صراع العروش بين مكونات "الوطني" ينهي آمال أبناء الثورة ويعبد الطريق لتمكين مشروع "الجولاني"
أثبتت فصائل "الجيش الوطني" بجميع مكوناتها، أنها ليست الأمل الذي ينتظره الشعب الثائر لتمثيل "الجيش السوري الحر" بصورته الحقيقية، بعد أن عانى الشعب طيلة سنوات مريرة من ظهور عشرات التشكيلات التي طرحت مشاريعها الخاصة لنفسها على حساب دماء السوريين، وفق ما يقول قيادي سابق في الجيش السوري الحر لشبكة "شام"، بموازاة فشل باقي المكونات في كسب تلك الحاضنة الشعبية إلا بالترهيب والقوة.
الأمل بعودة أمجاد "الجيش الحر"
وأوضح القيادي (الذي رفض الكشف عن هويته)، أن العقبات التي واجهها الشعب السوري من ظهور عشرات التشكيلات التي تحمل إيديولوجيات ومشاريع خاصة، وماحملته من صراع، أدى لتراجع الحراك الثوري، جعل الكثير يتطلع لعودة صورة "الجيش الحر" وأمجاد أبطاله القدامى، فكان آخر أملهم أن يكون ظهور "الجيش الوطني" ملاذهم الأخيرة لإعادة صورة "الجيش الحر" الحقيقي لكنه فشل وفق تعبيره.
"أركان الوطني" الأمل بعيد المنال
ولفت القيادي في حديث لشبكة "شام"، إلى أن الصراعات الداخلية بين المكونات العسكرية التي تبنت تمثيل الحراك الثوري، ابتداءاً بداعش وليس انتهاءاً بـ "أحرار الشام وجيش الإسلام ومئات المكونات التي لعب النظام ودول عديدة دوراً بارزاً في تعزيز حالة التفرق تلك، ليس انتهاءاً بالـ "الجولاني" خلقت حالة إحباط لدى الحاضنة الشعبية وباتت تتطلع لمخرج بفصيل أو قوة عسكرية تكون متبنية حقيقية لحراكهم وتعيد الأمجاد القديمة للثورة السورية.
وأضاف أن حملات "البغي" التي مارسها "الجولاني" ضد مكونات الثورة عامة من درعا إلى إدلب، وماتلاها من حملات عسكرية للنظام وروسيا وتهجير لملايين المدنيين وجميع المكونات العسكرية في تلك المناطق باتجاه الشمال السوري، ورغم كل الإحباط الذي عاشه أبناء الثورة بعيداً عن مناطقهم، خلق لديهم بصيص أمل أن تتوحد جهود تلك الفصائل وتتعظ من الدروس، فكان بروز "الجيش الوطني" ليوحد جهود تلك القوى الملاحقة من "الأسد والجولاني" على حد سواء.
ومنذ تاريخ 30 كانون الأول/ ديسمبر 2017، بداية توحيد القوى العسكرية تحت لواء "الجيش الوطني السوري"، ورغم كل القرارات والخطوات لترتيب الصفوف، إلا أن التشرذم والنزعة للفصيل لاتزال السمة التي تحكم وتدير تلك المكونات، في ظل فشل ذريع في التغلب على أخطاء الماضي وإنهاء التشرذم والتفرق، مع تصاعد قوة النظام المنتشي بانتصاره و "قسد" المدعومة من التحالف و"هيئة تحرير الشام" التي أنهت المنافسين لها وأعدت خطة لتأسيس دولية في بقعة جغرافية صغيرة، تتطلع لتوسيعها ليس على حساب النظام وإنما الفصائل الأخرى، وفق كلام القيادي.
امبراطوريات و صراعات مناطقية
وقدمت "فصائل الوطني" خلال سنوات بعد التأسيس - وفق المصدر - أسوء صورة لتمثيل الحراك الثوري السوري، من خلال تضارب المصالح، وتغليب أسماء الفصيل على المكون الجامع، والنزعة المناطقية التي طغت على صراعاتها، علاوة عن بناء الإمبراطوريات كلاً في البقعة الجغرافية التي سيطر عليها وممارسات صنوف واسعة من الانتهاكات، قبل أن يسلب القرار كاملاً وتغدو قيادات تلك الفصائل مجرد "كركوزات" تتحرك بأوامر خارجية، ويتحول البعض لمرتزق يلهث لينال رضا الداعم.
