
لقاء مع "المرسومي" يُحرج "وزير الثقافة" ويفتح ملف دور ونفوذ أشقاء الرئيس "الشرع"
أثار ظهور وزير الثقافة السوري "محمد ياسين صالح"، في مضافة الشّيخ "فرحان المرسومي" في محافظة دير الزور، والمعروف بولائه المطلق للميليشيات الإيرانية، وتورطه في ملفات تهريب المخدرات وارتكاب انتهاكات كبيرة بحق السوريين، موجة انتقادات كبيرة للوزير، في وقت فتح الأمر ملف لم يكد يغلق وهو ظهور جديد لأحد أشقاء الرئيس "الشرع" خلال اللقاء ويدعى "جمال الشرع".
المرسومي، أحد أبرز أذرع "الحرس الثوري" في الشرق السوري، شكّل رأس الحربة في تجنيد أبناء المنطقة ضمن صفوف الفوج 47 الإيراني، وساهم في إحكام قبضة طهران على مفاصل اجتماعية وعسكرية داخل دير الزور. كما لعب دوراً محورياً في إدارة شبكات تهريب السلاح والمخدرات، بغطاء مباشر من "الفرقة الرابعة"، مستفيداً من علاقاته الوثيقة بماهر الأسد.
المفارقة أن الوزير الجديد ظهر إلى جانب أحد أشقاء الرئيس "الشرع" دخلوا مضافته في دير الزور دون الانتباه لتاريخه الأسود بحق السوريين، هذا اللقاء فتح باب واسع من الانتقاد طال وزير الثقافة، وطرح المتابعون تساؤلات عن كيفية حضور الوزير لأي لقاء أو الاجتماع مع أي شخصيات دون ترتيب مسبق ومعرفة بماهية وطبيعة وتاريخ هذه الشخصيات، وهذا الأمر تكرر مراراً مع عدد من مسؤول الحكومة الجديدة، من خلال لقاء مع شخصيات بارزة متورطة في الدم السوري.
حجم الانتقاد دفع الوزير للرد والاعتذار وقال في منشور على منصة إكس: "في كل يوم يُطلب مني مئات الصور مع الناس، ولا أستطيع أن أكشف عن صدور الناس وأعرف مشاربهم وانتماءاتهم، أريد أن أعتذر للشعب السوري العظيم عن أي صورة - غير مقصودة - مع أي شخص محسوب على النظام البائد".
رغم اعتذار الوزير، خرج الإعلامي "موسى العمر" للدفاع بأسلوب اعتبره كثير من النشطاء أنه مستفز ويتجاوز الحدود، قائلاً :"عذرا ً على تعبير (المشوشين) ظننت أن صورة معالي وزير الثقافة هي لشخص استوقفه في شارع (شبيح سابق) فغرد واعتذر، لكن اتضح أنه وقع في خطأ جسيم بتلبيته لدعوة لأحد امراء الحرب السابقين في مضافة، على يقين أن محمد صالح لا يعرفه وأقر بالخطأ واعتذر، فالتمسوا له عذر جهله بماضي الرجل وما اكثر الشبيحة (المقنعين).
في حقل آخر، أعاد المشهد اليوم فتح ملف مهم وموضع اهتمام واسع للسوريين بشكل عام، وهو دور وصلاحية أشقاء الرئيس "الشرع" مع الظهور لشقيقه "جمال الشرع" في ذات اللقاء مع وزير الثقافة، دون وجود صفة رسمية معلنة له في الدولة، مايطرح تساؤلات كبيرة عن أدوار "أشقاء الرئيس" في المرحلة القادمة، وعن ماهية الملفات التي تسلموها دون إعلان رسمي.
فالشعب السوري لديه حساسية متجذرة تجاه نمط الحكم القائم على الطابع العائلي أو تجاه بروز أقارب الرئيس وذويه في مواقع القرار ومفاصل السلطة، وهذا الأمر يؤدي في كثير من الأحيان إلى تغليب سوء الظن على حسن النية وهو ما ينعكس سلبًا على مستوى الثقة الشعبية الممنوحة للقيادة ويُضعف من رصيدها الرمزي والأخلاقي في نظر المواطنين، وفق تعبير أحدهم.
وسبق أن أثار تعيين الدكتور ماهر الشرع، شقيق الرئيس السوري أحمد الشرع، في منصب الأمين العام لرئاسة الجمهورية، موجة واسعة من الانتقادات وردود الفعل المتباينة في الأوساط السياسية والإعلامية، وسط مخاوف من عودة منطق “المحاصصة العائلية” إلى مؤسسات الدولة الجديدة.
تعيينه في موقع الأمانة العامة للرئاسة خلفاً لعبد الرحمن سلامة، الذي أوكلت إليه مهام أخرى، فُسر على أنه مكافأة سياسية، خصوصاً بعد شغله سابقاً لمنصب وزير الصحة بالوكالة في الحكومة الانتقالية، ودوره في العمل الاستشاري في مستشفيات شمال سوريا.
تتولى الأمانة العامة للرئاسة مهام استراتيجية تشمل التنسيق المباشر مع الرئيس، وصياغة المراسيم ومتابعة تنفيذ القرارات، والتواصل بين مؤسسات الدولة. وهو ما جعل المنصب مركز ثقل سيادي أثار علامات استفهام حول دلالة تعيين شقيق الرئيس فيه.
عدد من الناشطين والحقوقيين عبّروا عن خشيتهم من أن يكون القرار بوابة لعودة نهج "الدولة العائلية"، إذ علّق الصحفي وائل التميمي بأن السوريين "ثاروا على حكم العائلة"، معتبراً أن تعيين أحد أقارب الرئيس في موقع بهذه الحساسية "خطوة للخلف في مشروع بناء دولة المواطنة".
يبدو أن حضور أشقاء الرئيس سيبقى تحت مجهر الرأي العام لفترة طويلة، في ظل رغبة السوريين بمؤسسات شفافة وقرارات بعيدة عن الشبهات، وبين اعتبارات الثقة ومقتضيات الدولة، تبقى التجربة قيد الاختبار، وسوريا الجديدة أمام لحظة مفصلية لتأكيد التزامها بمبادئ الديمقراطية والشفافية.