الجيش اللبناني هدف واضح وصريح للمحور الإيراني منذ أن رفض التنسيق مع الجيش السوري وحزب الله في عملية فجر الجرود التي أطلقها منذ أكثر من أسبوع ضد تنظيم داعش في جرود القاع قرب الحدود السورية من جهة الشرق.
إعلان الجيش اللبناني رسميا عدم التنسيق، ترافق مع إعلان حزب الله أنه سيقاتل إلى جانب الجيش السوري في هذه المعركة من داخل المناطق السورية. وهي إشارة إلى إصرار حزب الله على الدخول في هذه المواجهة بغاية واضحة وهي منع الجيش اللبناني من تحقيق انتصار يمكن أن يستثمره في نزع ذرائع بقاء سلاح حزب الله متفلتا من أيّ قيود في لبنان، وإلى هذه الغاية ثمة سبب آخر أعلن عنه الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، قبل أيام، وهو أن هناك معادلة جديدة يريد فرضها على اللبنانيين كبديل عن المعادلة الثلاثية التي أطلقها حزب الله منذ سنوات أي الجيش والشعب والمقاومة، بمعادلة رباعية بإضافة الجيش السوري، قاصداً القول إنّ جيش النظام السوري هو طرف في معادلة الأمن التي فرضها المحور الإيراني على سوريا ولبنان.
معركة جرود القاع أو فجر الجرود، أقلقت حزب الله بسبب أن الجيش اللبناني أظهر كفاءة عسكرية عالية وحقق تقدماً ميدانياً مهماً في الأيام الأولى، حيث نجح في تحرير مئة كيلومتر مربع من أصل 120 تسيطر عليه مجموعات داعش، هذا التقدم للجيش المحرز بقدرة ذاتية، خلق مناخا وطنيا جامعا حول الجيش، وهذا ما زاد في قلق الحزب الذي لم يكن يقدر أن معركة الجيش سوف تثمر سياسيا خلال أيام وتفرض مناخا وطنيا غير مسبوق في التفافه حول الجيش اللبناني وعمليته ضد تنظيم داعش.
بدأ حزب الله هجوما سياسيا مضادا، تمثل في دعوته أو محاولة فرضه التنسيق الرسمي اللبناني والعلني مع الجيش السوري، والربط بين معرفة مصير الجنود العسكريين المخطوفين من داعش قبل 3 سنوات بعملية التنسيق هذه.
هذه الدعوة لم تجد آذاناً صاغية، ولكن أمكن لحزب الله، وهو يرى أن عناصر تنظيم داعش بدأت بالانهيار، وراحت تسلم نفسها له متفادية التسليم للجيش اللبناني، أن يوجه رسالة مفادها أن عدم التنسيق مع الجيش السوري يمكن أن يؤدي إلى أنّ الأخير لن يعطي أيّ معلومات عن العسكريين المخطوفين، متناسيا مسؤوليته الوطنية عن هذا الملف، حيث تعامل مع أسرى داعش باعتبارهم أسرى لدى الجيش السوري وليس لدى طرف لبناني، وهذا ربما ما فرض على الجيش اللبناني أن يقبل التسوية التي أعدها حزب الله مع داعش بأن يوقف الجيش المعركة مقابل كشف مصير 11 جندياً لبنانياً تبين لاحقا أنّهم قتلوا من قبل داعش، مقابل أن ينسحب جنود داعش باتجاه مناطق سورية.
أي مراقب لاحظ أن العلاقة هي بين حزب الله والجيش السوري من جهة، وتنظيم داعش من جهة ثانية سلسة، بل إن حزب الله أنجز التفاهمات من دون أن يسمح للجيش اللبناني بالمقايضة بأسرى داعش لديه بأي معلومة يمكن الحصول عليها من داعش، بل كان حزب الله والجيش السوري عائقين أمام استكمال الجيش المعركة للقضاء على فلول داعش إما باستسلامهم أو بقتلهم.
وكما أشرنا سابقا، فإن الجيش هو الهدف، حيث سار حزب الله على طريق منع الجيش من تحقيق انتصار كامل، وكل ما قام به حزب الله خلال معركة فجر الجرود هو إنقاذ هذا التنظيم الإرهابي من أن يقع أي عنصر من أفراده في يد الجيش اللبناني، وإلا ما معنى أن يسلم هؤلاء أنفسهم لحزب الله ويرفضون تسليم أنفسهم للجيش اللبناني؟
هل حزب الله أكثر رأفة بهم من الجيش؟ بل ما تكشفه الوقائع أكثر من ذلك بكثير. حزب الله هو الطرف الموثوق في اللحظات الحرجة، والقادر على ترتيب اتفاقيات تمنع القضاء على التنظيم الإرهابي وعناصره. بل إن حزب الله الذي كان يمنع الدولة اللبنانية من التفاوض مع داعش قبل سنوات من أجل استعادة جنودها المخطوفين، هو نفسه من فرض على الدولة اللبنانية إطلاق عناصر من جبهة النصرة في سجونها مقابل أن تطلق هذه الجبهة أسرى حزب الله الخمسة قبل أقل من شهر. فيما يقول حزب الله اليوم، ومن خلال شبكة من مناصريه في سياق استهدافهم للجيش، إنّ حزب الله أعاد أسراه أحياء من جبهة النصرة، فيما أعادهم الجيش رفاتا وبمساعدة حزب الله.
هذه الوقاحة هي السياسة التي يعتمدها حزب الله في تطويع الدولة اللبنانية لتسير في ركابه، ولتسويق فكرة أن الجيش كما كل المؤسسات يجب أن تبقى في وضعية العاجز وأنّ حزب الله هو الذي يحميها.
يعلم اللبنانيون أنّ العلاقة بين الدولة اللبنانية وحزب الله يجب أن تبقى بنظر الأخير مشروطة بأن تكون الدولة مهانة وعاجزة، لكن معركة فجر الجرود هي معركة فضحت سلوكيات حزب الله تجاه الدولة. وهي سلوكيات ما كانت لتنكشف لولا إصرار الجيش على خوض المواجهة مع داعش من دون حزب الله أو جيش النظام السوري.
الاتفاق النووي مع إيران هو ثمرة الود المتبادل بين رئيس أميركا الرابع والأربعين والجمهورية الإسلامية في إيران الذي سمح للوبي الإيراني في واشنطن بالتحرك بحرية في العاصمة الأميركية وأدى إلى فتح قنوات هيأت لنجاح محادثات مجموعة 5+1 بالمضي قدماً حتى الإعلان عن الاتفاق في العام 2015 بما يخدم مصالح إيران في المنطقة.
حظيت العلاقة بين إيران والبيت الأبيض في عهد أوباما بود لم يسبقها له أي رئيس أميركي منذ الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979، وصلت إلى ذروتها، خصوصاً بعد أن أدار أوباما ظهره لانتفاضة عام 2009 أو ما سمي بالثورة الخضراء في إيران التي اندلعت احتجاجاً على إعادة انتخاب أحمدي نجاد. هذا الود الذي كان ثمرة عمل لأكثر من عقد من الزمن بعيداً عن الأنظار لإنشاء اللوبي الإيراني بهدف التغلغل في الداخل الأميركي وزرع العديد من الأسماء داخل المؤسسة السياسية في واشنطن للدفع بالسياسة الخارجية الأميركية تجاه إيران على نحو أكثر قرباً. تمتع العديد من الأعضاء المعروفين في جماعات الضغط الإيرانية وغيرهم بإمكانية وصول غير مسبوقة إلى البيت الأبيض. العديد من مراكز الفكر Think Tank في واشنطن ونيويورك أيضاً عملت عن قرب مع اللوبي الإيراني في واشنطن لأجل الترويج للنظام الإيراني ووضع حجر أساس لتلك العلاقة لتجنب الخيار العسكري واتخاذ نهج أقل حدة لصالح تفضيل خيارات الدبلوماسية والتفاوض للتمهيد من أجل التعايش مع النووي الإيراني.
اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة: شخصيات ومنظمات:
المجلس الوطني الإيراني الأميركي National Iranian American Council NIAC ، وهي منظمة ضغط مقرها واشنطن أسسها تريتا بارسي Trita Parsiعام 2002، شكلت حجر الأساس للعمل لخدمة المصالح الإيرانية في واشنطن، ومن خلال المحافظة على وجود نشط في العاصمة الأميركية، تقوم NIAC على التأثير على آراء كبار المسؤولين الأميركيين والسياسيين، والعمل من أجل سياسة أكثر صداقة مع إيران وتعزيز مصالح طهران في الكونغرس ومعارضة العقوبات الاقتصادية، إضافة إلى مواجهة نفوذ اللوبي الإسرائيلي.
تريتا بارسی: عند الحديث عن NIAC لابد من الإشارة لهذه الشخصية الأكثر تأثيراً، مؤسس ورئيس المجلس الوطني الإيراني الأميركي، سويدي الجنسية من أصل إيراني وحاصل على الإقامة الدائمة في أميركا، وأهم اللاعبين في دعم مصالح طهران في واشنطن، وصف عدد قليل من المحللين في واشنطن بارسي "بصانع القرار في إيران"، بما يصل إلى 33 اجتماعاً في البيت الأبيض في الفترة من 2013 إلى 2016. من خلال عدة مقالات في الصحف روج بارسي للاتفاق، حث فيها الإدارة الأميركية وصانع القرار بتبني الخيار الدبلوماسي ومحذراً من أن الحياد عن الدبلوماسية ستكون له آثار غير محمودة، وإن الولايات المتحدة قد تواجه بكوريا شمالية أخرى يصعب السيطرة عليها، في مقالات أخرى تحدث عن إمكانية تحقيق سلام مستقبلي بين إسرائيل وإيران.
