الغوطة وحكاية الثورة
تختصر الغوطة الشرقية لدمشق حكاية الثورة السورية في ذكراها السابعة. الجحيم الذي تعيشه الغوطة اليوم، قتلاً وتهجيراً، هو نفسه الذي عاشته مناطق سورية عديدة، في ظل صمت دولي لم يفلح سوى بالاستنكار علناً والتواطؤ ضمناً مع القتلة على الساحة السورية بأشكالهم كافة، فالقتل في سورية لم يكن يوماً حكراً على النظام وحلفائه، بل نبتت في بلاد الشام أيضاً فصائل استعارت من نظام الأسد قمعه وإجرامه، ومارست الطغيان على مساحات واسعة من الأراضي التي سيطرت عليها.
الغوطة بمعاناتها ترمز اليوم إلى الثورة المقتولة من النظام وحلفائه والمغدورة من بعض أبنائها. عناوين المعاناة متكرّرة منذ اليوم الأول للثورة. في البدء كان القتل، ولا يزال مستمراً، وإن تطورت أدواته، ودخلت أطراف عدة لتمارسه على الأرض السورية، وتجرّب ما طاب لها من الأسلحة في أجساد السوريين وممتلكاتهم. خلال السنوات السبع، لم تتراجع الوتيرة، بل زادت، ومعها زاد عدد الضحايا الذين لم يعد أحد قادراً على إحصائهم بشكل دقيق. الرقم لا يهم سوى دارسي الإحصاء وخبراء المقارنات، إلا أنه يختزن حكايات وأحلام عشرات الآلاف الذين باغتتهم براميل النظام وطائرات الروس وخلافات الفصائل المتصارعة. هذه حكاية من الثورة ومن الغوطة أيضاً بكل تفاصيلها.
للتهجير أيضاً السياق والإسقاط بين الغوطة والثورة. مشاهد الخارجين يومياً من الغوطة الشرقية تستعيد صوراً أخرى من مناطق سورية متعددة، ومن مخيمات لجوء لا تزال تستقبل هاربين من الموت اليومي. الشتات هو قصة أيضاً من الجحيم السوري، لا تزال فصولها تروى في أكثر من مكان. وأيضاً لا أرقام دقيقة لعدد الهاربين من الموت، أو المجبرين على مغادرة قراهم وبيوتهم وأراضيهم، لكن المؤكد أنهم تجاوزوا الخمسة ملايين بأقل تقدير. هي أرقام غير نهائية ومفتوحة على الزيادة، بلا أي أفق للحل، خصوصاً لأولئك الذين تقطعت بهم السبل ووجدوا أنفسهم محاصرين في مخيماتٍ لا يتمكنون من مغادرتها، أو العودة إلى بيوت كانت لهم.
التواطؤ العالمي، من القريب والبعيد، له أيضاً حصته من الثورة السورية ومن وضع الغوطة حالياً. قرارات دولية وتهديدات عدمية وتفاهم من تحت الطاولة. كلها عناوين للموقف الدولي والعربي مما حدث ويحدث في سورية. خلال الأسابيع الماضية، اقتصرت ردود الفعل تجاه المجزرة في الغوطة على الاستنكار والمطالبة بوقف القتل، مع التحذير من استخدام الأسلحة الكيماوية، والذي سيجلب رداً دولياً، على اعتبار أن القتل بالأسلحة التقليدية أمر مسموح. هي نفسها التصريحات والتهديدات التي أطلقت خلال السنوات الماضية، واستعادة كل العبارات، خصوصاً المتعلقة بالأسلحة الكيماوية. ومع ذلك، لم يتغير شيء، والقتل بالأسلحة الكيماوية والتقليدية استمر على مرأى العالم ومسمعه.
ولغدر الثورة من المحسوبين عليها قصص تروى. ولعل أحدثها يأتي من الغوطة التي شهدت اقتتال الفصائل، وتفاهمات ضمنية مع القتلة، لتحييد هذا الطرف أو ذاك. وهي الحكاية نفسها التي تكرّرت في أكثر من منطقة سورية، بعدما تحولت الفصائل إلى أطراف محسوبة على هذه الدولة أو تلك، هي تديرها وتأمرها وتحيدها لحسابات دولية، تماماً كما هو حادث اليوم في الجنوب السوري الخاضع لتفاهم عام يقضي بالهدوء، بغض النظر عما تشهده مناطق أخرى.
حكايات كثيرة تروى أيضاً عن الغوطة والثورة في ذكراها السابعة، وكلها تقود إلى أن الجرح السوري لا يزال غائراً، والتئامه ليس بقريب.