قمة سوتشي التاريخية واتفاق أردوغان-بوتين حول إدلب
تعرضت إدلب منذ تحريرها على يد الثوار لاعتداءات كثيرة وهجمات وحشية متنوعة نفذها نظام الأسد وحلفاؤه يعلوهم الطيران الحربي الروسي.
العاشر من أيلول/ سبتمبر 2018 كان موعدا يتم تداوله لإطلاق عدوان واسع بهدف السيطرة على معقل الثوار الأخير بحجة محاربة "الإرهاب" والذي تبين أنه توصيف لكل ثائر وذريعة يستخدمها المحتلون للقضاء على أصحاب الأرض وقد شكلت مدينة داريا الخالية من جبهة النصرة وغيرها من مناطق سورية أكبر دليل على أن الاستهداف بالقتل والتهجير وقع بحق كل من قال لا لآلة القتل الأسدية وداعميها.
تم تجميع مئات آلاف المهجرين من كافة المناطق مع أهل إدلب في إدلب والهدف المعلن أن الوقت قادم لحرقهم جميعا!
لم يعد هناك إدلب بعد إدلب.. شعر الجار التركي بتزايد الخطر الاستراتيجي للعدوان إن حصل فجاء الرد على لسان مستشار الرئيس التركي للشؤون الخارجية تتويجا لمواقف رئاسية وعلى أعلى المستويات: الهجوم على إدلب هجوم على تركيا.
لقد تحركت القيادة التركية بشكل حثيث مكثف لحماية أكثر من ثلاثة ملايين سوري في إدلب ولحماية أمنها القومي ومصالحها الوطنية فجاء حراكها على أكثر من صعيد تمثل بحشود عسكرية متواصلة على الحدود مع سوريا وصولا إلى تعزيز اثنتي عشرة نقطة مراقبة تركية في إدلب.
أما على الصعيد الاستخباراتي فقد نجحت المخابرات التركية بالقبض على أحد المتورطين الأساسيين بتفجير مدينة الريحانية التركية والملفت أن هذه العملية الأمنية المعقدة قد تمت في قلب مدينة اللاذقية السورية ومن المستبعد جدا حصول تنسيق بين أنقرة وأي طرف من قبل النظام وحلفائه لسبب بسيط هو امتلاك المتهم كنزا من المعلومات كشف بعضها وربما لم يعلن بعد عن ما هو أخطر!
الجهد التركي توجته التحركات السياسية والمفاوضات الماراثونية الشاقة ومنها ما حصل في قمة طهران التي جمعت رؤساء روسيا وايران وتركيا في الأسبوع الأول من شهر أيلول وانتهت دون اتفاق ووسط صخب كبير وخلافات حول مصير إدلب في ظل إصرار ظاهر من قبل طهران وموسكو بضرورة شن عملية عسكرية واسعة على المدينة.
ضغوط وحرب نفسية وتحذيرات من تكرار تجربة عاصمة الشيشان غروزني في إدلب.. تلك العملية الحاقدة المدمرة التي قادها فلاديمير بوتين قبل أن يصل لرئاسة روسيا.
ظلت تركيا على موقفها الرافض لأي عمل عسكري وخلال بضعة تلت عقد قمة طهران نجح الرئيس أردوغان بنزع اتفاق من بوتين يمنع شن أي عملية عسكرية على إدلب.. اتفاق إن صمد فسيكون إنجازا تاريخيا وانتصارا كبيرا لجهة تجنيب المدينة حربا مدمرة وحماية أرواح ملايين الأبرياء رغم القدرة المتوقعة للثوار على القتال واستنزاف المحتل الروسي والإيراني لمدة طويلة.
أبرز ما حصل في قمة سوتشي اليوم هو غياب إيران أو إقصاؤها عن ملف الشمال السوري والاتفاق على إنشاء منطقة منزوعة السلاح بعمق يتراوح من خمسة عشر إلى عشرين كيلومترا أي بنحو عشرة كيلومترات من المناطق المحررة وعشرة أخرى من المناطق التي يسيطر عليها النظام لتعزل بينه وبين الثوار.
تطبيق هذا الأمر سيشكل تحديا بالنسبة لتركيا ويخشى أن يؤدي إلى صدام عسكري مع هيئة تحرير الشام أو إلى اقتتال داخلي إن لم تتفهم الهيئة مقتضيات المرحلة.. وهذا فخ كبير وسيناريو تتمنى كل الأطراف المعادية للثورة وتركيا أن يحصل.
لا أحد يستطيع التأكيد بأن إيران لن تقدم على المشاكسة أو محاولة تخريب الاتفاق الروسي التركي كما أنه لا أحد يستطيع أن يضمن الغدر والوحشية الروسية والتي تمثلت باستهداف المشافي والمدارس والأبنية السكنية لكن المؤكد أن تعاون ثوار إدلب وفهمهم لخطورة المرحلة وتنسيقهم مع الجار التركي سيردع الأعداء وسيحمي ما بقي من الثورة المظلومة وسيفتح المجال لبث روحها من جديد بحسابات عقلانية لا تقتل الراعي ولا تفني الغنم!