
تباين في الآراء الاقتصادية.. زيادة الرواتب: بارقة أمل أم مقدمة لتضخم جديد؟
أثار مرسوم زيادة الرواتب بنسبة 200% موجة تفاعل واسعة في الأوساط الاقتصادية والاجتماعية، وسط حالة من الترقب لما ستؤول إليه أسعار السلع والخدمات، في ظل ضعف الإنتاج المحلي والاعتماد شبه الكامل على المستوردات.
تحسن مؤقت بالقوة الشرائية
قال الدكتور "عبد الهادي الرفاعي"، عميد كلية الاقتصاد في جامعة تشرين، إن هذه الزيادة تشكل "نقلة مهمة" بالنسبة للفئات ذات الدخل المحدود، التي باتت غير قادرة على تلبية الحد الأدنى من احتياجاتها اليومية.
وأضاف أن التحسن المتوقع في القوة الشرائية قد ينعكس إيجاباً على مستوى الإنفاق الأسري، لا سيما في قطاعات التعليم والصحة، مما يسهم في تخفيف الضغط الاجتماعي وتعزيز الاستقرار المجتمعي.
تحذيرات من موجة تضخم مرتقبة
رغم الإيجابية المبدئية، حذّر "الرفاعي"، من أن غياب الرقابة الفعلية وضعف الإنتاج المحلي سيجعلان الأسواق عرضة لاستغلال بعض التجار، ما قد يؤدي إلى موجة جديدة من ارتفاع الأسعار، تمتص كامل الزيادة الممنوحة للرواتب.
ودعا في هذا السياق إلى "ضبط الأسواق وتفعيل الرقابة على التسعير ومنع الاحتكار"، إلى جانب دعم القطاعات الإنتاجية لتعزيز التوازن بين العرض والطلب.
الأسواق ستنتعش مؤقتًا... ولكن
وأشار "الرفاعي" إلى احتمال حدوث انتعاش مؤقت في قطاعات مثل الغذاء واللباس نتيجة زيادة الاستهلاك، لكنه نبّه في المقابل إلى مخاطر الضغط على العملة المحلية وارتفاع سعر الصرف، إذا لم تكن هناك مصادر تمويل حقيقية ومستدامة للزيادة.
واعتبر أن نجاح هذا الإجراء مرهون بتنفيذه ضمن رؤية اقتصادية متكاملة، تشمل ضبط سعر الصرف، وتحقيق عدالة في توزيع الموارد، وتحفيز الإنتاج المحلي لتجنب التبعات التضخمية.
خزام: ارتفاع الأسعار والدولار أمر حتمي
الخبير الاقتصادي "جورج خزام"، كان أكثر تشاؤماً، مؤكداً أن ارتفاع الدولار والأسعار "أمر حتمي" طالما لا ترافق الزيادة مع نمو في الإنتاج.
وقال إن زيادة الرواتب دون إنتاج تعني ببساطة زيادة الطلب دون زيادة في المعروض، وبالتالي ارتفاع الأسعار. وأشار إلى أن معظم السلع المتداولة في الأسواق إما مستوردة أو يدخل في تصنيعها مواد أولية مستوردة، ما يجعل من ارتفاع سعر الصرف نتيجة شبه مؤكدة.
وأضاف أن الصرافين سيعملون سريعاً على التخلص من السيولة بالليرة السورية عبر شراء الدولار، مما يضاعف الطلب عليه ويفاقم ارتفاعه، خاصة إذا كان تمويل الزيادة يتم عبر طباعة العملة وليس عبر معونات خارجية.
الشعار: خطوة وطنية شجاعة رغم التحديات
من جانبه، وصف وزير الاقتصاد والصناعة "محمد نضال الشعار"، مرسومي زيادة الرواتب بأنهما "خطوة بالغة الأهمية" من حيث التوقيت والأبعاد الاقتصادية والاجتماعية.
وأكد أن هذه الزيادة تمثل رسالة التزام حكومي تجاه تحسين الواقع المعيشي للمواطنين، رغم كل التعقيدات التي تحيط بالاقتصاد الوطني. كما ناشد الشعار القطاع الخاص للاستجابة ورفع الرواتب والأجور بما ينسجم مع الخط العام للدولة، مشدداً على ضرورة التكامل بين القطاعين العام والخاص.
هذا وتتفق غالبية التحليلات الاقتصادية على أن زيادة الرواتب خطوة ضرورية للتخفيف من الأعباء المعيشية، لكنها محفوفة بالمخاطر في حال غابت الضوابط، وخصوصاً في سوق غير مستقرة تعتمد على الاستيراد.
وفي ظل غياب مؤشرات واضحة على تحفيز الإنتاج وضبط الأسواق، تبقى مخاوف التضخم وارتفاع سعر الصرف حاضرة بقوة، ما يطرح تساؤلات جدية حول مدى قدرة الاقتصاد السوري على امتصاص هذه الزيادة دون تداعيات سلبية على المدى المتوسط.