كيف فشل مؤتمر سوتشي؟
فشل مؤتمر سوتشي في جمع مختلف الأطراف السورية لتحقيق غايته المعلنة، إجراء "حوار وطني سوري"، على الرغم من التحضيرات المسبقة والدعاية الإعلامية التي رافقته، إذ قاطعته قوى المعارضة السورية في الداخل، من مجالس محلية وهيئات مجتمع مدني، ومختلف التنظيمات السياسية والفصائل المسلحة المعارضة، خصوصا بعد الحملات الشعبية التي دعت إلى مقاطعته، وحققت في ذلك ما يشبه إجماعاً وطنياً في صفوف المعارضة على مقاطعته، الأمر الذي دعا هيئة التفاوض المنبثقة عن اجتماع "الرياض 2" إلى اتخاذ قرار بمقاطعته في اجتماعها في فيينا، وحتى الذين ذهبوا باسم وفد الفصائل المعارضة إلى سوتشي لم يدخلوا سوى مطارها، بعدما فوجئوا برفع علم النظام على شعار المؤتمر، وحين طالبوا برفع علم الثورة السورية تعرّضوا للإهانة، ثم عادوا أدراجهم إلى أنقرة "بخفي حنين".
ولعل أبرز علامات الفشل أن الغالبية العظمى ممن جلبتهم موسكو من داخل سورية وخارجها إلى منتجع سوتشي لا يمثلون قوى أو تشكيلات حقيقية معارضة للنظام، بل هم من أزلام النظام وأنصاره، ونتاج تفريخ أجهزته الأمنية المتعدّدة، ولا يمكنهم الانخراط في أي حلّ سياسي ديمقراطي، ينقل سورية من عهود الاستبداد إلى عهد الحرية والتعدّدية. لذلك بدا الأمر وكأن الروس جمعوا النظام ورصفاءه في جمعٍ هو أقرب إلى الكرنفال، قاطعه السوريون المطالبون بالحرية والخلاص من نظام الأسد الاستبدادي، وكل من يدافع عن أهداف الثورة التي ضحّى من أجلها السوريون، وسقط خلالها أكثر من نصف مليون سوري، إلى جانب مئات آلاف الجرحى والمصابين والمفقودين والمعتقلين، وملايين المهجّرين، فضلاً عن الدمار الهائل الذي ألحقه نظام الأسد وحلفاؤه بقراهم وبلداتهم ومدنهم؟
وطاول الفشل أيضاً طريقة تنظيم المؤتمر وسيره، بدءا من التأخر في افتتاحه، وصولاً إلى مقاطعة كلمة وزير الخارجية، الروسي سيرغي لافروف، باسم الرئيس فلاديمير بوتين، الذي سمع بلا شك ما قاله أحد الحاضرين عن القتل الذي تمارسه مقاتلاته العسكرية بحق المدنيين السوريين. إضافة إلى خلافاتٍ ظهرت مع تركيا وإيران، على الرغم من أنهما طرفان راعيان للمؤتمر، وتوترات بين المشاركين، وفوضى وضجيج وانسحابات رافقت جلساته، الأمر الذي اضطر المنظمين إلى اختصارها إلى بضع ساعات، بدلاً من يومين، حسبما كان مقرّراً.
وأقصى ما انتهى إليه "سوتشي" كان معدا له مسبقاً، وهو اختيار 150 عضواً من المشاركين، ترك أمر انتقاء "لجنة دستورية" من بينهم إلى المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، في حين أن البيان الختامي للمؤتمر تضمّن ما عرفت باسم المبادئ السياسية الـ 12 التي سبق وأن وضعها دي ميستورا، وقدّمها لوفدي المعارضة والنظام في جولات جنيف التفاوضية الفاشلة. ولم تخرج صياغة البيان الختامي عن اللغة الخشبية التي اعتاد عليها الساسة الروس، وتتعامى عن مسؤولية نظام الأسد الاستبدادي في كل ما جرى للسوريين، وعما قام به جيشه المذهبي، وأجهزته الأمنية الفاشية، من جرائم بحق غالبية السوريين، وصوّرهم البيان وكأنهم يمكن أن يكونوا شركاء في "دولة ديمقراطية وغير طائفية، مؤسسة على قاعدة التعددية السياسية والمساواة بين المواطنين".
ولم يخرج المؤتمر عن كونه محاولة جديدة من الساسة الروس لضرب الثورة السورية، تضاف إلى محاولاتهم المتكرّرة ضدها، منذ لحظة اندلاعها في منتصف مارس/آذار 2011، حيث وقف الساسة الروس، طوال السنوات السبع الماضية، إلى جانب نظام الأسد المستبد، وقدموا له مختلف أنواع الدعم السياسي والدبلوماسي والعسكري، بل وخاضوا، إلى جانب مليشيات نظام الملالي الإيراني، حروباً ضد غالبية السوريين من أجل منع سقوطه.
وأراد الساسة الروس من مؤتمرهم في سوتشي تصوير ما جرى في سورية، طوال السنوات السبع الماضية، وكأنه نزاع أهلي، أو صراع بين أطراف سورية، بما يعني نكرانهم ثورة الشعب السوري ضد نظامٍ مستبد. ولذلك سموه في البداية "مؤتمر الشعوب السورية"، إذ حاولوا تسويق أن الخلاف هو بين شعوب سورية، أي أنه نزاع أهلي، والنظام جزء من هذا النزاع. ولذلك اقتضى الأمر جمع كل الأطراف والطوائف والشعوب، في مؤتمر تدعو إليه كل "مكونات الشعب السوري، وقواه السياسية والمدنية، والعرقية والمذهبية والفئات الاجتماعية"، حسبما زعم البيان الختامي، من أجل تقديم مسوغات حلّ روسي، تظهر فيه روسيا كأنها تريد حل هذا النزاع الأهلي عبر إصلاحات أو تعديلات دستورية، تحت نير حكم الأسد. وبالتالي فإنه مؤتمر كان غرضه الأساسي تشويه القضية السورية، بل وتصفيتها بوصفها قضية عادلة لشعب يريد الخلاص من الاستبداد، من خلال القفز فوق القرارات والبيانات الدولية والأممية التي تدعو إلى انتقال سياسي، يفكّك النظام القائم، وينقل البلاد إلى ضفة التعددية السياسية، خاصة بيان جنيف1 والقرارين الأمميين 2118 و2245.
غير أن الساسة الروس لن ينجحوا في تحقيق أغراضهم من "سوتشي"، كونهم طرفاً يقف إلى جانب النظام بقوة، من خلال تدخلهم العسكري المباشر إلى جانب مليشيات نظام الملالي الإيراني، للدفاع عن نظام الأسد ضد إرادة غالبية السوريين. وبالتالي، فإنهم في موقع العدو والخصم بالنسبة للسوريين، ولا يمكن أن يتحول الخصم والعدو إلى وسيط أو حكم، لا في سوتشي، ولا في سواها.