنُصرة معا. باعتبار أن النُصرة من «القاعدة»، و«داعش» قاعدة وزيادة في سوريا والعراق. فسواء أكانت النُصرة مندفعة ضدّ المعارضة المسلّحة (المعتدلة) لأنها هوجمت منهم، أو لأن الأميركيين والإيرانيين والنظام دفعوها لذلك بطرائق غير مباشرة؛ فإن المشهد المسلح إن استمرت التطورات فيه على هذه الشاكلة لعدة أشهر؛ فإن الناتج سيكون الانفصال الكامل بين الائتلاف أو القيادة السياسية بالخارج من جهة، والمشهد المسلح الذي تسيطر عليه النصرة بالداخل من جهة ثانية! وإذا سار النظام بالمشهد الشكلي الذي يريده دي مستورا والروس فلن يبقى أي حائل دون اعتبار النظام بديلا وحيدا لنفسه! والخطورة ليست في قبول النظام للترتيبات الروسية و«المستورية»؛ بل في دخول الإيرانيين والأميركيين على هذا المسار، فالآن لإيران علاقات في المعارضة السياسية السورية، وعلاقات بالداخل السوري المسلح ومن ضمنه جبهة النصرة!
رياح سياسية ساخنة تهب على سوريا وتلفح بعض أوجهها، ويأتي هذا الهبوب على نمط سلسلة من المبادرات على خط الأزمة، تكشّف منها حتى اللحظة التحرك الروسي وخطة مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا، بالإضافة إلى حراك سري تجريه القاهرة مع طرفي الأزمة.
ويكشف تفحص هذا التحرك عن وجود سياق واحد له مقاربة معينة، وتقوم آلية عمله على التمفصل في أكثر من حكومة ومنظمة ودولية، بحيث يشكل قطعا متعددة تعمل كل واحدة منها على جزئية معينة، فتتخصص روسيا بالبنية السياسية التمثيلية لأطراف الأزمة وتهيئتها لولوج التسوية، فيما تركز القاهرة على إيجاد حاضنة إقليمية لها، بالتوازي مع تركيز دي ميستورا على الترتيب العملاتي عبر تكتيك الهدن "تجميد النزاع " بين الأطراف المتقاتلة، على أن يصار في النهاية إلى جمع هذه الأجزاء وصياغة حل نهائي للأزمة.
تتقاطع هذه التحركات مع النهج الأميركي في المنطقة، وإن لم تتفق معها على صيغة واحدة محددة، إذ تعتبر أنه طالما أن واشنطن تصوغ موقفها في المنطقة انطلاقا من أولوية الحرب على إرهاب التنظيمات المتطرفة فهي تتلاقى معها عند هذه النقطة الجوهرية، وإذا كان هناك خلاف في تفاصيل العمل فالأمر قابل للتفاهم ما دامت الصيغة لم تزل في طور التظهير والبناء.
"تتقاطع التحركات الحالية مع النهج الأميركي في المنطقة، وإن لم تتفق معه على صيغة واحدة، فطالما أن واشنطن تصوغ موقفها في المنطقة انطلاقا من أولوية الحرب على إرهاب التنظيمات المتطرفة فهي تتلاقى معها عند هذه النقطة الجوهرية"
غير أن تصريحات الرئيس باراك أوباما على هامش قمة العشرين التي عقدت في أستراليا تمهد لإمكانية الانخراط في هذا السياق، حيث قال "نريد حلا سياسيا يرضي جميع الأطراف الداخلية، والأطراف الخارجية على حد سواء، وسيضطر الشعب السوري للقيام بتفاهمات سياسية مع كل من تركيا وإيران وكذلك الأسد، فهذا ما تمليه طبيعة العمل الدبلوماسي، ففي بعض الأحيان ستضطرون للدخول في علاقات دبلوماسية مع أناس وأنظمة لا ترغبون في التعامل معها".
وسرّبت مصادر تركية عن أن أوباما أعطى في لقاء له برئيس الوزراء التركي داود أوغلو "إشارة واضحة لأوغلو، مفادها تراجع الولايات المتحدة الأميركية عن سياستها تجاه سوريا".
