
منتدى الجزيرة الـ16 يناقش مستقبل سوريا: فرصة لبناء مشروع عربي مشترك
اتفق المشاركون في منتدى الجزيرة الـ16 في الدوحة على أن سقوط نظام الأسد يعد فرصة لبناء مشروع عربي مشترك يمكن أن يحقق الأمن القومي العربي ويفيد الشعب السوري، ورأى المشاركون أن عملية إعادة بناء سوريا الجديدة وتحقيق الاستقرار في البلاد لن تكون عملية سهلة، خاصة في ظل تعدد مكونات الشعب السوري وتباين المصالح الإقليمية والدولية.
شدد المشاركون على أن القوى الإقليمية سيكون لها دور كبير في تحديد شكل النظام السياسي الجديد في سوريا، وأيضًا في فرض الحلول السياسية التي قد تسهم في تشكيل المستقبل السوري. وأشاروا إلى أن التعدد في المصالح الإقليمية يمكن أن يتحول إلى تحدي كبير لعملية التحول، فقد تصبح هذه القوى الإقليمية، إذا لم يتم الأخذ في الاعتبار بعض مصالحها، بمثابة وقود لإشعال الصراع في البلاد.
وفي النقاشات التي دارت خلال المنتدى تحت عنوان "من الحرب على غزة إلى التغيير في سوريا: الشرق الأوسط أمام توازنات جديدة"، أكد المشاركون على أن إسقاط النظام السوري يعد مرحلة من مراحل طويلة ومعقدة، وأن التحدي الأكبر يكمن في إعادة بناء سوريا بشكل يتناسب مع تطلعات الشعب السوري ويراعي التنوع الداخلي. وأشاروا إلى أن الدولة السورية التي خلفها النظام السابق دمرت تمامًا في جميع الجوانب، بما في ذلك الجانب الاقتصادي والأمني والسياسي والاجتماعي.
وفي الجلسة الثانية من أعمال المنتدى التي حملت عنوان "تغيير النظام في سوريا: آثاره في الداخل وأبعاده الإقليمية"، أكد الأمين العام لملتقى العدالة والديمقراطية والقيادي بالجماعة الإسلامية في لبنان، عزام الأيوبي، على أهمية إيجاد قاعدة مشتركة بين الدول العربية التي تتعلق بالأمن القومي العربي، وكيفية التعاطي مع المشاريع المختلفة في المنطقة. من بينها المشروع الإسرائيلي التوسعي، والمشروع الإيراني الذي يستفيد من الفراغ الحاصل في العالم العربي.
وأضاف الأيوبي في حديثه للجزيرة نت أنه في حال غياب المشروع العربي الموحد، فإن الفراغ الذي سيتركه ذلك قد يفسح المجال أمام مشاريع إقليمية ودولية أخرى للتمدد في المنطقة، ما سيشكل تهديدًا حقيقيًا للأمن العربي بشكل عام. لذلك شدد الأيوبي على ضرورة استغلال سقوط نظام الأسد كفرصة للجلوس معًا من أجل بناء مشروع عربي موحد يحقق أمن العرب ويفيدهم.
كما أشار الأيوبي إلى أهمية هذا المشروع العربي، خاصة في ظل "الابتزاز الواضح والصريح" الذي يمس أمن العالم العربي، مثل المقترح الأمريكي الذي يدعو إلى تهجير الفلسطينيين. وهو مشروع صهيوني يرى الأيوبي أنه يهدد بقاء بعض الأنظمة العربية مثل الأردن ومصر.
وأكد الأيوبي أن بعض الأنظمة العربية ما زالت تسير في الاتجاه المعاكس لمصلحة النظام العربي وللشعوب العربية نفسها، حيث تحقق مصالح المشاريع الإقليمية الأخرى، كما كان الحال مع النظام السوري الذي كان يعمل لصالح المشروع الإيراني. وأضاف الأيوبي أن التوصل إلى مشروع عربي مشترك يمكن أن يكون حلاً للحد الأدنى من التحديات والمخاطر التي قد تأتي من المشاريع الإقليمية الأخرى في المنطقة.