فشل مؤسساتي وحكومة هلامية
ووفق القيادي، فقد فشلت "هيئة الأركان" و "وزارة دفاع المؤقتة" في أن تكون الجامع لكل تلك المكونات التي تختلف في أفكارها ومشاريعها ومناطقها - ومنها لايحمل مشروع أصلاً عدا التملك في المنصب والسيطرة على الثروات وبناء الأمجاد الوهمية- ، ليكون نتاج ذلك - وفق القيادي - انتشار الفوضى الأمنية والعسكرية، وتواصل الصراع بين تلك المكونات بمختلف مسمياتها.
وعلى الصعيد المؤسساتي والقضائي، كانت "الحكومة السورية المؤقتة" عبارة عن جسم هلامي، لم تستطع حتى توحيد المجالس المحلية تحت إدارتها، فكان لكل مجلس تبعية وارتباط خاص مع السلطات التركية، وقرارات وقوانين يسنها بمعزل عن باقي المجالس، كشف عن تفكك تلك المنظومة المدنية، علاوة عن وجود جهاز قضائي غير فاعل، فشل في محاكم قيادات صغيرة متورطة بجرائم حرب، وجهاز أمني متفكك في ظل حالة فوضى عارمة وتفجيرات كبيرة رغم كشف بعض منفذيها إلا أن أحداً لم يستطع المحاسبة والحد من التفجيرات والاغتيالات.
ارتزاق وتبعية عمياء أضاعت البوصلة
ووفق حديث القيادي لشبكة "شام"، فإن "الجيش الوطني، ورغم تنفيذه لكل القرارات الدولية والأوامر التركية، بما فيها القتال في دول أخرى كـ "مرتزقة"، إلا أنه لم يستطع استغلال الدعم التركي له، وتقديم صورة مثالية لقوة عسكرية تستطيع إدارة المنطقة على المستويات التنظيمية والعسكرية والأمنية وحتى المدنية، علاوة عن ضعف الأداء العسكري في مواجهة "قسد".
"الجولاني" رجل مطيع بدور "المخلص"
هذه المراحل - وفق القيادي - كانت بموازاة تغيرات جذرية عمل عليها "الجولاني" للتقرب من الدول الغربية وتركيا، وتقديم صورة مناسبة للمرحلة في تغيير الأيديولوجية وإنهاء المخالفين، وتنظيم الجانب المدني، علاوة عن تنفيذ بعض القرارات الدولية الأخيرة بما يتعلق بملفات سياسية وأخرى إنسانية، ليقدم نفسه كرجل "مطيع" يستطيع إدارة المنطقة وضبطها، وإنهاء أي تشرذم، ليكون خياراً بديلاً لتولي إدارة المناطق المحررة وهذا ماتحتاجه الدول المعنية بالأمر لاسيما تركيا.
ولفت القيادي إلى أن سلسلة التحولات في سياسة الهيئة، جعلته يتقرب من بعض مكونات "الجيش الوطني"، لاستخدامها في تنفيذ مخططه الرامي للتوسع شمال حلب، وكما استخدم العديد من الفصائل في حملات "البغي" بإدلب ومن ثم قام بإنهاء تلك الفصائل، ليكرر نفس التجربة في حلب والتي كانت بدايتها استثمار النزاع بين "أحرار الشام والجبهة الشامية" بحملات إعلامية وتحضيرات برزت نتائجها يوم 18 حزيران، بدخول أول قوة عسكرية للهيئة إلى مناطق غصن الزيتون علانية، سبقها اختراق المنطقة أمنياً.
مشروع جديد ينفذه "الجولاني"
ووفق رأي "القيادي" فإن "الجولاني" استطاع تقديم نفسه كـ "مخلص" لمناطق شمال غرب سوريا من التشرذم والتفرق، وبات كـ "فزاعة" ضد المكونات التي يعلو صوتها وتحاول بناء امبراطوريات لها خارج السرب، فنال "الجولاني" بشكل غير مباشر الضوء الأخضر ليدخل المنطقة، والتي يبدو أن مرحلة جديدة ستدخلها في الفترة القادمة على صعيد ضبط الفصائل ورسم آلية جديدة لتوحيد القوى جميعاً في طريق واحد بالقوة.
