مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٩ ديسمبر ٢٠١٥
المعارضة السورية وسباق الحواجز

تدخل المعارضة السورية، اليوم، في سباق يشبه سباق الحواجز. المجموعة الأولى منها هي حواجز مؤتمر الرياض الذي يعقد اليوم وغداً، 9 و10 ديسمبر/كانون أول، وأمامه عدة حواجز عليه أن يتخطاها، وهي:
حاجز التوافق على تحديد أساس التفاوض مع النظام بين، أ) الإصرار على بيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2118 وتشكيل هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية، أي لا صلاحيات خارجها، والتمسك بأن يعلن النظام والمعارضة، في بداية المفاوضات، أن أساس التفاوض هو بيان جنيف وقرار مجلس الأمن، علماً أن النظام يرفض "جنيف" كلياً، ويعادي كل من يؤيد جنيف، وب) وبين من يتمسك بعدم وضع أي شرط مسبق للتفاوض، بما يعني فتح الباب أمام بقاء رأس النظام والنظام.
حاجز النص صراحةً على أن لا دور لبشار الأسد، لا في المرحلة الانتقالية ولا بعدها، حاجز التوافق على أن مؤتمر الرياض هو مرجعية التفاوض مع النظام ومرجعية وفد المعارضة، وقد يبرز خلاف حولها بين من يوافق على هذه الفكرة ومن يريد "الائتلاف" مرجعية ومن لا يريد أيّ مرجعية، وأن يكون الوفد مرجعية نفسه. حاجز التوافق على انتخاب سكرتاريا لمؤتمر الرياض، تكون بمثابة قيادة سياسية لعملية التفاوض، وقد يكون هذا موضع صراع، فالائتلافيون، وعددهم قرابة 40 عضواً في مؤتمر الرياض، يرغبون في أن يكون "الائتلاف" المرجعية، بينما مجموعات أخرى، وهم الغالبية، ترفض هذا الأمر بتاتاً، ولا تراه منطقياً ولا مقبولاً. حاجز تسمية وفد التفاوض، وسيكون هذا موضع صراع كبير.
قد ينجح مؤتمر الرياض في تجاوز هذه الخلافات، ويخرج بنتائج مقبولة من الجميع تقريباً، وخصوصاً عبر الضغط السعودي، وقد تبلغ الخلافات حد انسحاب بعض المشاركين، لا سيما ما تسمى المعارضة اللينة، وإن انسحبت ستعطي الروس حجة أن وفد المعارضة للتفاوض لا يمثل كل أطيافها، وسيطالبون بحصة من وفد التفاوض، وإن تراخى المؤتمر في مخرجاته كي يضمن بقاء الجميع بدون انسحاباتٍ، فقد تجد الفصائل المعارضة نفسها في وضع حرج، ما لم يخرج المؤتمر بموقفٍ قويٍّ يتوافق وحجم التضحيات والقتل والدمار المستمر، وقد تجد نفسها مضطرة للانسحاب، لأن قواعدها ستحاسبها، والتراخي من الفصائل يدفع مجموعات منهم إلى الذهاب إلى "جبهة النصرة". إذن، يضم المؤتمر مجموعاتٍ، ليس من السهل التوفيق بين مواقفها.
المجموعة الثانية حواجز مؤتمر فيينا/ نيويورك وما سينتج عنه، وفي حال نجاح مؤتمر الرياض والقفز بنجاح فوق جميع حواجزه، ستواجه المعارضة حواجز مؤتمر فيينا/ نيويورك. وفي حال كانت مخرجات "فيينا" تعزز الموقف المتمسك بعملية انتقال سياسي فعلي في سورية، أم كانت تعزز الموقف المتساهل مع الأسد وبقائه، خصوصاً وأن أحداث "داعش" تدفع الموقف الدولي باتجاه قبول الأسد، ويتوقع أعمال أخرى لداعش كي تدفع المجتمع الدولي أكثر نحو قبول النظام "شريكاً لا بد منه"، في محاربة داعش. هذا الحاجز ليس للمعارضة أي يد فيه، أو تأثير عليه، ولكن، لكل من السعودية وقطر وتركيا تأثير عليه، فكيف ستتصرف هذه الدول الثلاث في فيينا/ نيويورك، لمواجهة الضغوط الأميركية والروسية المتوقعة في مؤتمر فيينا/ نيويورك؟
"قد ينجح مؤتمر الرياض في تجاوز الخلافات، ويخرج بنتائج مقبولة من الجميع تقريباً، وخصوصاً عبر الضغط السعودي، وقد تبلغ الخلافات حد انسحاب بعض المشاركين، لا سيما ما تسمى المعارضة اللينة"

المجموعة الثالثة من الحواجز هي المفاوضات بين المعارضة والنظام، ففي حال تخطي حواجز مؤتمر الرياض ومؤتمر فيينا – نيويورك بنجاح، سيبقى الحاجز الأصعب، وهو المفاوضات مع النظام، فقد تبرز اختلافات وجهات النظر ضمن وفد المعارضة نفسه في أثناء عملية التفاوض. وفي حال تخطي حدوث خلافاتٍ ضمن وفد المعارضة، عبر التنسيق والتحضير الجيدين، ستبرز الخلافات الكبيرة مع وفد النظام الذي سيتشدد لدفع المعارضة إلى الانسحاب، عبر طرح مناقشة مسألة الإرهاب أولاً، وهو طرح يلقى تأييد الروس (شركاء النظام) وتعاطف الأميركان والأوروبيين، وتأييد مندوبي لبنان ومصر وغيرها. وقد تتوقف المفاوضات بعد الجولة الثانية، أو الثالثة، من دون إحراز تقدم. وحينها، يتوقع تصاعد القتال، بعد أن يهدأ قليلاً في أثناء المفاوضات، وسيسعى الطرفان إلى تحقيق مكاسب على الأرض، وقد تمضي ثلاثة شهور تقريباً إلى حين إعادة ترتيب جولة مفاوضات ثانية، ولكن، لا أحد يعرف كيف ستكون النتائج.
يتوقع أن تكون استراتيجية الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عدم تسهيل اجتياز هذه الحواجز وعرقلة الوصول الى أي توافق، الآن، ريثما ينجز استراتيجيته المتمثلة بالقضاء على الفصائل المقاتلة للمعارضة السورية، أولاً، قبل القضاء على "داعش"، لكي يبقى في الميدان النظام و"داعش"، ما يضع المجتمع الدولي أمام خيار وحيد، هو محاربة "داعش"، وتمكين النظام، لأن القضاء على "داعش"، قبل القضاء على فصائل المعارضة المسلحة سيقوّي موقع الأخيرة من جهة، ومن جهة أخرى، سيجعل القوى الغربية تعود إلى موقفها الأول، وتصر على تحقيق انتقال سياسي في سورية، من دون الأسد. وهي الاستراتيجية التي يطبقها بوتين، منذ لحظة تدخله الفعلي في الصراع السوري، في 30 سبتمبر/أيلول 2015، فهو لا يقصف مواقع "داعش"، ويركز قصفه على المعارضة المسلحة، بل تهاجم "داعش" مواقع المعارضة في حلب، في الوقت الذي تهاجمها فيه قوات النظام، بينما يقصفها بوتين من الجو، وهو يستغل إسقاط الأتراك الطائرة الروسية لتنفيذ هذه الاستراتيجية بقوة أكبر. أما القوى الغربية فهي ترى وتسمع، لكنها لا تريد أن تفعل شيئاً، حتى الآن، فهي تنتظر أن تغرق روسيا في الوحل السوري أكثر، ولا يهمها كم من الأرواح السورية ستزهق، وكم من البيوت ستهدم، وحتى القوى الداعمة للمعارضة فهي تنتظر نتائج مؤتمرات الرياض وفيينا ونيويورك، والمفاوضات مع النظام وغيرها، بينما بوتين يفعل، فهو لا يعول ولا ينتظر.
أما كيف ستسير الأمور في الشهور المقبلة، فهناك أكثر من سيناريو، وهي مفتوحة على جميع الاتجاهات. لكن، هل سيناقش مؤتمر المعارضة في الرياض كل هذه الموضوعات وسيناريوهات تطور الأوضاع ويطور استراتيجية لمواجهتها؟