وعن بناء سوريا الجديدة وتحقيق الاستقرار، قال الأيوبي إن ذلك لن يكون بالأمر السهل، خصوصًا أن الشعب السوري يتكون من مكونات متنوعة ومتعددة. كما أن الإدارة السورية الحالية لا تسيطر على جميع الأراضي السورية، حيث هناك مناطق خاضعة لسيطرة تنظيمات الأكراد المدعومة من الولايات المتحدة في الشرق السوري، ومناطق أخرى في الجنوب السوري تحت سيطرة قوى خارج إطار الإدارة المركزية. وأوضح الأيوبي أنه لا يمكن بناء سوريا جديدة دون أخذ جميع التحديات بعين الاعتبار، بما في ذلك البنية التحتية المدمرة، والظروف الاقتصادية المتدهورة، والأوضاع الأمنية الهشة.
من جانبه، شدد الأكاديمي والمحامي والدبلوماسي السابق حسام حافظ على أهمية أن يكون هناك مشروع عربي موحد تجاه سوريا الجديدة، يساعد في ضمان سلمية عملية التحول والاستقرار في البلاد على كافة الأصعدة. وأكد حافظ أن الاستقرار في سوريا هو مصلحة عربية عامة، ويجب الحفاظ على بعض الأسس أثناء بناء الدولة السورية الجديدة، مثل العدالة الانتقالية وإعلان دستوري يحدد ملامح المرحلة المقبلة. وأضاف أن تحقيق هذا الاستقرار يتطلب استغلال التجربة السورية بأفضل طريقة ممكنة، بما يساهم في ضمان التحول السلمي في البلاد.
وأشار حافظ إلى أن التحدي الأكبر يكمن في ضمان عملية التحول السلمي، وأن هذا يتطلب تعاونًا كبيرًا من الشعب السوري الذي يضم مكونات وقوى مختلفة. وأضاف أن الوصول إلى دولة ديمقراطية وانتقالية ما زال بعيدًا، ما يستدعي رهانًا كبيرًا على الشعب السوري لضمان نجاح هذه التجربة. وأوضح أنه من الصعب أن يحكم مكون واحد سوريا في المرحلة المقبلة، في ظل الوضع الحالي الذي يعاني فيه الشعب السوري من التشتت.
أما محمد سرميني، مؤسس ومدير مركز جسور للدراسات، فقد أشار إلى أن سوريا تمر بمرحلة تغيير جذري بعد إسقاط نظام دكتاتوري استمر لمدة 50 عامًا. ورأى سرميني أن التحديات أمام الشعب السوري ما زالت كبيرة جدًا، حيث يحتاج الأمر إلى توافق عربي شامل لإنجاح هذه التجربة. وأوضح سرميني أن أكبر تحدٍ يواجه سوريا اليوم هو إعادة الحياة الاقتصادية، حيث لا يقتصر الأمر على الحكومة فقط، بل يشمل أيضًا المواطنين السوريين سواء داخل البلاد أو خارجها. وأضاف أن العقوبات المفروضة على النظام السوري تشكل عائقًا كبيرًا أمام عملية إعادة الإعمار.
وتوقع سرميني أن تتحول سوريا من نظام حكم الفرد إلى التعددية والديمقراطية، إلا أنه شدد على أن هذا الانتقال سيواجه تحديات ضخمة، من بينها الوضع الأمني الهش. وأكد أن التحدي الأساسي يكمن في جمع القوات العسكرية المختلفة تحت مؤسسة واحدة تابعة للدولة، فضلاً عن ضرورة بناء تحالفات إقليمية جديدة تسهم في تسريع عملية التحول السلمي.
وفي هذا السياق، أشار إسماعيل نعمان تلجي، الأستاذ المشارك في قسم العلوم السياسية بجامعة السلطان قابوس، إلى أن الدول العربية، وخاصة دول الخليج بمواردها الاقتصادية، سيكون لها دور مهم في إعادة بناء سوريا. وذكر تلجي أن قطر والسعودية مهتمتان بدعم الإدارة السورية الجديدة، وأن هناك مجالات عديدة للتعاون، خاصة في الجوانب الاقتصادية التي تمثل حاجة ملحة للسوريين حاليًا. وأضاف أن الملف الأمني سيكون محوريًا في الفترة المقبلة، بالنظر إلى وجود فلول لتنظيم الدولة الإسلامية في بعض المناطق، وبالتالي يجب أن تتم مواجهته بطريقة فعالة لضمان نجاح تجربة سوريا الجديدة.
كما شدد تلجي على أن تركيا ستواصل دعمها لسوريا في ظل تطورات الأوضاع، وأنها ستسعى إلى مساعدة سوريا في الوصول إلى الحوكمة والديمقراطية مع الاستفادة من التجربة التركية في بناء المؤسسات وتعزيز التعددية، وهو ما سيجعل سوريا أكثر اندماجًا في المنطقة.