مرجعية هذا السياق تتمثل بـ"مؤسسة الحوار الإنساني" وهي تتخذ من جنيف مقرا لها وتعمل في مجال حل النزاعات، وسبق أن توسطت المؤسسة في اتفاق بين الإسلاميين والعلمانيين قاد لتنظيم انتخابات سلمية في تونس. وفي أفغانستان تعمل على المفاوضات مع طالبان. أما في سوريا فإنها تسعى لترتيب وقف إطلاق نار محلي منذ العام 2013، وتأمل الآن في التوصل إلى اتفاق بين الثوار والأكراد السوريين.
بالإضافة لذلك فإنها تقوم بتقديم الاستشارات وإصدار تقارير حول بعض النزاعات المعقدة، وقد أصدرت تقريرا عن الحالة السورية تحت عنوان "خطوات لتسوية النزاع السوري" وينطلق التقرير من فرضية "أنه لا النظام ولا الثوار قادرون على هزيمة بعضهم الآخر، وأن هذه الحالة من الجمود الوحشي تخلق الظروف الملائمة لنمو داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) والنصرة".
ويحذر التقرير من أن "تنهار سوريا مثل الصومال"، لذا فالحاجة ملحة للحفاظ على الدولة" حتى لو كان ذلك يعني أيضا إبقاء الأسد في السلطة"، إذ إنه "من الأفضل أن يكون هناك نظام ودولة من عدمه"، ولجعل الأمر منطقيا ومقبولا لدى الجميع يروج القيمون على المؤسسة لقناعة مفادها "أن الجميع على نفس الدرجة من السوء، الأسد ومعارضوه، غير أن الأسد يمثل النظام ولا بد من قبوله على هذا الأساس"، وهي من هذه الزاوية تراهن على قبول الغرب لهذه المقاربة.
تقوم آلية العمل التي تطرحها المؤسسة على عكس المقاربات السابقة على طريقة التنفيذ محليا من الأسفل إلى الأعلى، بدلا من أن يفرض الأمر من الخارج من الأعلى إلى الأسفل كما طرح في مؤتمرات جنيف السابقة، "سوف يحكم المدن التي تتوصل إلى اتفاقات وقف إطلاق النار من جانب الحكومة أو الثّوار، كل حسب المنطقة التي يسيطر عليها.
ومع مرور الوقت، تشكل هذه البلديات حاضنة "الإدارة المحلية والسياسية" ويدفع المجتمع الدولي تكاليف إعادة الإعمار على أن يؤسس كيان يسمى "هيئة السلام وإعادة الإعمار"، الذي من شأنه تنفيذ اتفاقات وقف إطلاق النار المحلية وتكون بمثابة سلطة انتقالية، بحيث يرفع مسؤولو البلديات الجدد تقاريرهم، ليس للنظام ولكن إلى مؤسسة محايدة".
"خطة مؤسسة الحوار الإنساني تشرعن وضعية "أمراء الحرب" على طرفي الصراع، انطلاقا من التفسير الدولي لطبيعة الأزمة في سوريا والمائل إلى اعتبارها حربا أهلية وبالتالي تساوي المسؤوليات بين أطرافها"
ما مصير الأسد وفق هذه الخطة، وهو السؤال الأكثر جوهرية في الحدث السوري؟ التقرير يجيب بأن مصيره" "سيتقرر من قبل الشعب السوري" ففي أعقاب نهاية الحرب سيجرى إصلاح شامل للدستور، وانتخابات تحت إشراف دولي".
وبعيدا عن إغراء الجانب التقني للمقاربة وطريقة صياغتها الأكاديمية من قبل خبراء مختصين في حل النزاعات، وقد يكون ذلك البعد الإبهاري هو الرهان الأكبر على قبولها، فإنها تنطوي في التطبيق العملي على كمائن خطيرة تشكل ثقوبا واضحة في جسم هذه الخطة:
- فهي تشرعن وضعية "أمراء الحرب" على طرفي الصراع، وذلك انطلاقا من التفسير الدولي لطبيعة الأزمة في سوريا والمائل إلى اعتبارها حربا أهلية وبالتالي تساوي المسؤوليات بين أطرافها، وليس مصادفة هنا أن تتوقف وزارة الخارجية الأميركية عن دعم اللجنة الخاصة بالتحقيق بجرائم الحرب في سوريا.
