المجتمع المدني حل لا بد منه
نحن اليوم بأمس الحاجة من أي وقت مضى لبناء مجتمع مدني، وتأسيس القنوات التي تساهم بنشر ثقافة المشاركة والمساواة لدى أفراد المجتمع، مثل ( الرابطات والنقابات والجمعيات والأحزاب) وأبرز ما يترتب على تلك القنوات هو عدم إكراه أحد على الانخراط في هذه المؤسسات إلا برضاه التام، وغياب تام للأهداف الاقتصادية (الأرباح) لتتميز عن الشركات التي تؤسس من أجل الارباح بين الشركاء.
تلتقي مؤسسات المجتمع المدني حسب علم الاجتماع في الأدوار والوظائف التي تقوم بها، ومن أبرز الوظائف التي تشترك فيها:
1- وظيفة الإدماج و المشاركة: فهذه المؤسسات تساهم في إدماج الأفراد و مشاركتهم.
2- وظيفة التسيير: حيث تمكن من تدريب الأفراد على التسيير الإداري و المالي و السياسي.
3- الوظيفة التعبيرية: تعبير الأفراد عن آرائهم و الدفاع عن مصالحهم.
4ـ التمثيل والقيادة: تفرز هذه القنوات القادة والممثلين الحقيقيين وتقطع الطريق أمام المتسلقين في شتى المجالات.
5ـ تحرير المجتمع: تخفف من القبضة الأمنية المتسلطة على مجموع شرائح المجتمع لما تملكه من قوة ضغط.
جاءت فكرة النقابات لتسهيل وضع الأعضاء المنتسبين إليها، مثل رفع طلبات تتسم بالواقعية إلى رب العمل، وهي تدريب على العمل الجماعي والمنظم حيث يشارك بهذا الجهد عدد كبير من الموظفين والعمال.
وقد جاء حق وحرية تأسيس النقابات والانتماء النقابي بعد تدافع قوي، وصراع مرير خاضته الطبقة العاملة منذ فترة غير يسيرة.
جاءت لتصمد وتقاوم الرأسمالية الصاعدة، التي شقت طريقها بصرامة ولم تكن تعرف الرحمة، وحققت أرباحها من عرق جبين العامل.
ونحن اليوم بحاجة للانطلاق في هذا المسار للتدريب على هذه الآلية، والوقوف في وجه المتسلطين والمتسلقين والأمنيين الذين يتصدرون منابر الثورة قهراً لغايات شخصية وانتهازية، والغريب أن معظمهم لا تعلم عنهم الجماهير أي شيء ولم تراها إلا متصدرة على شاشات ومنابر الثورة.
قبل الخوض في هذا الباب لابد من استعراض ثلاث حوادث تضيء دربنا وتقطع ألسنة الغلاة وهي:
الأولى: لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض الموت، قدم أبا بكر ليصلي بالناس رغم أن في القوم من هو أقرأ منه ولم يأمر أحداً ليرأسهم رغم تأييده بالوحي والفراغ الذي سيحدث بعد انتقال الرسول إلى الرفيق الأعلى.
الثانية: بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، وبعد انتقال مسألة الإمامة إلى سقيفة بني ساعدة، قال عمر رأيه وأوضح علة اجتهاده بتقديم أبي بكر فقال: (لا نؤخر من قدمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا نرضى لدنيانا من ارتضاه لديننا؟ ).
والغريب أن عمر بوب مسألة الخلافة والإمامة وصنفها أنها من أمور الدنيا وليس من مسائل الدين والأغرب أنه لم يخالفه أحد من الصحابة بهذا القول بل تابعه الجميع في البيعة.
الثالثة: تبعه الفقهاء على مر العصور وجعلوا الخلافة باب من أبواب الفقه وليس العقيدة كما يحاول السلفية تقديمها لأتباعهم وروى أيضاً بإسناده إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: (كنت بين يدي أبي جالساً ذات يوم فجاءت طائفة من الكرخية فذكروا خلافة أبي بكر وخلافة عمر وخلافة عثمان وذكروا خلافة علي بن أبي طالب فزادوا وأطالوا، فرفع أبي رأسه إليهم فقال: يا هؤلاء، قد أكثرتم القول في علي والخلافة إن الخلافة لم تزين علياً بل علي زينها.
مما تقدم نستنبط السبب الذي جعل الفقهاء على مر العصور في صف واحد، رغم اختلافهم في الكثير من المسائل، ولم نشهد صراعا فقهياً دامياً كما نشهده اليوم من معارك عبثية بين أبناء المدارس الفكرية تزهق أرواح الشباب من أجل وهم مستحدث، وكان الأولى بهم أن يجدوا مثل سقيفة بني ساعدة يجتمعوا فيها ويحلو فيها أمور دنياهم.