وبات التنفيذ اليوم لهذه المرحلة التي يتم رسمها خارجياً بيد "الجولاني" فجاء بداية استثمار "أحرار الشام" التي سبق وأن بغى عليها، ليلعب اليوم دور الحليف ويستخدمها للعبور وراء خندق أطمة الغزاوية، ويبدأ مرحلة "بغي" جديدة، تظهر ملامحها الأولى ضد "جيش الإسلام والجبهة الشامية" التي يبدو أنها خرجت عن السرب، وحاولت بناء تحالفات بمعزل عن الخط الجامع، وبالتالي بات أمامها خيارات ضيقية إما الرضوخ أو الإنهاء.
الخلاصة: "الشاطر من يطيع الأوامر"
واعتبر القيادي في حديثه لشبكة "شام" أن مرحلة دخول أرتال "هيئة تحرير الشام" إلى مناطق "غصن الزيتون" باسم "أحرار الشام" ستكون نقطة فاصلة في مسيرة "الجيش الوطني"، وأن مابعد 19 حزيران، لن يكون كما قبله، ملمحاً لبداية مرحلة دمج مناطق "إدلب وشمال حلب"، لكن على مراحل، وبطرق تقتضيها تطورات الوضع الميداني، سيكون لـ "الجولاني" دور فاعل في تنفيذ تلك المرحلة، إلى جانب تحالفاته هناك، بمشروع يعد للمنطقة منذ أعوام و"الشاطر من يطيع الأوامر" وفق تعبيره.
وفي الطرف المقابل، يرى البعض أن استمرار حالة التشرذم بين مكونات الثورة عامة، أعطت النظام وحلفائه قدرة على التوسع والسيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي المحررة لم يكن يتوقع سقوطها، وبالتالي ليس هناك بديل لتوحيد الجهود جميعاً في ظل اختلاف المشاريع واستمرار التناحر والخصومات، إلا بقيادة واحدة تستطيع كسر التفكك وإنهاء الخصوم للحفاظ على ماتبقى والعمل لتحرير ماخسرته الثورة.
وبرأيهم، أن جميع وسائل التوحد وغرف العمليات التي تم الإعلان عنها، لم تستطع تحقيق هدف "التوحد" رغم أن الدعم بات محصوراً بجهة واحد نسبياً وهي "تركيا" التي باتت الدولة الوحيدة التي تملك قوات عسكرية في مناطق "الوطني والهيئة"، وتدعم هذه المناطق على عدة مستويات، وبالتالي بات لزاماً توحيد القوى العسكرية لتشكيل جهة واحدة تتعامل مع الحليف المتبقي للثورة.
وخلصت تلك الأطراف، والتي تميل لتوجهات ومشروع "الجولاني"، إلى أن "البغي" ضرورة، لتوحيد الجهود المستعصية، معتبرة أن سياسة "الجولاني" أتت أُكلها في تنظيم إدلب عسكرياً ومدنياً وإدارياً، وأن تعميم هذه الفكرة شمال حلب يتطلب واقع مشابه، وأنه يتطلب نسيان الماضي وتاريخ "الجولاني" والعمل لتحقيق التوحد بين المنطقتين على كل المستويات.
وبين هذا المشروع وذاك، يبقى التعويل على أبناء الثورة الحقيقيين الموجودين في جميع المكونات العسكرية، كي تتوحد جهودهم لتمكين مشروع "الثورة" وإنهاء جميع المشاريع الأخرى المشبوهة، ويكون لأبناء الثورة الحقيقيين صوتهم وكلمتهم التي تعيد أمجاد "حجي مارع وأبو فرات" وغيرهم، لتعود للثورة زهوتها وتستعيد ماسلب منها من مناطق فقط عندما يكون أبناؤها بصوت وعزيمة واحدة، وبقرار منبعه نصرة الشعب المظلوم وتحقيق أهداف الثورة الحقيقية بعيداً عن أي مشروع.