استراتيجية القضاء على الاسلام في القرن الواحد والعشرين / 2
في الربع الأخير من القرن العشرين، جرت عدة أحداث كبيرة، لها دلالة ثقيلة على الواقع العربي والإسلامي، أولها:
قيام ثورة الخميني في إيران عام 1979، ورفع شعار تصدير الثورة الإيرانية إلى دول الجوار كالعراق ودول الخليج العربي وبلاد الشام، وبعد عام واحد اضطر الرئيس العراقي صدام حسين أن يخوض حرباً مريرة ضد إيران لمدة ثماني سنوات، استطاع فيها القضاء على أحلام الخميني، ولكن إلى حين.
وثانيها: تم استجرار صدام حسين لاحتلال الكويت، فسارع الرئيس الأميركي جورج بوش الأب، لإخراجه من الكويت بضربة عسكرية باطشة، وفرض عليه حظراً جوياً في جنوب العراق ذي الأغلبية الشيعية، وشماله حيث التواجد الكردي، وهكذا أصبح العراق شبه محتل من قبل الأمريكان وإيران معاً.
وثالثها: احتلال الاتحاد السوفييتي لأفغانستان، وهذا ما أغضب أميركا، فبدأت تعمل على إلحاق الهزيمة بذلك العدو التقليدي، وكان لها ما أرادت عبر نفخ الروح الجهادية في الإسلاميين المتشددين.. وهكذا ظهر بن لادن وتنظيم القاعدة والتنظيمات الجهادية الأفغانية، واستطاعوا طرد السوفييت من أفغانستان.
وفي عام 1985 استقبل الرئيس رونالد ريغان مجموعة من الرجال الملتحين في البيت الأبيض تكريماً لهم لانتصارهم على الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، ثم تحدث إلى الصحافة، وأشار إليهم، قائلاً: هؤلاء هم المعادلون الأخلاقيون لآباء أميركا المؤسسين ".
هذا ما ذكره الكاتب الباكستاني أحمد إقبال في محاضرته " إرهابهم وإرهابنا" التي ألقاها في جامعة كولورادو في الثامن عشر من تشرين الأول عام 1998، قبل مماته بعامين.
وظل رونالد ريغن يحتفي ببن لادن ورفاقه المجاهدين.!!. ويعدّهم المعادل الأخلاقي لجورج واشنطن وتوماس جيفرسون، حتى انقلبوا على أبناء أولئك الآباء المؤسسين، وتعهدوا بالقضاء على أميركا وعلى عالم الكفر في العالم كله.!!.
كانت استراتيجية أميركا والغرب واضحة المعالم، وفد كشفت عنها رئيسة وزراء بريطانيا في ذلك الوقت، حين قالت: الآن قضينا على الاتحاد السوفييتي، وبقي علينا القضاء على الإسلام في القرن الواحد والعشرين ".
إن انهيار الاتحاد السوفييتي بعد هزيمته المذلة في أفغانستان، وإخراج صدام حسين من الكويت، دفع بجورج بوش الأب لأن يعلن عن قيام النظام العالمي الجديد ذي القطب الواحد. وأول أهدافه القضاء على الإرهاب، أينما وجد.
كانت الفوضى تعم الصومال العربي المسلم بعد وفاة رئيسه زياد باري، وكثرت فيه الفصائل المتناحرة، وأصبح مرتعاً لعناصر تنظيم القاعدة، عندئذ سارعت الأساطيل الاميركية لمطاردتهم والقضاء عليهم، لكن جورج بوش تلقى عدة ضربات مؤلمة، كان أكثرها إيلاماً تلك التي قتل فيها أكثر من ستة وثلاثين جندياً أميركياً، فقرر صاحب مقولة النظام العالمي الجديد.!!. سحب أساطيله والخروج من الصومال، مع التهديد والوعيد بأن يُغرق الصومال بالحروب والفتن والخراب، وها هم الصوماليون لم يستطيعوا حتى الآن أن يعيدوا بناء دولتهم، ولو على أبسط الأسس والمعايير الدولية.