في العام 2006 خلال فترة رئاسة الرئيس بوش، في خطوة تهدف لشن المزيد من الضغط ضد إيران، تم إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي. بدأ النظام الإيراني حملة لإقامة اتصالات مع السياسيين المناهضين لبوش، واستغلال الانقسامات السياسية في واشنطن حول السياسة مع إيران. في العام 2006 سلم جواد ظريف وثيقة المساومة الكبرى -التي تم إعدادها في العام 2003- إلى بارسي الذي قام بدوره بالإفراج عنها لاحقا للصحافة لاستخدامها في حملة لإثبات أن إيران كانت على استعداد للسلام والحوار بينما كانت الولايات المتحدة تسعى فقط إلى الحرب مع إيران. أطلق بارسي "مشروع التفاوض الإيراني" "Iran Negotiation Project" ، وبدأ بترتيب الاجتماعات بين ظريف وبعض أعضاء الكونغرس مثل Gilchrest ممن يعارضون سياسات بوش وعارضين تولي بعض المخاطرة السياسية، وطالبوا بالإجتماع مع أعضاء البرلمان الإيراني. تظهر الوثائق الداخلية أنه خلال الفترة 2006-2007، كيف لعب بارسي دورا هاما في هذه الحملة، ونظم اجتماعات بين جواد ظريف، السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة -آنذاك – وبعض أعضاء الكونغرس الأميركي الذين قالوا لبارسي: "خاب أملهم إزاء السياسة الخارجية لبوش وهم متعبون من الجلوس على الهامش حيث يقوض بوش موقف الولايات المتحدة العالمي. إنهم على استعداد لاتخاذ الأمور في أيديهم ويقبلون المخاطر السياسية التي تأتي معها".
في أغسطس 2013، أدلى وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف بخطاب تأكيد أمام البرلمان الإيراني، وأوضح أنه خلال فترة عمله سفيرا لإيران لدى الأمم المتحدة في نيويورك، بعد أن حصل على موافقة السلطات العليا للنظام، أقام اتصالات مع مجموعة من السياسين الأميركيين المعارضين لسياسات بوش في خطوة تهدف لاستغلال الانقسام بين صناع القرار. وثائق تم الإفراج عن جزء منها توضح وبصورة أكثر تحديدا تبادل البريد الإلكتروني بين جواد ظريف وتريتا بارسي، مسلطة الضوء على تكتيكات طهران للتأثير على السياسة الأميركية تجاه إيران، وعلاقة ظريف بأعضاء الكونغرس، وكيف قام بارسي بتنسيق الجهود الرامية إلى تحييد الضغوط الأميركية ضد إيران. نجح بارسي في بناء شبكة علاقات عامة استطاع من خلالها جذب الكثير من الأسماء للمشاركة في حلقات نقاش حول تفضيل الخيار الدبلوماسي حيال النووي الإيراني.
بعد توقيع الاتفاق أصدر كتابا بعنوان "خسارة عدو: أوباما وإيران، وانتصار الدبلوماسية"، مروجا لنجاح الدبلوماسية التي صنعت الاتفاق، أشار إلى سعي أوباما لمقابلة الرئيس روحاني والسلام عليه عند حضور الأخير في سبتمبر من العام 2013 لدورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وتردد روحاني بالموافقة على مقابلته ثم اتصاله بأوباما قبل مغادرته لنيويورك، كأول محادثة بين رئيسي الولايات المتحدة وإيران منذ الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979.
سيد موسافيان: الدبلوماسي الإيرانى الذي عمل سفيرا لإيران لدى ألمانيا في التسعينات (1990-1997) عندما كانت السفارة هي العقدة المركزية لشبكة الإرهاب الأوروبية الإيرانية لاغتيال المنشقين الإيرانيين في أوروبا. المتحدث باسم إيران خلال المفاوضات حول النووي الإيراني مع المجتمع الدولي (2003-2005)، كما عمل أيضا مستشار السياسة الخارجية لأمين المجلس الأعلى للأمن القومي (2005-2007). زار موسافيان روبرت مالي مسؤول مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، ومستشار الرئيس السابق حول الشرق الأوسط وتنظيم داعش، وتمت استضافته في البيت الأبيض ثلاث مرات على الأقل، ساعد بارسي وموسافيان البيت الأبيض على صياغة الرسائل المؤيدة لإيران ونقاط النقاش التي ساعدت على قيادة الاتفاق النووي مع إيران، وكانت هذه الجهود جزءا من صفقة أكبر مؤيدة لإيران "غرفة صدى" بقيادة كبار مسؤولي إدارة أوباما الذين كلفوا بتضليل الكونغرس حول طبيعة الصفقة. في خطبه المتكررة للترويج للصفقة مع إيران، يتحدث عن الاعتدال الإيراني المزيف، لديه أبحاث تركز على استكشاف مسارات للدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة والحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة والبناء عليها.
سحر نوروزداه: أيضا أحد أبرز الأسماء التي عملت من داخل البيت الأبيض بهدف تعزيز نهج النظام المؤيد لإيران، أحد المنتمين للمجلس الوطني الإيراني الأميركي وأحد أهم الأفراد في مجموعة الضغط داخل البيت الأبيض"، وفقا للصحافة الغربية سحر نوروزاده أميركية إيرانية تتمتع بمنصب متميز في السياسة الخارجية، بدأت حياتها المهنية في الخدمة العامة في عام 2005 خلال ولاية الرئيس بوش، انضمت إلى وزارة الخارجية الأميركية كموظف للشؤون الخارجية، وبدأت في عام 2014 دورة لمدة عامين كعضو في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض الخاص بإيران تحت الرئيس أوباما. وكانت سحر جزءا من فريق الرئيس أوباما المسؤول عن دعم المفاوضات النووية مع إيران. اتهمتها وسائل الإعلام المحافظة بالجاسوسة الإيرانية، وانتقدت علاقتها بالمجلس الوطني الإيراني الأميركي مطالبة بإبعادها عن البيت الأبيض، وبعد وصول فريق ترمب مؤخرا تمت إعادتها إلى وزارة الخارجية الأميركية، وتعمل حاليا في مكتب تخطيط السياسات الخاص كمسؤولة عن الشؤون الإيرانية والخليج.
دعم المدافعين عن مصالح إيران، وليس مصالح أميركا
السماح لبارسي بزيارة البيت الأبيض أكثر من 30 مرة، على الرغم من مواقفه التي تتماشى تماما مع مصالح النظام الإيراني، وعلاقاته القريبة مع رموز النظام الإيراني يوفر نظرة مثيرة للاهتمام حول المدى الذي وصلت له إدارة أوباما في مساعدة الموالين لنظام ملالي إيران، ففي الوقت الذي كانت إيران مستمرة في وصفها لأميركا "الشيطان الأكبر".
هذه الأسماء هي جزء من منظومة كبيرة تعمل من أجل مصالح طهران في واشنطن، ولايزال اللوبي الإيراني في الداخل الأميركي يعمل للحفاظ على الاتفاق مع الإدارة الحالية ولترسيخ أن هذا الاتفاق التاريخي هو ثمرة نجاح الدبلوماسية، والترويج بأن العقوبات الاقتصادية التي فرضت على إيران لم تجد نفعها، وأن أميركا أوباما هي من بدأت بمد يد المفاوضات لإيران، وحدث ذلك خلال ولاية المتشدد أحمدي نجاد. لكن توفر معلومات حول حقيقة بارسي ومنظمته وتتبع نشاطها القريب مع السلطة في إيران والعديد من الأسماء التي عملت عن كثب حتى توقيع الاتفاق النووي يوفر المعرفة اللازمة حول حقيقة الاتفاق النووي المعيب جدا والمختوم بموافقة إدارة أوباما مع طهران.
كل هذا يدل على ضرورة أن تقوم إدارة ترمب بإصلاح الوكالات التي تتعامل مع إيران، ومعرفة خلفيات العاملين فيها وأجنداتهم وفرض تغييرات جذرية على سياستها تجاه إيران تماما.
وصفه هو: اتفاق مثير لمشاعر الأهالي في لبنان بين «حزب الله» وتنظيمي «داعش» و«النصرة» بعد معارك «غامضة» على الحدود اللبنانية – السورية؛ جرود القلمون الغربي.
بعد صولات وجولات، ومناورات إعلامية وسياسية، وكمشة خطب لزعيم الحزب اللبناني - الشيعي، حسن نصر الله، انتهى الأمر إلى نتائج مخيبة؛ بل وصادمة، خصوصاً صور مقاتلي «داعش» وهم يستقلون حافلات ضخمة «مكيّفة» من الحدود السورية - اللبنانية إلى أقصى الشرق السوري قرب العراق، بحماية قوات النظام السوري، وتسهيلات عناصر الحزب الخميني اللبناني، ومعهم سيارات الهلال الأحمر أيضاً.
الصفقة المثيرة أغضبت أهالي العساكر اللبنانيين «الرسميين» المفقودين منذ فترة بعيدة.
