النظام الإسلامي المارد الذي لم يستيقظ بعد!
فشل الغرب باستمالة الشعوب المسلمة وصبغها بالديمقراطية الراديكالية لتطويع المنطقة العربية وتدجين شعوبها، فما هي الخطة البديلة؟
بعيدا عن الاستلاب المعرفي والانبهار بالحضارة الغربية، وبدون الارتهان لنظرية المؤامرة وتحويلها إلى كابوس يقيد حرية الأفكار، محاولاً أن أكون حرا غير منصاع لأجندة أي نظام عربي أو غربي، أحاول سرد رؤيتي الخاصة عن أسباب تفجر الربيع العربي، أكتبها من داخل المنطقة السورية المحررة من كل الأنظمة العالمية حتى هذه اللحظة.
يحضرني في البداية، ما قالته كونداليزا رايس لدى سؤالها: ماذا ستفعل في حال تسلمها حقيبة الوزارة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية عام ٢٠٠٥م ؟. فأجابت بوضوح في الكونجرس الأمريكي (انتهت صلاحية حلفائنا في الشرق الأوسط واستهلكوا تماماً، ولا بد من استبدالهم بحلفاء جدد؛ تعتمد عليهم الولايات المتحدة الأمريكية).
لعل هذا القول يختصر العلاقة بين النظام العالمي والأنظمة العربية الوظيفية المستبدة، والتي فرضت على البلاد العربية والشرق الأوسط بعد سايكس بيكو وتبادل الأدوار بين الاتحاد السوفيتي من جهة ثم بريطانيا وفرنسا من جهة أخرى وانتهاء بدخول اللاعب الأمريكي الخشن إلى اللعبة مع إسرائيل الطفل المدلل لكل من سبق.
فشل النظام العالمي في تأسيس أنظمة ديمقراطية ليبرالية في المنطقة العربية والشرق الأوسط على غرار المناطق التي ينتشر فيها الإلحاد والمسيحية وباقي الديانات، وذلك بسبب انتشار الثقافة الإسلامية المعادية لها في المجتمعات العربية، هذا ما دعا الغرب لاعتماد أنظمة ترفع شعارات قومية لقمع من كان ولاؤه للدين، ويعتمد الحاكمية لله، ومفهوم الأمة متجذر في صميم فكره وعقيدته.
كانت قبل الربيع العربي تلك الأنظمة الاستبدادية تؤدي وظيفتها على أكمل وجه مع ما يقدمه لهم النظام العالمي من دعم وغطاء أمني، نظراً لاتساع الشرخ بين الحاكم والمحكوم، و نتيجة للانفجار السكاني، وانتشار البطالة والفقر، وتفشي الفساد والاستبداد في العالم الإسلامي عامة والعربي خاصة، إلا أن إحكام القبضة الأمنية مع الاحتقان الشعبي سيولد الانفجار لا محالة وخاصة مع فشل تلك الأنظمة في نشر العلمانية والليبرالية في المجتمعات المسلمة الحاقدة على الغرب، وكل ما يقدمه من مشاريع تنموية، حتى أنه لا يزال العلمانيون والملحدون والليبراليون العرب يعيشون في عزلة شعبية حتى اللحظة، وتؤخذ اطروحاتهم للتندر والاستهزاء، ومن يلتف حولهم لقربهم من مراكز دعم المشاريع في المناطق المحررة يتركهم فور الانتهاء من العمل.
يراقب الغرب ما يحدث في المنطقة وقد نصب مراكز أبحاث متخصصة غنية بالمفكرين الاستراتيجيين والقادة السياسيين مع الاهتمام بما تقدمه من أبحاث عن العالم الإسلامي، لضمان استمرار التبعية وإحكام السيطرة واستيعاب أي انفجار محتمل لا بد من إعداد الخطط الوقائية لتجنب الحرب التي لن يتوانوا عن اللجوء إليها من قبل صناع القرار في حال استنفاذ الطرق السلمية كما حدث في الربيع العربي.
لم تأت الطائفية من فراغ، ولا بد منها لتقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات أثنية وطائفية ومذهبية، تحكم القبضة الغربية على منطقة غنية بالثروات، ويصعب ترويض سكانها، فلا بد من تفتيتها إلى كانتونات، إرضاء لإسرائيل الحليف الاستراتيجي المؤثر في المنطقة، وهذا ما كرس له المستشرق برنارد لويس في أبحاثه، ويعد لويس مهندس تقسيم الشرق الأوسط، وهو يهودي من أصل بريطاني صاحب المقال: (جذور الغضب الإسلامي).
قال عنه السياسي الأمريكي ريتشارد بيرل: "إن برنارد لويس كان أكثر المثقفين تأثيرا فيما يتعلق بإدارة النزاع بين الإسلام الراديكالي والغرب، وكان هنري كيسنجر يرجع له".
يعد برنارد صاحب أخطر مشروع في هذا القرن لتفتيت العالم العربي والإسلامي من باكستان إلى المغرب، والذي نشرته مجلة وزارة الدفاع الأمريكية في مقابلة أجرتها وكالة الإعلام مع "لويس" في 20/5/2005م قال الآتي بالنص: "إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون، لا يمكن تحضرهم، وإذا تُرِكوا لأنفسهم! فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمِّر الحضارات، وتقوِّض المجتمعات، ولذلك فإن الحلَّ السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية، وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة؛ لتجنُّب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان، إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية".
وقال أيضا إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم، ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك، إما أن نضعهم تحت سيادتنا، أو ندعهم ليدمروا حضارتنا، ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية، وخلال هذا الاستعمار الجديد لا مانع أن تقدم أمريكا بالضغط على قيادتهم الإسلامية -دون مجاملة ولا لين ولا هوادة- ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الإسلامية الفاسدة، ولذلك يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها، واستثمار التناقضات العرقية، والعصبيات القبلية والطائفية فيها، قبل أن تغزو أمريكا وأوروبا لتدمر الحضارة فيها".
مما ورد نتبين حقيقة الصراع الإسلامي الغربي، ويبدو أن ما صنعته أمريكا في العراق من احتلال وتقسيم كان له دوافع وأسباب ضمن مخطط معلن لتفتيت العالم الإسلامي وتجزئته، وتحويل خارطة المنطقة إلى فسيفساء عرقية واثنية، تبعه مشروع تقسيم السودان ولا أظن أن سوريا ستخرج من الحرب الطائفية المستعرة دون تقسيم.
ورغم نجاح الخطة إلا أنه اعتراف ضمني بفشل الغرب بسلخ المسلمين عن دينهم، ولم يعتنقوا المسيحية، ولا يزال الخوف لدى الغرب من استيقاظهم رغم ضعفهم وإعادة الكرة على الغرب، فكل بقعة من البلاد الإسلامية مرشحة لأن تكون شعب أبي طالب، ولعل فئة صغيرة ربطت بطنها من الجوع تبعث الأمة وتعيد هيبتها، وتوقظ العالم الإسلامي لتبعث الحضارة الإنسانية الحقيقية من جديد.