
معاناة السوريين في لبنان: من اللجوء إلى الاستغلال والتعذيب الوحشي
منذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، توافد مئات الآلاف من السوريين إلى لبنان هرباً من القصف والجوع والموت، بحثاً عن الأمان وعن لقمة العيش. إلا أن طريق النجاة لم يكن معبّداً بالسلام، بل كان محفوفاً بالاستغلال، التهميش، والعنصرية الممنهجة. كثير منهم عملوا في ظروف قاسية دون أوراق قانونية، وواجهوا حملات تنمر وإذلال على يد أفراد ومؤسسات، بل وحتى من بعض الشخصيات الإعلامية والسياسية.
الاستغلال والتنمر: واقع يومي
عانى العمال السوريون في لبنان من استغلال واضح، سواء في الأجور المنخفضة أو في ساعات العمل الطويلة دون ضمانات. وبدلاً من التعاطف مع معاناتهم، أصبحوا هدفاً لحملات عنصرية ممنهجة، حيث وُصموا بالعبء والدخلاء. وسائل الإعلام، والمنصات الاجتماعية، وحتى تصريحات بعض الشخصيات اللبنانية المشهورة ساهمت في تعزيز هذا الخطاب. على سبيل المثال، قامت الإعلامية نضال الأحمدية وغيرُها بتصريحات عدائية علنية ضد السوريين، وصلت أحياناً إلى حد التبرير الضمني للعنف والتمييز.
شاهد حي على التعذيب: قصة معتصم كنعان
قصة الشاب السوري معتصم كنعان، شيف شاب لجأ إلى لبنان هرباً من الحرب، تكشف الوجه الأكثر ظلاماً لما يعيشه العمال السوريون هناك. التحق بالعمل في مطعم يُدعى "ميلانيا" في منطقة أنطلياس، لكنه لم يشعر بالارتياح منذ اليوم الأول. بعد ثلاثة أيام فقط، طلب الانسحاب من العمل لما شهده من إهانات وضرب يطال العمال الآخرين. لكن رغبته بالرحيل جُوبهت بعنفٍ غير مسبوق.
بحسب شهادته المصوّرة، تعرض معتصم للتعذيب الوحشي من قبل صاحب المطعم المدعو غسان معلوف وعدد من العاملين معه. رُبط لساعات من منتصف الليل حتى الصباح، وتعرض للضرب بالكرباج، ولحرق جسده بأعقاب السجائر، إضافة إلى السبّ المتعمّد للدين والقرآن، والتهديد بالسلاح، وتجريده من ملابسه. كما سُلب هاتفه وممتلكاته، وأُجبر تحت التعذيب على تسليم كلمة المرور.
في الفيديو، يعرض معتصم آثار التعذيب الواضحة على جسده، موثقة بالصوت والصورة، في شهادة دامغة على حجم الجريمة والانتهاك.
قال له صاحب المطعم: "أنت شب سوري، حقك رصاصة بقتلك ومحدا بيدرا فيك. جاي بلا أوراق". شَبَّه معتصم المطعم بـ سجن صيدنايا، لما شهده من عنف ممنهج واحتجاز قسري. واضطر للبقاء 13 يوماً في لبنان بعد الحادثة دون حماية أو أوراق رسمية، قبل أن يهرب عائداً إلى سوريا، بحثاً عن الأمان الذي لم يجده في بلد الجوار.
الحقد الممنهج... والتواطؤ بالصمت
ليست حادثة معتصم الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة ما لم يكن هناك تحرك حقيقي. البيئة التي تُشر عن الكراهية وتُبرر الاستغلال تعني أن عشرات وربما مئات العمال يعيشون في الخفاء مع قصص مماثلة لا تصل إلى الضوء. يأتي هذا في وقت تصاعدت فيه حملات خطاب الكراهية ضد السوريين في الإعلام اللبناني، حيث يتم تحميلهم مسؤولية الأزمات الاقتصادية والسياسية، رغم أنهم في الحقيقة ضحايا نزاع لم يختاروه.
المطالبة بالعدالة والمحاسبة
طالب ناشطون سوريون ومعتصم الذي تعرض للأذى السلطات اللبنانية بفتح تحقيق فوري وشامل في حادثة تعذيب معتصم كنعان، لأن هذه القضية لا يمكن السكوت عنها. وأكدوا على ضرورة محاسبة كل من تورط، بدءاً من صاحب المطعم غسان معلوف، وصولاً إلى المتواطئين بالصمت أو التحريض. وأشاروا إلى أن الدولة السورية تحمل مسؤولية حماية أبنائها وملاحقة المعتدين قضائياً، سواء عبر القنوات الدبلوماسية أو الدولية.