معرض لافتات كفرنبل في دمشق… ذاكرة الثورة بلا أصحابها
معرض لافتات كفرنبل في دمشق… ذاكرة الثورة بلا أصحابها
● أخبار سورية ٢٧ مايو ٢٠٢٥

معرض لافتات كفرنبل في دمشق… ذاكرة الثورة بلا أصحابها

شهدت العاصمة دمشق مؤخراً معرضاً للافتات مدينة كفرنبل الشهيرة، التي تحولت خلال سنوات الثورة السورية إلى واحدة من أبرز أدوات التعبير الشعبي الحر ضد الاستبداد. هذه اللافتات التي كانت تُرفع كل يوم جمعة، صاغت نبض الشارع السوري بلغة واضحة، جريئة، وصادقة، ولاقت اهتماماً واسعاً داخل سوريا وخارجها، لما حملته من رسائل سياسية وثقافية وإنسانية عميقة.

لافتات كفرنبل: الذاكرة الحيّة للثورة
ما يميز لافتات كفرنبل أنها لم تكن مجرد شعارات عابرة لمظاهرات أسبوعية، بل تحولت إلى وثيقة حيّة تنقل للأجيال القادمة جوهر الثورة وروحها. كانت هذه اللافتات تُكتب بحبر الوجع، وبصوت الناس الحقيقيين، فترصد لحظة الغضب، والأمل، والخذلان، والانتصار، في سطرين فقط. إنها سجل شعبي غير رسمي للثورة، لا تحكمه الأرشفة البيروقراطية، بل تمليه العفوية الصادقة والبصيرة الثاقبة.

بهذا المعنى، لم تكن اللافتة مجرد أداة احتجاج، بل كانت مرآة يومية لسوريا الجديدة التي كان يحلم بها السوريون. لذلك، فإن حفظ هذه اللافتات وتكريم أصحابها هو في الحقيقة حفظ لجزء أساسي من سردية سوريا الحديثة، وسد ثغرة كبيرة في ذاكرة الثورة التي كثيراً ما يُعاد إنتاجها بشكلٍ مجتزأ أو مسيّس.

المعرض الذي أُقيم للاحتفاء بهذه الذاكرة كان بالفعل خطوة جيدة في التوثيق والتكريم، لكنّه لم يكن كاملاً، لأنه نسي أولئك الذين صنعوا هذه الذاكرة. فبين أروقة المعرض، وعلى الرغم من الحضور الإعلامي والسياسي، غاب أصحاب الفكرة، واليد التي كتبت، والأنفاس التي كانت تختبئ في الليل وتحمل القماش الأبيض والأخشاب على دراجات نارية وسط الرعب والموت، لصنع لافتة لا تتجاوز كلمتين.

 لم يُدعَ أولئك الذين خاطروا بحياتهم، وموّلوا من جيوبهم، وكانوا يهربون من بيت إلى بيت حاملين لافتات كأنهم يهربون حياةً كاملة، لا مجرد قماش وخشب، حسن الحمرا المعروف باسم الخال "أبو رفعت"، أحد الأسماء البارزة في هذا السياق، لخص تلك المعاناة في منشور على صفحته على "فيسبوك"

وقال"كنت أحد المشرفين والمنظمين وصاحب معظم الأفكار لأولى لافتات كفرنبل… كنت روح على الموتور متل الحرامي وأنا ملثم… كنت أجمع معظم اللافتات بعد كل مظاهرة وخبّيها… اليوم هناك معرض… على القليلة كنتوا إعزموا يا أبناء ثورة العز والكرامة."

هذا الصوت يجب أن يُسمع. لأن المعرض الذي لا يرى صانعي الذاكرة هو معرض مبتور، والكرامة التي لا تُكرّم أصحابها تُصبح مجرد شعارات. التكريم ليس فقط في الصور والحوائط، بل في الاعتراف بمن كانوا هناك أولًا، من كتبوا تحت القصف، وصمدوا على أطراف الحلم، قبل أن يتحوّل إلى مادة للعرض.

إن مثل هذه المبادرات، رغم أهميتها، لا تكتمل دون دعوة رمزية لهؤلاء الأشخاص، ولو برسالة شكر، أو حتى ذكر أسمائهم في بطاقة تعريف. فالثورة ليست مادة أرشيفية فقط، بل هي دم ووجوه وتفاصيل صغيرة، تجاهلها يعني تحريف الحكاية. ما زال بالإمكان الترميم، والاعتذار، والتصحيح. فكرامة كفرنبل لا تُختزل في لافتة، بل في اليد التي كتبتها، وفي العيون التي دمعت وهي ترفعها.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