ما الحل في إدلب؟
سؤال الحل في إدلب يقلق البشرية اليوم، صحيح أن الغالبية من القلقين لا يريدون رؤية مزيد من الدماء والضحايا الذين قد يزيد عددهم على مئات الآلاف وسيكون جلهم من الأطفال والنساء، لأن عدد السكان يقترب من أربعة ملايين إنسان، لكن المقلق لكثير من الدول هو توقع نزوح أكثر من مليوني إنسان باتجاه تركيا ومنها إلى أوروبا، وصحيح أن بضعة آلاف قد يموتون غرقاً في أمواج المتوسط كما مات آلاف قبلهم، لكن عشرات الآلاف سيصلون وستواجه تركيا ودول أوروبا موجات هجرة جديدة، ولن تتحمل الأمم المتحدة الأعباء الناتجة عن الحرب على إدلب، وستشعر الشعوب التي أثقلها إحساسها بالذنب على صمتها ثماني سنوات، وهي ترى الحرب على مجموعة إرهابية تختطف ملايين المدنيين قد صارت حرباً ضد الإنسانية، وستحمل روسيا مسؤولية ملف أسود هو أشد قسوة من الهولوكست، وسيذكر البشر موقف ولد أحمق رأى ذبابة تحوم حول رأس أبيه النائم وتزعجه، فسارع إلى صخرة رماها على رأس أبيه كي يقتل الذبابة.
ولقد أثبت سكان إدلب (وهم اليوم من كل أنحاء سوريا) أنهم يحاربون الإرهاب، ولا يريدون أن يكون ل«القاعدة» أو «النصرة» أو أية تنظيمات دينية متطرفة أي حضور في سوريا كلها، وكانت تظاهراتهم الكثيفة الأخيرة تعبيراً واضحاً عن خياراتهم الوطنية، وتظاهرات اليوم أشد جلاء بشعاراتها وشمولها، لكن الناس في إدلب مغلوبون على أمرهم إزاء من يدعم هذه التنظيمات ومن يوفر لها السلاح والذخائر والأموال، ومن يصر في الخفاء على بقائها، وجعلها ذريعة لاستمرار الحرب، ولا أحد يذكر أن السماء أمطرت ذهباً أو أسلحة أو ذخائر، وهذا ما يجعل الاتهام يشير إلى دور إيران الراعية الكبرى للإرهاب، والراغبة في استمرار الصراع المسلح، لأنه مبرر بقائها ونفوذها في سوريا، ولا ينسى أحد دور «حزب الله» في التحريض على تحويل ثورة الكرامة والحرية إلى صراعات دينية منذ أن دخل يبحث عن قتلة الحسين، وكان لصالح النظام أن تتحول القضية إلى صراع ضد الإرهاب بدل أن يكون الصراع ضد الاستبداد، وهذه الوصفة السحرية حققت للنظام نجاحاً مبهراً، وقد استجاب له العالم بعد نجاح فزاعة «داعش» الأسطورية التي كشف ترامب أسماء من قام بإنتاجها في مواجهة انتخابية مع هيلاري ثم باتهام صريح لإيران التي سماها مصدر الإرهاب في العالم. وسرعان ما نسي معظم قادة العالم وإعلامهم أن القضية السورية أصلاً هي قضية شعب طالب بحريته وكرامته، وليست قضية مكافحة إرهاب فقط.
والسؤال الإنساني، ما ذنب ملايين الناس في إدلب كي يتعرضوا لكل هذا الرعب اليومي من أجل حفنة إرهابيين جاؤوا مرتزقة من أصقاع الأرض، وكان يكفي أن يتوقف عنهم الدعم الذي يلقونه لينتهي حضورهم؟ الحل في إدلب هو أن يتم على صعيد دولي فضح جاد للجهات الداعمة للإرهاب، وإجبار المشغلين على إنهاء هذه الفواجع التي باتت مخزية، وأن يرفض العالم قتل الشعب السوري بكل أدوات القتل، فالتحذير بخطر قتل الشعب بسلاح كيماوي دعا أحد مسؤولي النظام ساخرا إلى طمأنة العالم بأنه سيقوم بقتل شعبه بأسلحة تقليدية، وقد عاد إلى استخدام البراميل المتفجرة المسموح بها، وعملياً بدأت الحرب في إدلب من قبيل انعقاد قمة طهران التي كان متوقعاً ألا تنجح كيميائياً، لاختلاف الرؤى والأهداف بين قادتها، فالسيد بوتين يريد أن يستعيد النظام إدلب كما استعاد حلب ركاماً ودماراً، وروحاني يريد أن تبقى الحرب مستمرة كي يبقى الجيش الفارسي وملحقاته من الميليشيات يحتلون سوريا كما يحتلون لبنان والعراق واليمن، وأردوغان يخشى أن يتمكن حزب «العمال» من إقامة دولة كردية جنوب تركيا، ويخشى من تدفق ملايين اللاجئين إلى بلاده، فأما السوريون فهم يريدون أن تبقى سورية دولة قوية متماسكة، ولا يقبلون أن يقتطع شبر منها، وألا يكون فيها محتلون، وأن يغادرها الفرس والروس معاً، وأن تنهض أمتهم العربية بدورها نحوهم. ولا يمكن أن يستمر الحال في إدلب كما هو الآن، لكن الحل ليس الحرب والدمار الشامل، ولا دخول النظام الذي يخشى الناس انتقامه منهم، الحل هو إيقاف دعم الإرهابيين، وإعلان هيئة حكم انتقالي، ومع ظهورها ينتهي الصراع العسكري، وسيذعن الجميع لبناء دولة ديمقراطية غير طائفية، ينتهي معها عصر الاستبداد.