«داعش» بعد ضمان تحقيق مطالبه، وهي الخروج الآمن بالأُسر، وبحماية النظام، إلى البوكمال ودير الزور شرق سوريا، أخبر جماعة الحزب الإلهي بمكان قبور جنود الجيش اللبناني القتلى، وبدوره أخبر الحزب الخميني قيادة الجيش والأمن العام بذلك، وسط صدمة الأهالي!
الاتفاق، كما أعلن عنه إعلام «حزب الله»، يقضي بتسيير قوافل حافلات تقل مقاتلي تنظيم داعش وعائلاتهم، وقد وصلت القوافل لنقطة تبادل في شرق سوريا، حيث سينتقلون منها إلى أراض خاضعة لسيطرة التنظيم بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار.
يا سلام!
كل تفصيلة تخرج عن هذه المفاوضات العجيبة، تكشف المزيد؛ من ذلك أن «حزب الله» فرض قراره على الدولة بتسليم 3 من المحكومين أمنياً في سجن رومية، مقابل عدد من مقاتليه الذين استقبلوا استقبال الأبطال.
طبعاً الجانب العراقي الذي يخوض الآن معاركه مع الدواعش على حدوده مع سوريا، وهي الحدود التي ذهب إليها دواعش القلمون اللبناني، بحفاوة أسدية وأيضا من حزب الله، غاضب ومستاء من هذا الإجراء.
رئيس الوزراء العبادي انتقد الاتفاق، وكثير من الكتاب والنشطاء العراقيين في غاية الغضب من هذه الاستهانة بمصالح العراق.
كل هذه الأمور تشير لحقيقة لطالما تغافل عنها البعض، وهي أن «كل» التنظيمات المتأسلمة المسلحة، الخارجة عن سلطة الدولة؛ شيعية كانت أم سنية، تتشابه في سلوكها وتتطابق في تصرفاتها، وتتشاطر الثقافة الاستباحية نفسها لحرمة الدولة وسيادة القانون وهيبة الكيان الحاكم للكل تحت سقف الدستور الذي لا سلطة فوقه تجاه كل مكونات المجتمع.
كما تشير هذه الصفقة المثيرة لهزال السيطرة والسيادة للدولة اللبنانية، في العهد العوني تحديداً، الذي قيل إنه سيعيد سطوة الجمهورية، والأمر المستفز أكثر أنه بعد الحضور المشرف للجيش اللبناني في معارك الجرود، سحب منه المجد، وظهر «حزب الله» الديني المسلح طرفاً أقوى، وهو الذي فاوض النظام السوري ورتب تفاصيل الصفقة!
مشهد كاشف بحق.
هل يمكن أن نفهم لماذا سمح الجيش اللبناني، ومن خلفه حزب الله وقوات النظام السوري، لمائتين وخمسين مقاتلاً إرهابياً من تنظيم داعش محاصرين في منطقة الجرود اللبنانية السورية بأن يخرجوا بسلام إلى دير الزور السورية؟ أي من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، وهي على الخريطة أكثر من أربعمائة كيلومتر داخل سوريا الممزقة!
ثم إن الصفقة تبدو مريبة، فهي تقوم على وقف إطلاق النار بين الجيش اللبناني من جهة، مع أنه لم يكن يقاتل خلال السنوات الأربع الماضية هناك، وداعش من الجهة الأخرى. ففي الاتفاق يبدو الجيش اللبناني هو من يفك الحصار عن القتلة مقابل أن يسلموا جثث قتلى حزب الله، ويدل الجيش على مدافن قتلاه، نحو تسعة عسكريين تم العثور على ستة منهم.
لماذا لم يترك دور البطولة هذه المرة لحزب الله كالعادة؟
السبب، كما يبدو، لأن الاتفاق هزيمة وفضيحة، والعذر أن الجيش هو القوة الشرعية. ولا يبدو منطقياً، أو على الأقل مفهوماً، السماح بخروج هذا العدد الكبير من مقاتلي التنظيم أحياء لقاء رفات أموات، طالما أن حزب الله يدعي أنه سيطر على تلك المناطق الجبلية.
لهذا اعتبر أهالي القتلى اللبنانيين الاتفاق خيانة في حق أبنائهم، معتمدين على أقوال الجيش بأنهم سيطروا على القلمون، وبقي عشرون كيلومترا من دائرة مساحتها مائة كلم.
الحقيقة واضحة، حزب الله لم يكن قادراً على السيطرة على تلك المنطقة، ويبرر الاتفاق بقوله: إنها ليست استراتيجية، وهذا ليس صحيحاً، فهي ملاذ آمن لداعش يستطيع منه أن يهدد كل شمال شرقي لبنان بعملياته الإرهابية، ولا يبعد سوى بضعة كيلومترات من حدود سوريا، إن أراد الانتقال بعملياته إلى هناك.
ويقول حزب الله إن الصفقة مع داعش لتنظيفها منه والسيطرة على كامل المنطقة، من أجل أن يتفرغ لمقاتلة الأميركيين في البادية السورية! طبعاً لا يوجد هناك من يصدق هذا الادعاء.
أما الجزء الغامض الآخر، فهو كيفية انتقال مقاتلي داعش إلى دير الزور، مسافة طويلة تستغرق في وقت السلم خمس ساعات، والآن ربما يوماً كاملاً أو أكثر.
ما الذي يهمنا في هذه المعركة الصغيرة في إطار حرب سوريا الكبيرة؟ نحاول أن نفهم من تفاصيلها تشكيلة القوى على الأرض. فإن استطاع تنظيم داعش أن ينقذ مقاتليه المحاصرين في الجرود والقلمون اللبناني، ثم يُؤمِّن انتقالهم إلى دير الزور البعيدة، فإن هذا يدل على أنه لا يزال قوياً بخلاف ما نسمع عنه. وهذا يعني أن أي اتفاق يفرضه الروس والإيرانيون على القوى السورية المقاتلة الأخرى لاحقاً، سيكون مجرد وهم سلام.
وهذا لا ينفي انهيارات التنظيمات الإرهابية، في مناطقها داخل سوريا، بل حقيقية، ومعظمها نتيجة ضربات التحالف الغربي، على اعتبار أن تحالف إيران وروسيا يركز في قتاله على التنظيمات السورية التي تنازع نظام الأسد شرعيته وإجبارها على القبول بمشروعه السياسي. إنما الفارق بين هزيمة تنظيم سوري مسلح، وآخر إرهابي مثل داعش وجبهة النصرة، أن القوى الإرهابية قادرة على البقاء بعد الهزيمة لتعمل تحت الأرض، لأنها مؤدلجة وتعيش في بيئة سرية التنظيم.
حزب الله كان يريد أن يضع اسمه فقط على الانتصارات لأنه يعيش شعبياً عليها، لهذا ترك للجيش اللبناني توقيع اتفاق القلمون ليكون محل غضب الناس واستنكارهم. فصار الجيش هو من وافق على صفقة تبادل الجثامين مقابل إخلاء قتلة داعش، فيما يبدو للجميع أنها صفقة خاسرة، وهزيمة محرجة. حزب الله اختار وتنازل، هذه المرة، عن دور «البطولة» للجيش اللبناني الذي لا يزال مغلوباً على أمره.
لاحظ كثر من المراقبين وللمرة الأولى السماح لمصر بدخول مشهد الصراع في سورية وعليها. تمثل ذلك في ما تناقلته الأنباء عن دور للقاهرة في المفاوضات بين المعارضة المسلحة والنظام، في ما يتعلق بما بات يعرف بمناطق التهدئة. حصل ذلك كما يبدو بموافقة روسية وسعودية. روسيا في حاجة لدور عربي تحت مظلتها في الأزمة السورية في موازاة الدورين الإيراني والتركي، خصوصاً أن هذه الأزمة دخلت مرحلة يتمنى كثيرون أن تفضي إلى الترتيبات النهائية لحل سياسي يتوافق عليه اللاعبون الرئيسيون في المشهد السوري. من ناحية ثانية، يبدو أن السعودية بعد استكمال إدارة ترامب لما بدأته الإدارة السابقة بتسليم الملف السوري للروس، وبعد تأكدها من أن قطر تمارس دوراً تخريبياً في المنطقة، ترى ضرورة حضور عربي رسمي في الأزمة السورية وقد دخلت هذا المنعطف الحساس. علاقة الرياض بكل من النظام السوري، وراعيته إيران لا تسمح لها بأن تكون هي الطرف العربي المطلوب. في هذا السياق، يبدو أن الرؤية السعودية والروسية التقت على أهمية أن تتولى مصر هذا الدور.