اقرأ المزيد
٩ ديسمبر ٢٠١٥
مشروع إلغاء تركيا من المعادلة

الذي يظن أن الهبة الحكومية العراقية، الأولى من نوعها منذ إسقاط نظام صدام حسين، كلها ضد وجود القوات التركية على التراب العراقي فهو مخطئ. كل القوة التركية مائة وخمسون عسكريا فقط، يوجدون في محيط مدينة الموصل التي يحتلها تنظيم داعش منذ عام ونصف. وكذلك التهديدات الروسية المتصاعدة للأتراك ضد قواتهم على الحدود مع شمال سوريا، رغم أنها تعتبر منطقة تتزاحم فيها جيوش وميليشيات من أنحاء العالم.
التأزيم المتصاعد، من قبل المثلث الإيراني العراقي الروسي ضد تركيا، تتضح معالمه كمشروع لتحجيم تركيا، وإلغاء دورها الإقليمي، وبالتالي تحرير المشروع الإيراني من أي مواجهات في المنطقة، لتصبح طهران صاحبة القرار في العراق وسوريا. وهذا يتم في ظل التراجع الأميركي المتكرر خلال سنوات الأزمة الخمس، والذي لم يفعل شيئا باستثناء بيانات التضامن الكلامية.
السرية التركية الموجودة خارج مدينة الموصل جاءت بدعوة من محافظ الموصل سابقا من أجل تدريب أبناء المدينة المتطوعين للدفاع عن مدينتهم، بعد أن هربت قوات الحكومة العراقية، وتوغل الإرهابيون في أرياف تلك المحافظة. وقد تركت الموصل فريسة لـ«داعش» ولم يقرر الحشد الشعبي تحريرها، لأن جله من ميليشيات طائفية شيعية تم تكوينه من قبل إيران كبديل للجيش العراقي، وتتولى تدريبه وتجهيزه وتوجيهه.
والحقيقة لا تلام إيران وروسيا على تقدمهما الواضح في مشروع إبعاد وتقزيم تركيا إقليميا، لأننا في مواجهة إقليمية كبرى، ولأن الحكومة في أنقرة نفسها لم تفعل شيئا مهما للدفاع عن مصالحها خلال السنوات المضطربة. وهي ما لم تع الخطر، وإن كانت، بكل تأكيد، تراه بأم عينيها، حيث تتم محاصرتها تدريجيا من قبل هاتين الدولتين، فإن معالم المنطقة تتغير ضدها، وستكون تركيا الهدف التالي، لأنه لا يمكن لإيران وروسيا الاطمئنان لقدرتهما على الهيمنة وإدارة العراق وسوريا دون شغل تركيا داخليا.
سياسة تركيا تائهة في قضايا لا قيمة لها في ميزان الصراع الإقليمي. أشغلت نفسها بخلافات هامشية وإعلامية مثل معركتها مع مصر، أو دعم قوى معارضة مثل «الإخوان المسلمين»، ولا تعني شيئا مهما للأمن القومي التركي. قيمة الإخوان صفر في معادلة المنطقة، وخطر مصر على تركيا أيضا صفر، ولا يوجد ما يبرر إصرار أنقرة على الاستمرار فيه!
مشروع إيران في الهيمنة على المنطقة أصبحت معالمه واضحة. فقد قررت تحييد الولايات المتحدة والناتو من خلال منحهم مطلبهم الرئيسي، التخلي عن مشروعها النووي لأغراض عسكرية. وبالفعل نجحت في ذلك. ثم شرعت في الهيمنة على العراق، ورغم إسقاط رجلها الأول نوري المالكي، فإنها أطبقت على القوى السياسية، واليوم تملك القرار هناك في ظل عجز رئيس الوزراء حيدر العبادي. وفي نفس الوقت شكلت أول قوة عسكرية من ميليشيات إيرانية وعراقية ولبنانية وأفغانية يصل عدد أفرادها إلى مائة ألف في سوريا. وزادت من نفوذها بتفعيل حلفها مع روسيا التي أرسلت إلى هناك قوة عسكرية جوية وبحرية تفوق ما أرسله الاتحاد السوفياتي إلى المنطقة إبان الحرب الباردة.
ولأن تركيا هي القوة الإقليمية الموازية لإيران فإنها أصبحت مستهدفة، بشل يدها في سوريا، وإلغاء وجودها في العراق. ولا يمكن تحميل الأتراك وحدهم مسؤولية مواجهة الحلف الروسي الإيراني المندفع في الشرق العربي، لكنهم هم الرقم الأهم. ودون أن تعيد تركيا قراءة خريطة الصراع وإعادة التموضع فإنها ستجد نفسها في مأزق أكبر غدًا. تركيا أكثر من يحتاج إلى إحياء محور إقليمي يواجه الاكتساح الإيراني، ولا يمكنها فعل ذلك وهي تضع من أولوياتها قضية مثل «الإخوان»، الذين أمضوا ثلاثين سنة حلفاء أصليين لنظام إيران، الذي سبق أن جرب وفشل في دعمهم للوصول لحكم القاهرة في زمني الرئيسين السابقين أنور السادات وحسني مبارك.

اقرأ المزيد
٩ ديسمبر ٢٠١٥
هل تستثمر الإدارة الأميركية في الأزمة السورية

من المفروض ألا تكون المعارضة السورية قد فوجئت بالمواقف الصادرة عن الإدارة الأميركية، مؤخرا، بخصوص التعاون مع جيش النظام في قتال “داعش”، أو إيجاد صيغة للتعايش مع بقاء بشار الأسد في موقع الرئاسة إبان المرحلة الانتقالية.

ومع أن هذا الكلام الأميركي لا يحمل جديدا، تماما، إلا أنه يكشف، مرة أخرى، حقيقة مفادها أن الولايات المتحدة الأميركية لا يعنيها من يحكم في سوريا، سواء كان شخصا أو حزبا، وسواء كان يساريا أو قوميا أو إسلاميا، كما لا يعنيها ما يحصل في هذا البلد، إذا استثنينا ما يخص قضية الصراع مع إسرائيل.

أما تفسير ذلك فيعود إلى ثلاثة أسباب أساسية:

* أولها، أن هذا البلد لم يكن محسوبا طوال العقود السابقة، ضمن دائرة حلفائها التقليديين، لذا فهي لا تشعر بخسارة ما في هذا المكان.

* ثانيها، أن مصالحها مضمونة بغض النظر عن طبيعة النظام الحاكم، سواء كانت مصالح سياسية أو اقتصادية أو أمنية، وهو ما يمكن تبيّنه من مراجعة السياسات التي انتهجها النظام السوري طوال المرحلة الماضية، بغض النظر عن كل الشعارات أو الادعاءات. وثالثها، أن هذا البلد صغير وفقير الموارد، وتنبع أهميته من موقعه الجغرافي، ومن جواره مع إسرائيل.

