سطوة "تحرير. الشام" تُقيد عمل "المنظمات الإنسانية" وآخر ضحاياها "القلب الكبير"
تواصل "هيئة تحرير الشام"، بواسطة أذرعها المدنية والأمنية، التضييق على عمل المنظمات الإنسانية العاملة في مناطق سيطرتها شمال غرب سوريا، وواجهت العديد من المنظمات عمليات تضييق كبيرة ومصادرة لمكاتبها ومستودعات خاصة بها، لرفضها الشروط التي طرحها "مكتب شؤون المنظمات" اليد الطولى للهيئة في تقييد عمل تلك المؤسسات، آخرها منظمة "القلب الكبير".
وفرضت مؤسسات الهيئة موظفين واداريين للعمل ضمن هذه المنظمات، وفرضت على كل منظمة أتاوات بنسبة متفاوتة تدفع شهرياً سواء كانت من المساعدات الإنسانية أو المشاريع أو حتى رواتب الموظفين التي تصل لهذه المنظمات، مع فرضها توجيه عمل المنظمات والدعم المقدم بحسب ما يطلب المكتب عبر أذرعها في حكومة الإنقاذ.
تكتمت غالبية المنظمات عما تتعرض له من تضييق لعلمها أن الجهات الداعمة لها ستوقف عملها وبالتالي انعكاس الأمر سلباً على ما تقدمه من مساعدات ودعم للمدنيين في المحرر، ما أجبرها على الرضوخ وقبول دفع الأتاوات والنسب المفروضة عليها، وتتكتم المنظمات وتتحاشى ذكر أي تعاملات مع الهيئة مع العلم أن التعاملات هي إجبارية وناجمة عن سيطرة الهيئة على مديرية المنظمات ومعبر باب الهوى وعلى غالبية المجالس المحلية في ادلب.
"القلب الكبير على قائمة استهداف الهيئة"
الجديد اليوم، استهداف الهيئة لمنظمة "القلب الكبير" في مناطق شمال غرب سوريا، واعتقال العديد من مدراء ومسؤولي مكاتب المنظمة، بحجج واهية ساقتها في التضييق على جل المنظمات، بعد رفض المنظمة مشاركة الهيئة ومؤسساتها في العديد من المشاريع التي كانت تقدمها للمدنيين في عموم مناطق شمال غرب سوريا، وهي من أوائل المنظمات العاملة في المنطقة.
بدأت القصة بعد حادثة تعرض محاسب المنظمة "فراس العوض" لإطلاق نار وسلب مبلغ مالي مخصص للمنظمة، بتاريخ الخميس 1/ نيسان/ 2021 أمام مكتب المنظمة في بلدة كفريحمول بريف إدلب الشمالي، ووفاته متأثراً بجراحه يوم الاثنين 26/ نيسان/ 2021، لتستغل الهيئة وأذرعها الواقعة بدعوى التحقيق بخلفيات القضية، ليتم بعدها اعتقال العديد من الموظفين بدعوى التحقيق، ومن خلال التحقيقات الكشف عن مشاريع المنظمة وعملها والحوالات المالية التي وصلتها في الفترة الأخيرة.
وقامت أمنية الهيئة باعتقال كلاً من مدير مكتب سرمدا "م. ه" و "أ. ر" مسؤول بالمنظمة، تلا ذلك اعتقال مدير مكتب أريحا في المنظمة "س. ك" على معبر الغزاوية خلال توجهه لتركيا، ثم اعتقال موظفي مكتب إدلب كلاً من "م س، خ ر، خ خ" للتحقيق معهم، بدعوى وصول مبالغ مالية للمنظمة وتوزيعها على الموظفين دون إطلاق المؤسسات التابعة لحكومة الإنقاذ.
ويأتي التضييق على منظمة "القلب الكبير"، التي علقت عملها في إدلب وغربي حلب، في سياق الممارسات التي تقوم بها الهيئة لإخضاع جميع المنظمات، وممارسة الرقابة والوصاية عليها، يصل لحد التدخل في جميع نشاطاتها وتوجيهه وفق ما يريد مسؤولي الهيئة، مع تركز حيز بسيط لمسؤولي المنظمة لمواصلة عملها لضمان استمرارية الدعم.
"تاريخ حافل بالتضييق على المنظمات الإنسانية"
وللهيئة تاريخ حافل بالممارسات والتضييق على منظمات العمل الإنساني في مناطق سيطرتها، ففي حزيران 2018، أعلنت حكومة "الإنقاذ" الذراع المدني لهيئة تحرير الشام في إدلب، عن وقف عمل منظمة "IHH " التركية، معللة ذلك باسم مقتضيات المصلحة العامة، ولايحق لها العمل ضمن المخيمات إلا بعد الرجوع للإدارة العامة لشؤون المهجرين.