يعزز ذلك أن موقف مصر في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي كان دائماً إلى جانب النظام السوري. ومع أن القاهرة انطلاقاً من ذلك تعطي أكثر من مؤشر على أنها مع خيار بقاء الرئيس بشار الأسد، إلا أن موقفها يكتنفه شيء من الغموض حيال مستقبل الأسد في الحل النهائي المنشود للأزمة السورية. الأرجح أن مصر لا تمانع بقاء الأسد في الحل النهائي. هل هو بقاء موقت أم نهائي؟ ليس واضحاً. ينطلق الموقف المصري من ثلاثة هواجس. الأول معارضة وصول الإخوان المسلمين، والمعارضة الإسلامية عموماً إلى الحكم في سورية. وذلك لكسر أي طوق إخواني قد يحيط بمصر في حال وصول أي من هؤلاء إلى الحكم هناك. ثانياً تفضل بقاء السلطة في يد الجيش السوري حتى لا تبقى مصر وحدها من يحكمها الجيش. ثالثاً ألا يفضي الحل النهائي في سورية إلى تعزيز نفوذ دول إقليمية على حساب مصر. هنا يتقاطع الموقف المصري في غموضه وتفاصيله مع الموقف الروسي، ويختلف في حدوده وأهدافه النهائية مع الموقف التركي، ويكاد يتناقض مع الموقف الإيراني. كانت تركيا ترى ضرورة رحيل الأسد. ثم بعد تقاربها مع روسيا، واتفاقها مع إيران حيال الموضوع الكردي في كل من العراق وسورية، تغير هذا الموقف القاطع، وأصبحت أنقرة تفضل الغموض، وتلتزم الصمت في شأن مستقبل الأسد. أكثر المواقف وضوحاً هو الموقف الإيراني. إذ ترى طهران أنه لا حل في سورية من دون بقاء الأسد. ومنطلقها في ذلك أن رحيل الأسد سيفتح الباب أمام عودة الأغلبية السنية إلى الحكم في سورية. وهو ما تعتبر أن حصوله يعني انهيار مشروعها في الشام.
الغرائب في هذا المشهد المركب كثيرة. يبرز منها ثلاثة أمور. الأول أن قطر تأمل بحجمها المتواضع أن تكون طرفاً في تحالف مع تركيا وإيران في مواجهة الرياض والقاهرة والإمارات والأردن. الثاني أن بشار الأسد يتحدث، كما فعل في خطابه الأسبوع الماضي، وكأنه ينفرد بحكم سورية كما كان عليه الأمر قبل الثورة. هذا مع معرفته أكثر من غيره أن أمره ووضعه عكس ذلك تماماً. كأنه يكابر ولم يتعلم من التجربة، أو يتظاهر في محاولة لتشتيت الانتباه عن الواقع الذي يتسربل به. الأمر الثالث لافت أيضاً، لكن في اتجاه آخر. وهو أنه لم يهاجم في هذا الخطاب إلا الغرب والإخوان المسلمين. حاجته لموافقة هذا الغرب، وتحديداً أميركا، الآن أكثر مما كانت عليه من قبل. والأغرب هو هجومه على الإخوان مع أنهم ليسوا أغلب ولا أهم القوى المسلحة التي تحارب نظامه. في هذا السياق، وهذا لافت حقاً، لم يهاجم أية دولة عربية، بشكل مباشر على الأقل. تأتي أهمية هذه الملاحظة أنها تتزامن مع دخول الدور المصري إلى سورية. هل في هذا مؤشر إلى أن الأسد تعلم من الثورة عليه وعلى نظامه الكلفة الباهظة لارتمائه في أحضان الإيرانيين، وانسلاخه عن محيطه العربي، وأنه بدأ يدرك نجاعة لعبة التوازنات التي كان يستند إليها والده الذي ورثه الحكم؟ إذا كان الأمر كذلك، فإن إشارة الأسد قد تعني أنه يريد حضوراً عربياً يخفف به وطأة الحضور الإيراني، ويسمح له بهامش أكثر مما يتوافر له الآن. لكن يصطدم هذا التوقع مع تجاهل الأسد التام في خطابه للشعب السوري، وتحديداً للعدد الهائل من الذين قضوا على يد قواته وحلفائه من الميليشيات الإيرانية، والقوات الروسية، وملايين المهجرين بين الداخل والخارج، فضلاً عن المصابين والمشردين. تجاهل كل هؤلاء ليقول بلغة فاقعة ومباشرة بأن الشعب السوري أصبح الآن أكثر تجانساً مما كان عليه قبل الثورة. وهذا تعبير عنصري يأتي على لسان رئيس الدولة من دون خجل. وهو تعبير يعني أن عمليات القتل والتهجير والتدمير كانت تتم في شكل متعمد وممنهج منذ بداية الثورة لتحقيق هدف التجانس المذهبي الذي توقف عنده الأسد بافتخار باذخ.
السؤال الذي على القاهرة مواجهته الآن: ما الذي تأمل تحقيقه؟ ربما أنها، ومعها الرياض وعواصم عربية أخرى، ترى أن الحضور العربي في سورية في هذه المرحلة بات ضرورة ملحة. هو كذلك بالفعل. لكن كيف؟ ولأي هدف؟ هل بقاء الأسد في مصلحة سورية، أو في مصلحة العرب؟ تغيرت المعادلة في سورية. بقاء الأسد الآن يعتمد على قوات أجنبية كبيرة، ولا يستطيع البقاء من دونها. من سيتحمل كلفة وتبعات ذلك؟ فات زمن إقناع الأسد بالتخلي عن اعتماده على إيران أو اعتماد إيران عليه. ثم هل يمكن إقناع السوريين بقبول بقائه بعد كل ما حصل؟ نعم دخول مصر بموافقة سعودية وعربية سيوازن الدور الإيراني، ويعزز الدور الروسي، ويحد من الدور التركي. لكن مرة أخرى كيف؟ ولأي هدف؟ لا تستطيع القاهرة إعلان موقف من الوجود الإيراني المكثف في سورية. موافقتها عليه ضد مصالحها، وتتصادم مع الرياض. معارضتها له ستعكر علاقتها مع الأسد ونظامه. يحتاج الأمر إلى حل يبدأ إما بخروج الأسد، أو ببقائه كسبيل لخروجه. من دون ذلك ستبقى سورية مهددة بالتقسيم، أو بدخولها النفق الأفغاني.
نادراً ما عاندت تطورات الصراع السوري تشاؤم المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، وغالباً ما خيبت الوقائع الملموسة تصريحاته المتفائلة، إن في وقف القصف السلطوي أو في تسهيل وصول الغذاء والدواء إلى مناطق محاصرة، أو في رهانه على مفاوضات جنيف التي عقدت مراراً تحت إشرافه، ولكن يصح اليوم أن يؤخذ على محمل الجد تفاؤله بحصول تقدم نوعي في الملف السوري خلال الأشهر القادمة، ما دام يستند في ذلك الى مستجدات سياسية وعسكرية.
أولاً، تبدل محتوى التسوية السياسية المرتقبة، موضوع التفاؤل، حيث نجحت موسكو، بعد عامين من تدخلها العسكري المباشر في فرض توازن جديد للقوى، جعلها الطرف المقرر في الشأن السوري، ومكنها من الالتفاف على أهم النقاط الإشكالية وفرض رؤيتها لإخماد الاقتتال، مستعينة بمناطق خفض التوتر وبخطة طريق جوهرها تثبيت أركان الدولة وفصل الوجه العسكري للصراع عن وجهه السياسي، ربطاً بتفهمها مخاوف أهم الأطراف الدولية والإقليمية وطمأنتها، الأمر الذي يعني عملياً، نسف ما نص عليه بيان جنيف عن مرحلة انتقالية تحدث تغيرات سياسية جذرية في محتوى السلطة وعلاقتها بالدولة والمجتمع، ويعني تالياً تثبيت الواقع القائم في ما يشبه عملية تطبيع سياسية واجتماعية تهدر تضحيات الشعب السوري وتطيح مطالبه بالحرية والكرامة، وتستهتر بمعالجة ملفات إنسانية ملحة ومؤلمة، كأوضاع المعتقلين والمغيبين قسرياً والمشكلات المتفاقمة للاجئين والنازحين.
ثانياً، ما كان لموسكو أن تتمكن من التفرد في تقرير المصير السوري، لولا استمرار سلبية المجتمع الدولي والخذلان الغربي وتسليم البيت الأبيض دورها المفتاحي، مكتفياً بقيادة التحالف الدولي المناهض لـ «داعش»، وتمكين قوات سورية الديموقراطية، ومخيباً الآمال التي عقدت بعد مجيء ترامب على مقاربة أميركية جديدة للملف السوري، غذتها الضربة الصاروخية لمطار الشعيرات رداً على معاودة النظام استخدام الغازات السامة في بلدة خان شيخون، ثم تصعيد لهجته العدائية ضد طهران لمنع إفلاتها من اشتراطات الاتفاق النووي.
وأيضاً ما كان للدور الروسي أن يأخذ ذاك الزخم من دون نجاحه في تطويع مواقف الطرفين الإقليميين الأكثر تأثيراً في الصراع السوري، إيران وتركيا، فالأولى تعي حاجتها التحالفية مع روسيا وتقدر ما حققه حضور الأخيرة عسكرياً من نتائج عجزت هي عن تحقيقها، لتبدو مكرهة على تفهم خطة الكرملين واملاءاته في سورية، حتى لو تحجم نفوذها وتقلص دور بعض أدواتها، بدليل انخراطها بعد تردد في مفاوضات آستانة، وخضوعها للترتيبات الأمنية ومناطق خفض التوتر التي فرضتها موسكو، من دون التفريط بفرص تعزيز حضورها في مواقع استراتيجية حدودية مع العراق ولبنان، وما يقيد طهران أكثر أنها لا تمتلك بدائل دولية أو إقليمية تشجعها على تغيير تحالفها، وتعاني من استنزاف طاقاتها لهضم نفوذها في العراق وإدارة معارك اليمن وتخفيف حصار «حزب الله» اقتصادياً، فكيف الحال مع تصاعد تهديدات دونالد ترامب ضد نظامها وطموحاته الإقليمية؟
أما حكومة أنقرة ومع أنها كشفت عن طموح نهم لتعزيز وزنها ودورها الإقليميين، يبقى هاجسها الأول منع قيام كيان كردي على حدودها، ما يجعلها مستعدة براغماتياً للمقايضة على أي شيء لقاء ذلك، بخاصة وقد هز الانقلاب الفاشل أركانها وأقلقتها النتائج العسكرية التي حققتها قوات سورية الديموقراطية المدعومة أميركياً، ما يفسر انفتاحها الواسع على روسيا وتنازلها لمصلحة الأخيرة في إدارة محطات الصراع السوري، بدءاً من سلوكها المريب في معارك حلب إلى دورها الضاغط على جماعات المعارضة للمشاركة في اجتماعات الآستانة ولإنجاح مسارات التهدئة والهدن التي عقدت بإشراف روسي في أرياف حمص وحلب ودمشق. ولا بأس، في الطريق، من تحسين حصتها، مستقوية، مرة، بالحاجة الماسة إليها في معارك إدلب المرتقبة ضد هيئة تحرير الشام، ومرة ثانية، بميل عربي يدعمها ويدعم خطة موسكو على أمل بمحاصرة التمدد الإيراني وردعه.