بيْدَ أن هذه الأسباب لوحدها لا تكفي لتفسير المواقف التي انتهجتها الإدارة الأميركية، لأن أركان هذه الإدارة، من رئيسها باراك أوباما، إلى سفيرها السابق في سوريا روبرت فود، مرورا بوزير خارجيتها جون كيري، لطالما أدلوا بتصريحات تقول إن الأسد فاقد للشرعية، وأن عليه أن يرحل. لا بل إن هذه التصريحات، التي رافقت بدايات الثورة السورية، قبل قرابة خمسة أعوام، قد يمكن اعتبارها أحد أهم العوامل التي شجّعت السوريين على الاستمرار بثورتهم، وربما كانت من أهم عوامل تحول بعض الجماعات نحو العمل المسلح ضد النظام، مع عوامل أخرى.

وفي الواقع فإن تعامل إدارة أوباما مع المسألة السورية ظل ملتبسا، ويحمل إشارات متعددة، فهي من جهة تساند الثورة السورية، ومن جهة أخرى لا تفعل شيئا، من الناحية العملية، لا في ما يتعلق بوقف القتال في سوريا، أقله بواسطة القصف بالبراميل المتفجّرة، ولا لتمكين “الجيش الحر” من الدفاع عن نفسه بواسطة مضادات للطيران، مثلا. وهي مع بيان جنيف 2012، بخصوص التأسيس لمرحلة انتقالية، تتشكل فيها هيئة تنفيذية كاملة الصلاحيات، ولكن ليس لديها مشكلة مع بقاء بشار الأسد، إبان تلك المرحلة. هي ضد الوجود الإيراني والروسي في سوريا، ولكن لا مانع لديها من مشاركتهم في إيجاد حل للمسألة السورية.

على ذلك فإن السياسة التي تنتهجها الإدارة الأميركية إزاء سوريا، في هذه المرحلة، تتأسس على الاستثمار في المسألة السورية، وهذا يختلف عن إدارة الأزمة، لأنها في حقيقة الأمر، ومن الناحية العملية، تشجع كل الأطراف على المجيء إلى سوريا، وعلى تحويل سوريا إلى ساحة للمواجهة أو للصراع، في حين تجلس هي في مقاعد المتفرجين، أو في مكانة الحكم بين الأطراف.

ولعل الإدارة الأميركية تشتغل هنا بناء على فكرتين مفادهما، أولا، ترك الآخرين يتقاتلون في ما بينهم ويستنزفون بعضهم، بما يشبه مقولة “دع العرب يتقاتلون”، والمقصود هنا إيران وتركيا وروسيا والسعودية، وغيرها من الدول العربية، ومثالها وصول إلى حافة الحرب بين روسيا وتركيا، بعد حادثة إسقاط الطائرة.

وثانيا، أن كل الأطراف، بعد أن تكون أُنهكت واستنزفت، ستلجأ في الأخير إلى الولايات المتحدة، باعتبارها صاحبة القوة الأكبر، وباعتبارها الحكم. طبعا، وفي ذات السياق، لا يمكن أن ننسى القطبة المخفية (أي الإسرائيلية)، في هذا الأمر، إذ أن أغلب المؤشرات تفيد بأن إسرائيل هي أكثر دولة مستفيدة من بقاء الأمور على ما هي عليها في المنطقة، ولا سيما في سوريا. هكذا يبدو أن معظم الأطراف تستثمر في “داعش”، وفي الصراع الدائر في سوريا، كلّ بطريقته وبحسب أجنداته.

على ذلك فإن الصراع السوري سيستمر، مع الأسف، على ذات الوتيرة طالما أن الإدارة الأميركية لم تغادر موقفها هذا، وطالما أنها تعتبر نفسها رابحة في مختلف الظروف والتطورات.

اقرأ المزيد
٨ ديسمبر ٢٠١٥
جناية " الذين لا يعلمون " في محنة الغلاة

بدأت ثورةُ أهل الشام - حين بدأت - بيضاءَ نقيةً لا إفراط فيها ولا تفريط ، ترفع شعاراتٍ يتفق القاصي والداني على شرعيتها والانتصار لأهلها ..


ثم ما فتأت أن لوثها الغلاةُ بشعاراتٍ لا قِبل لأهل الشام بها ، فسرى التنازع بين المجاهدين سريان النار في الهشيم ، وأكلت الثورةُ بعض أبنائها ، وارتدت الحراب في الصدور ..


فكان أن وقف بعض الناصحين من هذه المحنة موقف العدل والإنصاف فنصحوا للأمة وردوا زيغ الغلاة وبينوا باطلهم وردوا شبهاتهم وقاموا بواجب البيان والبلاغ ..


وكان ممن أسهم في استفحال أمر الغلاة وتطاير شررهم فئامٌ من الذين لا يعلمون ، لبسوا لبوس أهل العلم - وما هم منهم - ، فكان منهم المتعالم ، ومنهم الجاهل بالحكم الشرعي أو بتطبيقه على الواقع ، وكان منهم من كتم علمه خوفًا على نفسه أو خوفًا من انفضاض الأتباع والطلاب من حوله ، أو لهوىً في نفسه .


* فأما المتعالمون : فإن قضية الغلاة قضيةٌ علميةٌ عقديةٌ منهجية ، والمشاهد أن كثيرًا ممن يخوض فيها لم تعرف لهم سابقةُ علمٍ ولا رسوخٌ في العقيدة ولا فقهٌ في دين الله .


* { ومنهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ } ، ومع كل ذلك فقد لبسوا لباس الشرع يفتون لقادتهم بحل دم فلان وردة الفصيل الفلاني واستحلال ماله وسلاحه دون أثارةٍ من علم أو حجةٍ أو دليل .


* ومنهم المتقلبون المتذبذبون في شأن الغلاة ، كمن عمل بادي الرأي على التمكين للغلاة في القرى والمدن ، فلما رأى جرائمهم بدأ ينكر عليهم ويحذر منهم ، ولو أنهم بحثوا في جذور هذه الجماعات وسبروا تاريخها أو سألوا أهل العلم عن حقيقتها قبل تطاير شررها لما استفحل أمرها ولا غدا تطهير بؤرها عسيرًا على الصادقين .


* وطائفة من أهل العلم { قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ } فلا يمنعهم من مواجهة الغلاة وتحذير الناس منهم إلا خوفهم على حياتهم وخشيتُهم من غدر الغلاة بهم .


وقد استفحل داء الخوف على كثيرٍ من أهل العلم حتى غدا المنكِرُ على الغلاة غريبًا كصالحٍ في ثمود ، ونسوا أن الله - المحيي المميت - قد أخذ عليهم العهد والميثاق {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ } [آل عمران: 187].


قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ } [البقرة: 159].


* إخفاء الحق لكسب الأصوات :
وعلى الأعراف رجالٌ يقفون في المنطقة الرمادية بين أهل السنة والغلاة ، فيحاولون إمساك العصا من المنتصف ، فتراهم يعلمون الحق ويكتمونه مجاراةً للناس وسعيًا في إرضائهم ، أو لهوىً في نفوسهم وسعيًا في جمع أصوات الناس على بعض المشاريع الخاصة ، فيحاولون الظهور بمظهر الحياد ، ويختبئون خلف عموميات الإصلاح وحقن الدماء وتوحيد الصفوف ، ويقولون : لسنا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء !! ويحاولون إنهاء الأزمة على قاعدة : " أحبوا بعضكم " و " كل واحد يصلح سيارته " !! .


وهو حيادٌ سلبيٌ قاتلٌ لو كان يعلمون، حيادٌ بين الضحية والجلّاد ، بين الظالم والمظلوم ، بين من يسعى لينقذ ما تبقى من هذه الثورة ومن يواصل الليل بالنهار ليهدمها ويظهرها بأبشع صورة .


وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من علم لا ينفع , وقال تعالى : [ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلا تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ][البقرة 42] .


