لتمكين الهيمنة وتوسيع النفوذ .."الجـ ـولاني" يستثمر تواطؤ الصامتين في غزوة "عفرين"
شكل تدخل "هيئة تحرير الشام" التي يقودها "أبو محمد الجولاني"، عسكرياً في منطقة "غصن الزيتون"، الخاضعة للنفوذ التركي وسيطرة "الجيش الوطني السوري"، بتواطؤ من قوى ومكونات في تلك المنطقة، "انعطافة" تعزز مشروع "البغي" على حساب مشروع الثورة، بهدف توسيع السلطة وكسب موارد جديدة على حساب باقي المكونات، وتعميم التصنيف على مناطق جديدة.
تبني الخطاب الثوري لتعزيز الهيمنة
وأفضت تطورات الملف السوري في المرحلة الراهنة، أن يلجأ "الجولاني" للتماهي مع المشروع الدولي، وأن يقدم نفسه كـ "فصيل معتدل"، في سياق مواصلة مشروعه للهيمنة والتحكم، فتبني خطاباً ليناً، وبدأ مرحلة تعاون مع القوى الفاعلة في المنطقة، فانقلب على جميع مواقفه، منها تركيا التي سبق أن حاربها ولاحقاً سهل دخولها للمنطقة وقدم نفسه كمشروع رجل يستطيع إدارة المنطقة، فتماهى مع اتفاقيات "أستانة" التي نفذها بحذافيرها ولايزال يحمي حدودها.
عمل "الجولاني" على التفرد في السيطرة على محافظة إدلب، واعتبرها "دولته" الخاصة، فأقام المعابر مع مناطق "الوطني" وأنهى كل قوة عسكرية تستطيع منافسته، كما عمل على تمكين حكومته المدنية "الإنقاذ"، وفكك مؤسسات "المؤقتة" ومنع عملها، وسيطر على جميع مقدرات المنطقة فعزز نفوذ أمراء الحرب على حساب المدنيين، في وقت كانت عيونه تترقب الوقت للتمدد شمالاً، فاعتمد على حملات شيطنة ومقارنات مستمرة بين الوضع بإدلب وشمال حلب الخاضعة لفصائل "الوطني".
تفكك "الوطني" عزز مطامع "الجولاني"
استثمر "الجولاني" حالة التفكك والتشرذم وغياب المشروع الجامع الذي تعيشه فصائل "الجيش الوطني"، علاوة عن الخلل الأمني الناتج عن تضارب المصالح هناك، ليعمل على استقطاب شخصيات وتيارات ضمن تلك الفصائل لصالحه، بخطاب عنوانه "مصلحة المحرر" الذي بات السمة البارزة في خطاب "الهيئة" ووسيلة للتمدد شمال حلب، فاعتبرت نفسها الوصية على الثورة، والمسؤولة عن تصحيح مسارها، وحماية هذه المصلحة في المنطقة، لتبدأ مرحلة اختراق شمالي حلب أمنياً عبر فصائل من الجيش الوطني نفسها، كانت سابقاً من أشد أعداء الجولاني، لكن لغة المصالح تغيرت.
وكان لخروج "الفرقة 32" التابعة لأحرار الشام، عن الفيلق الثالث، وما تبعه من تحاكم بين الطرفين، ثم عدم التزام الفرقة بمخرجات الحكم الصادر عن لجنة الفصل، بداية صدام مسلح شرقي حلب، لكن "الجولاني" أثبت شراكته في خلق هذا التوتر، من خلال سرعة حشده وبدء أول توغل عسكري له في منطقة "غصن الزيتون" في شهر يونيو ٢٠٢٢، ووصوله لبلدة جنديرس بزعم مساندة مجموعات الأحرار هناك، إلا أنه اصطدم برفض تركي لتمدده، ألزمته الانسحاب من كامل المنطقة.
كشف حجم التجييش الإعلامي الرديف لـ "هيئة تحرير الشام" عن توجه واضح لقيادة الهيئة لـ "شيطنة" فصائل بعينها أبرزها "الجبهة الشامية وجيش الإسلام"، والحديث عن مصلحة الثورة ومشاريع التوحد، وكذلك الإشادة بمشروع الهيئة المدني بإدلب، والحاجة لتعميم هذا المشروع، وهذا ما كشف عنه لاحقاً بأنه كان بداية التمهيد للتوسع العسكري وبدء "غزوة عفرين".
