مراجعات أم انقلاب على الأعقاب ... !؟
تبقى الخلافات في المسائل الشرعية صحية؛ ما لم تتجاوز الكتب الفقهية وحلقات التعليم في المساجد وتسمى خلافات مذهبية كما هو الحال في المذاهب الأربعة، فإن تجاوزت تلك الخلافات الكتب الفقهية إلى كتب العقيدة، وتجاوزت حلقات التعليم إلى الشارع وساحات المعارك فهنا تقع الكارثة وهذا من أكبر أسباب الشقاق بين الفصائل المسماة بالإسلامية وصراعها على السلطة.
كما إن التاريخ الإسلامي القديم والمعاصر فيه الكثير من المراجعات الفقهية، لكن هذه المراجعات لم تكن في مسائل أدت لقتلى بين المذاهب الفقهية المتصارعة كما يتحدث اليوم، وكان المؤرخ الناقل عنهم مراجعاتهم ينقل الروايتين المتناقضتين المنقولة عن الباحث نفسه قبل المراجعة وبعدها دون حرج والكثير من العلماء يعلنون تراجعهم على الملأ رافعي الرأس ويستدلون على صحة رأيهم الثاني بالأدلة والبراهين، وهكذا أقام الحجة على نفسه، ومنهم من كان يخلع ثوبه في المسجد أو في السوق، ويقول ها أنا انسلخ مما كنت أعتقد كما انسلخ من ثوبي هذا ويرميه كناية عن التغيير والانسلاخ من المعتقد القديم.
لكننا اليوم نشهد خلافات فقهية أو سياسية تؤدي لمعارك فصائلية يقتل فيها خيرة شباب الإسلام، ثم يتراجع الفصيل دون أن يذكر شيئا أمام أتباعه أو عائلاتهم التي خسرت أولادها في تلك المعارك العبثية الضالة.
ولو أن لأولئك القادة أهداف سامية لدفعتهم الأخلاق لإتخاذ موقف تاريخي في حياتهم، وبينوا لماذا انسلخوا من معتقداتهم وما كانوا عليه وعادوا لجادة الصواب ولتبرؤوا منها على العلن، بل أمام أتباعهم مقدمين الخوف من الله على خوفهم من الرأي العام ونظرة الأتباع المقدسة لهم.
نشهد اليوم بعض الفصائل تنقلب على نفسها وتراجع أحكامها الخاطئة على استحياء أو تفاوض خصومها في الأمس ومن حرمت التعامل معهم من تحت الطاولة، تاركة أتباعها رهينة أحكام قديمة خاطئة، قد يعيش ويموت العنصر التابع لهم وهو يعتقد أنه على الحق الذي لا يجوز الحيد عنه، أو لربما يقاتل ثم يقتل من أجله، بينما القائد والشرعي لتلك الفصائل يراجع نفسه ويبيح ما كان محظوراً على غيره، بل قاتل في الأمس القريب من كان يحمل هذا المعتقد، وأكبر دليل على تلك المراجعات هي العلاقة بين الثورة والأتراك، التي بدأها الجيش الحر منذ اندلاع الثورة، حيث إهتم بتلك الروابط من منطلق التحالف الاستراتيجي الذي لا بد للثورة حتى تصل إلى أهدافها.
تتقلب بعض الفصائل تارة تحرم التعامل مع الأتراك وتصدر بيانات تدعم رأيها بالأدلة وتارة تبيحها مع التحفظ وتارة تبيحها على الإطلاق أو تنفذ أجندتها من خلف الكواليس وهي تكسوها الكسوة الدينية وتستدل بالأدلة والحجج الشرعية على صوابها.
إذاً أين كانت تلك القواعد الشرعية والنصوص عندما قاتلت تلك الفصائل منافسيها من الجيش الحر الذي سبقها بإقامة تحالفات مع الأتراك؟ .... أم كان ذلك القتال من أجل السيطرة والسلطة لا أكثر؟