ثالثاً، وصول جميع الأطراف الداخلية، من نظام ومعارضة، إلى حالة من الضعف والإنهاك، وقد استنزفت قواها وضاق هامش حركتها المستقلة إلى حد كبير، لتغدو رهن الطرف الذي أنقذها وضمن استمرارها، ما منح روسيا قدرة أكبر على التحكم بمصير هذه البؤرة من التوتر وتطويع أطرافها.
فأنّى لنظام مكنته موسكو من البقاء والصمود واستخدمت الفيتو مرات عدة لحمايته، أن يرفض مشيئتها ويعارض خطتها في استثمار نتائج تدخلها العسكري، بما في ذلك تهدئة مراكز قوى سلطوية خلقها انفلات الصراع الدموي، لا تزال تتمسك بخيار العنف، وتتحسب من أخطار إطلاق عملية سياسية، قد تفضي إلى تفكيك عناصر قوتها ومقومات تماسكها؟
وأي دور لمعارضة سياسية هي الأضعف اليوم والأبعد تمثيلاً للسوريين وطموحاتهم، تنوء تحت ثقل نزاعات لا طائل منها وتحكمها ارتباطات دولية وإقليمية حولتها إلى مجرد أوراق نفوذ وأدوات تنفيذ، ولا تغير هذه الحقيقة بل تؤكدها محاولات توحيد صفوفها بعد إدراج منصتي القاهرة وموسكو في اجتماعات الرياض الأخيرة على أمل بتشكيل وفد مفاوض موحد ولكن، أقل تطلباً؟
وأي وزن لجماعات المعارضة المسلحة وقد نجحت موسكو في استنزافها وتفريق صفوفها وإجبارها على أولوية محاربة «داعش» وهيئة تحرير الشام، ربطاً بتعدد مرجعياتها الفقهية ومصادر تمويلها وتصاعد ظواهر الاقتتال بين صفوفها وعجزها البيّن عن إدارة مناطقها بروح تحترم حقوق الناس وخياراتهم، وزاد الطين بلة على كل ما سبق بنية تحتية مدمرة وشعب متعب ومنهك يكويه الإحباط والتشرد وغياب الأمن وغلاء فاحش.
ونسأل، إن صح تفاؤل دي ميستورا، هل يزيل هذا النوع من التسويات فتيل الانفجار، بخاصة إن أهمل محاسبة المرتكبين ولم يؤسس سياسياً لبناء مجتمع صحي ومعافى؟ ثم إلى متى قد تبقى بعض الأطراف الدولية والإقليمية راضية عمّا تقدمه موسكو من فتات، قبل أن تعترض وتحرك أوراقها وأدواتها لمقارعة تلك التسوية المزعومة وهز استقرارها؟!
ست سنوات في مثل هذا الشهر، خرج الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما ببيان يدعو فيه نظيره السوري بشار الأسد الى التنحي عن منصبه من دون أن تكون لديه استراتيجية أو أدوات داخل سورية لتحقيق هذا الهدف، أو حتى خطة بديلة في حال عدم حدوثه، والانعطافة الأميركية اليوم لقبول بقائه هي إحدى نتائج ذلك.
نصف مليون قتيل وملايين اللاجئين ودمار هائل يفوق ثمن إعادة الإعمار فيه المئتي بليون دولار وفق البنك الدولي، وها هي واشنطن تعود للتأقلم مع بقاء الأسد الذي لا مؤشر الى خروجه من السلطة ولا الى تغيير سلوكه في شكل يفتح الباب أمام حل سياسي. مستقبل سورية هو اليوم في قبضة تحالف إيران- الأسد- روسيا، مع ما يعنيه ذلك للجهاز الأمني والاستخباراتي للنظام ولميليشيات إثنية ومتطرفة سيستمر حضورها في المدى المتوسط.
بالنسبة للإدارة الأميركية، فإن كلفة مغادرة الأسد باتت أكبر من كلفة بقائه. فأي حديث عن تنحي الأسد أو عزله بعد مرحلة انتقالية ووفق السفير الأميركي الأخير الى سورية روبرت فورد لا يمكن أن يتم إلا من خلال إعادة تسليح المعارضة وليس برشاشات أوتوماتيكية بل صواريخ أرض- جو تمكنها من استعادة بعض الحضور العسكري قبل التفكير بقلب الساحة الميدانية. هكذا دعم يتطلب قراراً سياسياً أميركياً وإقليمياً، والاثنان غير متوافرين اليوم، وحتى برأي المعارضة السورية لا جدوى من انتظارهما.
فإدارة ترامب تتحرك من منطلق التعايش مع فكرة بقاء الأسد من دون التصالح معه ووفقاً لخطوط براغماتية وعسكرية تنال تأييد وزارة الدفاع الأميركية. بداية، ليست هناك إرادة أميركية لدعم المعارضة السورية المسلحة، والتركيز في سورية هو على أربعة أهداف ومصير الأسد ليس بينها وهي: ١- هزيمة «داعش» ٢- ضمان أمن إسرائيل ٣- استيعاب أزمة اللاجئين ٤- ضبط السلاح الكيماوي. من هنا ركزت تحركات دونالد ترامب وتصريحاته حول سورية بوقف برنامج وكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.أي) الذي كان في رمقه الأخير قبل مغادرة أوباما، ومعاقبة الأسد حين استخدم السلاح الكيماوي، وتحرير الرقة والتنسيق مع الجانب الروسي في خطط لاستيعاب اللاجئين وضمان عدم وصول «حزب الله» الى خط الجولان.
أما ما تبقى مما يفعله الأسد ومعارضوه في الغوطة أو إدلب أو حمص أو الجنوب السوري فهو ضمن تفاصيل ميدانية لا تستحوذ أولوية التدخل بالنسبة للإدارة. هناك أيضاً حساسية أكبر لدى إدارة ترامب من ملف تغيير الأنظمة بعد تجارب العراق وليبيا والتي عارضها المرشح وأدت برأيه الى دول فاشلة استغل الفراغ فيها تنظيمات إرهابية وإيران.
في الوقت ذاته، بقاء الأسد كواقع سياسي وعسكري لا يعني مصالحة أميركية معه كما يقول فورد. لا بل تمنع العقوبات الأميركية من الكونغرس أي إدارة من الانفتاح على دمشق اقتصادياً ومصرفياً. ومن دون تسوية سياسية شاملة لا يمكن الحديث لا عن عقود إعادة إعمار أميركية في سورية، أو إعادة فتح للسفارات الغربية في دمشق. ويحتم تحالف الأسد مع إيران وتعزيز النفوذ الإيراني في سورية من مقاتلين أفغان وعراقيين ولبنانيين استقطبتهم طهران للدفاع عن مصالحها وعن النظام، يحتم ذلك بقاء الأسد في خانة استراتيجية لا تتوافق مع الولايات المتحدة. فلا دعم إسرائيل ولا حتى القوات الكردية يتفق اليوم مع تطلعات إيران، والرهان الإسرائيلي هو على روسيا لاحتواء هذا النفوذ من دون توقعها أن تنجح في ذلك.
كل ذلك يعني أن المعادلة الأميركية في سورية انقلبت عما كانت عليه منذ ست سنوات، وهي تركز على البعد الإقليمي للنزاع وعلى دور إيران وأمن إسرائيل وحصة الأكراد. أما مصير الأسد فلم يعد تفصيلاً ضرورياً للأميركيين، والتعايش معه ممكن كما التعايش مع عمر البشير أو كيم جونغ أون أو نيكولاس مادورو.
استهجن سوريون كثيرون، وغير سوريين، كلام رئيس النظام السوري، بشار الأسد، عن النتائج "الإيجابية" للحرب التي شنها ضد الشعب السوري، وراح ضحيتها أكثر من نصف مليون قتيل، وإعاقة نحو مليونين، وتهجير أكثر من عشرة ملايين، وتدمير أهم الموروثات العمرانية التاريخية في حلب وحمص.
