مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٩ ديسمبر ٢٠١٤
بوغدانوف - دي ميستورا: هل نضج الحل السوري

ينصت كل الفرقاء في سوريا بشغف إلى حملة المبادرات لحل ما في سوريا. يجولُ ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، في العواصم مسوّقاً لخطة تتحرى مسارا تسوويا يرث ما أنجز على الورق في جنيف، فيما ستفان دي ميستورا، الدبلوماسي السويدي، يلوح بعلم الأمم المتحدة مدافعا عن مبادرته لتجميد القتال في حلب. لا شيء فوق العادة في السعي الروسي أو الأممي سوى أن الجميع يستمع، ومستعد لأن يستمعَ دون سلبية تحبط مساعي الساعين.

في رد فعل النظام السوري، كما المعارضة، قناعة مشتركة بعقمِ المقاربة العسكرية في حسم الأمور. لم تستطعْ دمشق من خلال الدعم العلني الروسي الإيراني المالي والعسكري والسياسي، ومن خلال التدخل المعلن من حزب الله وفصائل شيعية أخرى، أن تفرضَ رؤاها أو أن تسحقُ معارضيها. ثبتَ أن الحربَ كرٌ وفر، وأن الانتصارات التي يعلنها النظام نهاراً (كتلك التي تحدّث عنها رئيس الوزراء السوري في طهران) سرعان ما ينسفها حلول الظلام (سقوط معسكرات إدلب مؤخراً).

بالمقابل، بات واضحاً أن القوات العسكرية للمعارضة لا تملكُ القضاء على نظام دمشق، كما لا تملكُ خوض معارك على جبهات متعددة، بعد أن بدا أن النصرة وداعش يشكلان خطراً جديداً يتقاطع مع النظام لضرب المنجزات الميدانية للمعارضة المعتدلة.

بالمحصلة، لن يقبل النظام التنازل للمعارضة، لاسيما بعد أن استنفر العالم تحالفاته لضرب داعش والنصرة بما يرجّح موقف دمشق الرسمي المبشّر دوماً بمحاربته للإرهاب، فيما تتعرضُ المعارضة لحصار سياسي عسكري، لا يخفف منه ما يعلَن عن دعمٍ دولي لما هو في تلك المعارضة معتدل.

الجديد أن رواج داعش أدخل عاملاً عاجلاً يحرّك الأمم المتحدة كما روسيا. في التقاء التحرّكيْن ما يشبه السعي الواحد على مسارين، ذلك أن مبادرة بوغدانوف، كما مبادرة دي ميستورا، تنطلقُ من شرفة النظام (بوغدانوف يصرّح في دمشق أنه جاء للقاء القيادة الشرعية السورية) من حيث أن تجميد القتال، والانغماس في نقاش تفصيل ذلك، يلغي نهائياً البحث في العقدة الأساسية التي أجهضت جنيف 1 وجنيف 2 وأي جنيف آخر، وهي موقع بشار الأسد في التسوية النهائية.

في ذلك يبتعدُ النظام والمعارضة إلى أقصى النقيض. مجردُ طرح الفكرة كان وراء انهيار مهمة الأخضر الإبراهيمي وفشل مقارباته واستقالته، كما فشل المفاوضات اليتيمة بين نظام ومعارضة في جنيف أوائل هذا العام. فلا دمشق تقبلُ بنقاش موقع الرئيس في التسوية العتيدة، ولا المعارضة تقبل بغير رحيله.

تنصتُ دمشق إلى مساعي المبعوث الأممي. لا شيء تخسره ولن توافق على التخلي عن منجزٍ ميداني مكتسب. تناقشُ دمشق، من خلال دي ميستورا، عودة موظفيها إلى شرق حلب حيث تسيطر المعارضة، فيما تجميد المعارك في حلب يتيح لها نقل قواتها نحو مناطق صدام أخرى (الغوطة الشرقية مثلا) على ما تخشى المعارضة. بالمقابل تقارب المعارضة مشروع ميستورا بتحفظ وكثير من التساؤلات، على نحو يناقض التفاؤل الذي أعلنه الرجل بعد لقائه المعارضة في غازي عنتاب.

تخشى المعارضة من تدابير تقنية ميدانية لا يواكبها مشروع سياسي شامل، كما تخشى استغلال داعش والنظام لوقف المعارك للانقضاض على مناطق المعارضة. ثم أن المعارضة تشكو من غياب التفاصيل وضبابيتها حول الجهة الضامنة والمرجعية بعد فشل محاولات عربية أممية سابقة لمراقبة الاتفاقات.

في حركة وليد المعلم بين موسكو وطهران، وفي حركة دي ميستورا وبوغدانوف على من يهمه الأمر في العالم والإقليم، ما يوحي بجدية ما يستورد حديثا من بضاعة أممية روسية لتنشيط ورشة حل. في تجوال الموفد الأممي في أوروبا ما يفرج عن أزمة أوروبية – أميركية في أن لا مكان للأسد في التسوية المقبلة، فيما لندن، كما باريس، تحذّر مما تخشاه المعارضة بشأن خطر استغلال النظام لدي ميستورا، وخططه لتحريك قواته بشكل مريح.

واضح أن تنظيم داعش يتقدّم بصفته خطراً مشتركاً يعجّل في قلب التحالفات الدولية والإقليمية. داخل المعسكر الدولي لمكافحة تنظيم البغدادي تنشطُ دول إقليمية بمستويات متفاوتة. واشنطن تعترفُ بمشاركة عسكرية إيرانية في ضرب مواقع لداعش في العراق، فيما دولٌ عربية مناوئة لإيران تشاركُ الحلف الدولي قتال داعش. بدا من تقديرات الخبراء أن داعش بات خطراً جدياً يهددُ النظام الجيواستراتيحي برمته، ما يستدعي، ربما، هذه العجالة الروسية الأممية للإعداد لحل في سوريا.

مفتاحُ الحل مصيرُ الأسد في التسوية المقبلة. لا شيء معلن في هذا الصدد في موسكو وطهران، لكن ما هو غير معلن، وبعضه مسرّب، يتحدث عن تبدّل في مواقف العاصمتين بما يوحي ببدء القبول بنقاش دور أو لا دور للأسد في التسوية المقبلة. على أن السيناريوهات ما زالت مجمّعة على دور يتراوح بين الأساسي والمؤقت للرئيس السوري، فيما السيناريوهات المؤقتة تتحدثُ عن دور انتقالي يتراوح ما بين 6 أشهر وسنتين.

لا تملكُ المعارضة طرد الأسد من الحكم، لكنها تملك تعطيل أي تسوية لا تضمن ذلك. بدا أن المعارضةَ صارت مقتنعة بالتسوية التي تخلط حلا تشارك فيه المعارضة كما النظام بعد إبعاد نواته وشخصياتها المتورطة بالدم (لاحظ تصريحات زهران علوش قائد “جيش الإسلام”). استمع بوغدانوف كما دي ميستورا للمعارضة في تركيا، لاحظوا الحذر والتحفظ والقلق. لكنهم لاحظوا أيضاً ما يشجّعهم على المضي في ورشاتهما.

تتأسسُ المقاربتان على صمت أميركي يشبه القبول. الموقف الأميركي الرسمي الروتيني يُحمّل الأسد مسؤولية رواج داعش (وفق كيري على سبيل المثال لا الحصر) ولا يريده جزءا من الحل المحتمل، بالمقابل لا تقترب نيران التحالف ضد داعش مما يهدد أو يقوّض قوة دمشق. لا تريد واشنطن أن تُغضبَ أو تستفزَ طهران في سوريا، فتترك للدبلوماسييْن الروسي والأممي مقاربة الأمور بما تيسّر. في السلوك الأميركي ما يشبه الاستسلام للرؤى الروسية (الإيرانية) في الشأن السوري، فيما الحليف الأوروبي يواكب المسعى الروسي ويعمل على تصويبه بما لا يشكل اختراقا للمسلمات الغربية في الشأن السوري (ينبغي تأمل الأنباء التي تحدثت عن احتمال إعادة إيطاليا رئيسة الاتحاد الأوروبي لسفارتها في دمشق). وفيما يروق للبعض أن ترى في مبادرة دي ميستورا وجهاَ آخر لمبادرة موسكو، فقد يجوز تأكيد ذلك، ويجوز قراءتها، وتلك الروسية، بأنهما متسقتان مع مقاربة الولايات المتحدة في الشأن السوري (لاحظ جهود المشرف الأميركي على الملف السوري السفير دانيال روبنشتاين في التأثير على خطط لجمع المعارضة في موسكو منتصف الشهر المقبل).

مبادرة بوغدانوف ودي ميستورا خطان متوازيان يلتقيان بإذن واشنطن. تولّت روسيا تفكيك الترسانة الكيميائية السورية حين أرادت الولايات المتحدة ذلك، وهي اليوم تتحرك وفق نفس الروح، وتذهب هذه المرة للتبشير بحوار بين دمشق وواشنطن في العاصمة الروسية (حسب بوغدانوف). لا تملك موسكو النفخ برياح ضد الأشرعة الأميركية في اليم السوري، ذلك أن العقوبات الغربية المتصلّة بالأزمة الأوكرانية (لاسيما إفراج الكونغرس عن “معدات قاتلة” لأوكرانيا)، معطوفة على التراجع المقلق في أسعار النفط، وانهيار سعر الروبل لا يتيح للكرملين هامشاً مريحاً لممارسة العناد.

لا تغيب دول الخليج عن أجواء المبادرات. ثلاث ساعات من المداولات بين دي ميستورا وسعود الفيصل تعكسُ اهتماماً سعودياً بنقاش مسعى “حلب أولاً”. يذكّر المراقبون أن همّة بوغدانوف أتت بعد زيارة وزير الخارجية السعودي لموسكو الشهر الماضي. وتتردد أنباء عن جهد أردني مصري مشترك لتسويق التسوية لدى دول الخليج (قد تعبّر عنه زيارة الرئيس السيسي لعمّان). أصحاب المبادرات يدركون أن تمرير التسوية العتيدة لا يمكن أن يمر دون مباركة خليجية تركية، ما زال الخليجيون بعيدين عن هضمها، كما تكشفُ تصريحات وزير الخارجية التركي (مولود شاوش) قبل أيام في طهران كم أن أنقرة ما زالت بعيدة عن رؤى طهران (وموسكو) في مقاربة الشأن السوري.

منذ تبشير معاذ الخطيب بالحلِّ الروسي، وموسكو هي قِبلة النظام والمعارضة على طريق التسوية العتيدة. تعمل موسكو على نسج ثوب سياسي لورشة دي ميستورا الميدانية. لا يعمل الأخير على تجميد القتال فقط (حلب أولا)، بل يبشّر بإدارة مشتركة، بين نظام ومعارضة للمناطق التي يشملها الاتفاق. ربما يسعى الرجل إلى إرساء نموذج محليّ محدود لحلّ يتمدد ليكون شاملاً. أما ضمانات ذلك على حدّ تعبير دي ميستورا فهي على عاتق “الله”، ذلك أن عجز البشر عن الخروج بالترياق يحتاج إلى كثير من الدعاء، وربما استسلام لما هو قدر.

