هل توجه واشنطن ضربة للنظام السوري؟
تشهد العلاقات الأمريكية الروسية في الآونة الأخيرة تصعيدا كبيرا عنوانه الغوطة الشرقية، ووصل الأمر إلى حد إعلان المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن الدولي نيكي هايلي أن "الولايات المتحدة مستعدة للتحرك في سوريا إذا تعين ذلك"، وأنه "عندما يتقاعس مجلس الأمن عن التحرك فهناك أوقات تضطر فيها الدول للتحرك بنفسها".
ولا شك بأن تصريحا من هذا النوع يأتي من نيويورك وليس من واشنطن، يحمل دلالات سياسية، وهي أن الإدارة الأمريكية ليست عازمة فعلا على شن ضربة عسكرية ضد النظام السوري، وإنما محاولة ضغط سياسية على موسكو لعدم استخدام حق النقض "الفيتو" ضد مشروعي القرار الأمريكيين حيال سوريا، أحدهما متعلق بالغوطة، والآخر بالسلاح الكيماوي.
الرد الروسي جاء على مستويين: الأول من وزير الخارجية سيرجي لافروف الذي حذر من عواقب وخيمة قد تترتب لأي ضربة يُحتمل أن توجهها الولايات المتحدة ضد قوات النظام السوري.
والثاني جاء من لافروف نفسه، حين رد على المندوبة الأمريكية بالقول: "على هايلي أن تدرك أن استخدام الميكروفون في مجلس الأمن بشكل غير مسؤول شيء، وما يحدث بين العسكريين الروس والأمريكيين شيء آخر".
التصريح الثاني يؤكد استمرار التنسيق والاتصالات بين موسكو وواشنطن، وأن هذه الاتصالات لم تصل إلى حائط مسدود، والخلاف بين الجانبين لا يتعلق بالكارثة الإنسانية التي تحل بالغوطة، فمثل هذه القضايا لا تفجر أزمات دولية ذات صبغة سياسية، كما حصل بين لندن وموسكو على خلفية محاولة قتل الجاسوس الروسي المزدوج الذي وجد مسموما جنوبي غرب بريطانيا.
على الأغلب لن تُقدم واشنطن على توجيه ضربة عسكرية لاعتبارات إنسانية، ولم ترفع واشنطن مستوى التحدي العسكري والسياسي إلا في أربع مناسبات، جميعها مرتبطة بالسلاح الكيماوي السوري:
الأولى عندما هددت عام 2013 بتوجيه ضربة للنظام السوري بسبب استخدامه السلاح الكيماوي، وكان من نتيجة ذلك أن تدخل الروس وقرروا إزالة جميع الأسلحة الكيماوية في سوريا، وترتب على ذلك (المناسبة الثانية) صدور القرار الدولي 2118 الخاص بتفكيك برنامج سوريا للأسلحة الكيميائية.
وجاءت المناسبة الثالثة في آذار/ مارس 2015 بصدور القرار الدولي 2209 الذي هدد باللجوء إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة إذا لم يطبق النظام منطوق القرار 2118.
وجاءت المناسبة الرابعة في نيسان/ إبريل 2017 حين ضربت الولايات المتحدة مطار الشعيرات الذي خرجت منه طائرات قصفت خان العسل بالسلاح الكيماوي، وكانت الضربة رمزية ذات رسائل سياسية أكثر منها عسكرية، لأن النظام تجاوز الخط الأحمر الذي وضعته إدارة ترامب.
ولعل تصريح وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس "سيكون من الحمق الشديد أن يستخدموا الغاز سلاحا في وقت أوضح الرئيس دونالد ترامب ذلك بشدة في بدايات حكمه"، يعني أن واشنطن تربط الضربة في حال استخدم النظام السوري أسلحة كيماوية، وتأكدت واشنطن بالأدلة القاطعة أنه فعل ذلك.
في الواقع يرتبط التهديد الأمريكي بمسائل استراتيجية فوق إنسانية، فواشنطن سمحت وفق القرار الدولي الأخير 2401 قيام المحور الروسي بشن عملية عسكرية لإسقاط الغوطة من معادلة الصراع في سوريا، وهي منطقة ليست ذات قيمة بالنسبة لواشنطن، ولا تدخل ضمن حساباتها، لكنها مهمة لحلفائها في الإقليم.
وإذا كانت الإدارة الأمريكية موافقة على تمزيق الغوطة إلى كانتونات جغرافية منعزلة ومنفصلة عن بعضها البعض، بحيث تسمح للنظام فيما بعد بحسم المسألة، إلا أنها لن تسمح بالقضاء نهائيا على كامل الغوطة وكل الفصائل.
ويبدو منذ نحو عشرة أيام أن محاولة إبعاد "جيش الإسلام" من العملية العسكرية بدت واضحة مع دخول القاهرة على الخط أولا، وإفراج "جيش الإسلام" عن معتقلي النصرة لإخراجهم من الغوطة ثانيا، والسماح للمصابين بالخروج من الغوطة مقابل الإفراج عن عناصر للنظام في سجون "جيش الإسلام" ثالثا.
المعادلة واضحة، يجب الحفاظ على الدور السعودي في الساحة السورية، وإن كان إلى حين، وهذا مطلب يتوافق مع المصالح الأمريكية والروسية والمصرية كل لأهدافه.
بالنسبة لواشنطن، فهي تدعم حليفتها وتؤكد أنها لم تتخل عنها نهائيا في الملف السوري، وبالنسبة للروس، فهم بحاجة ماسة للدور السعودي، خصوصا بعيد التقارب الجزئي الحاصل بينهما الذي انعكس على مستوى إنتاج النفط، وعلى مستوى الملف السوري، خصوصا في مؤتمر "الرياض 2" للمعارضة السورية.
وبالنسبة لمصر الراعية لاتفاق تموز/ يوليو الماضي بين النظام السوري و"جيش الإسلام"، فهي بحاجة لدور ما يعيد إليها حضورها الإقليمي، مهما كان هذا الدور، ناهيك عن حساباتها الإقليمية الأخرى المرتبطة بالسعودية وقطر.
ووفقا لذلك، تتجه واشنطن إلى إصدار قرار من مجلس الأمن يوقف القتال على أن تجري بعده مفاوضات ثنائية مع روسيا لترتيب الوضع في الغوطة، دون المساس على ما يبدو بالبنية العسكرية الناظمة لـ "فيلق الرحمن" و"أحرار الشام" و"جيش الإسلام"، كونها أوراق لا تحبذ واشنطن تدميرها قبيل حدوث التسوية الكبرى.
وربما هذا ما دفع الروس للإعلان بأن واشنطن تحاول من مشروع قراراتها في مجلس الأمن حماية ما سموه بـ"الإرهابيين".
لكن الروس لن يفوتوا فرصة الاستحواذ على معظم الغوطة في ذروة التنافس مع واشنطن وذرة التفاهم مع طهران وأنقرة، وتبدو الأيام المقبلة كفيلة بتوضيح مسار الصراع وما سيترتب عليه من تفاهمات في مناطق معينة وانفلات عسكري في مناطق أخرى، ضمن مرحلة ما بعد تثبيت مناطق النفوذ.