ما قاله الأسد يوم الأحد الماضي عن "التجانس" الذي أحدثته الحرب على صعيد تركيبة المجتمع السوري، سبق أن ورد على لسانه، ما هو أخطر منه بكثير، في حوار مع صحيفة الوطن التي تصدر من دمشق في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عندما أجاب على سؤال عن آثار الحرب بقوله "أعتقد اليوم أن البنية الاجتماعية للمجتمع السوري أصبحت أكثر صفاءً من قبل الحرب. قبل الحرب كانت هناك شوائب طائفية وعرقية تنتشر بشكل خفي في عمق المجتمع، أما الآن فهذا المجتمع أصبح أكثر صفاءً". وأضاف "أعتقد بأن الحرب، على وحشيتها ومساوئها، كان لها جوانب مفيدة للمجتمع السوري من هذه الناحية. لذلك علينا ألا نقلق، إذا تمكّنا من ضرب الإرهاب، فأنا أقول لك إن ذاك المجتمع سيكون أفضل بكثير من المجتمع السوري الذي عرفناه قبل الأزمة".
أن يكرّر الأسد الكلام نفسه اليوم، فهذا يعني أمرين. الأول، أن الحديث السابق لم يكن زلّة لسان أو شطحة خيال عابرة، بل هو يصدر عن قناعةٍ راسخةٍ عبّر عنها في صورة خلاصةٍ من خلاصاته من هذه الحرب. الثاني، أن هذا الكلام لا يمكن أن يكون يتيماً، بل هو ابن سياق سياسي وثقافي، وبيئة حاضنة رعته حتى صار الأسد ينطق به، من دون خوف أو خجل.
وفي الحالين، الخطير أن هذا التفكير شكّل خلفية لسلوك الأسد الإجرامي المشين، وممارسته القتل، انطلاقاً من إيمانه بأن التطهير مهمة نبيلة، يقوم بها من أجل الوصول إلى خلطة اجتماعية جديدة "أكثر صفاء"، على حد تعبيره.
مؤكّد أن الأسد لا يقصد غير التجانس الطائفي، وهو بذلك يعلن موت الصيغة الوطنية التي جمعت السوريين تحت سقف واحد منذ قديم الزمان، حين حملت هذا الأرض إسم سورية، بغض النظر عن الطوائف والأعراق التي تعايشت فوقها.
ومهما كان القدر من المسؤولية الذي يتحمله بشار الأسد عن الجرائم التي ارتكبها تحت راية التطهير والتجانس، فإن شركاءه يجب أن لا يتم التغاضي عنهم، لاسيما وأنه لا يمكن إقناع السوريين أن ما صدر عن الأسد هو هذيان شخص مريض ومجنون، بل هو انعكاس لبيئة عائلية ومحيط طائفي محلي وإقليمي، يبدأ من رموز عائلة الأسد أنفسهم، وينسحب إلى الشركاء معهم في القتل، ويمتد إلى إيران، راعية المليشيات الطائفية التي قاتلت الشعب السوري ستة أعوام بشعارات طائفية، ومن أجل أغراضٍ طائفية، وهنا باتت مسألة الإبادة مطروحةً بقوة، وسيلةً من أجل كسب معركة التطهير الطائفي في سورية.
هناك قول شائع يُنسب إلى رفعت الأسد، صدر عنه خلال مجازر حماة وحلب في مطلع ثمانينات القرن الماضي: "هناك من يقول إن السنة أكثرية، سأقوم بتحويلهم إلى أقلية". وهنا يبدو أن ما فشل فيه رفعت عمل ابن شقيقه بشار كي يجعل منه إنجازاً يُسجل باسمه.
يعترف الأسد بالإبادة والتهجير من دون حرج، ومن دون خوفٍ من مساءلة محلية أو خارجية، محتمياً وراء إيران، لكن هذه المسألة لا يمكن لأحد أن يسقط عنه تبعاتها القانونية والأخلاقية. سيبقى هناك سوريون يلاحقونه حتى القبر من أجل العدالة، وحقوق الضحايا الأبرياء الذين جرى قتلهم أو تشريدهم على يده، ومن سانده في هذه الجرائم التي لم تشهد البشرية لها مثيلاً.
خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى روسيا، في الأسبوع الحالي، للاجتماع مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. ليست المرة الأولى التي يلتقيان فيها، لكنهما اعتادا على عقد الاجتماعات، وفي روسيا تحديداً، قبل أي حدثٍ مفصلي. في 21 سبتمبر /أيلول 2015، عقد الثنائي لقاءً في موسكو، كشف فيه بوتين عن التدخّل الروسي العسكري في سورية، الذي عاد وحصل في 30 سبتمبر/ أيلول من العام عينه. سلّم نتنياهو لبوتين لائحة بأكثر من 1150 هدفاً "يجب ضربها في سورية"، أكثريتها عائدة لـ"جبهة فتح الشام" (جبهة النصرة سابقاً). أراد الإيحاء بأن ما يعرفه عن الأرض السورية أكثر بكثير مما يعرفه الكرملين.
وبعد نحو عامين من التدخّل العسكري المباشر، بدأت روسيا صياغة حلول مرحلية في سورية، عبر اتفاقات "خفض التصعيد". حلول توجد فيها إيران وحلفاؤها عناصر أساسية، خصوصاً في الجنوب السوري. هناك، وعلى الحدود بين سورية والأردن من جهة، وبين سورية والأراضي الفلسطينية المحتلة من جهة أخرى، تبدو المسألة أقرب إلى تكرار نموذج لبنان في ثمانينات القرن الماضي.
أبدى نتنياهو خشيته من الوجود الإيراني، واستطراداً حزب الله، في سورية. قدّم لبوتين عرضاً عن "الخطر الإيراني وتأثيره على إسرائيل". كان رئيس الموساد، يوسي كوهين، أساسياً في تقييم الوضع الميداني الإيراني في سورية. "تفّهمت" روسيا "المخاوف" الإسرائيلية. ربما كان يكفي بوتين الابتسام قليلاً، لمنح الضوء الأخضر لنتنياهو، بغية شنّ هجماتٍ في سورية، وإبعاد إيران وحزب الله عن المناطق المتاخمة لفلسطين المحتلة.
لن يقوم نتنياهو بأي هجوم ضد حزب الله، ولا ضد إيران، في سورية. كان واضحاً في ذلك، عبر توجيهه رسالة غير مباشرة لبوتين: "إيران تحاول إجراء عملية لبننة لسورية، والسيطرة عليها بواسطة مليشيات شيعية مثلما فعلت مع حزب الله في لبنان"، مضيفاً أن "إسرائيل ستعمل حيث يجب، وبموجب خطوطها الحمراء التي تضعها، وعندما فعلت ذلك في السابق لم تطلب إذناً من أحد".
أمران تجدر ملاحظتهما هنا. الأول أن نتنياهو استخدم مصطلحاتٍ مشابهة لما استخدمه مناحيم بيغن في أثناء الانسحاب الإسرائيلي من صيدا اللبنانية عام 1985، بما يتعلق بـ"المليشيات الشيعية"، في إشارة إلى مرحلة طويلة من النزاع المستقبلي، في حال استمرّ وجود إيران وحلفائها على مقربةٍ من الحدود الفلسطينية المحتلة مع سورية. الثاني استعمال نتنياهو مصطلح "لبننة سورية". والمعروف أن "اللبننة"، في سياق مفهوم الدولة، هي الطريق الأفضل لتهديم بنيان الدولة. و"اللبننة" التي أفرزتها الحرب اللبنانية نسيج اجتماعي مفكّك، وأرض مشتتة، وأحزاب ومليشيات صنعت "الدولة العميقة" داخل الدولة الأساسية. تؤدي هذه "اللبننة" إلى كل أنواع التقسيم المجتمعي والديمغرافي والفكري، لكنها لا تؤدي إلى رسم حدود جغرافية، لتكريس هذا الانقسام، بل تترك الأمور في سياق مراوحةٍ قاتلة، وتبادل أدوار طوائفية داخل بنيان الدولة الأساسي، الهشّ.
يعلم نتنياهو أن "الطبيعة" الروسية، المتأتية من طبيعة سوفياتية، ترفض تقاسم أي أرض مع حلفاء مشتركين. سورية ليست برلين، ليتم تقاسمها مع دول أخرى. سورية "نظامٌ استدعى حليفاً من الأقاصي البعيدة لنجدته". ولا يمكن أن يسمح هذا الحليف بمشاركة ندّية من أي طرفٍ إقليمي ودولي في سورية، باستثناء الأميركيين، لاعتباراتٍ تتجاوز الشرق الأوسط، إلى أوكرانيا والوسط الآسيوي وبحر الصين الجنوبي، وصولاً إلى كوريا الشمالية. بالنسبة للروس، الإيرانيون وحلفاؤهم "فريق ثانٍ" في سورية، لا "فريق أول". لا يعني هذا أن الصدام حاصل بين موسكو وطهران، لكنه فراغٌ كافٍ لصياغة "اللبننة" السورية، في مرحلة ما قبل "طائفٍ سوري" يفسح المجال لتقسيم سورية إلى دويلات أو لحصول صداماتٍ تسبق قيام "دولة عميقة" جديدة، وهو ما يفيد الإسرائيلي. مع العلم أنه حين يتحدّث عن نيّته القيام بهجمات فإنه يعني أنه لن يقوم بها.
