سوتشي فشل الحل الروسي
لم يخرج مؤتمر سوتشي بما كانت تطمح إليه روسيا. وانتهى إلى فشل ذريع، على الرغم مما سخرته موسكو له من إمكانات، كي يكون تتويجا سياسيا لتدخلها العسكري المباشر في سورية منذ سبتمبر/ أيلول 2015، وكان الهدف الأساسي منه إنقاذ بشار الأسد من السقوط، وقال ذلك، عدة مرات، وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف الذي يعتز بأنه صاحب الإنجاز السوري بشقيه، الدبلوماسي والعسكري، هو من أوقع رئيسه فلاديمير بوتين في ورطة سوتشي على أساس حساباتٍ لا تبتعد عن رهانات النظام السوري وحليفه الإيراني، فحواها أن الشعب السوري يبحث عن حل بأي ثمن، ولم يعد معنيا بالشعارات التي رفعتها الثورة السورية، ومنها في الصميم إسقاط النظام.
حين بدأت التحضيرات لمؤتمر سوتشي منذ عدة أشهر، أرسل السوريون إلى روسيا أكثر من رسالة، تؤكد على أن هذا المسار لن ينطلي على السوريين الذين يفاوضون من أجل حل سياسي على أساس القرارات الدولية التي نصت على رحيل النظام. ولم يكن لدى السوريين أي مشكلة للجلوس على الطاولة الروسية، كما حصل في أستانة، وعبر عدة جولات، لكن موسكو أرادت ان تدعو الثورة السورية إلى لعبة روليت روسية تطلق، في نهايتها، الثورة رصاصةً على رأسها وتنتهي.
شحنت روسيا إلى سوتشي بضاعة النظام السوري الكاسدة، وأرادت، من مؤتمر مفبرك، أن تعيد تدويرها لتستخرج منها حلا، لكن المسرحية تحولت إلى فضيحةٍ، بسبب الإخراج الروسي الرديء الذي لم يتمكّن من تسويق نظام مستهلك.
وتبين في رفض السوريين "سوتشي" أن العزيمة لا تزال مشدودة، على الرغم من كل ما حصل على مدى سبع سنوات. ولذلك جاء قرار رفض المشاركة في المؤتمر بمثابة عملية تصويت واستفتاء على مقاطعة كل ما يمت للروس وإيران ونظام بشار الأسد، لكن الروس لم يتعاملوا مع هذه الرسالة، على الرغم من أنها تصل إليهم كل يوم، وعلى أثر كل غارة يقوم بها طيرانهم الحربي على المدنيين.
تبين من خلال "سوتشي" أنه ليس مصادفة انخراط الروس في حماية نظام الأسد، فهم كنظامين يقفان على أرضيةٍ واحدة. وبالنسبة لبوتين، يعتبر الأسد ابنا نجيبا لعقيدة التدمير والقتل البوتينية التي تم استنباتها في الشيشان، وصارت مبدأ للنظام الروسي، يطبقه في كل مكان وزمان. وعلى هذا الأساس، لا يكترث بوتين بالقوانين الدولية في التعامل مع المدنيين. وحين دعا المعارضة السورية إلى سوتشي، فإنه في حسابه إنما جلب مهزومين إلى الطاولة، ليوقعوا صك الاستسلام، ومن هنا فهو يستغرب أن يقول السوريون لا.
أراد الروس أن يمرّروا "سوتشي" بشتى الوسائل. وحين تعذّر ذلك، استمروا في سلوك القتل والتدمير، وعلينا أن ننتظر مزيدا من القتل والتوحش في الفترة المقبلة، ما دام بوتين لم يحقق مراده، وسيخوض الانتخابات الرئاسية في مارس/ آذار المقبل، من دون تحقيق السلام للشعب السوري.
نجاح المعارضة في إفشال سوتشي سوف يعرّضها لدفع ثمن كبير. ولذا عليها أن تعد العدة لذلك، وتجعل من الوحشية الروسية مادة للتحرّك، دوليا ضد روسيا من أجل تسجيل المسؤولية المباشرة عن كل ما أصاب السوريين من مآس منذ سبتمبر/ أيلول 2015.
واحدة من القضايا التي يجب أن يتمسك بها السوريون هي مقاضاة الروس والإيرانيين على ما ارتكبوه من جرائم في هذا البلد، ومثلما أن استخدام الأسلحة الكيميائية بات جريمةً موثقة دوليا، فإن المسؤولية عنها يتحملها ليس النظام وحده فقط، وإنما إيران وروسيا.
مرة أخرى، يفشل الروس في دفع عربة الحل السوري إلى الأمام، والسبب أنهم تحولوا إلى عدو للشعب السوري، ولم يعد هناك من السوريين من لديه وهمٌ بأن بوتين سوف يتخلى عن الأسد، من أجل سورية ديمقراطية.