فهو ثمنٌ قليلٌ زهيدٌ رخيصٌ مَهما زَينَّ الشيطان منافعه ومصالحه ومكاسبه .


وقد صنف أبو بكر الآجري مصنفاً في أخلاق العلماء وآدابهم ، فوصف فيه عالم السوء بأوصاف كثيرة منها قوله :" وقد فتنه حبُّ الدُّنيا : الثناء والشرف والمنزلة عند أهل الدُّنيا ، يتجمل بالعلم كما تتجمل بالحلية الحسناءُ للدنيا ... ".


* وممن أسهم في انتشار سموم الغلاة : شرعيو بعض الفصائل الذين ليس لهم من الأمر شيئ ، ممن يسيرون خلف ركاب قادتهم ، فتراهم - إن كان قرار قائد الفصيل عدم قتال الغلاة - يبحثون في النصوص التي تتحدث عن حرمة دماء المسلمين وأن قتالهم فتنة ، وكأن النصوص التي وصفت الخوارج وحذرت منهم وأمرت بقتالهم إنما جاءت في أهل الكتاب !!
* وأخيرًا فإن من كبار الذين لا يعلمون قومٌ ما فتئوا يكيلون المدح للغلاة ، ويصفونهم بصفات التعظيم والتبجيل ، فيُلبِّسون على الناس باطلهم ويسوقون للذين لا يعلمون أمثالهم.


فأعرضْ عن كل هؤلاء وتمثل قوله تعالى : {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } [الجاثية:18].


وقوله تعالى : {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } [الزمر: 9].

اقرأ المزيد
٨ ديسمبر ٢٠١٥
كم سيصمد العالم أمام "داعش" .. ويرضخ لـ"الجزية" ... ؟؟

مع تصاعد الحشود و زحمة الجيوش ، التي تطلق نيرانها على داعش ، بغية التخلص من هذا التنظيم ، ووأد أحلامه و قطع أوصاله كي لا يتمدد أكثر على الأقل .. يكون السؤال الغالب دوماً : كم سيصمد هذا التنظيم في وجه كل هذه الجيوش و القوات ؟

و لكن لماذا لا نتسائل بشكل عكسي : كم سيصمد العالم أمام داعش !؟

قد يبدو السؤال عبثي ويدل على الغباء ، فكيف بهذا العدد و العتاد ، ان تواجه داعش أعتى و أكبر و أشرس الجيوش في العالم ، فلا منابع للإمداد ولا منافذ للمناورة ، فأنت "داعش" تواجه العالم داخل رقعة جغرافية لا بحر فيها ، ولا منفذ بري ، الطريق الوحيد المتاح هو باتجاه السماء .

ورغم كل هذا .. أُصر على سؤالي : كم سيصمد العالم أمام داعش !؟

جميع الجيوش وضعت تركيزها على الجانب العسكري ، و على مواجهة الداعش الند بالند ، كما يوصف بـ"صراع العضلات" ، في حين لم تكن داعش بأي وقت من الأوقات عبارة عن عضلات أو جحافل من الجيوش ، فمن سيطر على الأنبار ببضع مئات لايتجاوزون أصابع اليد الواحدة ، مقابل 3 فرق عسكرية مدججة بكافة أنواع الأسلحة ، ليسوا بإناس لديهم عضلات تحتاج إلى هذا الكم من الأسلحة المحشودة و التي يتم حشدها .

فداعش التي تعتمد على "الأفكار" و "المعتقدات" المرسخة بطريقة ما ، يساهم في تعزيزها وتعاظمها ، حشود العالم ضدها عسكرياً ، بمواجهتها بتطرف أشد ، ترسيخ الظلم و توسيعه ، فتولد و يوّلد في كل لحظة ، أفكاراً تزداد تشدداً ، وعصياناً لن تستطيع كل جيوش العالم على محاربته ، فهنا الحرب لاتنهي الطرف الأخر ، وإنما تزيده قوة .

كان يكفي لهجمات باريس ، 6 أشخاص و 30 الف يورو ، لأن ترعب دولة بحجم فرنسا ، و ان تزرع الرعب في قارة بأكملها و يجتاح جميع القارات ، وتتحول الحياة لجحيم لمجرد ببلاغ واحد عن مجرد "الشك" أن هناك قنبلة ، و لو كانت رسمة على دفتر طفل .

العرقلة التي خلقتها داعش في العالم ، والخسائر التي تلحق بإقتصاديات الدول ، والحرب التي يتيقن الجميع انها لن تكون كافية فحسب ، بل ستنعكس على مطلقيها ، ستدفع العالم للجوء إلى مبدأ يرضي داعش و يهدأ من روعها ألا وهو "الجزية".

يبدو ان الأمور ستشتد لمدة لاتتجاوز شهوراً ثلاث ، لنجد أن العالم سيتقدم إلى داعش ، ويمنحها "الجزية" ، كي تكف عنه ، مالم تحارب مسببات داعش التي تمدها بمزيد من مصادر "البقاء و التمدد" .

اقرأ المزيد
٨ ديسمبر ٢٠١٥
المعارضة السوريّة بين مؤتمر الرياض وقوائم عمّان

حتى اللحظة، يصعب الكلام عن معارضة سورية واحدة أو موحّدة تتحدث أمام النظام والمجتمع الدولي ضمن برنامج مشترك أو توافقات الحدّ الأدنى الملزمة لغالبية المعارضين، وبما يمنحها الطابع الوطني وصدقية الالتزام وجدية الشراكة السياسية في المرحلة الانتقالية التي من المفترض أن تبدأ مع بداية العام المقبل برعاية أممية، وهي رعاية تدرك أن أهداف المجتمع الدولي في القضاء على «داعش» وخططه الرامية إلى معالجة مسألة اللاجئين وإدارتها ووقف المأساة السورية، لن تأخذ مفاعليها إلا تحت سقف عملية انتقال سياسي في سورية تكون المعارضة طرفاً أساسياً فيها.

ومن المفترض أن يشتغل مؤتمر الرياض على هذه المهمة الشاقة بالنظر إلى كثرة الانقسامات في صفوف المعارضة، وضيق الوقت لإنجاز هذه المهمة، التي هي على صلة وثيقة بتصنيف عمّان المعارضة ثلاثة أصناف: معتدلة ومتشدّدة (غير إرهابية) وإرهابية. والواضح أن «جيش الفتح» و «أحرار الشام» و «جيش الإسلام» إلى جانب «الجيش الحر» و «الائتلاف الوطني» و «هيئة التنسيق المحلية» والأكراد وشخصيات دينية ومستقلّة، ستمثّل في مؤتمر الرياض، وثمة تنسيق سعودي - أردني لئلا تتضارب القائمة الأردنية مع قائمة الحاضرين «مؤتمر الرياض»، وهذا التنسيق ربما يتعارض مع التنسيق الأردني - الروسي، حيث لا تقتصر الجماعات الإرهابية في التعريف الروسي على «داعش»، الذي يحظى تصنيفه كتنظيم إرهابي بإجماع الجميع، بل يطاول التعريف الروسي «جيش الفتح» و «جيش الإسلام» و «أحرار الشام»، والمرجح أنّ الرياض وأنقرة والدوحة، وهي أهم الداعمين الإقليميين للمعارضة المسلّحة، سترفض التصنيف الروسي، ما يجعلنا أمام مرحلة تفاوض بين الأطراف الإقليمية والدولية حول القوائم والتصنيفات.