يكشف خطاب بشار الأسد الأخير حالة الفصام والتناقض التي يعيشها، مثل كل كلامه في السنين الست الماضية. كما يكشف مدى التصاعد في فاشيته، ومدى تأصلها في لاوعيه، بما يؤكد أن سلالة الفاشية والنازية لم تنقطع تاريخيا مع نهاية الحرب العالمية الثانية، بل يبدو أنها مستمرة في سيرة حكام الأنظمة التوتاليتارية والعسكرية الأمنية. وما المجازر التي ارتكبت خلال سنوات حكم آل الأسد، والمستمرة، سوى دليل بسيط على هذه الفاشية، لاسيما في السنوات الأخيرة، حيث ظهرت جليا الرغبة في التطهير الطائفي والطبقي لدى النظام. وربما ما جعل الجميع يتوقفون عند هذا الخطاب اعتبار بشار الأسد له، وترويجه من الإعلام الموالي، بوصفه خطاب النصر. من دون أن يشرح، على عادته، معنى كلمة النصر وما هو النصر في الحالة السورية، تاركا للمستمعين له أن يتساءلوا عن أي نصرٍ يتحدث، والبلاد محتلة من أطراف عدة، ومقسّمة ومهشّمة، والمدن ما زالت تدكّها طائرات غريبة، والموت يتنقل من مكان إلى آخر بفعل القذائف الصاروخية مجهولة المصدر، والسلاح ينتشر حتى في المدن الواقعة تحت سيطرته، مخلفا سلالاتٍ من عصابات الإجرام والقتل والخطف خارجة عن سيطرة الجيش والأمن وعن أية سيطرة أخرى، والفقر معمّم على الناس، والفاقة والغلاء والانهيار الإقتصادي وانهيار البنية التحيتة اللازمة لحياة البشر الطبيعين، من كهرباء ووقود وماء وغيرها.
ومازلنا هنا نتحدث عن المدن الواقعة تحت سيطرته، ولم نقترب من المدن الخارجة عن السيطرة بكل ما يحدث فيها، ولا عن ملايين المهجرين في الداخل والخارج، ولا عن المشرّدين وسكان المخيمات، ولا عن أكثر من مليون معاق أو مهدّد بالإعاقة، ولا عن ملايين الأطفال المحرومين من التعليم، ولا عن مدنٍ مدمرة بالكامل، ولا عن التراجع في الحياة المدنية السورية التي تحتاج إلى سنين طويلة لاستعادتها، ولا عن انهيار المجتمع السوري على جميع مستوياته، التشاركية والأخلاقية والنفسية.
سيتساءل المستمعون كثيرا قبل أن يصل إليهم الجواب، والمقصود بالمستمعين له هنا كل من يرى أن المنتصر الوحيد في سورية هو الخراب والدم والدمار، وأن ادّعاء أي طرف الانتصار محض افتراء على الحاضر والمستقبل، وعلى تاريخٍ يسجل ما يحصل ويتركه للأجيال القادمة. أما مؤيدوه من السوريين وغيرهم، فلا يمكن تسميتهم مستمعين، فهم يردّدون البله في كلامه بإعجاب، ويهللون للفاشية حين يتحدّث عنها، إذ كان مذهلا ترديدهم جملته "الاستثنائية" في خطابه: "خسرنا خيرة شباب سورية لكننا ربحنا مجتمعا متجانسا"، وكأنها قول عظيم! من دون أن ينتبهوا، وهم في غالبيتهم ينتمون إلى اليسار العربي أو إلى الأقليات الدينية، أو إلى العلمانيين من الأكثرية الدينية، أن المجتمع المتجانس فكرة فاشية وعنصرية أصلا، تقوم على نقاء النوع، وهي مضادّة للأممية التي يقوم عليها الفكر اليساري، ومعادية للأقليات الدينية التي اعتبرها هتلر، مؤسس النازية، سبب شقاء البشرية، ومعاكسة تماما لفكرة المواطنة التي تتأسّس على التنوع والاختلاف في المجتمعات، حيث لا يمكن تحقيق العلمانية إلا ببناء مواطنة حقيقية تقوم على مبادئ أساسية، أولها العدالة الاجتماعية والديمقراطية وسلطة القانون.
أمام النصف الأول من جملته، وهي خسارة خيرة شباب سورية، كأن مؤيديه غير معنيين بها، فإن كانت سورية قد خسرت خيرة شبابها، وهو أمر حقيقي وليس مجرد كلام يقوله في خطابه، فسورية فقدت، خلال الحرب التي أسس نظام الأسد لها، جيلا كاملا من خيرة شبابها من مختلف الطوائف والمذاهب، فما هو شكل هذا المجتمع المتجانس الذي فقد خيرة شبابه؟ وما هو هذا التجانس الحاصل، والبلد مقسم ومدمر، ولم يعد فيه جيل شاب يمكن التعويل عليه لمستقبله؟ هل فكر مؤيدو الأسد بهذا التجانس الذي يهللون له؟ هل فكّروا فعلا بحجم الكارثة التي تعيشها سورية بفضل نظامها؟ أما بشأن معارضين استهزأوا بمصطلح التجانس، فلنا فيما اشتغلوا عليه من طائفية وتهميش لدور الشباب والمرأة في العمل السياسي السوري خير دليل على (التنوع) الذي تغمرنا به مؤسسات المعارضة، يوما وراء يوم.
على الرغم من الهزيمة التي مُني بها تنظيم داعش في الموصل، والحصار الذي يعانيه اليوم في الرقّة، فإنّ هزيمة تنظيمٍ على هذا القدر من الوحشية والعقيدة القتالية الانتحارية لم تكن بلا كلفة حقيقية، ولا أعني هنا كلفة الطرف الآخر بشرياً ومالياً، أي الجيش العراقي والحشد الشعبي والأكراد والقوى المعادية له في سورية، ومعهم الإيرانيون والجيش النظامي السوري، الذين يقاتلون التنظيم (وإن كانت حتى هذه الكلفة لم تُعلن بنزاهة وشفافية)، بل أعني الكلفة الكبيرة التي دفعتها المجتمعات والبشر المحاصرون في المناطق التي كان، وفي بعضها ما يزال، يسيطر عليها التنظيم.
يتضمن تقرير نُشر قبل أيام في صحيفة واشنطن بوست الأميركية بعنوان "بعد النصر على داعش.. الموصل تكتشف الكلفة: بيوت تتحوّل مقابر"، معلومات وقصصاً مروّعة عن حجم الكلفة البشرية والمادية والدمار الذي لحق المدينة من أجل هزيمة التنظيم عسكرياً، وهي صورة غيّب الإعلام العالمي نفسه عنها، وتمّ التغطية عليها، كي لا نكتشف حجم الكارثة الإنسانية والبيئية التي حدثت.
ويؤكد التقرير غياب أي أرقام دقيقة صحيحة، غير متلاعب فيها، لحجم القتلى المدنيين الأبرياء، الذين كان ذنبهم أنّهم حوصروا بين وحشية التنظيم والوحشية الأكبر لأعدائه، فتمّ دفنهم أحياء في منازلهم أو تحت الركام، نتيجة القصف العشوائي الذي كان يهدف إلى إنهاء التنظيم من دون أدنى حسابٍ لأي اعتبار إنساني أو قانوني أو أخلاقي لوجود المدنيين.
لا تختلف الحال اليوم، بالمناسبة، في الرقة، ونحن ما نزال على أعتاب المعركة، إذ تشير تقارير عديدة إلى مقتل مئات المدنيين والأطفال الصغار، نتيجة القصف العشوائي. وعلى الأغلب إن تمّ سدّ الطرق أمام مقاتلي التنظيم، وحصارهم في الرّقة، كما حدث في الموصل، فسيقاتلون حتى النهاية، ولن يسمحوا بخروج المدنيين، وهكذا سنكرّر كارثة الموصل في الرقّة، وربما في دير الزور.
عند ذلك، أليس من الإنصاف والمنطقي أن نطرح السؤال الأخلاقي، وإن لم يكن فالسياسي والإنساني والعسكري والاستراتيجي؛ أيّ كُلفةٍ كانت أكبر على الناس والمواطنين الذين يزعم العالم أنّه يريد تحريرهم من تنظيمٍ عدمي همجي؛ هل كانت استمرار التنظيم وبقاءه إلى حين تحلّله وتفككه، بفعل الحصار والحرب النفسية والأمنية والمدروسة، أم الكلفة الإنسانية الباهظة التي رأينا جزءاً منها مما حدث في الموصل، وما قد يحدث في الرقّة؟ هل الهدف هو القضاء على التنظيم فقط؛ لماذا؟ وماذا عن الملايين الذين يتم قصفهم مع التنظيم في المناطق التي كان (أو ما يزال) يسيطر عليها؟
إذا كان تنظيم الدولة الإسلامية قتل مئاتٍ، في العراق وسورية، من المدنيين، مثلاً (لا نتحدث عن الأفراد المسلّحين)، وحرّك عمليات انتحارية قتلت مئاتٍ آخرين في مناطق مختلفة من العالم؛ فكم عدد الذين قُتلوا في العراق وسورية من أجل قتل أعضاء من التنظيم، متحصنين في تلك المناطق؟
دعونا نغوص أكثر في السؤال الأخلاقي، غير المطروح من أغلب المثقفين والمفكرين، لو كان التنظيم تحصّن في مدينة أميركية، ومعه آلاف الأميركيين، فهل سيكون التعامل مع الناس بالطريقة نفسها، كما حدث في الموصل، وهل كان الإعلام سيتغافل عن حجم الكارثة الإنسانية المترتبة على أعمال عسكرية بهذا الحجم؟
بالضرورة، كان يُفترض أن يكون إنهاء وجود التنظيم أن يكون أكبر خدمةٍ تقدّم لأهل الموصل والرقة والمناطق التي كانت تحت وحشيته، لكن الطريق التي تمّ من خلالها الأمر كانت أكثر سوءاً من التنظيم نفسه، والبديل الذي ينتظر من تبقوا من الناس هناك أكثر سوءاً ووحشية من التنظيم، وكأنّ الناس تفرّ من الكوليرا إلى الطاعون.
كان من الضروري أن يكون التعامل مع الحرب على التنظيم، بصورة أكثر حضاريةً، وألا يتم تغييب الأبعاد القانونية والإنسانية والأخلاقية، وحتى الإعلامية، لكن ذلك لم يحدث، بل لا نبالغ إن قلنا أنّ الهمجية والبريرية في الحرب على "داعش" تجاوزت بربريته بأضعاف كبيرة، وكلفتها أكبر من كلفة استمراره. وعلى المدى البعيد، ما حدث لم ينه التنظيم، ولم يغيّر من شروط صعوده، بل ربما على النقيض من ذلك تماماً.
منذ ثلاثة أشهر أطلق وزير الدفاع الإيراني العميد حسين دهقان تهديدا للدول العربية والإسلامية قال فيه، إنّ هناك محاولات في المنطقة لإضعاف الجمهورية الإيرانية، وقال :»إن على حكام السعودية تذكر مصير صدام حسين، الذي كان غارقاً في العمالة». وقال: «إنّ بلاده أصبحت تصمم وتنتج حاجتها من الصواريخ البالستية وكروز بمدى 300 كيلومتر». وقال: «ليس فخراً للسعودية أن تتحول لمخزن للسلاح الأمريكي» و»إذا ارتكبت السعودية حماقةً لن يبقى فيها مكان آمن غير مكة والمدينة». وقال: «إنّ العراق بعد عام 2003 أصبح جزءاً من الامبراطورية الفارسية، وإنّ لديهم في العراق قوة هي الحشد الشعبي، التي سوف تقوم بإسكات أي صوت يميل إلى التحالف العربي الاسلامي». وقال دهقان أيضا: «إنّ بلاده عادت قوة عظمى وإنّهم أسياد المنطقة».
هذه التهديدات العسكرية من إيران والصادرة من موقع رسمي على لسان وزير الدفاع الإيراني، ليست مجرد تهديدات وإنما ترسم معالم التحالفات العسكرية في المنطقة، وأن هذه التحالفات تقوم على المستوى الأمني والعسكري اولاً، بغض النظر عن المستوى السياسي وتصريحاته، وبالأخص بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإيرانية. فما أشار إليه وزير الدفاع الإيراني هو اعتراف بأن إيران حصدت نتائج الاحتلال الأمريكي عام 2003 للعراق، بأن أصبح العراق جزءاً من الإمبراطورية الايرانية، وأن إيران أصبحت دولة مصنعة لسلاحها الصاروخي، بينما الدول العربية تخزن الأسلحة الامريكية بمئات المليارات، ولا تسمح لها أمريكا بتصنيعها، ولا بإخراج الاحتلال الإيراني من الأراضي العربية، بل إنه يذكر حكام العرب بمصير صدام حسين، الذي قامت امريكا بإسقاطه من حكم العراق بالقوة العسكرية، بعد احتلالها للعراق عام 2003 وإعدامه على أيدي عراقيين، أي ان وزير الدفاع الإيراني يهدد حكام العرب باحتلال أمريكا لبلادهم، وتسليمها لإيران وإعدامهم على أيدي اتباعهم من العرب. وعندما يقول بأنه لن يبقى مكان آمن إلا مكة والمدينة، فهو يقول لن يبقى عربي مسلم حي في الحرب المقبلة، لأن الدمار والقتل سوف يدمر كل شيء، كما فعلت امريكا عند احتلالها للعراق. حديث دهقان كان يبطن التحالف الإيراني الأمريكي، لأن ما يحصل في العراق كان تحالفا إيرانيا امريكيا اعترف به ترامب، بداية بإدانة سياسة اوباما مع إيران في حملته الانتخابية، ولكنه يواصل تنفيذ هذه السياسة التحالفية مع إيران وحرسها الثوري، بل ذهبت سياسة ترامب إلى تحالف أكبر مع إيران بوقف إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برنامج تسليح فصائل سورية معارضة في الشهر الماضي، فهذا القرار يصب أولاً في مصلحة الاحتلال الإيراني في سوريا، وقد وصف السناتور الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية ليندسي غراهام هذه الخطوة بأنها «ستكون أشبه بالاستسلام الكامل للأسد وروسيا وإيران». وقال: «إن وقف تسليح المعارضة السورية، إذا صح، فإن ذلك سيكون «خسارة كبيرة أولا للسوريين الذين يتعرضون لهجمات بلا هوادة من قبل الأسد، وثانيا لشركائنا من العرب، وثالثا لوضع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط». واعتبر أن مثل هذه الخطوة ستعني بالضرورة، منح عاصمة عربية أخرى للإيرانيين. وما يفسر ذلك أيضاً هو سماح الإدارة الأمريكية لحزب الله اللبناني بالسيطرة على معظم الحدود اللبنانية السورية في العمليات العسكرية الأخيرة، والسماح له بالهيمنة على القرار اللبناني سياسيا وعسكريا، وهذا لا يتم من دون موافقة أمنية وعسكرية إسرائيلية أيضاً.
وما يؤكد ذلك أيضاً ان أمريكا سمحت لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي قبل شهر أن يتعاون مع نظام الأسد سياساً وعسكرياً، بل التعاون بتقاسم عائدات النفط في الحسكة وغيرها، علما بأن هذه المناطق تخضع أمنيا وعسكريا للقواعد العسكرية الأمريكية في الحسكة وغيرها، أي أن أمريكا تتعاون مع نظام الأسد بتوفير مساعدات مالية واقتصادية ولوجستية له في شمال سوريا، وهذا لا يكون دون تفاهم امريكي إيراني أيضاً، فالأمر تم وفق اتفاق مبرم بين الجانبين، ينص على أن يحصل نظام الأسد على 65% من عائدات إنتاج النفط في المناطق المذكورة، وتنظيم «ب ي د» على 20%، فيما سيخصص المبلغ المتبقي للقوات العربية المكلفة بحماية الحقول لصالح التحالف بينهما بإشراف امريكي. لذا ينبغي النظر إلى المعارك الأخيرة داخل سوريا، وعلى الحدود السورية اللبنانية، وبالأخص ضد «داعش» على أنها كانت ضمن مساومات إيرانية وامريكية نفذها «داعش» وحزب الله اللبناني، فأمريكا عملت على تزويد هذه التنظيمات الارهابية بالأسلحة بطرق مختلف، وقد ضبط الجيش التركي جنوب شرقي البلاد بندقية لمنظمة «بي كا كا» الإرهابية، أمريكية الصنع، تعود لدفعة الصنع نفسها التي كشفت بأيدي تنظيم «داعش» الإرهابي عام 2014، ما اضطر أمريكا في حينها لإعلان أن هناك أسلحة أمريكية وقعت بأيدي «داعش» عن طريق الخطأ، فأمريكا الداعم الأساسي لـ»ب ي د» تدخل أسلحة بمليارات الدولارات للتنظيمات الإرهابية في سوريا، بينما المدنيون في المنطقة يعيشون أصعب الظروف الإنسانية، بل تُخضع أمريكا إيصال المساعدات الإنسانية لشروط الاتفاقيات العسكرية والسياسية، على طريقة الابتزاز الإيرانية التي ينفذها الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني في العراق وسوريا. هذه التحالفات التي تجريها أمريكا مع الإيرانيين سرا، ومع الأحزاب الارهابية الكردية سرا وعلنا لن تزيد المنطقة إلا قتلاً ودماراً، فامريكا بإضعافها للدول العربية لصالح إيران، لن يحقق لأمريكا الاستقرار ولا لإيران النصر، كما أن محاولة أمريكا إضعاف تركيا لصالح الأحزاب الارهابية الكردية لن يحقق لأمريكا الاستقرار ولا لحزب العمال الكردستاني النصر، لأن هذه السياسة الأمريكية قائمة على المراهنة الخاطئة والخطيرة، فهي تعلن عن تغيير خريطة الشرق الأوسط ديمغرافيا وسياسياً، رغما عن الجغرافيا الطبيعية، ورغما عن التاريخ العربي، ورغما عن الحضارة الاسلامية، أي انها تسير في خطى معاكسة لمسار التاريخ الطبيعي وسنن الحياة البشرية الطبيعية، فهذه السياسة الأمريكية لا ولن يقبل بها الشعب العربي في الحاضر والمستقبل، ولا الشعب الإيراني ولا الشعب التركي ولا الشعب الكردي، وإنما تستغل امريكا حالة الاضطراب في المنطقة العربية الناتجة عن مخلفات سيئة وضعيفة منذ الحرب العالمية الأولى لتحقيق مصالحها فيها، بينما المستعمر الأول والمنشئ لهذه المخلفات الفرنسي والبريطاني لم يستطع أن يحقق فيها نصرا، وإن استطاع ان يؤخر النصر ويمنع الحرية ويعيق الديمقراطية فيها، أو يبقي الهزيمة على اهلها لأجل محدود فقط، فلسان حال امريكا اليوم لإيران الملالي: نحن نستنزف الدول العربية ماليا، بينما شرط تحالفنا معكم: أن تستنزفوا العرب بشرياً وعسكرياً وحضاريا.