وكان التحشيد الإعلامي متزامناً مع شقاقات وحالة صراع بارد بين مكونات "الجيش الوطني" على خلفية عدة إشكالات بريف حلب الشرقي، بعد تفكك "غرفة عمليات عزم" وانتهاء ملف محاسبة أبو عمشة، وتشكيل "الفيلق الثالث بانضمام "جيش الإسلام للشامية" رداً على إعلان ظهور "ثائرون" ضمن تشكيلة عزم ذاتها من قبل "السلطان مراد"، والتكتل مع "الحمزة والعمشات" ثم الشقاق بينهم، والخلاف على معبر "الشطل" مع "الفيلق الثالث".
كل هذه الصراعات، كانت تراقب عن كثب من قبل "هيئة تحرير الشام" التي سعت لبناء تحالفات سرية مع عدة مكونات على حساب أخرى، فاستطاعت استمالة المطرودين من "ثائرون"، والناقمين على "الجبهة الشامية" لتنسيقها مع "جيش الإسلام" ضمن تشكيلة "الفيلق الثالث"، باعتبارها مسؤولة عن الحملة ضد المفسدين بما فيهم "أبو عمشة"، وخلافها مع رئيس الحكومة المؤقتة بعد أن كانت دعمت حكومة "أبو حطب" سابقاً، علاوة عن رفض "الشامية" التحالف مع "تحرير الشام" قبل إعلان عزم، وفضلت التحالف مع "جيش الإسلام" عدو الهيئة لاحقاً.
اغتيال "أبو غنوم" وتكشف التحالفات لبدء "غزوة عفرين"
شكلت عملية اغتيال الناشط الإعلامي "محمد أبو غنوم" وزوجته في مدينة الباب، يوم الجمعة 7/ تشرين الأول/ 2022، ومن ثم كشف "الفيلق الثالث" الخلية المتورطة في عملية الاغتيال وملاحقتها، وكشف ارتباطها بـ "فرقة الحمزة"، وما تلاه من مطالب شعبية لخروج الفرقة من مدينة الباب وبدء الصدام مع "الفيلق الثالث"، نقطة الانطلاقة لـ "غزوة عفرين" التي أظهرت أن "هيئة تحرير الشام" كانت على أتم الجاهزية للانقضاض وبدء الهجوم خلال ساعات قليلة.
فقد ظهر جلياً أن نقل الصراع من مدينة الباب بين "الحمزة والفيلق الثالث" إلى الهجوم على معسكر "إرندة" في ناحية معبطلي من قبل "العمشات" وبدء تحركات "الحمزة" في الباسوطة، بالتوازي مع تهديد صريح من "الحمزة" بتدخل "هيئة تحرير الشام"، أظهر جلياً التحالفات التي حيكت في الخفاء لمساندة "الجولاني" في التدخل شمالي حلب، دفع ذلك "الفيلق الثالث" للتوجه مباشرة لتعزيز دفاعاته في الباسوطة لتوقع الهجوم منها كما المرة الأولى، وهنا كانت بداية الصدام العسكري.
ابتداءً بمعبر الغزاوية ودير بلوط، ووقوف "الجبهة الوطنية للتحرير" على الحياد، وليس انتهاءً بغياب صوت "هيئة ثائرون" والعديد من المكونات الأخرى التي شاركت في صد "البغي" في اليوم الأول ثم ألزمت الحياد كـ "جبهة البناء والتحرير والسمرقند"، مع وقوف "أحرار الشام وفرقة الحمزة والسلطان سليمان شاه" لصالح "الجولاني"، كانت جميعاً عاملاً رئيسياً في تفرد "الجولاني" بـ "الفيلق الثالث" والتمدد خلال مدة قياسية للوصول لمركز مدينة عفرين لأول مرة والسيطرة عليها.
موقف "المؤقتة والائتلاف"
وعقب سيطرة "هيئة تحرير الشام" على مدينة عفرين، صدر عن رئيس الحكومة السورية المؤقتة "عبد الرحمن مصطفى"، تصريحا قال فيه إن الحكومة "تواصل إدارة مدينة عفرين، أما القوات الأخرى فقد غادرت المدينة"، تلا ذلك تصريح "أيمن العاسمي"، المتحدث الرسمي باسم وفد المعارضة لمباحثات أستانا، بأن الوضع تحت السيطرة في عفرين.