وربما حفّزت الوساطة القطرية في صفقة «جبهة النصرة» الأخيرة مع لبنان، على دعوة بعضهم الى إخراج «النصرة» من قائمة المنظمات الإرهابية التي يصنّفها كلّ من الأردن والسعودية والإمارات وأميركا وروسيا وفرنسا وغيرها منظّمة إرهابية. والمرجح أنّ الصفقة ستزيد «النصرة» امتلاء بأيديولوجيا «القاعدة» وليس الانفكاك منها كما دعاها الى ذلك خالد خوجة، وهذا في إطار معركة التنافس مع «داعش»على كسب «الشرعية الجهادية»، وسيكون «داعش» مهجوساً بهذه المسألة حال التفاوض المحتمل المقبل مع السلطات اللبنانية للإفراج عن الجنود اللبنانيين التسعة المحتجزين منذ آب (أغسطس) 2014.

وقد وردت تقارير صحافية عن انتقاد مؤيدي «جيش الإسلام» تناقض «النصرة» التي تحارب الهدنة في الغوطة الشرقية، في حين تسارع إلى الانخراط في صفقات مثيرة للتساؤلات. ويقال إن الأمر تعدى «جيش الإسلام» إلى «الجيش الحر» الذي استهجن مسارعة «النصرة» إلى إطلاق سراح الجنود اللبنانيين، فيما ترفض الإفراج عن قادة من «الحر» تعتقلهم، وأبرزهم القيادي في «حركة حزم» أبو عبدالله الخولي. في هذا الإطار، ربما يمكن القول إنه إضافة إلى الصعوبات التنسيقية والتحضيرية الآنفة الذكر الملقاة على عاتق الرياض وعمّان، فإن صفقة «النصرة» ربما ألقت مزيداً من العبء عليهما. كما أنّ العاصمتين وحلفاءهما في الخليج حريصون على شمول «حزب الله» والميليشيات الشيعية المقاتلة إلى جانب النظام السوري بقائمة المنظمات الإرهابية، وقد فرضت الرياض الشهر الماضي عقوبات على 12 شخصية ومؤسسة مرتبطة بـ «حزب الله»، ووفق التصنيف النهائي سيُعرف من سيُقصَف أم لا، ومن سيدخل ضمن إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية في سورية الجديدة أم لا، وهذا من أسباب معارضة طهران عقد لقاء لمجموعات معارضة سورية في السعودية، وهو موقف متمايز عن الموقف الروسي، وإنْ كان التوتر الحالي بين موسكو وأنقرة سيكون حاضراً بقوة في ما ستؤول إليه مشاورات الرياض لتشكيل وفد المعارضة، والجهود الأردنية في إعداد قوائم لن تتمكن من القفز على تناقض استراتيجيات أطراف الصراع، وهو ما يفسّر الضغط الأميركي على أنقرة لإعادة موسكو وطهران إلى أجواء «فيينا 2».

اقرأ المزيد
٨ ديسمبر ٢٠١٥
أضعف الإيمان - عزُّ الشرقِ أوّلُه دِمشقُ

اجتمعت كل جيوش العالم في سورية. جحافل وأساطيل، مَلأَت البحر حَتَّى ضَاقَ عَنها، وأشعلت جوف السماء قاذفات تمطِر السوريين موتاً وبراميل متفجرة. باتت سورية اليوم مكان القسمة والتقسيم. الكل جاء إلى دمشق لأخذ حصته من المنطقة. اجتمع الروم والتتار والفرس، واتحدوا على اقتسام الدولة العربية، دولة بني أمية. جاؤوا باسم الحرب على الإرهاب. يحاربون شبحاً اسمه «داعش». سيقتلون مَنْ بقي من أطفالنا، ويهشّمون ما تبقى من دِمَشْق التي أنجبت طُلَيْطِلَة، وجعلت بني العباس يزهون ببغداد. سيدمّرون سَرِيرَ الشّرقِ، وواحته المزهرة. ويبعثرون الوطَن الذي حوى تنوُّع الأَجْنَاس وَالأَدْيان بسماحة الحضارة الإسلامية. سيعاودون رسم صورة جلق، ويغيِّبون ذكر الوليد بن عبدالملك ورسمه. لن يسمحوا لأحد بعد اليوم بمناداته، وتذكُّره والتذكير به. سيغيّرون ملامح المسجد المحزون وتاريخه، سيعاودون على مسامعنا قول شوقي «فلا الأذان أذان في منارته إذا تعالى ولا الآذان آذان»، وسيعود الأذان في دمشق غريباً كما بدأ أول مرة!

مروعٌ حشد جيوش الأرض في سورية. ونتائجه موحشة. دمشق هي منارة الحضارة العربية، اجتمعوا لخطفها من تاريخها وأهلها. تركوا «داعش» يهدّم آثارها، وغضّوا الطرف عن إيران لتهجير أهلها. كلّهم يترقّب اكتمال تشويه صورتها القديمة، وهدم مسجدها، حتى ينفضّوا إليها، وينقضّوا على أرضها، سعياً إلى هدم رمزية دمشق عند العرب والمسلمين. سيقسّمون سورية دويلات، تُوزِّع تركتها على الأقليات. هكذا تلوّح التصريحات، وتشي المؤتمرات. هكذا يخطط شركاء الحرب على سورية. كل يطمحُ لأخذ حصته منا ومنها.

خمس سنوات مرّت، ونحن مشغولون بطائرة أُسقِطت، أو سقطت. وحدود ستُغلق، أو أُغلِقت، وأخرى ستُفتح أو فُتِحت. ومؤتمرات ستُعقد أو عُقِدت، وفصائل اجتمعت، وتفرّقت. أخذتنا حماسة الدفاع عن السلطان من كيد القيصر وعجرفته. نترقّب دخول المقاتل التركي والفرنسي والبريطاني والأميركي إلى بردى، نكفكف الدموع، ونسأل الله السلامة. نعيش دهشة المواجهة المرتقبة، بين جحافل الغزاة، ونسأل ماذا سيفعل الروس والأتراك، وما هو مصير الأكراد والأرمن، ونسأل عمّن له تاريخ بيننا، ومَنْ له حق في شامنا وأرضنا، وتاريخنا ما عاد أحد عنه يسأل. هل نسينا أن عزّ الشرقِ أَوَّلُهُ دِمَشْقُ؟... وأن «دم الثوار تعرفه فرنسا وتعلم أنه نور وحق»، و «للأوطان في دم كل حُر يد سلَفَت ودَين مُستحَقُّ»!

اقرأ المزيد
٨ ديسمبر ٢٠١٥
مؤتمر الرياض والبحث عن بديل للأسد

هذه أول محاولة جادة لرسم مستقبل سوريا، وهو أول مؤتمر للمعارضة السورية يعقد برغبة رسمية دولية، منبثقا عن مؤتمر فيينا الأخير ورعاته، بمن فيهم الروس. في الرياض يجتمع ممثلون لمختلف الألوان، مدنيون وعسكريون، سنة وعلويون ودروز ومسيحيون، وبالطبع يغيب عنه أهم اللاعبين، مثل «داعش» و«جبهة النصرة».

والمطلوب من المجتمعين الاتفاق، حتى يتم البدء في تشكيل حكومة انتقالية في غضون ستة أشهر، تدير البلاد لمدة عام ونصف، تفتح بعدها صناديق الاقتراع. مؤتمر الرياض الخطوة الأولى لإقناع المعارضة بالسير في مشروع الحل السلمي، الذي يفترض أن ينهي سلطة بشار الأسد، ويحشد الدعم الدولي لتنظيف البلاد عسكريًا من ميليشيات إيران و«داعش» وبقية التنظيمات الإرهابية. ومع أن غاية المؤتمر تبدو خرافية، والمهمة تعجيزية، إلا أن على المعارضة أن تفكر بعقلها.