اقرأ المزيد
١٩ ديسمبر ٢٠١٤
سياسة ترقيع أميركية

كارثة سياسية واقتصادية وإنسانية، لم يعرف لها العالم مثيلاً من قبل، كارثة لم تقتصر على سورية، بل تجاوزت ذلك إلى دول جوارها، ليكون الرئيس السوري، بشار الأسد، صاحب الصفحة الأكثر سواداً في التاريخ العربي الحديث. الكارثة التي أصابت سورية والجوار لم تكن إلا تراكمية مناورات قاتلة، من أجل الحفاظ على السلطة، ويبقى الحديث عن مسوغاتٍ، من قبيل المؤامرة وشرك الثورات التي ما هي في الحقيقة سوى فخاخ، الغاية منها النيل من هذه الأنظمة المقاومة والممانعة، مثلما يحب أو يحلو لبعضهم التوصيف، متناسين أن المؤامرة الجوهرية على الشعوب هي وجود مغامرين يقايضون بقاءهم في السلطة، ولو على حساب كوارث سياسية. أثبت التحالف الدولي على الإرهاب فشله، وازدادت الأزمة الاجتماعية والإنسانية والمعيشية حدة، وباتت تنذر بما يشتهيه النظام، وبات التحالف أمام البنى الأهلية السورية، تحديداً السُنة، أصحاب المظلومية منذ قدوم الحكم العلوي إلى سورية، في بداية ستينيات القرن المنصرم، الحامي الأول والأخير للنظام. لذلك، لا بد للتحالف الدولي لصرف أنظارهم عن إيجاد حاضنة شعبية للتطرف، من الاشتغال على القضاء على الإرهاب لا على احتوائه، وذلك بقوة حقيقية جوية وبرية، تقضي على الإرهاب بأشكاله كافة، منطق قوة يلجأ إليه التحالف في وجه نظام الأسد، والإرهاب الخاص به، الذي أوجده في سبيل إعادة إنتاج نظامه، بوصفه يواجه إرهاباً سنيّاً.

سياسة الترقيع التي تتبعها الولايات المتحدة الأميركية حيال ملفات المنطقة الساخنة بعد حرب العراق، حيث فشلت فشلاً ذريعاً في العراق، ولم تستطع، إلى الآن، فرض حل للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وترددت كثيراً حيال أزمة سلاح حزب الله في لبنان، والذي بات معوقاً لحل ملفاتٍ كثيرة، أشياء تجعل النظام السوري يفكر بمناورات جديدة، تجعل الولايات المتحدة مرتبكة حيال مساومة النظام، ومماشاة روسيا والصين وإيران حول بقاء الأسد ونظامه في مقابل تسوية ما، والقبول بحلول غير جذرية.

" في سورية والعراق، حيث الأنظمة الطائفية الحاكمة تتلقى أموالاً طائلة ودعماً عسكرياً وسياسياً من الجمهورية الإسلامية الإيرانية "

المؤامرة التي يواجهها الشعب السوري اليوم، بتدبير من النظام وخصومه الظاهريين/ أصدقائه الباطنيين، لا يتحمل وزرها سوى البنى الأهلية، وخصوصاً السُنة. لذلك، يبقى الحديث عن مناورات داخلية، وأخرى خارجية، وخلط للأوراق، تهويمات بغرض فرض حلول وسط لا مكان فيها للداخل المتحمل لكل شيء، ليس بغرض فرض حلول تضمن للنظام بقاءه، بل رحيله مع رموز الدم.

تعيش الولايات المتحدة، اليوم، حالات من الضعف لم يشهد لها التاريخ السياسي الأميركي المعاصر مثيلاً، حيث باتت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على بوابة مناطق نفوذها في الخليج العربي، حيث السيادة الأميركية للطاقة، بينما الولايات المتحدة منشغلة بالملف النووي الإيراني، الذي لا يقدّم ولا يؤخر كثيراً، حيث المطلوب إضعاف إيران كلياً، والبوابة السورية جزء من سياسة القمع السياسي ككل. لذلك، ستكون الانتخابات الأميركية المقبلة فرصة جد مناسبة لتوجيه صفعة لإيران، تخرجها نهائياً من مناطق نفوذ الكبار. تبقى الولايات المتحدة المسؤولة عن المأساة التي وصل إليها السنة في سورية والعراق، حيث الأنظمة الطائفية الحاكمة تتلقى أموالاً طائلة ودعماً عسكرياً وسياسياً من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، دعماً موجهاً ضد السنُة، بغرض المضاعفة من أزمتهم السياسية والاجتماعية والإنسانية، بغية فرض واقع سياسي وديموغرافي جديد، لا يقيم وزناً للمساواة والتعددية. لا يمكن الحديث، اليوم، عن بقاء قطب واحد بعد الحرب الباردة، ظهور الاتحاد الأوروبي قوة اقتصادية، وصعود الصين قوة اقتصادية وعسكرية طامحة في النفوذ، وملاحقة روسيا حلمها بعودة امبراطوريتها المنهارة، أمور تفترض واقعية الضعف الأميركي. وتالياً، التعامل بواقع مع المنطق الذي يفرضه النظام: إما الانتحار مع الشعب أو البقاء. لذلك، على أميركا والكبار مراعاة مصالح السنُة، ورحيل النظام لضمان بقاء سيادة نفوذها أمام تهديد دول من قبيل إيران.

اقرأ المزيد
١٨ ديسمبر ٢٠١٤
روسيا وإيران إذ تنسّقان للتحكّم بالحرب على «داعش»

عنوانان وهدفان لا يمكن أحداً أن يرفضهما لسورية: وقف القتال أو «تجميده»، والحوار من أجل حل سياسي... لكن كيف؟ من الطبيعي أن تثار الأسئلة. فالحلول الداخلية «الوطنية» قتلها النظام السوري في مهدها، والحلول الخارجية قتلها حلفاء النظام و»أصدقاء» المعارضة وصارت فريسة صراعاتهم. ثم وجد الجميع أنفسهم في مهب «الحرب على الإرهاب»، فانطلقت منافسة محمومة بين «الحلفاء» و»الأصدقاء» يجمعهم هدف القضاء على «داعش» وتفرّقهم إزاحة بشار الأسد كهدف لا بدّ منه للتحرك في الاتجاهين: تفكيك منظومة الارهاب، ومعالجة الأزمة الداخلية. كانت «الحرب على داعش» عزلت روسيا تلقائياً في المربع الاوكراني، لكن الثغرات الكثيرة التي أبقتها استراتيجية باراك اوباما لـ «التحالف ضد الارهاب»، مثلها مثل الثغرات في استراتيجيته للتعامل مع الأزمة السورية، فتحت لموسكو أبواباً واسعة للعودة كلاعب دولي مكّنه الملف السوري من مصادرة مجلس الأمن وتعطيله، ومن التلاعب بمبادرات مبعوثي الأمم المتحدة، وسيمكّنه تواطؤه العميق مع ايران من التدخل في الحرب على الارهاب والتحكّم ببعض مساراتها.

فالمنطق العام الذي يخيّم على «مبادرة» روسيا و»خطّة» المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا الى سورية هو أن نظام الاسد استطاع الصمود وتجب مساعدته على استثمار «نصره» تحت ستار البحث عن حل سياسي، وأن المعارضة بمسالميها ومقاتليها تراجعت اجتماعياً وتقهقرت ميدانياً وتجب مساعدتها على «ادارة هزيمتها». وتعتقد الجهتان المبادرتان أن المساعي السابقة لوقف القتال لم تنجح لأن طرفي الصراع ظنّا لفترة طويلة أنهما قادران على الحسم، ومرّا بمراحل متقلّبة جرّبا خلالها كل ما يستطيعان، لكن الواقع ظلّ أقوى منهما. فالنظام انعطب منذ اللحظة الأولى، حين كُسِرت حواجز الخوف والصمت، ففقد رشده وصوابه وحنكته، وأسرَ نفسه في حل عسكري لن يجديه حتى لو تفوّق على خصومه. أما المعارضة فبدأت عملياً من الصفر، لا يعرف بعضها بعضاً في الداخل، ولا تراث قريباً أو تجربة جارية تستند اليهما، ولا أحد في الخارج يعرفها أو سبق أن عمل معها، فكان عليها أن تعتمد على من تيسّر من « الأصدقاء» الذين قدّم بعضهم الدعم لكنها أدركت متأخرة أن الولايات المتحدة تحكّمت بمصيرها طوال الوقت وبدّدت تضحياتها وجهدها لإسقاط النظام فانتهت بعد أربعة أعوام الى ما يشبه الضياع.

سبق للاسد أن عرض خططه لحل سياسي من داخل النظام وتحت اشرافه وقيادته، مستبقاً «جنيف 1» الذي شاركت فيه روسيا واعتبرت أن صيغته لا تتناقض مع ما اقترحه الاسد، وتبنّت ايران هذا التفسير بل صاغت «مبادرةً» لتطبيق «جنيف 1» ولم تجد سوى مؤيد واحد لها هو الاسد. كل ذلك تأخذه موسكو اليوم وتعيد عجنه موحيةً بأنها أدخلت عليه تعديلات، لكنها لا تزال واقعياً في المربع الأول من تفكيرها: فبيان جنيف (30 حزيران/ يونيو 2012) بالنسبة اليها كان يعني حواراً بين النظام والمعارضة التي يقبلها النظام، وكان الاسد ضيّق حيّز «المقبولين» كثيراً، مقصياً أولاً «معارضة الخارج» كلّها، ثم مستبعداً وزيره «المعارض» قدري جميل الذي لجأ الى موسكو، وممارساً الترهيب لمعارضي الداخل فحتى لؤي حسين «اختفى» ولا يعرف الاسد نفسه مكان وجوده (كما أبلغ المبعوث الروسي ميخائيل بوغدانوف). الجديد أن الروس يتحدثون عن مشاركة المعارضة من دون إقصاء، ويقدّمون ذلك على أنه «تنازل» وافق عليه الاسد بطلب منهم، بل يشيرون الى جملة «تنازلات» بينها قبوله ان يكون «الحوار» في موسكو وليس في دمشق (!)، وبينها أيضاً أنه لم يعد متمسكاً بخطّته التي تستغرق عشرات السنوات ولا يمانع التخلّي عن صلاحيات لا علاقة لها بشؤون المؤسسة العسكرية وأجهزة الأمن، أي أنه يتفضّل على الحكومة ورئيسها بصلاحيات ادارة السياحة والزراعة والبيئة والخدمات البلدية وما الى ذلك... لكنه لن يضمن مثلاً عدم تدخل عسس الأجهزة و»الشبّيحة» في كل الوزارات كما في القضاء وملف «العدالة الانتقالية» وموجباته.

ما الذي منع الروس من دفع النظام الى هذه الأريحية في «التنازل» خلال مفاوضات جنيف؟ ثلاثة أسباب: 1) لأنها كانت أكثر تركيزاً على البحث في «هيئة انتقالية للحكم بصلاحيات كاملة»، علماً أنها استندت الى ما سمّي «جنيف 2» الذي كان ثمرة توافق روسي - اميركي وأُثبت في القرار الدولي 2118 بناء على «صفقة» التخلّص من السلاح الكيماوي من دون معاقبة الاسد على استخدامه لقتل نحو 1466 شخصاً في الغوطة الدمشقية الشرقية. 2) لأنها فرضت تمثيل المعارضة بوفد واحد من «الائتلاف» في حين أن موسكو ودمشق حاولتا اشراك وفد ثانٍ للمعارضات الاخرى بغية تشتيت المفاوضات والاشتغال على التناقضات من خلال معارضي الداخل الذين سيتجنبون أي طرح «انتقالي» جوهري مخافة التعرّض لهم لدى عودتهم الى سورية. 3) لأن «جنيف 2» تضمن عنواناً وآليةً لحل سياسي غير مناسب للنظام فوجب احباطه والتخلّص منه، ووجد السوريون والايرانيون أنه لا يزال متاحاً آنذاك استغلال مسألة «محاربة الارهاب» واللعب بها، فشَهَرها النظام كورقة لمصلحته وكشرط أولي للشروع في تفاوض لا يريده، علماً أنه كان مستفيداً مباشرةً من انتشار تنظيم «داعش» و»جبهة النصرة»...

