المقابر الجماعية: شاهد صامت على وحشية نظام الأسد واحتقاره لحياة السوريين
المقابر الجماعية: شاهد صامت على وحشية نظام الأسد واحتقاره لحياة السوريين
● تقارير إنسانية ١٧ يونيو ٢٠٢٥

المقابر الجماعية: شاهد صامت على وحشية نظام الأسد واحتقاره لحياة السوريين

في السنوات الأخيرة، بدأت خيوط واحدة من أفظع الجرائم، التي ارتكبها النظام البائد خلال احتلاله لسوريا، في الظهور إلى العلن، بعد العثور المتكرر على مقابر جماعية تضم جثث مدنيين خُطفوا وقتلوا بدم بارد. 


لا نتحدث هنا عن عمليات قتل عشوائية وقعت في ظروف الحرب، بل عن جرائم منظمة بدأت بالاعتقال أو الخطف من بين عائلاتهم، مروراً بساعات طويلة من التعذيب والترهيب والتهديد، وانتهاءً بالتنفيذ الوحشي للقتل. 

الضحايا لم يُقتلوا فقط، بل أُهينوا في حياتهم وبعد موتهم، تُركت جثثهم في آبار أو حفَر ضيقة، دون قبور فردية مع شواهد أو أسماء، دون جنازات، ودون وداع، تلك المقابر المكتشفة في مناطق مثل خربة السودا في حمص، حيث شوهدت أم تحتضن رفات ابنتها التي اختفت منذ سنوات، وفي الطليسية التي وُجدت فيها عدة جثث في بئر، تكشف حجم الجريمة ومدى تعمد النظام السابق في إهانة الضحايا حتى بعد موتهم. 

هذا النمط من القتل لا يعكس فقط عنفاً مفرطاً، بل عقلية ترى أبناء الشعب كأنهم عبيد لا يستحقون الحياة، مخلوقون فقط لتمجيد الحاكم والقبول بجميع ممارساته وإن كانت على حساب حقوقهم، ومن يخرج عن هذا الدور تُنزع عنه إنسانيته، تُسلب منه حياته ويتم الانتقام منه ومن عائلته بطريقة لا تُنسى من شدة بشاعتها.

مأساة هذه المقابر لا تتوقف عند القتل، بل تمتد إلى الأثر النفسي والاجتماعي على ذوي الضحايا، الذين عاشوا سنوات في انتظار جواب، أمل كاذب، أو جثة يمكن دفنها بكرامة. حتى بعد الموت، سُلب الضحايا حقهم في الغُسل والتكفين والجنازة، وسُلبت عائلاتهم لحظة الوداع الأخيرة. ليمضوا حياتهم وهم يبحثون عن مفقوديهم وهم يقتاتون على الانتظار، ويعانون من التعذيب النفسي.

في كل مرة يُكتشف فيها قبر جديد، يُفتح جرح قديم، ويُضاف إلى ذاكرة السوريين مشهد جديد من مشاهد القهر التي لا تنتهي. هذه المقابر، التي تم اكتشافها سواء في إدلب أو حماة وغيرها من المدن والأرياف التي عارضت الحاكم الظالم، ليست مجرد أدلة على جرائم حرب، بل مرآة تعكس طريقة تفكير نظام المجرم بشار الأسد، الذي استخدم أدوات الدولة الأمنية لإخضاع الناس، وقتلهم، والتنكيل بهم حتى بعد الموت. ومن نجا من القتل أو الاعتقال، لم ينجُ من آثار ما حدث: النزوح، القصف، تدمير البيوت، وفقدان الأحبة وغيرها من الظروف التي سببتها الحرب.

إن ما حدث، وما زال يحدث، لا يجب أن يُطوى في صفحات التقارير الحقوقية فقط، بل يجب أن يُعامل كملف مفتوح أمام العدالة، تتطلب المحاسبة والمساءلة. هذه ليست مجرد وقائع محلية، بل جريمة ضد الإنسانية، وعلى العالم أن يتعامل معها على هذا الأساس. السكوت عنها هو شراكة غير مباشرة في استمرارها

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