مصادر خاصة أكدت لـ "شام" حينها، أن حكومة الإنقاذ ومسؤولي شؤون المنظمات لم يدخروا جهداً في التضييق على منظمة "IHH " التركية ووقف الديانة التركية وعدد كبير من المنظمات، بهدف إرضاخها وإجبارها على الاستجابة لمتطلباتهم في تقديم نسبة من المواد الإنسانية التي تدخلها للمحرر لصالح الهيئة ومكاتبها، إضافة لنسبة من المشاريع التي تنجزها وكذلك أتاوات لقاء عملها.
وفي آب 2018، عملت إدارة المهجرين التابعة لهيئة تحرير الشام على ممارسة التضييق على منظمة بنفسج العاملة في ريف إدلب، بهدف إخضاعها وفرض ماتريد من إملاءات عليها، والحصول على نسبة من المشاريع والسلل الإنسانية والأموال التي تحصل عليها المنظمة لمساعدة المحتاجين من النازحين والفقراء.
ولأن إدارة المهجرين قوبلت برفض التعاون من قبل إدارة المنظمة، وبعد تضييق وضغوطات وتهديدات مبطنة بدأت عناصر تحرير الشام بملاحقة كوادر المنظمة واعتقالهم في مدينة إدلب الريف، حيث قامت قبل أيام باعتقال مسؤول لوجستي في المنظمة، وتقوم بملاحقة عدد من المسؤولين العاملين على الأرض.
وفي تشرين الأول 2018، اعتقلت أمنية الهيئة مدير فرع أطمة في جمعية عطاء للإغاثة والتنمية، وكانت الجمعية قد علقت تنفيذ مشاريعها بمنطقة المخيمات حتى يتم إطلاق سراح صدام المحمد مستنكرة إصرار هيئة تحرير الشام على التدخل في العمل الإنساني مما يهدد آلاف المدنيين من حرمانهم من الخدمات المقدمة لهم من قبل المنظمات، والتي تعاني بالأصل من ضعف في عمليات الاستجابة.
"خيارات ضيقة أمام المنظمات للتعامل مع تضييق الهيئة"
كثرة المضايقات يضع المنظمات الإنسانية بين خيارين لا ثالث لهما إما الرضوخ والخضوع لما تفرضه هيئة تحرير الشام ومؤسساتها من شروط ودفع ما يترتب عليها من أتاوات وتلبية كل متطلباتها، أو وقف عملها وإغلاق مكاتبها وبالتالي وقف كافة أشكال الدعم والمشاريع التي تنفذها.
ويبقى الخاسر الوحيد من كل هذه التجاوزات هو المدني الباحث عن سلته الغذائية والصحية وخيمة النزوح التي تضمن استمرارية حياته في ظل هذه الظروف المعيشية الصعبة التي يعانيها في مخيمات الشتات ومناطق النزوح، ويصلهم الفتات مما يتركه أمراء تحرير الشام بعد أن سخرت العمل الإنساني كباب للتمويل والاستغلال على حساب معاناة المدنيين.
"ممارسات الهيئة تقوض العمل الإنساني"
وساهمت هذه التصرفات التي تقوم بها تحرير الشام عبر مؤسساتها المدنية في تقويض العمل الإنساني والمساهمة في وقف دعم العديد من المنظمات التي تحول دعمها لمناطق أخرى في شمال حلب أو لمناطق قسد أو النظام من قبل الجهات الداعمة بسبب عدة القدرة على ممارسة نشاطها الإنساني بشكل سلس، في ظل المضايقات التي تتعرض لها المنظمات من قبل الهيئة.
"المجال الإنساني مصدر مالي كبير للهيئة"
ويعد القسم الإغاثي والإنساني من أبرز الأقسام التي تعول عليه تحرير الشام مصادرها المادية والعينية حيث تقوم تحرير الشام عبر عناصرها العاملين في مكتب المنظمات بفرض الأتاوات المادية والغير مادية على المنظمات والهيئات الإنسانية العاملة في الشمال السوري فمن مصادرة السلال غذائية او تأسيس منظمات تابعة لتحرير الشام واجبار المنظمات الأخرى على فرض عقود شراكة مع هذه المنظمات الى فرض نسب محددة على كل منظمة من نسبة العقد الذي توقعه مع الداعم الخاص بها الى إجبار المنظمات للحصول على عقود التوريدات الخاصة بها من محروقات وأعمال تعهدات عبر متعهدين تابعين لها.