وليس كل المشاركين في «الرياض» اليوم هم من المنتمين للمعارضة الحقيقية للنظام، بل نرى على القائمة شخصيات تسمي نفسها «معارضة مستقلة»، ونحن نعرف أن بعضها محسوب على إيران ونظام بشار الأسد. وقد توحي «المرونة» في قائمة المدعوين، بضم محسوبين على إيران، بأنها من مقتضيات التوافق الذي اشترطه مؤتمر فيينا الأخير، وطلب من السعودية تنظيم مؤتمر المعارضة. وأتوقع أن يلعب فريق إيران هذا دور حصان طروادة في لقاء الرياض، لإفشال التوافق المأمول، بإطالة الجدل وتخريب المؤتمر.

وقد لاحظنا أن إيران حرصت في مؤتمر فيينا على ألا تقول: «لا» لفكرة حكومة بديلة للأسد، التي لا تعني إبعاده، بل تقليص صلاحياته، في نظام مشابه لنظام العراق، حيث إن لرئيس الجمهورية صلاحيات محدودة جدًا، ولرئيس الوزراء والبرلمان سلطات أكبر. وهنا التحدي أكبر أمام قوى المعارضة الحقيقية، ليس فقط في التوصل إلى تفاهم بينها، بل أيضًا عدم الانزلاق في لعبة التخريب التي يحملها ممثلو إيران، المتنكرين في زي المعارضة.

أما لماذا على المعارضة، وفي مقدمتها «الائتلاف الوطني»، الانخراط في مشروع التغيير الجزئي، فهو، للسبب نفسه الذي تلعبه إيران، تخريب المشروع الإيراني الروسي، القائل بأن المعارضة أعجز من أن تتفق على أن تكون بديلاً للأسد. لو نجحت المعارضة في الترفع عن خلافاتها، وتوصلت إلى حلول عملية لتشكيل الحكومة، فإننا سنصل إلى ساعة التنفيذ، وستتم محاصرة الطرح الإيراني، ومن المتوقع أن تخرج روسيا من تحالفها الحالي. ولا يوجد شيء تخسره المعارضة لو اتفقت وتعاونت من أجل التسريع بتنفيذ مقررات فيينا، أما إن تناحرت وفشلت فإنها ستخسر، لأن الدول الكبرى ستقرر بالنيابة عنها غدًا.

اقرأ المزيد
٦ ديسمبر ٢٠١٥
"الرياض" ساحة القرار السوري وليست باب تنازلات

يمكن الجزم أن كل القرارات التي تم اتخاذها بشأن سوريا منذ خمس سنوات ، لم يكن للسوريين فيها أي رأي أو تدخل ، لا من قريب أو من بعيد ، وخصوصاً الإجتماعات الأخيرة التي تمت في فيينا ، وآخرها في 14 الشهر المنصرم ، و التي أقرت خارطة الطريق للحل و التي يعتزم تنفيذها لطي الملف السوري.

مؤتمر الرياض الذي ينعقد يوم الثلاثاء يعتبر ، خطوة من الخطوات الممتدة على مدى 18 شهراً ، للوصول إلى الحل و الإنتقال السياسي ، وفق ما يصفه اللاعبون الدوليون في القضية السورية .

وهذه المرة ، لن يكون القرار مسلوباً أو محاصراً من أحد ، ففي الرياض من المفروض أن يكون القرار لمن يدعون أنهم سوريون ، و يدعون تمثيل السوريين في المحافل الدولية ، سواء أكانوا سياسيين أم عسكر ، و أي قرار سيخرج مخالف للمنطق و الأساس الذي خرج الشعب لأجله ، و ضحى بالملايين ، أويحمل في طياته مهادنة أو تسويف أو تمييع لأبرز مطلب "إسقاط النظام" ، لن يكون له اي وجود على الأرض ، و سيسقط القناع الأخير عن الجميع ، و إن كنا دقيقين سيتعرى الجميع أمام الشعب .

صحيح أن الفكرة المأخوذة عن الشعب السوري أن لاحول و لاقوة له ، و أنه غير قادر على مجابهة الجيوش (الفعلية – المتخاذلة – الصامتة ) المحتشدة ضده وحده ، لكن في الحقيقة هذا الشعب الحي الذي بقي مصراً ، و متمسكاً بمطالبه ، ومثابراً عليها ، طوال خمس سنوات ، قد تزيد في شراستها عن الحربين العالميتين الأولى و الثانية و الحروب عبر التاريخ ، و رغم ذلك لم يرضخ ، و لامانع لديه بأن ينضم لكل المعارضين له ، معارضين جدد انسلخوا منه و تمردوا عليه و طعنوه في الظهر .

في الرياض لن يكون هناك باب للتنازلات ، فعلى الجميع التيقن ان ليس لدى الشعب ما يخسره ، و ليس هناك ما يحزن عليه ، و كل ما بحاجته الشعب هو موقف صلب و متين ممن حملوا راية تمثيله ، في الخارج أو في الداخل كفصائل ، و ليس مطلوب منهم أن ينتصروا بشكل كامل للشعب ، و لكن أضعف الإيمان أن لايبيعوا تضحياته بأبخس الأثمان .

اقرأ المزيد
٦ ديسمبر ٢٠١٥
مؤتمر الرياض يعرقل مخططات إيران في سوريا

يكتسب مؤتمر الرياض، الذي سيجمع أطراف المعارضة السورية السياسية والعسكرية منتصف الشهر الحالي، أهمية كبيرة سواء لجهة دفع محادثات فيينا في سوريا وتذليل العقبات في طريقها، أو تطوير أداء المعارضة السورية التي ظهرت طيلة السنوات الماضية بأضعف أداء.

الأهمية تلك انعكست خطراً داهماً على النظام السوري والأطراف الداعمة له، وخصوصاً الطرف الذي يشاركه الرؤية إلى حد التطابق أي إيران. كان لافتاً إعلان الأخيرة على لسان حسين أمير عبداللهيان نائب وزير خارجيتها، أن اجتماع المعارضة السورية في الرياض من شأنه أن “يضرّ” بمفاوضات فيينا بشأن الصراع السوري.

تصريحات إيران تنطلق من رؤية مشتركة مع النظام السوري تتمثل في أن المطلوب من محادثات فيينا هو توحيد المجتمع الدولي لمحاربة الإرهاب المتمثل بالمعارضة السورية. بكلمات أخرى، تبتغي طهران ودمشق من مفاوضات فيينا أن ترسم مسار هزيمة فصائل الثورة السورية، وذلك بتفريغ تلك المفاوضات من محتواها ومن البيان الختامي الذي تم التوصل إليه. ولتحقيق تلك الغاية، وضعت إيران استراتيجية متعددة المستويات لجعل محادثات فيينا تخرج بنتائج لا تمت بصلة إلى التسوية المنشودة.

تمثل المستوى الأول في تكثيف العمليات العسكرية في سوريا وانتزاع مساحات جديدة من الأراضي التي تقع تحت سيطرة المعارضة السورية بسرعة وبسلاسة قد تشكل ضربة معنوية للمعارضة وللداعمين لها، وتهيئتهم لقبول تنازلات أكبر في محادثات فيينا.
وفي هذا السياق تحدثت تقارير عن أن قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، كان قد أقنع موسكو أثناء زيارة سرية بأن تندفع إلى ميدان الحرب في سوريا بأسلحتها النوعية التي يمكن أن تحدث تبدلاً في ميزان القوى العسكرية. وهو ما فعلته موسكو بالتزامن مع إرسال إيران للآلاف من الجنود للمشاركة في المعارك الحاسمة.

