
مركز دراسات يسلط الضوء على دوافع "تحرير الشام" من تمكين حسبة "مركز الفلاح" بإدلب
سلط "وحدة الحركات الدينية في مركز جسور للدراسات"، الضوء على عودة جهاز الحسبة التابع لهيئة تحرير الشام لاستئناف نشاطه في مدينة إدلب، باسم "مركز الفلاح"، رغم فشل الجهاز السابق "سواعد" الخير" وارتكابه انتهاكات جسمية بحق المدنيين.
وأوضحت المركز أن "الحِسبة" تعد نقطةً مفصليّة في فكر الجماعات الإسلاميّة منذ بدء إقرارها وتحولها إلى أداة أساسية من أدوات ضبط الأسواق والمجال العام واستغلال بعض الحكّام والسلاطين في التاريخ للحسبة بهدف إقصاء بعض خصومهم السياسيين واغتيالهم.
ولفت إلى أن الجماعات الإسلاميّة تعتمد في الدعوة لفكرة الحسبة بمبدأ "الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر" وتتدرّج هذه الجماعات في تطبيق هذا المبدأ بدءًا من "النصيحة" وصولاً لاستخدام "القوة" بشكل فرديٍّ لتغيير ما يُرى أنه مُنكَر، وقد استطاع تنظيم الدولة سابقًا تحويل هذا المبدأ من نظرة تاريخيّة إلى جهازٍ بيروقراطيٍّ متكامل مهمّته ضبطُ المجتمع للانصياع الكامل للخط الفكريّ المعلَن للتنظيم في العبادات والشعائر.
وأكد المركز أن هيئة تحرير الشام والجماعات الأخرى لم تتمكن من تأسيس جهاز مستقرٍّ يطبّق مبادئ الحسبة في مناطق سيطرتها، رغم تكليفها مؤسّسة "سواعد الخير" بذلك في إدلب قبل سنتين، وتمّ إلغاؤها بسبب تجاوزات أفرادها ضد حريات الناس العامة، إضافة إلى ظهور شبهات فساد حولها.
وتعودُ هيئة تحرير الشام لتفعيل فكرة الحسبة مرة أخرى في مدينة إدلب والمناطق بها تحت مسمّى "مركز الفلاح للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وقد أعلنت عن مهامّ محدّدة لها، كالعمل على منع الاختلاط بين الجنسين ومنع المنكرات والمجاهرة بها، واتخاذ الإجراءات المشدّدة في حقّ المخالفين، إضافة إلى تفاصيل ووظائف أخرى مما يجعل من موظفي "المركز" بمقام الشرطة الدينيّة التي تمتلك توجيه التهم والاعتقال والمحاسبة وتقديم الناس للقضاء.
ورأى المركز أن الهيئة تحرص على الدفع قدُمًا لتطبيق هذه الفكرة على الرغم من فشلها السابق لأهداف متعددة، أهمّها تعميق التغلغل في المجتمع: فإلى جانب المؤسّسات الأخرى التي ترتبط بالهيئة بعدة أشكال فإنّ فرض مؤسسة جديدة للحسبة تابعة للهيئة ومرتبطة بحكومة الإنقاذ، سيعطيها بُعدًا شرعيًّا من ناحية الوجود، كما سيتيح لها تنفيذ سياسات محدّدة تدعمُ الهيئة وتوجهاتها في المنطقة.
ومن أهداف الهيئة الموازنة بين تكتّلات الهيئة: حيث إن وجود هذه الحسبة بحد ذاته يعد عاملاً في التوازن الداخلي في الهيئة، نظرًا لكون بعض المسؤولين ينتقدون تراخي الهيئة في القيام بواجباتها الدينيّة، وتعيين هؤلاء أو مقربين منهم على رأس الهيئة يزيد –نظريًّا- من تماسكها التنظيمي.
كما أن من الأهداف هو التناغم مع التوجّهات الجهاديّة: بالرغم من أنّ الهيئة ترى نفسها ضابطًا لملف التنظيمات الجهاديّة وتحركاتها في إدلب، إلا أنها تسعى بالتوازي مع ذلك في تخفيف حدّة التنافر المتوقّع فيما بينها، ويكون فرض هذه الإدارة إحدى سبُل تخفيف الاحتقان، نظرًا لإمكان مشاركة بقية التنظيمات في أداء مهام الحسبة تحت إدارة المركز الجديد.
وتستخدم الحسبة في ضبط تحرّكات المجتمع وتوجّهاته: على المنوال الذي اتبعه تنظيم الدولة في هندسة المجتمعات التي وقعت تحت سيطرتها، كما أن الهيئة تستطيع من خلال هذا الجهاز فرض مزيد من القيود على المجتمع ومراقبته عن كثبٍ.
