
في اليوم العالمي للعمل الإنساني: صمود العاملين في سوريا رغم الأخطار
يصادف اليوم العالمي للعمل الإنساني في التاسع عشر من آب/أغسطس من كل عام، وهو يوم خصصته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2008، تكريماً للعاملين والمتطوعين في المجال الإنساني، وإحياءً لذكرى ضحايا الهجوم الذي استهدف مقر الأمم المتحدة في بغداد عام 2003، والذي أسفر عن مقتل 22 موظفاً، من بينهم المبعوث الأممي سيرجيو فييرا دي ميلو.
يهدف هذا اليوم إلى تسليط الضوء على الدور الإنساني الهام الذي يضطلع به آلاف الأشخاص حول العالم، والتذكير بالمخاطر التي يتعرضون لها، كما يسعى لتعزيز التضامن الدولي مع المتضررين من النزاعات والكوارث، وحشد الدعم للاستجابة الإنسانية المستمرة.
في سوريا، التي أنهكتها حرب استمرت أكثر من أربعة عشر عاماً، واجه العاملون في المجال الإنساني سلسلة من التحديات المعقدة. لم تقتصر هذه التحديات على الأخطار الأمنية التي تهدد حياتهم بشكل مباشر، مثل القصف والاشتباكات والاختفاء القسري، بل امتدت إلى تأثيرات نفسية عميقة نتيجة تعرضهم المستمر لمشاهد إنسانية مؤلمة وظروف معيشية قاسية.
الكثير منهم عاشوا تجارب مرهقة بين فقدان الزملاء ونجدة الضحايا في ظروف تتسم بالفوضى والدمار، ما ترك أثراً بالغاً على حياتهم الشخصية وصحتهم النفسية. ورغم سقوط النظام البائد، ما تزال الأوضاع الأمنية غير مستقرة، فقد شهدت البلاد في الآونة الأخيرة محاولات انقلاب واشتباكات مسلحة. كما حدث في الساحل وجرمانا وصحنايا.
إضافة إلى ما سبق أحداث السويداء الأخيرة التي اختفى خلالها متطوع الدفاع المدني حمزة العمارين أثناء تأدية مهمة إنسانية. انقطع الاتصال به بعد توجهه إلى المدينة لتأدية مهمة إنسانية، ومنذ ذلك الحين لم ترد أي أخبار عن مصيره. عائلته وجهت مناشدات لمؤسسة الدفاع المدني والجهات المسؤولة.
كما نُظمت وقفات احتجاجية للمطالبة بكشف مصيره بعد ورود أنباء عن اختطافه من قبل ميليشيات الهجري. قضية حمزة ليست حالة استثنائية، بل واحدة من بين العديد من الحوادث التي تعرض خلالها العاملون الإنسانيون في سوريا للخطف أو القتل أو الإصابات الخطيرة أثناء قيامهم بواجبهم الإنساني.
وقد سبق لمؤسسة الدفاع المدني ومنظمات إنسانية أخرى أن نعت العديد من موظفيها الذين فقدوا حياتهم خلال سنوات النزاع. هذه الظروف الصعبة ألقت بظلالها أيضاً على الحالة النفسية للمتطوعين، الذين لا يواجهون الموت فقط، بل يعيشون يومياً مع ضحايا الصراع، ويستمعون لقصص فقدان وحرمان تبقى محفورة في ذاكرتهم.
لقد شاهدنا مراراً في مقاطع مصورة كيف انهار بعض المتطوعين أمام الكاميرات، عندما لم يتمكنوا من حبس دموعهم خلال مواجهتهم المباشرة لآلام الضحايا. هذه المشاهد، كما يؤكد من عايشوها، تترك ندوباً عاطفية عميقة يصعب تجاوزها. وما يزيد العبء ثقلاً، أن هذه الضغوطات لا تتوقف عند بيئة العمل، بل تتسلل إلى الحياة الشخصية للعاملين.
في ظل هذا الواقع المعقد، تبدو حماية العاملين في المجالي الإنساني ضرورة قصوى. فاستمرارية العمل الإنساني تتطلب توفير بيئة آمنة تُمكّن المتطوعين من أداء مهامهم دون تهديد أو عرقلة، كما تستوجب دعماً لوجستياً وتدريبياً متكاملاً، وضمانات قانونية تحميهم وفقاً لما يكفله القانون الدولي.
إن أهمية هذه الحماية لا تقتصر على الحفاظ على حياة الأفراد، بل تمتد لتشمل ضمان تدفق المعلومات الموثوقة، وإيصال المساعدات إلى مستحقيها، وتخفيف معاناة المدنيين، بما يعزز مبادئ العدالة والشفافية وسط الأزمات المتتالية.
يشكّل اليوم العالمي للعمل الإنساني مناسبة لتسليط الضوء على التحديات التي واجهها العاملون في المجال الإنساني خلال الحرب في سوريا، بما في ذلك المخاطر الأمنية والانتهاكات التي طالتهم أثناء أداء مهامهم. وتؤكد هذه الذكرى على أهمية توفير الحماية القانونية والعملية لهم، وضمان بيئة تُمكّنهم من الاستمرار في أداء دورهم الحيوي في الاستجابة للأزمات.