متى تتحد فصائل الثورة السورية؟
متى تتحد فصائل الثورة السورية؟
● مقالات رأي ٣ أكتوبر ٢٠١٥

متى تتحد فصائل الثورة السورية؟

لو أحصينا المناشدات الموجّهة لقادة الفصائل بالتوحد من هيئات ومنظمات وعلماء وناشطين وثوار لما وسعتْها كتب ومجلدات، فكم خُصص لها من اعتصامات ومظاهرات وأسماء جُمَع ! وكم تفنن الأدباء والشعراء والرسامون في بيان فوائد الوحدة وخطر الفرقة !

كل ذلك دون جدوى حتى الآن، لدرجةٍ جعلت البعض ينهال بالسباب والشتم على قادة الفصائل، بل لقد ذهب البعض الآخر لتخوينهم، فيما التمس آخرون لهم العذر، وظل آخرون يندبونهم للوحدة بأساليب المناشدة والترغيب دون أن يقطعوا الأمل من الاستجابة لمناشداتهم يوماً ما.

لكن السؤال الذي يطرحه الجميع: لماذا؟ نعم لماذا لم تتم الاستجابة لنداءات الوحدة؟ هل لأمر خارج عن إمكانات القادة؟ هل هي سياسة الداعمين؟ هل هي رغبة الدول؟ هل هي الإملاءات والأجندات؟ هل هي الأيديولوجية الخاصة ببعض الفصائل؟ هل هي حُبُّ القيادة والزعامة عند القادة؟

لن أبالغ إن قلت إن السبب الأهم في فرقة الفصائل، هو سياسة الداعمين، فالكل يعلم حاجة الفصائل للتمويل، لدفع رواتب عناصرها وشراء السلاح وتأمين ذخيرة للسلاح الثقيل والخفيف، ودفع نفقات المقرات وتنقل العناصر والقادة، وإطعام المرابطين وكفالة الجرحى والشهداء، وغير ذلك من المستحقات المالية التي لا يمكن أبداً لفصيلٍ أي يؤمنها لوحده.

بل لابد من توافر داعم أو أكثر لكل فصيل، والذي قد يكون جمعية أو هيئة أو دولة وفي بعض الأحيان يمكن أن يكون الداعم مجموعة من أصحاب رؤوس الأموال.

والملاحظ أنه وخلال الفترة الماضية لم تلتقِ مصالح الداعمين وإرادتهم لدفع الفصائل نحو اتحاد شامل، بل على العكس كثيراً ما كانت سياساتهم تتجه لفرط عقد الأجسام المشكلة من توافق فصائل عدة، كالجبهة الإسلامية، والجبهة الشامية، وغيرها.

ولعل في تجربة مبادرة "واعتصموا" التي لم تلقَ أي دعم مالي لمجلس قيادة الثورة الذي انبثق عنها، خير دليل على قطيعة الداعمين لكل مشروع يصنع بإياد وطنية داخلية متجاهلاً رغبة الداعمين وموافقتهم ومشورتهم.

مما يعني أن الداعمين للآن لم يرضوا بقيام جسم عسكري ثوري ينسلخ عن المسميات التي ارتبط كل منها بداعم معين، ولم يرضوا أن ينصبَّ دعمهم جميعاً لجسم موحد يجمع الفصائل، وبالتالي فإن دعوة الفصائل للوحدة في هذه الحالة تشبه دعوتها لحلّ نفسها من خلال التخلي عن دعمها الذي تتلقاه والذي لا يتيح لها حرية القرار بالوحدة مع فصيل آخر دون موافقة الداعم، وفي ذات الوقت لا يوجد فصيل واحد يمتلك من الدعم ما يجعله يستقطب كل الفصائل الأخرى ويتكفل بهم.