هذه الورقة - الخدعة كانت مفيدة للنظام وحلفائه لتعطيل «جنيف 2»، لكنها تغيّرت بعدما قلب «داعش» الطاولة في العراق ثم في سورية، فأصبحت «محاربة الارهاب» مهمة تحالف دولي تقوده اميركا ويضرب في سورية محاولاً رسم خط فاصل بين «محاربة الارهاب» والأزمة الداخلية. كما يضرب في العراق بعدما فرض بعض الشروط السياسية، التي تكيّفت ايران معها لفترة، وعلى مضض، قبل أن تجد الثغرات للالتفاف عليها، تحديداً من خلال التحرك برّاً بواسطة ميليشياتها الشيعية العراقية. ولا شك في أنها تبلور حالياً ترتيبات لتكرار السيناريو نفسه في سورية، بدليل الاجتماع الأخير في طهران لوزراء خارجية «الحلف الثلاثي» (ايران والعراق وسورية) بحضور مسؤولي الأمن وأبرزهم قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني بالاضافة الى قادة ميليشيات عراقية ولبنانية («حزب الله») وفلسطينية (حماس). ثمة عنوان واحد لهذا الاجتماع وهو «القضاء على داعش»، وثمة منطلقان: 1) الحرب الحالية وسيلة لتحديد المستقبل فإمّا أن يكون الفوز لإيران (بمواكبة روسية بالسلاح والديبلوماسية) أو يكون لاميركا. و2) الفوز لإيران يعني ابقاء «التحالف» في الجو وحرمانه من قوات برية لقيادة الحرب على الأرض.

وهكذا تتضح أكثر معالم الصورة. فموسكو تجري اتصالات مكثّفة لتنظيم حوار سوري، وتقول إنها تحظى بتأييد اميركي غير معروف الشروط، وتبدو مبادرتها مكمّلة بل يقال منسّقة مع خطة دي ميستورا الذي يحاول جاهداً اظهار أن النظام لن يكون المستفيد الوحيد منها. لكن الدعم الذي يتلقاه من موسكو وطهران، والتشكيك الذي يلقاه من كل العواصم الأخرى، يشيان بأن البعد الإنساني لخطّته لا يكفي لتجميد موضوعي للقتال. فالروس والإيرانيون يريدون هذا «التجميد» كمعطى شكلي يوفّر بعض الغطاء لتمرير «حل سياسي» قريب من الصيغة التي يريدها النظام (حكومة تحت رئاسة الأسد تتضمن معارضين وتخضع لتوجيهاته)، لكنهم يريدون «التجميد» كمعطى عملي يتيح وضع قوات النظام في واجهة محاربة «داعش» برّاً، في حين أن القتال الفعلي بقيادة ايرانية سيكون لتشكيلة من الميليشيات على رأسها «حزب الله» اللبناني، تماماً كما يفعل الإيرانيون حالياً في العراق بواسطة ميليشياتهم التي تبيّن أنها أفضل قتالاً من الجيش الذي بناه الأميركيون لكن قيادة نوري المالكي أودت به الى التهلكة.

اقرأ المزيد
١٨ ديسمبر ٢٠١٤
عن مأزق السياسة الروسية في سورية

من الصعب أن ترث روسيا الدور السوفياتي في سورية، فتلك حقبة انتهت إلى الأبد، كما لن تنفعها مبادراتها الركيكة والتي فات أوانها في ما يتصل بإيجاد «حل سياسي» للقضية السورية، في إنقاذ ما تبقى من الرصيد الأخلاقي للسياسات السوفياتية السابقة في ضمائر السوريين. فذلك الرصيد أصبح هباءً منثوراً بفعل السلاح الروسي الذي فعل الأفاعيل بالسوريين وممتلكاتهم وأرزاقهم، وبفعل إجهاض روسيا أي مخرج سياسي للمأساة السورية، من دون أن ننسى تلطي السياسة الأوبامية المترددة والمرتبكة خلف ذاك الفجور الماكيافيلي في السياسة الروسية تجاه نكبة السوريين.

يتردد، أخيراً، أن روسيا ستقوم برعاية حوار سوري – سوري، يضم معارضين وشخصيات من النظام، بهدف الوصول إلى «حل سياسي». صحيح أن تزامن تآكل الروبل الحاد مع تآكل النظام السوري بفعل التعفن الناجم عن استنزافه المستمر هو وراء الاندفاعة الروسية الديبلوماسية الراهنة. لكن معضلات مستعصية ستواجه السياسة الروسية في سورية مستقبلاً، منها ما يتصل بالمنظور الروسي لمضمون «الحلول السياسية» في سورية المحكوم بالرؤية السلطوية البوتينية، بوصفها أكثر الرأسماليات ابتذالاً وتأخراً نتيجة ولادتها «مافيوياً» من عملية تفسخ النظام الشيوعي التي تماثلها عملية التفسخ البعثي. وذلك المنظور لا يكترث بمواضيع مثل الحرية وحقوق الإنسان ودولة الحق والقانون، وبالتالي فـ «الحل السياسي»، وفقاً له، لا يغدو أكثر من مسألة توسيع لـ «الجبهة الوطنية التقدمية» القائمة، وتشكيل حكومة «وحدة وطنية». وهذا في كل الأحوال منظور متأخر عن إدراك حجم أو عمق التحول التاريخي الحاصل في سورية.

كما أن مداخل الحضور السوفياتي في سورية منتصف القرن الماضي، سواء تلك التي تعلقت ببناء الجيش السوري «العقائدي» وتسليحه، أو التي ارتبطت بالبعد «النضالي» للأيديولوجيا الشيوعية «الكدحانية»، وجذبت التيار القومي العربي الذي أمسك بالسلطة حديثاً حينذاك، وقادته إلى الانضواء في سياسة المحاور المفروضة بشروط الحرب الباردة، هي ذاتها المخارج التي ستخرج منها روسيا من سورية. لأن الخيار الوطني السوري يملي على السوريين، بداهة، تغيير بنية الجيش وإعادة هيكلته وطنياً، وتقليص التضخم المفرط في التسليح، وتجنب سياسة المحاور القائمة على حساب المصلحة الوطنية السورية، وذلك كله سيؤدي إلى تحجيم الحضور الروسي في سورية.

وعلى رغم انقسام السوريين مذهبياً وطائفياً وقومياً، واختلافهم سياسياً وفكرياً، وتمايزهم اجتماعياً وطبقياً، فإذا نظروا إلى روسيا بعين الانقسام الأول، سيكون هواهم ليس هوىً روسياً، لأن السلاح الروسي دمر مناطق الأكثرية السنّية. وإذا نظروا إليها بعين الاختلاف السياسي الفكري، فالإسلاميون والليبراليون والديموقراطيون والناشطون في الحراك المدني السلمي وقسم من اليساريين هواهم ليس هوىً روسياً أيضاً. وإذا نظروا بعين التمايز الطبقي الاجتماعي، فالسلاح والموقف الروسيان كانا موجّهين ضد الأغنياء والفقراء وضد سكان المدن والأرياف على حد سواء. لذا غدت روسيا دولة منبوذة بالنسبة إلى غالبية السوريين.

ومما يزيد من نبذها أن البوتينية، كنموذج سلطوي في الحكم، تنتمي إلى ماضي البشرية المرتبط بالاســـتغلال والتــسلط والاستبداد والتحكم المطلق، ولا يمكن أن يكون لها حضور مســتقبلي في ظل تحــولها إلى مصدر للنفور الكوني، بخـاصة أن ثورات «الربيع العربي» انتفضت في وجه نسخ كاريكاتورية عنها، وبوتين زعيم بمواصفات الزعماء العرب ولكن بشروط روسيا.

لهذا، فروسيا نموذج آفل، وهي لن تستطيع مواصلة كسر إرادات السوريين، وستدفعها عوامل التحول التاريخي الكبير التي حدثت في بلادنا إلى خارج المستقبل السوري.

اقرأ المزيد
١٨ ديسمبر ٢٠١٤
أصدقاء الأسد في لحظة جنون!

مع تواصل انخفاض أسعار النفط بات من الواضح أن هناك حالة من الـ«بارانويا» تصيب كلا من إيران وروسيا، أصدقاء بشار الأسد، حيث خرجت تصريحات متشابهة تقريبا من طهران وموسكو منددة بانخفاض أسعار البترول، ومعتبرة ذلك مؤامرة دولية، وليس نتاج أوضاع اقتصادية.
إيرانيًا، اعتبر الرئيس حسن روحاني الأسبوع الماضي أن هبوط أسعار النفط هو نتيجة «مؤامرة سياسية»، ومؤكدا أنها «ليست اقتصادية بحتة». وهو نفس الكلام الذي كرره النائب الأول للرئيس الإيراني عن «وجود مؤامرة سياسية في العالم وراء هبوط أسعار النفط». بينما روسيًا قال وزير الخارجية سيرغي لافروف أخيرا إن هناك أسسا للاعتقاد بأن واشنطن تحاول زعزعة الاستقرار، وتغيير النظام في روسيا من خلال فرض العقوبات عليها. وجاءت تصريحات لافروف هذه مع حالة هبوط حادة في العملة، وهو ما استدعى عقد اجتماع طوارئ، وحالة استنفار لدى البنك المركزي لحماية العملة الروسية (الروبل)!
وبالنسبة للروس فإن ما يجعل الأمر أكثر سوءا هو الإعلان عن نية الرئيس أوباما توقيع مشروع قانون يسمح بفرض عقوبات جديدة على روسيا، في الوقت الذي لوح فيه وزير الخارجية الأميركي بإمكانية رفع تلك العقوبات إذا اتخذ الرئيس الروسي «الخيارات الصحيحة»، ومضيفا أن الاقتصاد الروسي بيد بوتين!
حسنا، ما معنى ذلك سياسيًا؟ الطريف، وشر البلية ما يضحك، أن إيران وروسيا الآن لا تتحدثان عن أن أميركا تريد تغيير نظام الأسد، بل بات الحديث الآن عن مؤامرة دولية ضد إيران، بحسب الرئيس الإيراني، ومحاولة لتغيير النظام في روسيا نفسها، بحسب وزير الخارجية الروسي!
وعليه فنحن الآن أمام مشهد مختلف، إيرانيًا وروسيًا، حيث نجد أن حلفاء الأسد، والمدافعين عنه بالسلاح والمال، والرجال، هم من يئنون اقتصاديًا بسبب انخفاض أسعار النفط، ويتوجسون من مؤامرة دولية عليهما، وبالتالي الآن فإن السؤال هو إلى أي حد ستذهب إيران، وروسيا، في مساعدة الأسد، وتمويله؟ وبالنسبة لإيران فإلى أي حد تستطيع طهران المضي قدما في تمويل مغامراتها العبثية في المنطقة، وأبسط مثال هنا تمويل الحوثيين، وتعزيز قدرتهم في اليمن، وهو الأمر الذي تعتقد إيران أنه يمثل انتصارا سهلا لها، وعكس ما يحدث في العراق وسوريا، وذلك بحسب تقرير لوكالة «رويترز».
وبالتالي فإن الأسئلة الآن تتركز حول مقدرة روسيا على مواصلة تهورها في أوكرانيا وتمويلها للأسد الذي حاولت حماية عملته قبل أسابيع، وها هي موسكو تحاول حماية عملتها نفسها الآن. وكذلك مقدرة إيران على تمويل الجماعات الطائفية، وتمويل جرائم الأسد. والأمر الجدير بالتفكير هنا هو طالما أن الرئيس أوباما يحاول الآن محاصرة الروس من خلال فرض عقوبات جديدة عليها فلماذا لا يتم الأمر نفسه بحق إيران الراعي الرسمي لحالة اللااستقرار بمنطقتنا من العراق إلى سوريا، ومن اليمن إلى لبنان؟ حينها لن يصاب نظام إيران بالجنون وحسب، بل وبالألم السياسي المؤثر.

