
وزير المالية: مرحلة ما بعد العقوبات بدأت... وإصلاح شامل للسياسات المالية والرواتب والضرائب
أكد وزير المالية السوري محمد يسر برنية، أن سوريا دخلت فعلياً مرحلة اقتصادية جديدة بعد بدء رفع العقوبات الغربية تدريجياً، مشيراً إلى أن الحكومة تعمل على بناء سياسة مالية منفتحة تقوم على التعاون الدولي والإصلاح الداخلي بعد سنوات من القيود الاقتصادية التي أثّرت في مختلف القطاعات.
وفي مقابلة خاصة مع "تلفزيون سوريا"، أوضح الوزير أن العقوبات التي فُرضت على البلاد "تُرفع خطوة بخطوة بفضل الجهود الدبلوماسية السورية"، مؤكداً أن البلاد "باتت في المراحل الأخيرة من رفعها بالكامل، بما في ذلك قانون قيصر"، مضيفاً أن هذا التطور "فتح الباب أمام عودة التواصل مع النظام المالي العالمي" وسمح بتجديد قنوات العمل مع بنوك وشركات دولية، من بينها مؤسسات كبرى مثل "ماستر كارد".
وأشار إلى أن الأشهر الماضية شهدت زيارات وفود استثمارية من أوروبا والولايات المتحدة إلى دمشق لاستكشاف فرص التعاون، معتبراً أن ذلك يعكس تحوّلاً نوعياً في موقع سوريا الاقتصادي بعد عقد من العزلة.
إصلاحات مالية وضريبية شاملة
بيّن الوزير برنية أن رفع العقوبات يمثل "إنجازاً كبيراً للدبلوماسية السورية"، مؤكداً أن المرحلة المقبلة يجب أن تشهد تحولاً اقتصادياً حقيقياً بعيداً عن الأعذار القديمة، وقال: "الطريق أصبح مفتوحاً أمامنا، ولا عذر إلا أن نتقدّم".
وفي إطار السياسة الضريبية، أوضح أن وزارة المالية تعمل على إصلاحات هيكلية تستهدف تحقيق العدالة وتشجيع الإنتاج والاستثمار، مؤكداً أن الوزارة "ليست وزارة جباية وقهر، بل وزارة تنمية وشراكة".
وأضاف أن الضريبة على المبيعات ستكون من الأدنى في المنطقة والعالم، مع إعفاء السلع الأساسية من أي رسوم، وتخصيص نحو ربع العائدات لدعم الصادرات الوطنية وتحفيز القطاعات الإنتاجية، كما أقرّ بوجود ثغرات في النظام البيروقراطي والرقابي الحالي، مشيراً إلى أن الحكومة تعكف على تنفيذ خطة إصلاح إداري وتشريعي بالتعاون مع القطاع الخاص والنقابات المهنية.
منحة عربية لدعم الرواتب وخطة لإصلاح الأجور
كشف الوزير عن إطلاق منحة سعودية - قطرية مشتركة عبر صندوقي التنمية في البلدين، مخصصة لدعم فاتورة الرواتب في القطاعات الاجتماعية لمدة ثلاثة أشهر، بقيمة تقارب 29 مليون دولار شهرياً، تغطي نحو 17% من إجمالي الأجور، مشيراً إلى أنها منحة غير مشروطة وغير مستردة وقد تمدَّد لاحقاً.
وأكد أن هذه الخطوة تأتي ضمن حزمة أوسع لإصلاح سياسة الأجور، بدأت بزيادة أولية شملت جميع العاملين في الدولة، مع زيادات نوعية لقطاعي العدل والتربية والصحة، إلى جانب خطة لتوحيد شرائح الأجور وإغلاق الفجوات بين المحافظات، ومنح حوافز إضافية للعاملين في المناطق النائية.
وشدد الوزير على أن الزيادات الجديدة ستكون مدروسة لتجنّب أي آثار تضخمية، بالتوازي مع تنشيط أجهزة الرقابة ومكافحة الفساد، كما أعلن عن تعاون بين وزارتي المالية والصحة لإصلاح نظام التأمين الطبي لموظفي القطاع العام، تمهيداً لإطلاق نظام ضمان صحي وطني شامل في المراحل المقبلة.
التحول الرقمي والشفافية الاقتصادية
أكد برنية أن التحول الرقمي أصبح محوراً رئيسياً في عمل مؤسسات الدولة، موضحاً أن الوزارة بدأت تطبيق منظومات رقمية جديدة في إعداد الموازنة العامة والربط الإلكتروني مع الوزارات، إلى جانب إطلاق منصات للشكاوى والمراجعات الإلكترونية، وموقع جديد للوزارة قريباً.
وأضاف أن العمل جارٍ على رقمنة النظام الضريبي بالكامل وإعادة هندسة الإجراءات لتقليل الاحتكاك المباشر بين المواطن والموظف، بما يحدّ من الفساد ويزيد من كفاءة التحصيل المالي.
نحو استقرار نقدي وإصدار عملة جديدة
وفي ما يتعلق بالسياسة النقدية، أشار الوزير إلى تنسيق يومي مع مصرف سوريا المركزي لضبط الإنفاق العام ومنع تمويل العجز عبر الاقتراض النقدي، مؤكداً أن الحكومة تعتمد على مصادر تمويل حقيقية وغير تضخمية.
وكشف أن هناك عملاً فنياً قيد الإنجاز لإصدار عملة سورية جديدة تتضمن حذف صفرين من فئاتها الحالية، موضحاً أن هذا الإجراء جزء من خطة إصلاح أوسع لتعزيز الثقة بالعملة الوطنية وتحسين كفاءة النظام المالي، وأن الإعلان الرسمي سيتم عبر المصرف المركزي بعد استكمال الإجراءات الفنية.
اقتصاد ما بعد العقوبات: شراكة ومساءلة
اختتم الوزير حديثه بالتأكيد على أن المرحلة المقبلة هي مرحلة الشراكة والتنمية لا التبرير والمعاناة، موضحاً أن الحكومة تضع في أولوياتها القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم وخلق فرص العمل، وقال في ختام اللقاء:"نحن نؤسس لاقتصاد سوري جديد يقوم على الانفتاح، الشفافية، والاعتماد على الذات… والإصلاح المنظم هو طريقنا نحو النمو والاستقرار."