وما إن أطل القرن الواحد والعشرون، حتى جرت أحداث الحادي عشر من ايلول، وتدمير برجَي نيويورك، وأعلن بن لادن مسؤولية القاعدة عن التفجيرين، ولا ندري تبجحاً وغباء أم لغاية متفق عليها من وراء الكواليس.!!.
وهنا نورد ما قاله مورغان رينولدز الأستاذ بجامعة تكساس والعضو السابق بإدارة الرئيس الأميركي جورج بوش: إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر كانت عملية زائفة وأكذوبة كبيرة لها علاقة بمشروع الغرب للهيمنة على العالم ". والهيمنة التي يعنيها مورغان هي القضاء على العالم الإسلامي قبل أي عالم آخر.
من هنا دقّ جورج بوش الثاني طبول الحرب على الإسلام، بحجة محاربة الإرهاب، واحتل أفغانستان في عام 2001، ودمّر وقتل من جراء ذلك عشرات الآلاف، وبعدها بعامين احتل العراق بالحجة نفسها، وقد تبين فيما بعد أن العراق كانت خالية من أي " إرهابي " تابع للقاعدة، لكن جورج بوش قضى على المعالم الحضارية والاجتماعية والاقتصادية في ذلك البلد، وقتل بحسب المصادر أكثر من مليون عراقي، معظمهم من الطائفة العربية السنية، ومنهم الكثيرون قضوا بقنابل تحتوي على اليورانيوم المنضّب.. كل ذلك انتقاماً لضحايا برجي نيويورك التي أثبتت الأدلة أن التفجيرات كانت بفعلٍ مدبّر، ولا علاقة لصدام حسين بذلك.
وفي عام 2011 بدأ ربيع الثورات العربية، واستبشر الناس خيراً بخلع الأنظمة الدكتاتورية، لكن ذلك الربيع العربي تحول إلى شتاء قارس، فالقضاء على الإسلام بدأ خطواته المتسارعة.
في تونس نجحت الثورة، وسقطت سلطة زين العابدين بن علي، وبدايةً عاش ذلك البلد تجربة ديمقراطية لابأس بها، لكنها سُرقت بفضل المال الخليجي، وهي الآن على كف عفريت.
وفي ليبيا قُتل القذافي وسقط نظامه، لكن ليبيا اليوم لم تستقر سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، بل هي الآن أقرب إلى الفوضى، ويتدخل فيها الشارد والوارد من الدول الغربية والعربية.
وفي مصر نجحت الثورة وسقط حكم مبارك، وجرت انتخابات ديمقراطية سليمة، لكن الغرب لعب لعبته، وجاءت الصهيونية بقريبها عبد الفتاح السيسي، ليكون سيد مصر المعظم.!!. وأقول قريبها، فالسيسي ابن يهودية كما تذكر بعض المصادر، وابن اليهودية يهودي بحسب شريعة بني إسرائيل، ومصر الآن مرشحة للانهيار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. أما رئيسها المنتخب محمد مرسي، فهو قابع في السجن، ومهدد بالإعدام بتهمة التخابر مع دولة عربية..!!.. تصوروا.!!.
أما ثورة اليمن فأدى انتصارها الهزيل إلى استفحال أمر الحوثيين والمخلوع علي عبد الله صالح بدعم إيراني غير محدود، واستهتار خليجي، وبقي الأفق في اليمن السعيد مسدوداً، وأظنه سيظل كذلك إلى أمد بعيد، بالرغم من مساندة التحالف العربي للحكومة الشرعية.
كما وقع العراق منذ احتلاله عام 2003 تحت استعمارين؛ أميركي وإيراني، وكانت النتيجة أن تقطعت أوصاله وانهارت بنيته الاجتماعية وارتمى في قاع العشائرية وجحيم الطائفية الدينية والعرقية، وأدى كل ذلك إلى دمار المناطق العربية السنية وقتلهم وتشريدهم بمباركة تنظيم داعش رضي الله عنه.
هذه هي الفوضى الخلاقة التي بشر بها جورج بوش الثاني.
أما في سورية فالنكبة التي حلت بها لا تفوقها نكبة في ماضي العالم وحاضره. لقد قام الشعب السوري بثورته العادلة يطالب بحقوقه المشروعة عبر المظاهرات السلمية، لكنها تحولت إلى حرب، لا أحد يستطيع وصفها، لسوء ما آلات إليه من أهوال لا تبقي ولا تذر.
لقد كثر الدخلاء فيها من عرب وعجم، وأصبح ما يجري على أراضيها أشبه بالحرب العالمية الثالثة. فأميركا دخلت إليها بألاعيبها، وروسيا بأسلحتها التدميرية الفتاكة، وقد القت حتى الآن من طائراتها وبوارجها الحربية على رؤوس السوريين ما يعادل أو أكثر من قنبلة نووية.
كما دخلت ميليشيات شيعية شتى من إيران ولبنان والعراق، وحتى من أفغانستان واليمن، وكذلك دخل خبراء مهرة من الصين وكوريا الشمالية، والكل جاء لمحاربة داعش ومساندة الأسد، والكل يرى أن من يعارض ذلك الأسد وابن الأسد من الشعب السوري هو داعشي وابن داعشي.
أما داعش فلا يعرف أحد كيف انزرعت ولا كيف انتشرت في العراق والشام، وقد تحوّل جهادها ضد الكفر والمرتدين.!! وبالاً على الشعب العربي السني، فلقد اتفق العالم كله على محاربتها، والنتيجة دمار هائل وسفك فظيع للدماء في المناطق العربية السنية.
ولو كرّرنا المكرّر نقول باختصار: إن الشعب السوري الآن يتعرض لأفظع إبادة شهدها العالم. فعدد الضحايا حتى الآن يقترب من المليون، والدمار في المدن السنية بزيد على 70% والمشردون داخل الوطن وخارجه يزيد عن عشرة ملايين، أي ما يعادل أكثر من نصف عدد سكان سورية كلهم. فأي حرب أقسى على الإسلام من هذه الحرب التي تجري الآن.!!.
ولا نغفل هنا دور إسرائيل في الأزمة السورية، فهي " المايسترو "الذي يقود الجوقة الموسيقية العالمية، وهي التي تحرك خيوط اللعبة كلها من خلف الكواليس، وهذا هو دورها، فهل هناك دور أعظم من هذا الدور في هذه المسرحية ــ الكارثة.!!؟.
أما الرابح الأعظم من كل هذه الفوضى الخلاقة.!! فهي إيران الفارسية الشيعية وذراعها الطويل حزبُ الله، وواقع العراق وسورية اليوم يكشف عن ذلك بوضوح، فإيران نجحت في مخططها الباطني، ففي البداية أعلنت العداء لأميركا، وسمّتها الشيطان الأكبر، ورفعت شعار الموت لإسرائيل، ووعدت المسلمين قاطبة بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، ولذلك أصبحت عند أميركا وإسرائيل العضو البارز في محور الشر ورأس الإرهاب!!..
وفي النهاية تبين أنها الصديق الباطني لأميركا، وأنها شريكتها في احتلال أفغانستان والعراق، ثم بغمضة عين انحصر الإرهاب في الإسلام السني دون الشيعي، فتطهرت إيران وأتباعها من ذلك الرجس، وأصبحت المدللة عند أوباما، وشريكته في الحرب على الإرهابيين التكفيريين، وتحولت استراتيجيتها من تحرير فلسطين إلى تحرير سورية من شعبها.
وهكذا التقى أحفاد الإمبراطوريتين الرومانية والفارسية واتفقوا على القضاء على العرب المسلمين في القرن الواحد والعشرين.
فهل تستمر الحرب الكونية على العرب السنة في سورية، أم أن بلاد الشام ستلفظ غزاة الحاضر، وتردهم خائبين، كما فعلت مع أشباههم عبر التاريخ.!؟.