اقرأ المزيد
١٨ ديسمبر ٢٠١٤
لمواجهة التحديات.. المنطقة بحاجة إلى خطوة إنقاذية!

لأن الظاهرة الإرهابية، المتمثلة بـ«داعش» وغير «داعش»، قد تضخمت كثيرا، ولأن التعامل الأميركي والغربي مع هذه الظاهرة بدأ قاصرا والمتوقع أنه سيبقى قاصرا إذا بقيت الأمور تسير على هذا النحو وبهذه الطريقة، فإنه لا بد من أن يتولى العرب هذه المسألة المصيرية بأيديهم، فالمستهدف أساسا هو المنطقة العربية، وهو، إذا أردنا المزيد من الدقة، هذا الإقليم الشرق أوسطي كله وفي مقدمته تركيا التي تعتبر جبهة أساسية أمامية ملتهبة، والتي، إذا أردنا قول الحقيقة، تنام على ألغام كثيرة ستنفجر كلها دفعة واحدة إذا لم تكن هناك مواجهة شاملة مع هذه الآفة التي غدت زاحفة في كل الاتجاهات وفي العالم بأسره.
ولهذا، فإنه على العرب أولا: ألا يكونوا مبعثرين على هذا النحو المرعب، فالمثل يقول إن «الذئب يفترس الشاة المطرفة». وثانيا أن يتحرك المقتدرون منهم لتشكيل ما يمكن تسميته «رافعة» تكون جدار استناد لمواجهة هذا الخطر المرعب الزاحف الذي تجاوز كل الخطوط الحمراء والذي إن لم تكن هناك وقفة جدية، فإن ما يجري في العراق وفي سوريا وفي لبنان وفي اليمن، سينتقل حتما إلى دول أصبحت تعاني معاناة فعلية من ظاهرة الإرهاب «الإلكتروني» ومن ظاهرة الخلايا التي لم تعد نائمة.
إن المقصود بـ«العرب المقتدرين» هو: المملكة العربية السعودية، ومصر، وهو: المملكة الأردنية الهاشمية، والمملكة المغربية، وبعض دول مجلس التعاون الخليجي، وهو أيضا تركيا؛ هذه الدولة التي لا يجوز أن تستمر، بالنظر إلى المنطقة العربية، من خلال حزب سياسي هو جماعة الإخوان المسلمين التي أقحمت هذه المنطقة في كل هذه التوترات، وفي مرحلة تاريخية تقتضي الاصطفاف الدفاعي وتغليب الأساسي والرئيسي على الثانوي، وتأجيل المناورات والألاعيب السياسية إلى فترة يصبح فيها مجال لترف المحاكمات والمناورات الحزبية التي ساهمت في إيصال الأحوال العربية إلى ما وصلت إليه.
في ذروة انتصار حزب العدالة والتنمية بقيادة هذا النجم المتألق الصاعد رجب طيب إردوغان، ولكن إلى متى؟! رفع رئيس الوزراء التركي الحالي ووزير الخارجية السابق أحمد داود أوغلو شعار «تصفير الخلافات»، ولكن المؤسف حقا أنه جرى «تصفير الصداقات»، وغدت هذه الدولة العظيمة تنظر إلى دول هذه المنطقة من خلال ثقب الإخوان المسلمين، فانهارت علاقاتها مع مصر، التي هي واسط الخيمة العربية، إنْ في هذا العهد الواعد، وإن في كل العهود السابقة، وتراجعت حتى حدود القطيعة مع دول أخرى.
وحقيقة فإنه غير مقبول أن يختطف الإخوان المسلمون تركيا على هذا النحو، كما أنه، وفي الوقت ذاته، غير مقبول أن يستسلم العرب لهذا الاختطاف وإلى تردي العلاقات مع دولة محورية وأساسية في هذه المنطقة وفي العالم بأسره تربطنا بها علاقات تاريخية امتدت لأكثر من 4 قرون متلاحقة، ويربطنا بها، بالإضافة إلى المصالح الاقتصادية الواعدة، الدين الإسلامي الحنيف، والأمن الإقليمي المشترك المتمثل حاليا في مواجهة هذا الإرهاب المتفشي الذي يهدد تركيا ويهدد الدول العربية كلها.
إنه على العرب المعنيين أن يبادروا إلى الخطوة الأولى، فالجفاء يورم القلوب، والبعد يؤدي إلى مزيد من تراكم السلبيات، والمفترض أن تكون البداية الاتفاق مع «الأشقاء» الأتراك، وفي مقدمتهم الرئيس رجب طيب إردوغان على إبعاد التأثيرات الحزبية السلبية عن العلاقات المصرية – التركية؛ إذ دون تصحيح العلاقات بين هذين البلدين، ودون «تصفير» الخلافات بينهما، ستكون هذه المنطقة الشرق أوسطية مكشوفة كلها للإرهاب ولإسرائيل، وأيضا لبعض أصحاب الرؤوس الحامية في إيران الذين كان أحدهم قد أعلن قبل أسابيع قليلة وعلى رؤوس الأشهاد عن أن 4 عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، باتت تابعة للعاصمة الإيرانية طهران وتدور حولها.
إن المفترض أن يسعى «الأشقاء» الأتراك إلى إعادة الإخوان المسلمين المصريين إلى الحياة السياسية المصرية؛ إذ إن ما فات مات، وإن هناك واقعا مستجدا سيستمر بالتأكيد لأجيال متعددة قادمة؛ وإذ إن الإرهاب الذي يضرب مصر الآن باسم «أنصار بيت المقدس» سينتقل حتما إلى تركيا إن لم يتم القضاء عليه بسرعة، فهي، أي تركيا، مستهدفة أيضا، وبالتالي، فإنها معنية بإطفاء جمر التطرف المتأجج في أرض الكنانة وفي سوريا والعراق وليبيا واليمن، وهي معنية أيضا بـ«تصفير الخلافات» وبإذابة الجليد السياسي المتراكم بينها وبين القاهرة وبينها وبين الرياض وعمان والرباط.
لقد بقيت تركيا تقرع أبواب الغرب الأوروبي لنحو نصف قرن وربما أكثر دون أي جدوى ودون أي فائدة أو أي إنجاز، وهذا من المفترض أن يجعلها تدرك أن مجالها الحيوي الاقتصادي والسياسي هو الجنوب الذي تربطها به علاقات متجذرة قديمة، هذا بالإضافة إلى العلاقات الاقتصادية الواعدة، وبالإضافة إلى ضرورة تشكيل جبهة موحدة للقضاء على هذا الإرهاب الأعمى الذي غدا يخبط خبط عشواء والذي لن يوفر أي دولة رئيسية من دول هذه المنطقة.
وهنا، وحتى لا يفهم البعض أن المقصود هو تشكيل تحالف ضد إيران، فإنه لا بد من القول إن المفترض أن تكون جمهورية إيران الإسلامية جزءا من هذا التحالف، أو التكتل، الذي يجري الحديث عنه، والذي لا بد من بلورته في أقرب فرصة ممكنة، ولكن بعد أن تتخلى عن كل محاولاتها التمددية في هذه المنطقة وتتخلى عن تدخلها السافر في الشؤون الداخلية للعراق ولسوريا ولليمن وللبحرين.. إن كل الدول العربية؛ وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، تريد علاقات أخوة وعلاقات مصالح مشتركة مع هذه الدولة المسلمة، المجاورة منذ بداية التاريخ، لكن المشكلة تكمن في أن الحب من طرف واحد لا يفيد، وأن التقارب يقتضي تلاقي الإرادتين؛ إرادة العرب وإرادة الإيرانيين. وحقيقة فإن هذا ممكن وغير مستحيل، ولكن بشرط أن تبادر طهران إلى تصفير خلافاتها مع «أشقائها»، وأن تكف عن تطلعاتها الفارسية الإمبراطورية الطائفية، وأن تقبل بالعيش المشترك الآمن في هذه المنطقة الواسعة التي من المؤكد أنها تتسع للجميع.
ثم، وعود على بدء، فإن التحديات التي تواجه العرب وتواجه تركيا، على اعتبار أنها دولة رئيسية ومحورية في هذه المنطقة الملتهبة، تتطلب سعيا دؤوبا لتطويق الخلافات المصرية - التركية التي لو تم تحييد تأثير الإخوان المسلمين فيها لتحولت إلى صداقات حميمة، وتتطلب أن تأتي المبادرة من قبل الدول العربية المعنية؛ مصر والمملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المغربية وبعض دول مجلس التعاون الخليجي، فهناك تحديات كثيرة من بينها، بالإضافة إلى تحدي الإرهاب والتطرف، تحدي القضية الفلسطينية، ومن بينها ضرورة التخلص من هذا النظام السوري القاتل والحفاظ على هذا البلد العربي موحدا جغرافيًا وديموغرافيًا، ومن بينها أيضا ضرورة مساندة العراق ومساعدته للتخلص من كل هذه الأوضاع المأساوية التي يغرق فيها، وضرورة منع اليمن من الانزلاق إلى التشرذم والعودة إلى التشطير بعد نحو ربع قرن من الوحدة.
إن هذه المرحلة هي أخطر مراحل التاريخ العربي الحديث، ولذلك فإنه لا بد من تطوير التنسيق الحالي بين مصر والمملكة العربية السعودية والأردن والمغرب وبعض دول مجلس التعاون الخليجي، والارتقاء به ليقترب من الوحدة السياسية التكاملية القادرة على مواجهة التحديات الآنفة الذكر؛ وأخطرها تحدي التطرف والإرهاب الذي بات يتمدد في المنطقة تمدد ألسنة النيران بالهشيم.

 

اقرأ المزيد
١٨ ديسمبر ٢٠١٤
مبادرتان سياسيتان.. بدلا من واحدة.. لحل الأزمة السورية!