"تقارير سابقة حذرت منها شام من استمرار ممارسات الهيئة"
وأوردت "شام" تقارير سابقة تتحدث عما تتعرض له المنظمات من تضييق وهيمنة، الأمر الذي سلط الضوء على ملفات الفساد تلك ودفع بعض الجهات الداعمة للتفتيش في عدة منظمات وفصل العشرات من الموظفين ومدراء بعض المنظمات لثبوت تعاملهم وتواطئهم مع تحرير الشام، إلا أن الهيئة لاتزال تواصل عملياتها في التضييق والضغط بشتى الوسائل للحصول على ما تريد وتفرضه من نسب.
وسبق أن وجه تحالف المنظمات السورية غير الحكومية، رسالة لجميع الفصائل العسكرية وكيانات الإدارات المدنية، بما فيها مكاتب تنسيق العمل الإنساني والإغاثي ومحاكم القضاء في محافظة إدلب حول القيود أمام وصول المنظمات الإنسانية إلى المدنيين المحتاجين في المناطق الواقعة تحت سيطرة الفصائل في إدلب، بينت فيها أن المجتمع الإنساني (المكون من وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية) الذي يقدم المساعدات الإنسانية عبر الحدود من تركيا إلى سوريا، قلق حيال إمكانية عدم التمكن من إيصال المساعدات الإنسانية الطارئة للمحتاجين أو تخفيض حجم المساعدات نتيجة هذه العوائق أو التهديد بفرضها.
وذكرت الرسالة أنه في شهر كانون الأول من العام ٢٠١٤، تبنى المجتمع الإنساني العامل من تركيا وثيقة سميت بالبروتوكول الخاص بالتعامل مع أطراف النزاع لتقديم المساعدات الإنسانية في شمال سوريا". توضح هذه الوثيقة كيفية تعامل المنظمات الإنسانية مع أطراف النزاع في الشمال السوري.
ولفتت إلى أنه لا يزال هذا البيان ساري المفعول ويتضمن الالتزامات الأساسية في احترام وحماية العاملين في مجال الإغاثة، والسماح والتسهيل السريع لمرور الإغاثة دون عوائق بما في ذلك المعدات الطبية والجراحية، و منح عاملي الإغاثة حرية التنقل للوصول إلى الناس المحتاجين على أساس الحاجة وحدها، و احترام ودعم المبادئ الإنسانية الأساسية (الإنسانية والحياد وعدم الانحياز واستقلالية العمل)، واعتماد إجراءات بسيطة وسريعة لجميع الترتيبات اللوجستية والإدارية اللازمة لعمليات الإغاثة الإنسانية، والعمل فورا وبحسن نية مع ممثلي الوكالات الإنسانية للاتفاق على ترتيبات عملية لتقديم المساعدة لتلبية احتياجات جميع المدنيين.
لخصت الرسالة التدخلات في تنفيذ الأنشطة الإنسانية، ويتضمن هذا: التدخل في قضايا الموارد البشرية كتعيين الموظفين أو طلب معلومات عن رواتب العاملين بالمنظمات أو عن بعض الموظفين، والتدخل في عملية شراء البضائع، ويتضمن هذا طلب وثائق المناقصات والعقود، والضغط على المنظمات غير الحكومية للتعامل مع تجار معينين، مطالبة المنظمات غير الحكومية بتقديم قوائم المستفيدين من المساعدات أو أي تفاصيل سرية أخرى متعلقة بالبرامج الإغاثية، محاولة التأثير على البرامج الإنسانية والضغط نحو توزيع المساعدات على مناطق أو مجموعات أو أفراد غير متضمنة في توزيع المساعدات الخاصة بالمنظمات.
وأشارت الرسالة إلى أنه في حالة عدم قدرة المجتمع الإنساني على تقديم المساعدات والخدمات وفق المبادئ الإنسانية المذكورة أعلاه، قد تكون العملية الإغاثية بمجملها معرضة لخطر الإيقاف، وفي حال حصول هذا، تقع مسؤولية تقديم المساعدات الإنسانية المختلفة (المساعدات الغذائية والغير غذائية والطبية وخدمات المياه والتعليم والحماية والمأوى) - حسب القانون الإنساني الدولي وقوانين حقوق الإنسان على عاتق السلطات المتواجدة على الأرض.