- كما أنها تشكّل بداية تقسيم "ناعم" لسوريا، إذ ينطوي هذا الوضع على ترسيم المناطق التي تحت سيطرة الأطراف وتحويلها إلى عنصر تفاوضي أساسي ودائم، وهو الأمر الذي يناقض التكتيك الذي تنبني عليه المقاربة من تحويل الحالة إلى دينامية تصالحية شاملة، فهذا التكتيك الضعيف والساكن تلغيه جدلية الصراع المحتدمة.
- ولعل الخطورة الكبرى تكمن في إقرار المجتمع الدولي في حال تمرير الخطة بالرؤية الروسية الإيرانية لحل الأزمة، عبر تحويلها الثورة السورية، برموزها وتضحياتها، إلى مجرد حالة تمرد في بعض المناطق وإيجاد حلول موضعية لها من خلال تأمين بعض الحاجات الأساسية للمناطق المنهكة وتسوية أوضاع بعض المطلوبين في تلك المناطق، وبالتالي طي صفحة الثورة السورية بصفتها تحولا جذريا في قلب المجتمع، وإعادة النظام إلى سكة الحياة وتوفير كل الظروف المناسبة له لإعادة إنتاج ذاته!
تحاول المؤسسة ستر هذه العيوب من خلال تركيزها على مقولة الحفاظ على الدولة وعدم انهيارها وتحولها إلى كيان فاشل، وفي الواقع فإن الدولة السورية كانت فاشلة وفق معايير الفشل في السنوات الأخيرة قبل الثورة، وفشلها كان أحد أسباب الثورة فما بالك باللحظة الحالية، حيث يراد إعادة إنتاج الفشل بطريقة كارثية، فشل ممركب، احتلال خارجي "إيراني" مع قهر وفساد.
"لعل الخطورة الكبرى تكمن في إقرار المجتمع الدولي في حال تمرير الخطة بالرؤية الروسية الإيرانية لحل الأزمة، عبر تحويل الثورة السورية، برموزها وتضحياتها، إلى مجرد حالة تمرد في بعض المناطق وإيجاد حلول موضعية لها "
لكن هذا الطرح المغرق في الأكاديمية والمبهر من حيث الشكل يسقط من حساباته البعد الأخلاقي والقيمي في القضية السورية عبر الترويج لفكرة السماح للأسد بالبقاء في السلطة وهروبه من جرائم القتل، والقتل الجماعي الذي ارتكبه، ويراد لهذه الفكرة أن تجري عبر اتفاق دولي توافق عليه دول العالم وتقبل أن يحافظ كل على موقعه بانصياع وخضوع جبان!
كيف يمكن لعواصم دولية وإقليمية أن تقبل المشاركة بهذا النوع من عمليات التدليس والتبييض لأنظمة فقدت كل مبررات وجودها الأخلاقي مثل نظام الأسد واعتبار أن العدالة لم تعد مسألة مهمة وأنه من السهل التضحية بها على مذبح الاعتبارات والمصالح الجيوسياسية؟
ربما ليس أفضل من توصيف هذه المقاربة سوى كلام أندرو تابلر، الخبير في الشؤون السورية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إذ ينظر إلى الاقتراح باعتباره وحيا من نظام دمشق و"نداء للمجتمع الدولي لدعم ما تبقى من نظام الأسد".
ويبدو الأمر أكثر وضوحا إذا ما ربطناه مع جملة الأحداث الجارية في المنطقة، من المحاولات التي يجريها نظام الأسد للارتباط بالتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، إلى محاولة تمرير إيران لاشتراط تسهيل مفاوضاتها في الملف النووي بإبقاء بشار الأسد في منصبه، عند ذلك يتضح حجم الرهانات الكبيرة التي يحاول الأسد الاتكاء عليها وخشبة الخلاص التي ينتظر هبوطها عليه فيما تصل طلائع قوات المعارضة القادمة من الجنوب إلى مشارف دمشق.