فما هو الحل إذاً؟ وكيف يمكن للفصائل أن تتحد في ظل هذه الظروف الصعبة؟

الحل - برأيي – ممكنٌ عبر خيارين:

الأول: الاعتماد على التمويل الذاتي للفصائل، بحيث تستغني عن أي دعم خارجي يتلاعب بمصيرها ويتحكم بقرارها، وعند ذلك فإن الضغوط الشعبية مع الحاجة العملية ستجبر الجميع على الوحدة، وخلط الموارد في صندوق دعم موحد، وللأسف فقد فرّطت الفصائل بأهم مورد ذاتي ألا وهو "النفط" حيث انتبه له تنظيم الدولة واستولى على آباره شرق البلاد وحرم منه الفصائل، فيما لم تنجح محاولات الفصائل لخلق موارد استثمارية محلية سوى في تأمين جزء بسيط لا يكاد يفي بالحد الأدنى لمتطلبات كتيبة أو لواء صغير ناهيك عن تأمين احتياجات فصيل أو تشكيل كبير.

وعليه فلا بد من استعادة موارد التمويل الذاتي من التنظيم، ويتم ذلك باجتماع الفصائل من محافظات الشمال والساحل لاستعادة موارد البترول والاعتماد عليها للتمويل الذاتي.

الثاني: هو دفع الدول الداعمة للاتفاق على دعم جسم موحد، ويكون ذلك إما ببادرة من هذه الدول مجتمعة، أو ببادرة من الفصائل مجتمعة، ولعل المتتبع للدول الداعمة للفصائل لا يجد صعوبة في ملاحظة أهم ثلاث دول وهي (قطر -السعودية - تركيا) وهي كافية لإنجاح مشروع الوحدة، ان اتفقت على دعم جسم موحد يشمل أهم الفصائل على الساحة السورية، والأفضل أن يأتي ذلك بمبادرة منها لما بين الفصائل ما صنع الحداد، وهذا يتأتى من إدراك هذه الدول أن من مصلحتها توحيد الفصائل لتعجيل النصر وتحقيق الحسم ومساعدة السوريين لبناء سورية موحدة متعاونة مع أشقائها، دون أن تكون مزرعة لأية دولة، مع احتفاظها بالودّ والمعروف لكل من أسدى أليها معونة، كما أن هذا القرار يحتاج إلى جرأة وصلابة أمام الرقابة الأمريكية الرافضة لإنهاء الصراع الآن، مالم ترَ بديلاً مناسباً للأسد.

وإن تأخرت الدول في هذه الخطوة فما على الفصائل إلا الاجتماع واتخاذ قرار بالوحدة ووضع الدول تحت الأمر الواقع عبر الإصرار على جسم واحد لا يمكن مخاطبة الثورة إلا من خلاله الأمر الذي سيجبر الداعمين وبعد مدة من صبر الفصائل على التعامل مع هذا الجسم ودعمه.

..

ولسائل أن يقول: أين أذاً تأثير الأيدولوجيات الخاصة ببعض الفصائل، الجواب أن نسبة الفصائل المتأثرة بالأيديولوجية قليلة وهي في انحسار لصالح الخط الثوري العام الذي يستوعب الثائرين السوريين في ثورة شعب.

كما أن تمسك القادة بالسلطة لا يصمد أمام تحدي فقدان الدعم، خاصة في ظل تذمر الشعب من فُرقتهم، ورغبة البعض منهم بإلقاء الحمل عن عاتقه.

...

لذا فخلاصة القول: إن المخاطبين بإنجاح مشروع الوحدة هم الداعمون بالدرجة الأولى دولاً كانوا أو هيئات أو أفراداً، مع توافر الإرادة عند قادة الفصائل، وعلى الجميع أن يتقي الله، ويتحلى بالمسؤولية الكاملة أمام الدماء التي سالت، فيقدم مصلحة إنقاذ سورية ولم شمل الفصائل على أي مصلحة خاصة.

المصدر: شبكة شام الكاتب: د. عبد المنعم زين الدين
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