في الوقت الذي تواصل طائرات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة غاراتها على مواقع تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» في العراق وسوريا، يعمل كل من المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا ونائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف على مبادرتين سياسيتين لحل الأزمة في سوريا. ويعتمد اللاعبان الأممي والروسي، كل من جانبه، على صيغة «الغموض الخلاق» فلا يتسرب شيء من «المبادرتين» إلا بالقطارة. من المحتمل أن كلتا المبادرتين غير ناضجتين لتطرحا على أطراف الصراع للقبول أو الرفض، بقدر ما تتم بلورتهما بالتوافق مع تلك الأطراف. لكن منهجية كل منهما باتت معلنة ويمكن تلخيصها فيما يلي:
تقوم مبادرة دي مستورا على الانطلاق من الميداني إلى السياسي، ومن الجزئي إلى الكلي. هذا ما يعنيه «تجميد القتال» بدءاً من مدينة حلب، أو ما يعرف بـ»حلب أولاً». وهو ما يعني توافق النظام والمجموعات المعارضة المسلحة في مدينة حلب على وقف العمليات القتالية ليحتفظ كل طرف بمواقعه، وفتح ممرات لعمليات الإغاثة للمدنيين. بنجاح هذه المرحلة الأولى تنقل التجربة إلى مواقع أخرى فيها جبهات قتال بين الطرفين، وهما قوات النظام والميليشيات الأجنبية التي تقاتل إلى جانبه من جهة، وما يسمى بـ»المعارضة المعتدلة» من جهة ثانية. يتجنب دي ميستورا التطرق إلى موقع الميليشيات الشيعية اللبنانية والعراقية التي تقاتل في حلب إلى جانب النظام، كما لم يعلن عن القوى المشمولة بصفة «الاعتدال»، وإن كان مفهوماً وضع كل من تنظيم الدولة «داعش» وجبهة النصرة خارج المشاورات في إطار المبادرة.
هذه الإنجازات الجزئية على مستوى الميدان، إذا تم تحقيقها، باتت الطريق سالكة نحو الحل السياسي الشامل الذي سيجمع النظام والمعارضة في قوة واحدة لمحاربة داعش وأخواتها.
تنطلق المبادرة الروسية، في المقابل، من فوق إلى تحت، أي من «الحوار» بين النظام والمعارضة في موسكو ثم في دمشق، وصولاً إلى حل سياسي يتوافق عليه الطرفان في نوع من تقاسم السلطة بينهما. من المحتمل، هنا أيضاً، أن الحل السياسي ليس هدفاً بحد ذاته، بل مجرد وسيلة لإعادة التموضع لتشكيل جبهة موحدة ضد «التطرف».
ما يوحي بجدية موسكو هذه المرة بخلاف المناسبات السابقة، ومؤتمر جنيف 2 ضمناً، هو أن ممثل بوتين القوي بوغدانوف ذهب «بنفسه» إلى الائتلاف المعارض في اسطنبول ليطرح عليه الأفكار الروسية الجديدة، في حين أنها طالما تجاهلت هذا الإطار المعترف به دولياً، وفضلت التعامل مع معارضة قريبة منها و»معتدلة» في معارضتها للنظام الكيماوي في دمشق كهيئة التنسيق وتيار بناء الدولة ومجموعة قدري جميل والشيخ معاذ الخطيب.
ما الذي غيَّرَ من السياسة المتصلبة لموسكو في دفاعها عن النظام وجعلها تبذل جهوداً دبلوماسية بحثاً عن حل سياسي؟ يربط كثير من المراقبين بين هذا التغير وما انتهت إليه المفاوضات الدولية مع إيران بشأن مصير برنامجها النووي. فالتمديد الذي ترافق مع تصريحات متفائلة من الجانبين الأمريكي والإيراني أقلق موسكو بصورة جدية، وهي الحاضرة على طاولة المفاوضات والعارفة بدقائقها، من تقارب أمريكي – إيراني قد يرقى إلى مستوى التحالف ويترك موسكو خارج كل الحسابات في رسم مصائر الإقليم المضطرب الممتد من العراق إلى لبنان مروراً بسوريا، خاصةً وأن علاقة نظام دمشق الكيماوي بإيران تتجاوز في متانتها علاقته بموسكو بكثير. أضف إلى ذلك أن الإدارة الأمريكية تبدو بعيدة كل البعد عن البحث عن حلول سياسية للأزمة السورية، وتقتصر اهتماماتها على مواصلة الحرب على داعش في العراق وسوريا، وعلى ترتيب تحالفاتها مع الدول الاقليمية في خدمة هذه الحرب.
موسكو التي باتت تعيش عزلة دولية خانقة بسبب ضمها لشبه جزيرة القرم واستمرارها في تغذية الاضطرابات في شرق أوكرانيا، وآثار العقوبات الاقتصادية الغربية المطبقة بحقها التي بدأت تظهر بقوة، إلى جانب التكاليف الباهظة للحرب النفطية عليها من خلال خفض الأسعار، راحت تبحث عن مخارج أو مسكنات لأزمتها المتفاقمة. من ذلك زيارة بوتين الباذخة إلى أنقرة وما نتج عنها من اتفاقات اقتصادية طموحة. ومن ذلك حركتها الدبلوماسية النشيطة بحثاً عن شركاء سوريين من النظام والمعارضة على أمل تحقيق إنجاز دبلوماسي كبير لبوتين يعوّضه عن عزلته الدولية وتدهور حال الاقتصاد الروسي.
من جانبها، لا تبدو واشنطن على أي درجة من القلق أو الاستياء من تفرد موسكو بالمسألة السورية. من المحتمل أن إدارة أوباما تعرف محدودية تأثير القيادة الروسية على نظام دمشق الكيماوي، وتراهن على شريكها الإيراني الذي يتفرد بهذا التأثير. إضافة إلى أنها على دراية عميقة بمشكلات المعارضة السورية، سواء من حيث هزال تمثيلية الأطر السياسية جميعاً بما فيها الائتلاف، أو من حيث قوة المنظمات الإسلامية المتطرفة كداعش والنصرة مقابل تراجع وزن المجموعات المسلحة المعتدلة المحسوبة على الجيش الحر. من هذا الإدراك الواقعي لمفردات المشكلة السورية، تركت الإدارة الأمريكية المجال لموسكو لتلعب في الوقت الضائع بلا جدوى عملية، مع إمكان الاستفادة من المشاورات التمهيدية الجارية على خطي دي ميستورا وبوغدانوف معاً لإنضاج وضع قد تتلقفه واشنطن مستقبلاً لفرض تصورها الخاص للحل السياسي على الأطراف. وذلك من غير أي تلكؤ في حربها المتواصلة على داعش، تلك الحرب المديدة التي سترسم خطوط تحالفات جديدة عبر الإقليم وصولاً إلى خلق ستاتسيكو جديد لما بعد الحرب.
الإنضاج المشار إليه في الأسطر السابقة هو قياس مدى الإرهاق الذي أصاب السوريين من سنوات أربع من حرب مجنونة قتلت ربع مليون وشردت نصف السكان. طريقة استجابة الأطراف للمبادرتين الأممية والروسية ستشير إلى مدى الإرهاق الذي أصابها. ينطبق ذلك على كل من النظام والمعارضة. وبصورة أولية يمكننا أن نلاحظ التجاوب الإيجابي المعلن من الطرفين مع كل من المبادرتين، على رغم الشروط المتطرفة التي طرحاها. لم نعد نسمع ذلك الرفض المسبق الصاخب للمبادرات السياسية الذي كنا نسمعه كثيراً إزاء المبادرات السابقة، مع أن المبادرتين الجديدتين أكثر هزالاً من سوابقهما وأقل قابلية للتطبيق.

اقرأ المزيد
١٧ ديسمبر ٢٠١٤
خطة دي ميستورا: آفاق وتحديات

تبدو خطة المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا، وكأنها بصدد ملاءمة الظروف الزمانية والمكانية، لإنضاج حل سياسي في سوريا على نار هادئة. ورغم كل الجهود السابقة، فإنه ليس ممكنا الوصول إلى بداية طريق حقيقية، تدفع أطراف الصراع إلى الدخول في مفاوضات جديّة من أجل التوصل إلى تسوية سياسية، يرى المجتمع الدولي أنها الطريق الوحيد لإنهاء الوضع القائم، لكنه لا يبذل جهوداً حقيقية من أجل ذلك.

رغم ما يتم الحديث عنه، ومنها تصريحات دي ميستورا، فإن الغموض لا يزال يكتنف خطة التجميد المقترحة، وهنا تبرز مشروعية الشكوك التي تطبع مواقف أطراف سياسية وعسكرية في المعارضة السورية، التي رأت في طريقة الطرح وموافقة النظام التي سبقت المشاورات، مؤشرا على أمور قد لا يحمد عقباها، لناحية استفادة النظام من المبادرة.

لاشك أن ثمة أهمية كبيرة وحاجة ضرورية لوقف الأعمال القتالية في كافة المناطق السورية، وخاصة مناطق التماس المباشر، وفي مقدمة ذلك إيقاف الأعمال العسكرية التي يقوم بها النظام عبر سلاح الجو، المتمثلة بالبراميل المتفجرة والقصف الصاروخي، الذي يشكل عمليات إجرامية متواصلة مستهدفة التجمعات السكنية. وهذا “الإيقاف” يؤمّن حماية المدنيين وفرصا ملائمة لتوفير الاحتياجات الإنسانية العاجلة، ولمّ شمل العائلات التي شرد أبناؤها، وكذلك توقف حالات التهجير القسري.

كما يمكن لأي اتفاق مماثل، توفير مناخ لازم لإعادة الخدمات الضرورية، كالماء والكهرباء، وهذا جانب حيوي في الحقيقة، وهناك قدرات محلية يمكن أن تنجز ذلك في حال توفر دعم مباشر من القوى المعنية بتخفيف المعاناة الإنسانية المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، في معظم المناطق السورية، ومنها حلب، موضوع خطة دي ميستورا.

لا يمتلك الشارع السوري، بما في ذلك مؤسسات المعارضة، أي معلومات عمّا يتحرك بشأنه المبعوث الأممي. ولكن دي ميستورا الذي كان يتحدث عن مناقشات مع الأطراف السورية، عرض مشروعاً يبدو أنه تصورا متكاملا، أمام وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي خلال الأيام الثلاثة الأخيرة. وتشتمل الخطة على ثلاثة بنود أساسية هي: تجميد العمليات العسكرية، وإدخال مواد للإغاثة الإنسانية، وفرض آليات إلزام الأطراف بالاتفاق.

لماذا لم يضع دي ميستورا بنود خطته كاملة أمام المعارضة السورية، وهو بصدد التوجه إلى مجلس الأمن؟، بما يعني العمل بعيداً عن مشاركتها الأساسية في صياغة أي اتفاق، في الوقت الذي يتم فيه التشاور مع نظام دمشق على كافة الخطط والبرامج. ولنلاحظ أن المبعوث الأممي لا يجتمع مع المعارضة كفريق واحد، وفي جزء منه تتحمل المعارضة وزراً في ذلك. فالذهاب بهذه الصورة إلى مجلس الأمن، يعني فرض إجراءات قد تكون فصائل المعارضة المسلحة، هي المستهدف فيما بعد بعمليات “معاقبة” حال عدم الالتزام بها.

ما يؤخذ على دي ميستورا أن خطته تلك، كما أوضحت تصريحاته، لا تشتمل خطة للتسوية، ورفض ربطها بتطبيق مبادئ “جنيف1”. هذا مثار للقلق أيضا، يفهم منه العمل على إنجاز هدنات محلية في المدن والبلدات، على غرار ما تم في ريف دمشق وحمص. بمشاركة أطراف دولية ومؤسسات غير منظورة، كما حدث في هدنة حمص، التي سرعان ما استغلها النظام وأحكم سيطرته على كافة الأحياء موضوع الهدنة.

خطة تجميد القتال في حلب، يجب أن تستند إلى جهود معلنة ترتبط بالتسوية السياسية التي تقوم على “جنيف1”، بمعنى أن ما يتم الاتفاق عليه، لن يكون محدودا ومعزولاً عن المناطق الأخرى، وإذا كانت الخطة معنية بمنطقة حلب، فإنه يتوجب أن تكون حلقة أساسية وأولى لتوسيعها باتجاه إيقاف دائم لإطلاق النار، وخاصة من قبل النظام، وأن ترتبط بوقف العمليات والتحليق الجوي لطيران الأسد، ومنع الأطراف من إعادة تنظيم صفوفها أو إدخال قوات ومعدات جديدة، أو استبدالها. المعني بذلك تحديدا نظام الأسد، بما يمتلكه من قدرات وأصدقاء شركاء له، في الوقت الذي تكاد لا تمتلك فيه قوات المعارضة شيئا يذكر في مواجهة النظام، الذي يحاصر حلب من ثلاث جهات، وأي هدنة ستمكنه من التقاط أنفاسه والتمدد لقضم باقي المناطق وإطباق الحصار على المدينة، كما فعل في مناطق الهدنة الأخرى.

لن يقبل النظام بوجود قوات فصل، من منطلق تحجيم نواياه وخططه. ولكن ذلك يعني إيجاد منطقة عازلة بين الطرفين، من شأنها خلق واقع تقسيمي لمدينة حلب، والحل لا يكمن في ذلك، وإنما بسحب كافة القوى المقاتلة خارج حدود المدينة، وأن يُلزم النظام أولاً على تنفيذ خطة انسحاب شاملة، ولا يمكن دون ذلك من بناء الثقة.

الأحداث الأخيرة في وادي الضيف تجعل موقف النظام أكثر حرجا وأكثر سعيا إلى تجميد القتال في حلب، مع العمل على إعادة تجميع قواه، خاصة أن تحالف كتائب الجيش الحر مع جبهة النصرة قد يتوسع ليشمل مناطق ريف حلب ما يزيد في مخاوف النظام.