لكن السلاسة في انتزاع مناطق تخضع لسيطرة المعارضة كانت مفقودة تماماً، بل كانت الصعوبات أكثر من أن تحصى، وتخللتها “مجزرة الدبابات” في حماة واستعادة المعارضة لمناطق كانت قد خسرتها قبل عام، وأخيرا سقوط الطائرة الروسية فضلاً عن مقتل العشرات من الإيرانيين. جاءت النتائج معاكسة لما أرادته طهران، إذ أثبتت أن الحسم العسكري أو الإخلال بميزان القوى مهمة مستحيلة في سوريا، وأن المسار السياسي حتمي، سواء اليوم أو بعد سنوات.

المستوى الثاني لمخطط إيران والنظام السوري تمثل في الفكرة الداعية إلى أن يقوم المبعوث الدولي للصراع السوري، ستيفان دي ميستورا، وبالتشاور مع مجموعة العمل الخاصة بسوريا، باختيار وفد المعارضة السورية فيما يقوم النظام السوري باختيار وفده.
    
    

والحال أن إيران وروسيا لديهما وفد سوري “معارض” كان قد شارك في مؤتمرات سابقة من إعداد البلدين قبل أشهر، وقد جرى تعويم غالبية أعضاء ذلك الوفد من قبل أجهزة أمن النظام السوري، ويراد لهم أن يكونوا “الوفد المعارض” في محادثات فيينا. تشارك إيران النظام السوري في هذه الرؤية، في حين يبدو أن روسيا اتخذت موقفا أقل تشنجا وتريد لهم أن يكونوا مجرد جزء من الوفد المعارض. يبدو الهدف هو اختراق المعارضة السورية بكتلة وازنة من المعارضين “الوهميين” للتأثير في مجرى التفاوض.

المستوى الثالث هو اختيار قائمة بالمجموعات الإرهابية في سوريا، وقد كان الطموح الإيراني الروسي هو تصنيف غالبية فصائل المعارضة السورية المسلحة ضمن قائمة الإرهاب ليصادق عليها المشاركون في فيينا، وهو ما سيعطي الحرب ضدها شرعية أكبر. بالمقابل يقر حلفاء النظام بشرعية وجود بعض الفصائل الصغيرة التي لا يمكن أن تؤثر في مجرى التفاوض.

يأتي مؤتمر الرياض ليقطع الطريق على خطط إيران بشكل خاص وروسيا بدرجة ثانية في تحقيق الهدفين الأخيرين المشار إليهما. ذلك أن المؤتمر وجه الدعوات للمعارضين السوريين الذين يعلنون عداءهم لنظام الأسد وتحميله مسؤولية ما آلت إليه الأمور ويطالبون بتغيير حقيقي في بنية النظام، الأمر الذي سوف يقلص من تواجد “المعارضة الوهمية” في الوفد المفاوض.

كما سيساهم مؤتمر الرياض في توحيد المعارضة السورية ودفعها للاتفاق على وثيقة مبادئ تخص الحل السياسي في سوريا وآليات التفاوض مع النظام والخطوط الحمراء التي لا يمكن التنازل عنها. وهو عمل جبار من المنتظر أن تكون له آثار هامة على أداء المعارضة السورية بصورة عامة وحتى لو تعطل مسار فيينا في وقت لاحق.

الإنجاز الأكبر للمؤتمر يتمثل في دعوته ممثلين عن الفصائل العسكرية الفاعلة على الأرض ولهذا الأمر أهمية مزدوجة. الأولى هي تشكيل جسم معارض تتناغم فيه الرؤية السياسية مع القوة العسكرية، وتكون لقراراته فاعلية وحظوظ أكبر للتطبيق على الأرض، وهو ما افتقدته الثورة السورية منذ اندلاعها. الأهمية الثانية هي دعوة أكبر فصائل العمل العسكري ذات التوجه الإسلامي وخصوصاً حركة أحرار الشام وجيش الإسلام، ما يمكن أن يشجعها على تخفيف حدة الخطاب المتطرف والطائفي، وتبني خطاب وطني مقابل ذلك.

اقرأ المزيد
٦ ديسمبر ٢٠١٥
هل عرضَ ولايتي اللجوء على الأسد؟

تتالت رسائل شخصية تقول إن إيران، أخيرًا، قررت استضافة الأسد، أي منحه اللجوء، واستقباله في طهران كبطل. واستشهدت بتصريح ورد على لسان ولايتي مستشار المرشد الأعلى، عندما زار قبل أيام كلاً من سوريا ولبنان. ويبدو أن المناخ «الإيجابي» النادر وسط هذا الخراب وراء مثل هذه التمنيات، حيث أفرج تنظيم جبهة النصرة الإرهابي عن المخطوفين العسكريين اللبنانيين في صفقة رتبها «حزب الله» وقطر، والأنباء الإيجابية أيضًا وردت عن اتفاق على سليمان فرنجية ليكون رئيسًا للجمهورية اللبنانية بعد نزاع طويل على المنصب الشاغر. كلها توحي بأن سبحة الانفراجات قد بدأت! فهل حان موعد خروج الأسد حقًا؟
لو يعلن مسؤول إيراني كبير، مثل ولايتي، أنهم سيمنحون الأسد اللجوء، سيكون تطورًا بالغ الأهمية، لا يمكن أن يمر على الحكومات والصحافة هكذا بلا صدى. لم أجد أثرًا له إلا في وسائل إعلام سورية معارضة، وهي بالطبع ليست مرجعًا في أخبار الخصم. وبعد بحث طويل عثرت على الفيديو المطلوب كاملاً، أجرت المقابلة قناة «الميادين» مع ولايتي، وفي آخر الحديث، فعلاً، تسأل المذيعة الضيف الإيراني، فيما إذا كانت طهران ستستقبل الأسد قريبًا، «خاصة أنه زار موسكو قبل شهر؟». السؤال يوحي بأن طهران ممتنعة عن استقبال الأسد. يجيبها ولايتي بأن «وجود الأسد في دمشق ضروري، وعندما يكون الأمر واجبًا نحن في إيران سنستقبله، وليس هناك فرض أي رأي (من عندنا) على السيد الأسد، ولا أن يترك الساحة. نحن لا نريده أن يترك بلده، وعندما يريد السفر إلى إيران نحن مستعدون لاستقباله وبحرارة، وسنستقبله كبطل؛ فقد دافع عن شعبه خمس سنوات ولا نريد أن يكون مكانه خاليًا».
من يستمع إلى الشق الأخير من إجابة ولايتي يظن أنه يرحب بتقديم اللجوء على الأسد، لكن السؤال كان واضحًا بأن الأسد الذي زار موسكو لم تستقبله طهران بعد كرئيس زائر. إجابة ولايتي لا علاقة لها بمنح اللجوء، إنما غامضة. ولايتي لم يرحب بزيارة الأسد بشكل مباشر، بل قال لا نريده أن يترك بلده في هذه الظروف. وهذا عذر غير مقنع، فقد رأينا الأسد ترك دمشق وطار إلى موسكو، والرحلة تستغرق أربع ساعات بين العاصمتين، في حين أن الرحلة من دمشق إلى طهران ساعتان فقط!
أتصور أن ارتباط إيران بنظام الأسد قوي وعميق، أكثر من مجرد علاقة مصالح. منذ بداية الثورة كانت طهران وراء سياسة الأسد المتطرفة. وهناك من يرى أبعد من زمن الثورة، وأن الإيرانيين يديرون سياسة سوريا منذ تولي الأسد الحكم، في عام 2000، بما يفسر نهجه العنيف في لبنان، وسلسلة الاغتيالات التي اتضح أن إيران كانت طرفًا فاعلاً معه فيها، وكذلك كانت معه في إدارة ما كان يسمى المقاومة العراقية و«القاعدة» من داخل سوريا بعد الغزو الأميركي. الحلف الإيراني السوري مستمر إلى اليوم، ولن تتخلى طهران عن الأسد إلا في الساعة الأخيرة عندما تخسر دمشق. فهل نحن قريبون من ساعة الأسد الأخيرة؟ صعب أن نقدر لحظة الهزيمة بسبب دخول قوات دول كبرى إقليمية ودولية، إنما الذي نثق فيه هو أن الأسد لن ينتصر مهما نجح الروس والإيرانيون في دعمه وإطالة أمد الحرب.
وما دام الروس والإيرانيون في حالة اتفاق في سوريا علينا ألا ننتظر إبعادًا سهلاً للأسد، مثل منحه اللجوء إلى إيران، وفي حال اختلاف المواقف بين البلدين هنا سيُصبِح موقف النظام السوري صعبًا، بوجود قوات عسكرية للبلدين تقاتل في الجو وعلى الأرض. وقد يوجد اختلاف في الرأي اليوم بين الروس والإيرانيين لكنه لا يرقى إلى درجة المراهنة عليه، خاصة بعد إسقاط الأتراك الطائرة الروسية التي جعلت الروس يزدادون قربًا من إيران. الاختلاف قد نراه في مفاوضات فيينا على مستقبل سوريا، وطرح الحلول السياسية. فقد سبق للرئيس الروسي أن تحدث صراحة عن أن بقاء الأسد ليس مهمًا، وأن الأهم المحافظة على مؤسسات الدولة السورية، الأمر الذي يختلف جذريًا عن الطرح الإيراني، الذي يقول إن شخص الأسد هو الشرعية. وهذا ما كرره ولايتي في حديثه لـ«الميادين» الذي قال إن الأسد سيبقى حتى نهاية فترته الرئاسية، ويجب أن يخوض الانتخابات المقبلة أيضًا، ونحن واثقون أنه سيفوز بها من جديد! موقف إيران الإصرار على الأسد ولو بقوة السلاح والتزوير، لكن إن مال الروس إلى حل سياسي يقصي الأسد، أو يجعله مثل الرئيس في العراق مجرد منصب فخري، هنا قد يقع الخلاف بين الحليفين.

