ثلاث مسائل رئيسة حول مسألة إدلب
ما زالت الخطوات التي ستُتخذ عقب قمّة طهران تحافظ على أهميتها وجديّتها، وكما رأينا عبر البث المباشر لاجتماع القمّة أجرى الرئيس التركي أردوغان المفاوضات مع نظرائه بوتين وروحاني حول مسألة إدلب في ظل ارتفاع التوتر خلال الاجتماع، وقد لفت نداء أردوغان لوقف إطلاق النار في المنطقة انتباه الرأي العام الدولي على الرغم من أن روسيا وإيران لم توافق على ذلك، وكذلك دعا أردوغان خلال مقالة نشرها في صحيفة "وول ستريت جورنال" العالم بأكمله لإيقاف نظام الأسد، وطالب بالوقوف في وجه هدر الدماء في مدينة إدلب السورية.
أفاد الرئيس التركي أردوغان بأطروحة تنص على البدء بعملية عسكرية دولية لمكافحة الإرهاب، ولم تلفت هذه النصيحة اهتمام موسكو، لكنها لقيت دعماً ملموساً من قبل دول الغرب وخصوصاً بريطانيا، وكذلك تم تداول مسألة نجاح/فشل مرحلة أستانة ومستقبل إدلب خلال الاجتماعين الأخيرين لمجلس الأمم المتحدة، ومن جهة أخرى تستمر أمريكا وفرنسا وألمانيا في التصريح بأنها ستتدخّل في الساحة السورية في حال استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيميائية، وإلى جانب ذلك صرّح وزير الخارجية الفرنسي "جان إيف لو دريان" بضرورة اعتبار القصف المُنفّذ على إدلب جريمة حرب.
تبعاً للتطورات المذكورة اتّجهت الأنظار نحو ما يمكن لتركيا فعله في إدلب، مع أخذ قدرتها على التعاون مع روسيا وإيران من جهة ومع الاتفاق الغربي من جهة أخرى في آن واحد بعين الاعتبار، ويتم تقييم محاولات تركيا بأنها الفرصة الأخيرة في الصدد ذاته، إذ تحاول أنقرة لفت انتباه الرأي العام الدولي نحو مسألة إدلب، وتسعى لإعادة تحويل مسألة إيجاد حل سياسي فيما يخص مستقبل سوريا لمحور رئيس ضمن أجندة عواصم دول الغرب، إضافةً إلى أنها تجري المفاوضات مع موسكو من أجل إيجاد حل وسط في إدلب.
ازداد تركيز الإعلام العالمي حول ثلاثة مسائل عقب قمّة طهران في خصوص مستقبل إدلب:
1- تزعزع العلاقات الروسية-التركية بسبب الاختلافات القائمة بين أنقرة وموسكو في إدلب وبالتالي دخول فترة أستانة في مرحلة الانهيار.
2- ابتعاد تركيا عن روسيا في الساحة السورية وتقاربها مع أمريكا خلال الفترات الأخيرة.
3- طريقة الصراع ضد هيئة تحرير الشام والمجموعات الراديكالية الأخرى.
من الواضح أن أي عملية عسكرية ستستهدف المعارضة السورية بأكملها وستؤدي إلى ملحمة إنسانية جديدة في إدلب ستتسبب بضرر كبير لفترة أستانة، ولكن من المعلوم أيضاً أن روسيا ستبقى بحاجة لتركيا من أجل تحديد مستقبل سوريا بُعيد انتهاء مسالة إدلب، لأن 26% من الساحة السورية تخضع لسيطرة وحدات الحماية الشعبية المدعومة من قبل أمريكا، والأهم من ذلك هو أن مصادر النفط والمياه توجد في المناطق التي تقع تحت سيطرة وحدات الحماية الشعبية أيضاً، وخصوصاً أن اختلاف الدولتين الروسية-التركية بسبب مسألة إدلب بعد أن حقّقت نجاحاً ملموساً من خلال التعاون في مجالات واسعة كالصناعة والطاقة وغيرها، لا يتناسب مصالح الطرفين على المدى الطويل، أنقرة ترى عدم وجود احتمال تحقيق سلام دائم في سوريا من دون التعاون مع مجموعات المعارضة المعتدلة بكل وضوح، وكذلك لا يمكّن توقع اكتفاء تركيا بالجلوس والمشاهدة من بعيد نظراً إلى وجود 12 نقطة عسكرية تركية في إدلب، وبناء على الأسباب الأخيرة يتوجّب على أنقرة وموسكو التعاون من أجل إيجاد حل لتحقيق التوازن في طهران ونظام الأسد بدلاً من الدخول في فترات توتر جديدة.
إن استجابة واشنطن والدول الأوروبية للملحة الإنسانية الواقعة في سوريا ودعمها لتركيا في هذا الصدد يُعتبر تطوراً إيجابياً، ولكن يجب ألا يقتصر هذا الدعم على مستوى الكلام فقط، بل يجب إحياء الفعاليات الدبلوماسية من أجل إحياء المرحلة السياسية، وكذلك يتوجّب على واشنطن ودول أوروبا التعاون مع أنقرة بشكل أكثر نشاطاً من السابق من أجل البحث في الحلول المتوقّعة.
إن غض النظر عن إبادة نظام الأسد لمجموعات المعارضة المعتدلة سيؤدي لنهاية مرحلة الانتقال السياسي، وربما تعود المجموعات الراديكالية بتنظيم وأسلوب جديد بعد أن يظن العالم أنه تخلّص من هذه المجموعات بشكل نهائي كما حصل في نماذج العراق وأفغانستان، وهذه الاحتمالات تهدد أمان دول أوروبا بما فيهم تركيا أيضاً.
سيستمر التوتر بين واشنطن وأنقرة في حال لم تعيد أمريكا النظر في سياستها التي تدور حول وحدات الحماية الشعبية في سوريا، وبالتالي لا يمكن للتقاربات الدورية بين تركيا وأمريكا أن تولّد حلاً للحد من فعاليات روسيا وإيران في المنطقة، وخصوصاً أن مشكلة المجموعات الراديكالية مثل هيئة تحرير الشام لا تهدّد تركيا فقط، ومن جهة أخرى روسيا تحمّل أنقرة مسؤولية التخلّص من تنظيم هيئة تحرير الشام في إدلب، ولذلك نرجو أن توافق روسيا على دعوة تركيا لإخراج عناصر هيئة تحرير الشام من المنطقة بدلاً من تنفيذ عملية عسكرية للتخلّص منهم، ولكن إن محاولات مكافحة الراديكالية مليئة بنماذج فاشلة، ولذلك تركيا بحاجة إلى المزيد من الوقت بموافقة من روسيا أيضاً، إضافةً إلى دعم الدول الغربية لها في الصدد ذاته.