التعويل على قرار من مجلس الأمن، لن يكون سهلاً على الإطلاق، ورغم تقدم موسكو وإيران بمبادرات للتسوية السياسية، فإن الفيتو الروسي سيكون حاضرا ما لم تتضمن خطة دي ميستورا بنودا تعزز موقف نظام الأسد. بالمقابل، أي هدنة إن لم تكن ضمن إطار تسوية شاملة وبضمانات دولية، لن يكتب لها النجاح.

اقرأ المزيد
١٧ ديسمبر ٢٠١٤
الروس لن يتخلوا عن الأسد.. ونحن أيضا

لفهم التغييرات الأخيرة ربما علينا أن نعيد تقييم الوضع السياسي والعسكري في سوريا، بافتراض أن روسيا لم تصطف إلى جانب نظام بشار الأسد، ولم تدعمه، فهل كان هذا سيغير مسار تاريخ الثورة السورية؟
كان للروس دور سياسي كبير، أكثر من كونه دورا عسكريا حاسما، وهذا لا يقلل من خطورة الدعم الضخم الذي قدمته موسكو للنظام في دمشق، وساعده على سحق قوى المعارضة في العديد من المناطق المنتفضة. إنما، ربما كان في متناول الأسد الحصول على أسلحة نوعية من مخازن حليفته الأولى إيران، التي تولت فعليا التنسيق للحاجات الدفاعية من الأسواق العالمية وتمويلها بطرق مختلفة. الدور الأكبر للروس كان سياسيا، حيث نجحوا في تعطيل، وتخريب كل المشاريع السياسية الدولية المختلفة، وهم من أسرفوا في استخدام حق الفيتو لمنع قرارات مجلس الأمن الحاسمة، وسهلوا على الأطراف الغربية الرافضة أو المترددة عدم دعم المعارضة. وهكذا نرى أنه كان لموسكو دور خطير في تعطيل التغيير في دمشق لأكثر من ثلاث سنوات، وهي وراء إدامة المأساة الإنسانية في سوريا التي لا مثيل لها في تاريخ المنطقة.
ومحق برهان غليون، عضو الائتلاف السوري، الذي قرع زملاءه في المعارضة لأنهم في كل مرة تصلهم دعوة يركبون أول طائرة إلى موسكو متوهمين أن الرئيس فلاديمير بوتين قد غير رأيه، وأصبح مستعدا للتعاون. يقول غليون إن «موقف روسيا من الأسد لم يتغير في أي وقت. لكن بعضنا هو الذي لم يفهم معنى ما يقوله الروس. منذ أول لقاء معهم في 2011 بعد تشكيل المجلس الوطني قال وزير الخارجية لافروف نحن لسنا متزوجين من الأسد وليست لدينا علاقات خاصة معه، هو بالعكس زار الدول الغربية أكثر من روسيا بكثير»، مبينا أنه «عندما يقول الروس نحن لا ندافع عن الأسد ولسنا متمسكين بشخصه وإنما نريد الحفاظ على مؤسسات الدولة، فهم لا يقصدون أنهم مستعدون للتخلي عنه».
الروس يلعبون بالكلمات، لكن موقفهم دائما هو نفسه، هم مع الأسد ما دام حيا وفي القصر في دمشق. والتواصل مع موسكو، وتقديم الخدمات المختلفة من قبل دول المنطقة على أمل تليين موقفها، لم ينجبا شيئا يذكر. حتى موقفهم من مصر هو في أساسه تحصيل حاصل، مع القاهرة ضد واشنطن، بل مع النظام الواقف. والآن في التحدي الخطير الذي يواجه النظام الروسي بسبب الحصار الغربي، فإن روسيا ليست بالطرف الذي يستحق من المعارضة السورية كل هذا الاهتمام، ولن تبدل موقفها، في سوريا أو في أي نقطة توتر أخرى. ومثلما يقول غليون «في كل لقاء مع لافروف تقع المعارضة السورية في الفخ وتعود لنشر الأوهام، قبل أن تكتشف خدعة موسكو وخداعها. موسكو لم تغير موقفها».
خيار المعارضة ترتيب صفوفها، والمراهنة على خيارها العسكري الميداني، هنا فقط يمكن للروس والأميركيين أن يستمعوا إليها. ولا توجد أمام الحكومتين خيارات لاحقة أخرى سوى التعامل مع المعارضة، بين الأسد المحاصر والإرهاب المتوحش.

اقرأ المزيد
١٧ ديسمبر ٢٠١٤
ماذا وراء أكمة «خطة دي ميستورا»؟

الدور الناشط في مجال العلاقات العامة لمصلحة النظام السوري، الذي لعبه الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة حتى توقيفه بتهمة التآمر لإحداث تفجيرات في لبنان بالتنسيق مع علي مملوك، أحد أركان المنظومة الأمنية لنظام دمشق، برز مرتين أمام متابعي شؤون سوريا: المرة الأولى، الظهور العلني التنسيقي في باريس في آخر زيارة رسمية قام بها بشار الأسد لفرنسا. والمرة الثانية دوره المزعوم في ترتيب زيارة الكاتب والإعلامي الأميركي سيمور هيرش لأمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله.

بعد هاتين المحطتين صار سماحة يوصف بأنه أحد رجال «حلقة العلاقات العامة التابعة لنظام بشار الأسد». غير أن تداعيات ما حدث بالنسبة للمحنة السورية على المستوى الدولي أكدت بضع حقائق أخرى مهمة:

- الأولى أن النظام السوري «صندوق بريد» و«متعهد مهام خاصة» لعدة أطراف دولية يخدمها لقاء مساعدته على تحقيق غايته الوحيدة وهي غاية البقاء.. مهما كان الثمن.

- الثانية أن نظام دمشق، تحديدا في عهد حافظ الأسد، كان يدرك أولويات البقاء ويلم بمقتضيات المناورة وتحاشي قطع خط الرجعة مع من يستفيد من دعمهم له أو صمتهم عليه. وبالتالي، حرص على المحافظة على «صداقاته» العربية إقليميا، وإبراز شخصيات سنّية في الحكومة والجيش على الرغم من تحالفه الاستراتيجي الضمني مع إيران الخمينية.

- الثالثة أن حافظ الأسد في علاقاته السياسية في عواصم القرار الكبرى ما كان يعتمد على الطواقم الدبلوماسية العادية وقنواتها الروتينية - كما ظهر في تسريبات «ويكيليكس» - بل على شخصيات يرتبط معها بعلاقات شخصية ومصلحية، تبادل النظام الخدمات في مجالات وعلى مستويات أكثر حساسية وعمقا مما تستطيع البعثات الرسمية العادية إنجازه. وبالفعل، جنّد النظام منذ عهد الأسد الأب زمرا من رجال الأعمال والمتموّلين السوريين المهاجرين الكبار في أميركا وأوروبا، لا سيما الذين ظلت لهم مصالح داخل سوريا يحرصون عليها، وذلك ليفتحوا له الأبواب على أعلى المستويات، وينفقوا الأموال لشراء تعاون الأكاديميين ومؤسسات العلاقات العامة تحت مختلف المسميات والأدوار.

- الرابعة أن إيران تتولّى اليوم زمام نظام الأسد الابن. وكان قد اتضح بعد 2005 مع سحب القوات السورية من لبنان، في أعقاب تصفية رفيق الحريري، أن ثمة «مؤسسة تحتية أمنية» أسّست وطوّرت في سوريا ولبنان مرجعيتها الحقيقية طهران، وهي التي تحكم البلدين فعليا. وبالتالي، فإن نظام الأسد الابن كان المستفيد الأكبر من قرار باراك أوباما الانفتاح على طهران والتحالف معها إقليميا، ومن جعل أوباما الإسلام السني الجهادي و«التكفيري» غريمه الأول في المنطقة. والمفارقة هنا أن الإسلام السياسي السنّي المتشدّد ما كان في يوم من الأيام عائقا في سبيل المصالح الأميركية في المنطقة، بل العكس هو الصحيح طيلة حقبة «الحرب الباردة» مع الاتحاد السوفياتي.

- الخامسة هي أن واشنطن تعرف الكثير عن دور دمشق الأسد وطهران الخمينية في تهريب «الجهاديين» إلى داخل العراق لمناوشة القوات الأميركية هناك بعد غزو 2003، وذلك بهدف التعجيل بمغادرتها الأراضي العراقية، وهذا بالضبط ما حصل. وبعدما انتهى دور هؤلاء استخدمتهم طهران ودمشق «فزاعة» لأميركا والغرب، وها هم اليوم عبر «داعش» وبقايا «القاعدة» الوسيلة المثلى لكسب الدعم الغربي، ودخول العاصمتين «الممانعتين» تحت المظلة الأميركية الإقليمية في «الحرب على الإرهاب التكفيري».

كل هذه الحقائق تشكل الخلفية اللازمة لفهم «خطة ستافان دي ميستورا» القائمة على مبدأ «تجميد» المواجهات العسكرية في النقاط السورية الساخنة لتسهيل العملية التفاوضية. «التجميد» الذي تنطوي عليه الخطة هو في الواقع ترجمة على مستوى أعلى لنهج «المصالحات» الموضعية التي اعتمدها نظام الأسد مع المناطق والضواحي والأحياء التي كان يحاصرها بالتجويع بعدما تستعصي عليه ميدانيا. ثم إن فكرة «التجميد» من بنات أفكار إعلامي أميركي – إيراني مقرّب جدا من «حزب الله» وبشار الأسد شخصيا، وهو الموكّل بملف سوريا في منظمة «التحاور الإنساني» الدولية التي تتلقى الدعم من بعض الحكومات الأوروبية المهتمة بالتحاور والتفاوض والسلام وعلى رأسها سويسرا والنرويج.

ومن الواضح اليوم أن النظام بعدما نجح، بفضل الدعمين الروسي والإيراني، في تحويل الصراع في سوريا من ثورة شعبية سلمية إلى حرب أهلية وتشريد ومعاناة إنسانية، حرّك أدواته وعملاءه ووكلاء علاقاته العامة في أميركا وأوروبا لطرح الأمر برمّته من زاويتين «إنسانيتين» هما: وقف المعاناة الإنسانية، ومكافحة التطرّف «التكفيري» الذي يهدّد الأقليات.. وفي هذا الاتجاه عُقد مؤتمر «الدفاع عن مسيحيي الشرق» في واشنطن أخيرا برعاية وتمويل من رجال أعمال وناشطين مسيحيين من أصحاب المصالح والصلات مع الأسد وطهران.

المطلعون على خلفيات مهمة دي ميستورا يشيرون أيضا إلى أسماء يصفون أصحابها بـ«مطبخ» مبادرته، بينهم أكاديميون أميركيون وأوروبيون وإسرائيليون، ورجال أعمال وعملاء نظام سوريون، وخبراء أميركيون ولبنانيون في تكتيكات التفاوض. ومن الدراسات المهمة التي شكلت أرضية مفيدة لهذه المبادرة وغيرها التقرير الذي أعده مركز بلفر للعلوم والعلاقات الدولية في معهد جون إف كيندي للدراسات الحكومية بجامعة هارفارد، بالتعاون مع جامعة ترينيتي - تكساس والمعهد النرويجي للعلاقات الدولية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2013، تحت عنوان «العقبات التي تعترض حل الأزمة السورية». أما القاسم المشترك بين معدّي التقرير - منهم البروفسور الأميركي ديفيد ليش القريب جدا من بشار الأسد، والبروفسور الإسرائيلي إيال زيسر الذي يتهمه البعض بـ«الصديق الفخري» للرئيس السوري في إسرائيل - فهو تعاطفهم مع النظام وتشكيكهم في قدرة المعارضة ونيّاتها، وبالذات التيار الإسلامي فيها، وتحذيرهم من المبالغة في «تبسيط» هذه الأزمة «المعقّدة».

