أميركا حين تبحث عن سيناريو سوفياتي لإيران
مع صعود إيران إلى مستوى الدولة الإقليمية المؤثرة في محيطها الجيوسياسي، تبدو السياسة الإيرانية أمام مجموعة من التحديات المتداخلة داخلياً وخارجياً، ومع هذه التحديات المرشحة للمزيد من التعقيد والتصعيد في المرحلة المقبلة، يظهر أمام طهران خياران لا ثالث لهما. الأول: السير في النهج التصعيدي مع الإدارة الأميركية على خلفية ملفها النووي، ومع إسرائيل على معركة التواجد على الأراضي السورية، ومع السعودية على خلفية الحرب في اليمن، ولعل مسارات هذه المعارك الثلاث وإن كانت منفصلة، إلا أنها بالنسبة إلى طهران معركة واحدة، وتأخذ طابع التصعيد، فيما التصعيد من قبل الأطراف الثلاثة السابقة، يخضع لأولويات كل طرف وظروفه الخاصة. الثاني: أن تنجح إيران في تحقيق ما يشبه تسوية أو تفاهم مع الإدارة الأميركية بشان القضايا الخلافية الكثيرة، وفي المقدمة منها الاتفاق النووي، لكن المشكلة هنا: كيف؟ وفي أي ظروف يمكن إنتاج مثل هذه التفاهمات؟ وبأي شروط ؟ من دون شك، الإجابة عن هذه الأسئلة غير متوافرة في يومنا هذا، خاصة وأن كل طرف يعتقد أن لديه من الأوراق الكافية للتوصل إلى تفاهمات بشروطه، أو الاستمرار في الصراع تطلعاً لظروف مغايرة لصالحه.
في الواقع، وانطلاقاً من هذين الخيارين، فإن التصعيد الكلامي على وقع الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، وقصف إسرائيل مواقع إيرانية في سورية، وغيرها من الأحداث المهمة، يبقي التلويح الأميركي بالعصا الغليظة مقابل التهديدات الإيرانية التي لا تتوقف سيد الموقف، وعليه فإن جوالات التصعيد السياسي والعسكري تبقى قائمة، وان كانت بقواعد مضبوطة. ولعل من يقرأ التاريخ القريب للسياسة الإيرانية، وتحديداً منذ الغزو الأميركي لأفغانستان ومن ثم العراق، لا بد أن يرجح فرضية الخيار الثاني، وذلك انطلاقاً مما أبدته هذه السياسة من براغماتية كبيرة في الملفات الخلافية وفي اللحظات الحرجة، ولعل تحرك الدبلوماسية الإيرانية على جبهات أوروبا وروســيا والصين لبحث جوانب في الاتفاق النووي بعد أن كانت تعلن رفضها ذلك، يؤكد حقيقة هذه القاعدة البراغماتية في السياسة الإيرانية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل هذه القاعدة ما زالت صالحة في عهد ترامب؟ ثمة من يجزم بأن لا ترامب ولا إســـرائيل بصدد شن الحرب ضد إيران، وان استراتيجية ترامب تدور حول البحث عن سيناريو سوفياتي يؤدي إلى انهيار إيران من الداخل كما حصل للاتحاد السوفياتي السابق، وان سلاح ترامب في ذلك هو المزيد من العقوبات الاقتصادية والإجراءات الأمنية والسياسية المتداخلة، والضغط على الحلفاء، ولاسيما الأوروبيين، للقيام بدور مؤثر في هذا المجال، على أن يهيئ كل ما سبق السيناريو الذي يفكر به ترامب، فالأخير يدرك جـــيداً أهمية العامل الاقتصادي، وتحديداً دور النفط الذي يشـــكل نحو ثمانين بالمئة من موارد إيران، وأن سياسة العقوبات والحصار ستزيد من الأعباء الداخلية الإيرانية وفي كل الاتجاهات، على شكل انهيار لقيمة العملة الإيرانية وتهريبها الرأسمال إلى الخارج، وتفجر مشكلات الداخل على أمل انتفاضات واحتــجاجات معيشية واجتـــــماعية وسياسية وعرقية وطائفية... تؤدي إلى استنزاف بنية النظام وصولاً إلى انهياره من دون حروب، لكن الرؤية الأميركية هذه قد لا تكون دقيقة، فثمة من يرى أن النظام الإيراني الذي له تركيبة خاصة قد يكون هو المستفيد الأكبر من مثل هذه السياسة، إذ إن مثل هذا الأسلوب قد يكون مدخلاً لتوجيه أنظار الداخل إلى الخارج وشرعنة أي ممارسة قمعية من النظام ضد الاحتجاجات الداخلية على اعتبار أنه يتعرض لمخطط لإسقاطه.
وعلى مستوى الخارج، قد تجد خيارات كثيرة، ولاسيما لجهة التوجه شرقاً وتحـــديداً نحو الصين واليابان عبر زيادة كميات تصدير النفط لهما، كما أن العاملين التركي والروسي يبقيان مهمين لجهة الحد من تأثير العقوبات الأميركية، لكن من الواضح أن كل ما سبق لن يثني ترامب عن مواصلة البحث عن سيناريو سوفياتي يناسب إيران.