وتوجه رئيس المؤقتة إلى مدينة عفرين برفقة وفد رسمي وعقد اجتماعاً في بناء المجلس المحلي، مؤكداً أن الحكومة "المؤقتة" ومؤسساتها لاتزال تتولى إدارة المدينة، في وقت جاء بيان الهيئة العامة للائتلاف الوطني السوري، متأخراً في ختام دورة اجتماعاتها الـ 64 التي أقيمت يومي 17 و18، للمطالبة بوقف "عدوان" هيئة تحرير الشام الإرهابية على المناطق المحررة، كاشفة عن الانعكاسات السلبية الكبيرة التي ستلحق بالثورة السورية في حال استمرار القتال الفصائلي أو سيطرة الهيئة على المنطقة.
وشددت الهيئة العامة - وفق بيان صادر عنها - على رفضها تواجد "هيئة تحرير الشام" في منطقة عمليات درع الفرات وغصن الزيتون، مؤكدةً دعمها الحراك المدني في المناطق المحررة، وأوضحت أن بوصلة الائتلاف لن يتنازل عن أي من المبادئ الثورية التي تبناها الشعب، وفق نص البيان.
موقف شعبي رافض لـ "مشروع الجولاني"
كان لتحرك الشارع الثوري ضد "هيئة تحرير الشام"، في مدن وبلدات ريف حلب الشمالي والشرقي أبرزها "إعزاز والباب وصوران ومارع"، تأكيد صريح على رفض مشروع "الجولاني"، ورسالة من الحاضنة الشعبية لجميع الفاعلين المؤثرين أنها لن تقبل به، ولعل العقبة الأكبر التي أوقفت تمدده هي المغامرة الغير محسوبة النتائج دولياً لفصيل مصنف على قوائم الإرهاب، في منطقة لها حساسية دولية كـ "عفرين".
هذا الأمر، شكل ضغوطات كبيرة على "الجانب التركي"، في ظل حديث عن خلافات بين أجهزة "الجيش والاستخبارات"، في التعامل مع الملف، وتأخر الحسم في تحديد الموقف من تمدد "الجولاني"، قبل أن يتلق بشكل مفاجئ وغير متوقع، طلباً تركيا بوقف العمليات العسكرية في منطقة "غصن الزيتون" بشكل فوري، أفضت لإنهاء المعارك في كفرجنة، مع تحرك "هيئة ثائرون" بأوامر تركية للدخول كقوات فصل بين الطرفين وبدأ استلام المقرات والحواجز، ليعود بأرتاله خائباً إلى إدلب.
انتهاكات ممنهجة تفضح مزاعم الهيئة.. والشبكة السورية تحذر
رغم المدة القصيرة لسيطرة "هيئة تحرير الشام" على منطقة عفرين، ورغم كل التطمينات التي أرسلتها الهيئة للأهالي لاسيما "الأكراد"، بعد التعرض لهم، والحديث عن مشروع جامع للمنطقة، إلا أن عناصر الهيئة سجلت عشرات الانتهاكات، من عمليات دهم واعتقال طالت العديد من المنتسبين لـ "الفيلق الثالث" وعائلاتهم، علاوة عن عمليات تعفيش وسرقة لمقرات الفيلق ومنازل لقياداته، وتسجيل تفكيك العديد من محطات الوقود والكثير من التعديات.
"الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، قالت معلقة على الحملة الأخيرة لـ "الجولاني" بمناطق "غصن الزيتون" إن "هيئة تحرير الشام" تطمح للسيطرة، والحكم بالحديد والنار، مهما تسبب ذلك من انتهاكات وتداعيات كارثية على السكان، ولفتت إلى أن الهيئة استغلت النزاع ضمن مكونات "الجيش الوطني"، لشن هجوم عسكري على عفرين، يهدف إلى توسيع مناطق سيطرتها على حساب مناطق سيطرة فصائل المعارضة.
واعتبرت الشبكة أن أية مشاركة بأية طريقة في دعم أو تمويل أو تشجيع أو مساعدة "هيئة تحرير الشام" يعتبر سبباً كافياً لإدراج الأفراد والكيانات على قوائم مجلس الأمن للإرهاب، لافتة إلى أنها حذرت من خطورة وحساسية هذا الموضوع مراراً وتكراراً، وبينت أن الهيئة لا تكترث لهذه الأمور وما ستخلفه من أثار سلبية على المجالات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.