اقرأ المزيد
٦ ديسمبر ٢٠١٥
الأردن والأزمة السورية

بقدر ما يبدو إسناد مهمة "تصنيف" الجماعات المقاتلة في المعارضة السورية للأردن بمثابة اعتراف دولي وإقليمي بكفاءة الأجهزة الأمنية الأردنية، وفقاً لفهم كبار المسؤولين في عمّان، بقدر ما أنّ هذه المهمة على درجة كبيرة من التعقيد والحساسية، وهي بمثابة "حقل ألغام" يتوجب على المسؤول الأردني أن يسير عليه بحذر.
يجيب مسؤولون رفيعو المستوى على المخاوف بشأن حساسيات المهمة الجديدة بأنّ الأردن لن يقوم وحيداً بتسمية الجماعات وتصنيفها، فهو سيقود جهوداً لتنسيق الرؤية الدولية والإقليمية، ولن يتورط في نتائج تضعه في أزمة مع حلفائه التقليديين، بخاصة المملكة العربية السعودية التي تسابق الوقت، بدورها، عبر محاولات توحيد المعارضة السورية وتأهيلها لأي استحقاقات ممكنة لعبور الحل السياسي والدبلوماسي الممكن.
يبدو "داعش" التنظيم الوحيد الذي يحظى بتوافق دولي وإقليمي على تعريفه بالإرهاب، بينما يبدو تعريف جبهة النصرة واقعياً أكثر تعقيداً منه على الورق، إذ إنّ الجبهة، بوصفها جزءاً من القاعدة، تعتبر، وفق الأطراف الدولية والإقليمية، تنظيماً إرهابياً، لكن الجبهة هي، في المقابل، جزء من شبكة تحالفاتٍ عريضة وعميقة في المجتمع السوري، ومع الفصائل المعارضة الأخرى، ما يجعل جزءاً مهماً من عملية تعريف "النصرة" أمراً ملتبساً، مثلما هي عملية تصنيف "جيش الفتح" الذي يتشكل، بدرجة أساسية، من "النصرة" وحركة أحرار الشام.
وحركة أحرار الشام ملف إشكالي، أيضاً، فهي في تصنيف المؤسسة الأمنية الأردنية وتعريفها بمثابة حركة إرهابية، أو "شبه إرهابية"، وحليف لجبهة النصرة، لكنّ الحركة قدّمت، عبر أحد أبرز قيادييها، لبيب النحاس، أخيراً، رسائل مهمة إيجابية، وتمت إعادة هيكلة القيادة والتخلص من الجناح المتشدد، ما يحدّ من الدعاوى التي تدفع إلى أنّ الحركة إرهابية وملتبسة الهوية. فكيف سيتعامل الأردن مع هذه التطورات والخلافات الجوهرية بين كل من الروس والنظام السوري والإيرانيين من جهة، والأتراك والقطريين والسعوديين وربما معهم أوروبيون من جهة أخرى؟
والحال كذلك، يمكن النظر إلى عشرات المنظمات السورية المقاتلة بأنّها تقع في "المنطقة الرمادية"، وستكون محلاّ للإشكاليات والخلافات بين الأطراف الدولية والإقليمية، مثلما هي الحال مع الحركات الإسلامية في ريف حلب، وبعض الفصائل في الجنوب، وريف دمشق، فالوصول إلى تعريف واضح توافقي بين الروس والأميركيين والعرب والأتراك على هذا التصنيف ليس مهمة سهلة، بل هي المهمة الشائكة.
يبقى السؤال؛ طالما أنّها قصة معقدة، فلماذا قبل بها الأردن؟ الجواب يتمثل بالعمل على تسجيل نقاطٍ عديدة. الأولى أن المسؤولين الأردنيين ينظرون إلى ترشيح روسيا بلدهم، وقبول الأطراف الأخرى بذلك، هو بمثابة اعتراف بدور أردني أساسي في الملف السوري، بعد بروز مخاوف أردنية بتحجيم هذا الدور، بعد التدخل الروسي. والثانية أنّ هنالك علاقة شخصية جيدة بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والملك عبدالله الثاني الذي يسعى إلى تقوية هذه العلاقة وتعزيزها، ولعب دور وسيط بين الروس والآخرين في الملف السوري.
لكن "القطبة المخفية" - في الموافقة الأردنية على هذا الدور- تتمثّل بأنّ الترشيح الروسي والقبول الدولي بذلك ينقل الأردن من حيّز الاتهام من النظام السوري وحلفائه الإيرانيين، بدعوى دعمه المعارضة المسلحة وجبهة النصرة، إلى حيّز آخر تماماً، ودور جديد، وهو الذي يفضله الملك، ويسعى إليه، دور "الوسيط المحايد"، أي عملية إعادة تموضع للموقف السياسي الأردني، من طرف خصم للنظام السوري إلى طرف محايد ووسيط.
لذلك، وإن لم تكن الأخبار مؤكدة عن زيارة رجل الأمن السوري القوي، علي مملوك، أخيراً، إلى عمان، فهي، في المقابل، ليست مستبعدة، في ضوء التقارب الأردني- الروسي، والعمل على إعادة التموضع التي شملت اتفاقاً آخر حول المنطقة الجنوبية في سورية، تعهد فيه الأردن للروس بإيقاف عمل غرفة العمليات لدعم الجبهة الجنوبية عسكرياً، وتعهد الروس بمنع أي عملية عسكرية جديدة في الجنوب، أي باختصار حفظ "الوضع القائم" مؤقتاً.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٥ مايو ٢٠٢٥
حكم الأغلبية للسويداء ورفض حكم الأغلبية على عموم سوريا.. ازدواجية الهجري الطائفية
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)