هذه هي خلفية خطة دي ميستورا..

ولكن لا بد من القول، في الختام، إن مثل هذه المبادرات ما كانت لتبصر النور لو كانت هناك قيادات عالمية تحترم حريات الشعوب، وكانت هناك مقاربات مبدئية عاجلة وناجعة للنزاع السوري بدلا من تحويل سوريا إلى «مصيدة».. والشعب إلى السوري إلى «طُعم» لاصطياد «داعشيي» العالم!

اقرأ المزيد
١٧ ديسمبر ٢٠١٤
حقائق أمام "باري ماتش" بعد محاورتها الأسد

لا يستحق حوار المجرم بشار الأسد مع مجلة باري ماتش، والذي نشرته في الرابع من ديسمبر/كانون الأول الجاري، الاهتمام والتعليق، فهو مشبع بالكذب والادعاء. لكن، لأن الحديث اهتمت بنشره مجلة فرنسية واسعة الانتشار، ولأن سياق الحدث السوري يمر بمرحلتي "داعش" والتحالف الدولي، رأيت واجب التعليق والرد.

لن أستخدم وصفاً آخر للأسد غير المجرم، فوحده المناسب، فقد ارتكب المذكور ما يطلق عليها القانون الدولي جرائم ضد الإنسانية. فكان يجب سوقه، أو على الأقل، المطالبة بسوقه إلى محكمة الجنايات الدولية، بدلاً من إجراء "باري ماتش" مقابلة صحافية معه، وبدلاً من السكوت السافر عن جرائمه الموصوفة. لكن، وللأسف، سياسة الدول والإعلام شيء، والقانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان شيء آخر. والواضح لكل ذي بصيرة أن الفارق بينهما على أشده فيما يتعلق بالمأساة السورية المستمرة.

أما عن المقابلة، واحتراماً لحق القارئ الفرنسي في الاطلاع على الأقل، نقول إن المجرم الأسد يكذب، منذ الجملة الأولى في جوابه الأول، وهذا دأبه. وكان الأحرى بنائب رئيس تحرير مجلة باري ماتش، الذي أجرى المقابلة، أن يواجه ذلك بالحقائق التي تقول: على العكس تماماً. منذ الأيام الأولى، كان الشهداء من المدنيين فقط، ففي درعا سقط الطالب أكرم الجوابرة أول شهداء الثورة برصاص الأمن، يوم الجمعة 18 مارس/آذار 2011، ولحقه حسام عبد الوالي عياش وأيهم الحريري، وشاب آخر، ولم يُجرح واحد من السلطة. ومنذ الأيام الأولى، واجهت السلطة المظاهرات السلمية بالعنف، في درعا وحمص وبانياس، ولم يكن هناك أي سلاح لدى المتظاهرين، بل لم تكن الشعارات ضد النظام، ولا ضد الرئيس حتى، بل كانت كل مطالبها تتركز في درعا على إطلاق سراح الأطفال، ومحاسبة من عذّبهم، وتطورت إلى المطالبة بإقالة المحافظ. كذلك في حمص، إذ خرجت المظاهرة الثانية يوم الجمعة 25/ 3/2011، تنادي بإلغاء الأحكام العرفية، وإقالة المحافظ الفاسد والإفراج عن طلّ الملوحي، الصبيّة العشرينية التي صارت رمزاً للاعتقال التعسفي، ولم يفرج عنها حتى اليوم، على الرغم من نيلها تخفيض ربع المدة التقليدي قبل حوالى العام. أما المستشارة الرئاسية، بثينة شعبان، ففي مؤتمر صحافي شهير مساء 24 /3/2011، اتهمت جمهور المتظاهرين بالفتنة والإرهاب مباشرة، وقالت إن "الرئيس" أمر بعدم إطلاق النار على المتظاهرين، حتى لو أطلقوا وبادروا هم أنفسهم بإطلاق النار. وكان هذا منتهى الكذب والخداع. وحيث لم يكن مسموحاً باطلاع صحافة مستقلة أو مراقبين أجانب على ذلك كله، وفق الوضع السوري المعروف، فقد أطلق رصاص الشرطة والأمن والشبيحة على المتظاهرين السلميين، بعد أقل من 18 ساعة من ذلك التصريح.

" للأسف، سياسة الدول والإعلام شيء، والقانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان شيء آخر "

وشهدت ذلك بنفسي ذلك اليوم، في حمص، وأعلنته على عدة فضائيات. صحيح أنه لم يمت أحد بالرصاص يومها، بل جرح كثيرون، ومات مجند شاب كان حارساً على باب نادي الضباط، لكنه مات بالحجارة التي لجأ إليها المتظاهرون رداً، وهم هاربون من رصاص الأمن، فاقتحموا النادي المذكور، الذي كان رمزا لكل قباحات النظام، وتسلق اثنان منهم البناء، ومزقا لوحة الأسد الأب، فرفسها أحدهما بقدمه، في منظر صار من أوائل أيقونات الثورة السلمية السورية.

أما الحديث عن دعم قطر وتركيا الإرهابيين، فالجميع يعلم أن البلدين تأخرا في تأييد الثورة السورية، بعدما كانا أبرز أصدقاء النظام وشركائه، ولم يكفّ البلدان، عبر وزيري خارجيتهما، عن زيارة دمشق ونصح المجرم ومطالبته بالإصلاح واستيعاب مطالب شعبه، وبدون فائدة طوال الشهرين الأولين من أحداث الثورة.

لكن، يستغبي المجرم القراء وذاكرتهم، ويمضي في حديثه عن أخطاء الممارسة بطبيعة الأمور، وكأن قتل آلاف المدنيين، وتشريد ملايين السوريين لاجئين، ومحو أجزاء كبيرة من حمص ودرعا وحلب وغيرها، وتدمير سورية وإعادتها قروناً إلى الوراء، مجرد أخطاء طبيعية ومتوقعة في الممارسة، تماثل أخطاء متمرن جديد في لعبة كرة القدم، أو رحلة كشافة.

في جوابه الثاني، يناقض خطاباته الأولى التي اعترف فيها بنفسه بسلمية الثورة، خلال أشهرها الستة الأولى، ويمضي منسجماً مع الرواية التي استكملها ونجح، مع الأسف، في إخراجها وتنفيذها واقعياً في سياق دولي ملائم. وهي رواية تتلخص في أن كل ما حدث من مظاهرات محض إرهاب. لذا، كان لا بد من مواجهته بالسلاح. وذلك، بالضبط، ما يلاقي هوى الغرب الذي تجتاحه، اليوم، فوبيا الإرهاب. وفي ذلك يتابع، فيقول: لو لم ندافع عن الشعب، لما كنا قادرين على الصمود. بينما نعلم جميعاً أن إرهابيي حزب الله هم الذين استعادوا القصير من الثوار، وليس جيشه مدعي الصمود. علما أنهم استعادوا القصير بعد تدميرها، ومسحها بالطيران، كما أن تدخل قوات الباسيج الإيرانية، والدعم الروسي والإيراني لجيشه وخزانته لا يحتاج دليلاً جديداً.

وجرياً على عادته في الادعاء، إن لم نقل أكثر، يرفض أرقام الأمم المتحدة ومصادرها، وكأن لديه أفضل منها، لكنه لا يعلمنا عنها مع ذلك! فتفلت منه، ومن الذين لا شك أنهم أعدوا له الأجوبة، عبارة ستثير الرعب لدى مواليه، فضلا عن أنها تنسف ادعاءاته بتحقيق النصر. ويعترف، أو يدعي، فيها، بأن العدد الأكبر من الضحايا في سورية هم من مؤيديه، على الرغم من محاولته الظهور بمظهر الضحية. فلا شك أن أعداد القتلى هي أحد المؤشرات العسكرية للنصر أو الهزيمة، لكنها هنا، وبتأثير سلاح الطيران وصواريخ سكود والبراميل المتفجرة، والتي يملكها النظام، ولا تملكها المعارضة، كما يعلم العالم بأجمعه، وخصوصا من يمنع الأسلحة عن الجيش السوري الحر. وبتأثير ذلك كله، في التسبب بأعداد هائلة من القتلى المدنيين، ملأت صور مجازرهم الشاشات والصحف، لكي تبرهن انتصاره، لكن ليس على جثث شعبه فقط، بل على آثار سورية وعمرانها واقتصادها وبيئتها كذلك.

" نعلم جميعاً أن إرهابيي حزب الله هم الذين استعادوا القصير من الثوار، وليس جيشه مدعي الصمود "

أما الكذبة الكبرى، والأكثر ادعاء وفضائحية، فهو تكراره مصطلح الدولة، الغريب بكل المقاييس عن نظامه، على الرغم من لعبة تحديد المصطلحات التي يتفاصح بها دوماً، وطالما عبّرت عن إحساسه بالنقص تجاه الثقافة والمثقفين. وهو، بذلك، يتعامى عن خصائص نظامه الذي اشتهر بالفوز بنسبة تقارب الـ99% في كل أشكال ومستويات انتخاباته، كما اشتهر بالرئاسة الوراثية، واستدامة العائلة الحاكمة إلى الأبد. لكن، والحق يقال، كان صادقا للمرة الأولى بقوله "من المستحيل لدولة أن تقتل المدنيين". ولما كان معروفاً بصورة قاطعة، أنه قتل المدنيين، فإن نظامه لا يمثل دولة فعلاً، وبحسب أقواله تحديداً، إنما هو نظام عصابة عائلية، عنصرية ضد الآخرين من شعبها، كما كان نظام سلوبودان ميلوسيفتش، وكما كان نظام الأبارتايد، والمعلم الكبير للتمييز العنصري نظام هتلر!

وحين يعترف بأنه لا يستطيع الحديث عن نهاية الحرب، فيحاول الظهور بمظهر الواقعي، على العكس من كل إعلاناته السابقة عن قرب انتصاره، وقضائه على فلول الإرهابيين، وذلك لأنه فشل عملياً في الانتصار على الثوار، وامتد صراعه معهم حوالى أربع سنوات، ولا أفق يبدو لنهاية الكرّ والفرّ معهم، فقد لجأ للعبة عاطفية تثير السخرية، بحديثه عن كسب قلوب السوريين، وهو المعروف عنه، بكل بساطة: أنه حطّم قلوب كل السوريين، معارضين أو موالين، على السواء.

أما أطرف ما جاء في الحوار، فهو عن اشتراط الإجراءات الدستورية التي يأتي بواسطتها الرئيس، وكأن الانتخابات السورية مجهولة عالمياً، أو كأن تزويرها، ونسب النجاح فيها، لم تعد تثير ضحك الناس في العالم، بل قرفهم، ويأسهم من فشل الأنظمة والمجتمعات العربية أيضاً.

" لجأ الأسد للعبة عاطفية تثير السخرية، بحديثه عن كسب قلوب السوريين، وهو المعروف عنه، بكل بساطة: أنه حطّم قلوب كل السوريين، معارضين أو موالين، على السواء "

وحين يستحق القسم الثاني من الحوار بعض الاهتمام، نظراً لجدة الموضوع المتعلق بداعش والتحالف الدولي، فيسأله مندوب "باري ماتش": "قام سلاحكم الجوي بألفي طلعة على الأقل خلال 40 يوماً، وهذا عدد ضخم. عندما تتقاطع طائراتكم مع طائراتهم، مثلاً، وهي في طريقها إلى قصف الرقة، هل هناك تنسيق بينكم أو اتفاق عدم اعتداء؟" هنا، يكاد المجرم يشير إلى تنسيق غير مباشر بين قواته وضربات طيرانه وبين قوات التحالف الدولي. لكنه لا يكشف أن تلك الضربات لم تصب أحداً من داعش، على الإطلاق، في غاراتها تلك، بين يومي الثلاثاء والخميس الأسودين 25/ 26 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بل أصابت كثيرين من أهل الرقة، وأرسلت 305 منهم مباشرة إلى الجنّة.

