ربح البيع وخسرتم .. النفاق في حب "الساروت"
استطاع الشاب العشريني البسيط "عبد الباسط الساروت" أن يدخل قلوب الملايين من السوريين وأن يكون أيقونة الثورة السورية بحق، ليس بتصدره للإعلام أو تبني حراك الشعب السوري، وإنما بما جسده من صورة حقيقية لثورة السوريين بكل أوجهها وتقلباتها ومراحلها.
قدم الشهيد "الساروت" الصورة المثالية للثورة السورية، منذ بداياتها بحراكها الشعبي، فكان صوت الجماهير والسباق لتنظيم المظاهرات الشعبية وقيادتها بأناشيده وأهازيجه التي خلدها، ومواقفه، عاش الحصار بكل ظروفه وتعرض لعشرات الإصابات في كل أنحاء جسده، لم تثنه عن إكمال الطريق.
ولم يكن "الساروت" شخصاً عابراً بين رفاقه، ورغم كل الخذلان الذي تعرض له في حمص إبان الحصار من كثير من الشخصيات القيادية العسكرية والسياسية والإعلامية، التي تصدرت المشهد الثوري السوري، ورغم تضييق الخناق عليه من كثير من الفصائل، إلا أنه لم يقف مكتوف الأيدي وتابع طريقه حاملاً للسلاح ومتقدماً الأبطال على خطوط الجبهات.
ترك "الساروت" خلفه مسيرة عطرة، وخلد أسمه بين الأبطال ورموز الثورة السورية المعطاءة، بصبره وثباته وقيادته وتحمله، ومعاناته وجروحه ودمائه وبذله وعائلته، رغم خذلانه لمرات ومرات، سواء في حمص إبان الحصار، أو بعد خروجه منها لريف حماة، وفي المرحلة ماقبل الأخيرة في الشمال السوري.
تعرض "الساروت" لحملات تشويه واتهامات وتخوين، وتحمل وصبر وصابر، وبقي مع قلة قليلة من الأبطال، يحاول لملمة الجراح وتوحيد الصفوف وحلمه العودة لحمص محرراً، ولكن شدة الخذلان وصلت لملاحقته كمجرم مطلوب، وسافر إلى تركيا، التقى به الكثير، ولكن مني بخذلان كبير، وعمل في أعمال مجهدة ليأمن معيشته، بعد أن تنكر له الكثير ممن يدعون اليوم حزنهم عليه ويخلدون ذكرى استشهاده.
عاد "الساروت" لوطنه سوريا، بعد وساطات كبيرة، طلبها، ليعود لجبهات القتال وساحات التظاهر، ووضع نفسه أمام القضاء ليبرأ من تهمة لفقت له، وجلس وحيداً في السجن، قلة قليلة من تابعت قضيته لحين براءته والإفراج عنه، وكثير من المتباكين اليوم كان الساروت لهم ليس إلا شخصاً عابراً في صعودهم لتصدر الحراك.
ورغم كل الظلم الذي واجهه شهيدنا، وكل حملات الاتهام والتضليل التي واجهها، إلا أنه لم يتواني ليوم واحد في مشاركة الأحرار تظاهراتهم، وبقي صوته يصدح عالياً، وتعرض لكثير من التهديد والوعيد من أطراف معروفة لثنيه عن التظاهر فقط، ولم يقف الأمر هنا بل منع من تشكيل أي فصيل أو الانضمام لفصائل أخرى، لحين التحاقه بفصيل "جيش العزة" بريف حماة.
قدم الشهيد "الساروت" ضروباً سيخلدها التاريخ في البطولة والعطاء والبذل، على الجبهات، وأصيب لمرات جديدة، ثم عاد لساحات القتال، يتطلع لتحرير كل شبر من تراب سوريا الجريحة، حتى روى بدمائه تلك الأرض وانتقل شهيداً تاركاً خلفه مسيرة عطرة وصوتاً سيتردد في الساحات لسنوات وسنوات خالداً بين عظماء الثورة.
المزعج اليوم، وبعد عام من استشهاد "الساروت" حجم النفاق في بكائه، ممن تنكر له بالأمس، بل وضيق عليه وحاربه وشوه في صورته، ومن رفض مقابلته وسماع صوته ورسالته، ومن لاحقه وشوه صورته وحتى اعتقله، ليخرج علينا كل هؤلاء متباكين بدموع "التماسيح" يرفعون صوره ويبكون عليه نفاقاً وكذباً وبهتاناً، ولو كان حياً مواصلاً نضاله لما ذكروه بل أتموا إنكاره وتهميشه.
رحم الله شهيدنا "عبد الباسط الساروت" وكل شهداء الثورة السورية، والخزي والعار لكل منافق، متسلق، متملق، متصيد للمناسبات للظهور والادعاء زوراً بأنه يمثل حراك الجماهير السورية، فتلك الجماهير تعرف وتعي جيداً من يمثلها ممن تخلده في ذاكرتها لكل شهيد قدم وبذل وأعطى روحه ودمائه لتتواصل المسيرة ويستمر العطاء لبلوغ النصر ورفع لواء وراية الثورة السورية التي أنكرها الكثير كما أنكر الساروت، ثم جاء ليرفعها رياءً وتقية ونفاقاً.