وأشار المركز إلى أن مجموعات الحسبة الجديدة ؛ قد لا تقوم بفرض توجّهات دينيّة معينة؛ إلا أن وجودهم واستمراريتهم سيحقق للهيئة عدّة مكاسب، كتعميق التغلغل الاجتماعي وضبط تحرّكاته الجمعيّة، إضافة إلى إرساء توازن معيّن بين مكوّناتها والمجموعات الدينيّة الأخرى في المنطقةـ كما أن الحسبة ستكون بمثابة قناة اتصال بين الهيئة والوجوه الاجتماعيّة.
وكانت أدانت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، الممارسات المتشددة، التي تقوم فيها أذرع "هيئة تحرير الشام" في إدلب، ممثلة بـ "مركز الفلاح" الاسم الجديد لجهاز الحسبة التابع للهيئة، معتبرة أن ممارساتها تُعتبر انتهاكاً لأبسط معايير القانون الدولي لحقوق الإنسان والذي ينص بشكلٍ واضح على حرية الحركة واللباس والتنقل.
وشددت الشبكة على ضرورة أن تقوم بقية دول العالم بمساعدة المجتمع السوري في التخلص من التنظيمات المتشددة التي تعتاش على الفوضى، وذلك باتخاذ خطوات جدية وفق جدول زمني محدد وصارم لتحقيق انتقال سياسي نحو الديمقراطية يضمن الاستقرار وحقوق الإنسان.
ولفتت الشبكة إلى أن "هيئة تحرير الشام"، قامت في بداية شهر أيار/ 2020 بإنشاء جهاز للحسبة باسم "مركز الفلاح"، يُشرف عليه أشخاص يحملون جنسيات أجنبيّة، مؤكدة رصدها نشر عدد من السيارات التابعة لجهاز الحسبة الجديد في الأسواق وأماكن التجمعات العامة في مدينة إدلب.
ويهدف ذلك - وفق الشبكة - إلى زيادة التضييق على السكان في المناطق الخاضعة لسيطرتها، ومزيد من التحكم بشؤون الإنسان الخاصة، حيث يحظر جلوس النساء مع الرجال في المطاعم والمكاتب، ويحظر على المرأة دخول أي محل تجاري إذا كان البائع لوحده، ويحظر تدخين النرجيلة بشكلٍ علني، ويحظر أنواع معينة من الحلاقة الرجالية، وغير ذلك من التدخل السافر بتفاصيل حريات الإنسان الشخصية، وذلك وفقاً لمنظور أيدلوجيّتها المتشددة حيث تقوم بفرضها بالقوة على المجتمع السوري، وتغريم المخالفين لهذه القوانين المتطرفة.
وقبل أيام، نشرت شبكة "شام" تقريراً، لفتت فيه إلى أن عناصر الحسبة المعروفة باسم "سواعد الخير"، والتابعة لهيئة تحرير الشام، استأنفت نشاطها بشكل واسع في مدينة إدلب، ولكن هذه المرة تحت مسمى "مركز الفلاح".
وأوضحت المصادر أن عناصر الحسبة، بدأوا بعمليات التضييق على المدنيين في الأسواق والشوارع العامة، وملاحقة صالونات الحلاقة والتدخين والألبسة النسائية، بدعم كبير من القوة الأمنية التابعة لهيئة تحرير الشام.
وتسعى تحرير الشام لفرض نفسها بشكل أكبر على المدنيين في مدينة إدلب مركز الثقل الشعبي في المحافظة، بعد أن تمت لها كامل السيطرة على مفاصل المدينة عسكرياً ومدنياً وأمنياً، وباتت هي القوة الوحيدة المتحكمة في عشرات الآلاف من المدنيين منذ إنهاء مجلس شورى جيش الفتح.
وعملت تحرير الشام على إطلاق يد ما يعرف " بـ هيئة الأمر بالمعروف - سواعد الخير" في المدينة، لممارسة التضييق على المدنيين باسم متابعة الحجاب واللباس الشرعي ومحلات التدخين والأغاني والاختلاط وغير ذلك، تسببت بعدة صدامات مع المدنيين الذين تعرضوا لمضايقات من رجاء ونساء الأمر بالمعروف المدعومين من كتائب أمنية في تحرير الشام.
و"سواعد الخير" أو ما يعرف بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تضم رجال ونساء من جنسيات سعودية، ومنها سورية، تتجول في شوارع مدينة إدلب بدعم من كتائب أمنية تابعة لتحرير الشام، باتت مؤخراً تسيطر على ما يسمى بدائرة الأوقاف في المدينة ويدها مطلقة.