وبالطبع لن يحب أن نذكّر بإفراجه المدروس، أوائل الثورة، وفي أوائل الثورة السلمية، عن حوالى 700 سجين إسلامي متشدد، من سجن صيدنايا الشهير، وعلى رأسهم الأربعة، الذين قادوا أكبر القوى الإسلامية التي ستستولي على قيادة الثورة السلمية السورية، وتتابع عسكرتها لاحقاً، وصولاً إلى تحول معظم مقاتليها إلى صفوف داعش. (بموجب أول مراسيم العفو 31/05/2011، أفرج عن زهران علوش، قائد لواء الإسلام لاحقا، ثم جيش الإسلام. وحسان عبود، أبو عبد الله الحموي قائد أحرار الشام، الذي قتل بصورة غامضة، مع حوالى 50 من قادته في اجتماع سري، في أوائل سبتمبر/أيلول 2014. وعيسى الشيخ قائد لواء صقور الشام، وأبومحمد الجولاني أمير جبهة النصرة).

وإذ لا تستحق تفاصيل عديدة، في الحوار، الوقوف عندها، نظراً لارتفاع نسبة الكذب والادعاء وتضخم تأثيرات انفصامه عن الواقع، مثل حديثه عن قبطان السفينة الذي لا يفكر بحياته، بل بإنقاذ السفينة، فإن كل ما هو مكشوف ومفضوح من مسؤوليته عن إغراقها وإغراق مواطنيها في مآس غير مسبوقة في تاريخ الشعوب، يؤكد أن إنقاذ سفينة سورية في أي حل عسكري أو سياسي قادم لا يمكن أن يتم بدون إبعاد مريض ومجرم مثل بشار الأسد.

اقرأ المزيد
١٧ ديسمبر ٢٠١٤
أربع قوى متصادمة في المنطقة

تتصادم في منطقتنا ثلاث قوى أساسية، موجودة تاريخياً، وهي من صلب المنطقة، ورابعة دخيلة. ولكل منها مشروعها، وبسبب غياب قوة مهيمنة من جهة، وغياب تفاهم ينظم العلاقة بينها، ينشأ الصدام بدلاً من التنافس.

إيران: القوة الخشنة"، هي قوة من صلب المنطقة، لها أمجاد تاريخية ما زالت تعشعش في عقول قادتها وقلوب شعبها الفارسي، وتحلم ببعث فارسي. ولديها كتلة سكانية كبيرة، تقارب الـ 75 مليوناً، وقدرة علمية وتكنولوجية تفوق جيرانها، وقدرة على صناعة قنبلة نووية، وتحتل موقعاً حاكما في أهم منطقة لإنتاج النفط في العالم، وهي تقيم حكماً شمولياً استبدادياً معادياً للديمقراطية وحق الشعب في قول كلمتة بحرية، ويعيق تداول السلطة، ويمنع أي تغيير في طبيعة النظام والفئة الأوليغارشية الثيوقراطية الحاكمة.

لأنها تحولت إلى المذهب الشيعي منذ أربعة قرون، في صراعها مع الدولة العثمانية، وقامت بها ثورة، اتخذت لبوساً دينياً في ربيع سنة 1979، وأقامت سلطة استبدادية أوليغارشية، فقد اتخذت الإسلام الشيعي هوية، وتسعى إلى تهييج الشعور الديني الشيعي، وتضخيم ما يسمى المظلومية التاريخية للشيعة، وتعيد إحياء خلاف مر عليه أربعة عشر قرناً، وتعكسه في ممارسات اللطم الغريبة عن روح العصر، كأداة لإيجاد عصبية تعزيز نفوذها في منطقةٍ، تدين غالبيتها بالمذهب السني. يستلزم هذا التحول صداماً كبيراً لكي تستطيع إيران أن تزيد نفوذها وتتمدد عبر تصدير الثورة وتوسيع التشيع الذي يغدو أشبه بحصان طروادة. لذلك، هي تدخل المنطقة في صراعات لا تنتهي. وسيكون توسيع نفوذها على حساب العرب الضعفاء.

برزت نتائج سياستها في العراق، فأدت إلى خرابه عبر حربين وحصار واحتلال أميركي، وحكم مستبد مذهبي. وفي اليمن، أنتجت الحوثيين ببرنامجهم لاحتلال اليمن الذي سيؤدي، اليوم، إلى دماره. وفي غزة، تدعم حماس على نحو يعيق أية مصالحة فلسطينية. وفي لبنان، حولت الطائفة الشيعية من جماعة منفتحة على العصر، وحاوية للفكر الوطني والقومي واليساري، إلى جماعة تخضع لحزب الله الذي يجاهر بولائه لإيران، وليس للبنان، وأصبح قوة تزعزع استقرار لبنان. وفي البحرين، تسعى إلى الاستيلاء على السلطة، وتعمل على إثارة الشيعة في شرق السعودية. وفي سورية، تسهم بقوة في إعاقة الوصول إلى حل سياسي للكارثة السورية.

تركيا: القوة الناعمة، قوة أساسية من صلب المنطقة، وإن كانت أحدث من الفرس، لكن تركيا التي تدين بالمذهب السني، ولديها حكومة إسلامية، وتشعر أنها تعمل في محيط صديق، لسببين، فهي كانت، حتى الأمس القريب، تسيطر على فضاء عثماني واسع، يشمل الجزء الأكبر من بلدان العرب، وجزءاً من شرق أوروبا، ثم لها امتداد إثني في وسط آسيا. هذا يشجعها لأن تكون قوة إقليمية كبرى، وهي دولة تعد 75 مليون نسمة، وقد أطلق على نهجها تجاه المنطقة "العثمانية الجديدة"، وتقع على منطقة مهمة ومضائق استراتيجية، وتربط بين أوروبا والعرب، وأوروبا ودول وسط آسيا، وهي عضو في حلف الناتو، ولها علاقات وثيقة بأوروبا، ولديها قوة علمية وقدرة تكنولوجية متقدمة، تستطيع أن تصنع قنبلة ذرية، لكنها لا تفعل، وهذا أحد أمثلة التضاد بين نهجها ونهج إيران.

ويشجع نجاحها الاقتصادي على أن تكون قوة إقليمية أولى، وهي تستعمل ما تسمى القوة الناعمة، أي العلاقات التجارية والاقتصادية والعلاقات الدبلوماسية والنشاط الثقافي (موجة المسلسلات التركية مثلا). وقد وسعت علاقاتها التجارية مع بلدان المنطقة، لترتفع تبادلاتها التجارية معها من نحو 10% إلى نحو 35%. وهي تقدم نموذجاً إسلامياً معتدلاً، يتعايش مع قيم العصر ومقبولاً عالمياً. ولا تطرح نهجها الإسلامي بقوة. وقد حققت نجاحاتٍ في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت تحلم طوال 2011 بأن يكون الربيع العربي موجة من الثورات التي تحول بلدانه إلى نماذج من أنظمة حكم إسلامية قريبة منها، وقدمت نموذجها الاسلامي التركي موديلاً يحتذى. ولكن نجاحاتها بدأت تتراجع، ولم يسمح لها أن تمد نفوذها إلى أواسط آسيا، حيث سيطر الأميركان. وتقف بوجه حكومتها الإسلامية قوى داخلية علمانية قوية، تجبرها على نهج سياسي ديمقراطي، يعززه طموح بالانضمام إلى أوروبا، ما يخلق التوازن في سياساتها.

إسرائيل: القوة الدخيلة، قوة دخيلة على المنطقة، هي تحقيق لحلم بعض المجانين، وقد لقي هوى في نفوس قادة بريطانيا أولاً، وأوروبا ثانياً، وتعتمد في بقائها على الدعم الغربي، والأميركي خصوصاً. وإسرائيل واليهود عموماً بارعون في ابتزاز هذا الدعم. وهي القوة العلمية والتكنولوجية والصناعية الأولى في المنطقة، ولديها نحو 200 قنبلة ذرية، على الرغم من صغر حجمها. ولكن، ولأنها دخيلة لم تستطع أن تحقق اختراقاً في المنطقة، ولا أن تكون مقبولة، ولا يعتقد أنها ستنجح في ذلك، فتعصب قادتها وتحول مجتمعها نحو اليمين، ونمو قوى التطرف الديني، يحولانها إلى مجتمع عسكري، وتصبح أشبه بثكنة عسكرية، تحتاج دائماً لمن تحاربه كي تبقى. فهي مجتمع صغير يخشى السلام، ويخشى الاستقرار، ويخشى الانفتاح، ما يهدد وجودها بالذوبان في محيط واسع من العرب. لكنها، بتقدمها العلمي والتقني والإداري والاقتصادي، تتفوق على جميع العرب مجتمعين. وهذا ما يتسق مع طبيعة العصر، فالقوة اليوم للعلم والمعرفة، وهي لا تسمح للمجانين المتعصبين وغيبياتهم أن يقتربوا من عقلها وعقلانيتها، لكيلا يؤثروا على قدرتها العلمية والتكنولوجية والإنتاجية، بل تحول هذا التعصب إلى خدمة مصالحها، كثكنة عسكرية في محيط معاد، كان وسيبقى.

" القوة اليوم للعلم والمعرفة، وإسرائيل لا تسمح للمجانين المتعصبين وغيبياتهم أن يقتربوا من عقلها وعقلانيتها "

العرب: القوة الفاشلة، هم قوة أساسية كبيرة في المنطقة، لها ماض مجيد تحلم باستعادته، وتملك، اليوم، قوة بشرية لا تضاهى في المنطقة، وقوة اقتصادية كبيرة وموقعاً استراتيجياً، ولديها جامعة عربية، ومنظمات عربية مشتركة كثيرة، لكنها جميعها بفاعلية ضعيفة. وقد فشل القوميون في بعث الأمة العربية من رمادها، فبقي العرب شراذم مشتتة متفرقة، تفتقد المشروع والقيادة. لذا، تستبيحها القوى الثلاث الأخرى، فهم، اليوم، أشبه بـ"تركة الرجل المحتضر"، كما أطلق على الامبراطورية العثمانية، مطلع القرن العشرين.

كل قوة تسعى إلى تعزيز نفوذها وتوسيعه، وإن اختلفت المناهج. وعلى الرغم من أن العرب كانوا سباقين في مشاريعهم النهضوية، غير أنهم لم يكونوا حازمين، وتتغلب نزعتهم الماضوية على نزعتهم الحداثية، ومشروع النهوض القومي الذي مثله جمال عبد الناصر لم يؤسس لمشروع ثابت، لاعتماده على شخص عبد الناصر فقط، بدلاً من تحويله إلى تيار، واليوم ثمة من يريد إعادتنا 14 قرناً إلى الوراء.

الربيع العربي بشر، في بداياته، بنهضة وعي شعبي ذاتي، كان يتوقع له أن يطلق، في حال انتصاره، القوة العربية الكامنة، لكنه تحول إلى خريف، بات يهدد ما لدى دوله من إمكانات، على الرغم من الاعتقاد بأنه سيؤدي، مستقبلاً، إلى أوضاع تطلق قدرات الشعوب والبلدان العربية، وتدمجها في مشروع نهضوي واحد، ليكون المشروع العربي القوة الأولى في المنطقة، فإن الوصول إلى ذاك اليوم لا يبدو على الأبواب. ولن يكون العرب قوة تحسب حسابها إلا إذا امتلكوا مشروعهم، واتخذوا من العقل والعقلانية نبراساً يهديهم سواء الطريق.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان