
غياب المحاسبة وتطبيق العدالة الانتقالية تُعزز فكرة الانتقام دون سلطة الدولة
تتصاعد أصوات السوريين الغاضبين من محاولات التسامح غير المشروطة مع الشبيحة وأتباع نظام بشار الأسد، المتورطين في ارتكاب انتهاكات جسيمة بحق الشعب طوال سنوات الحرب. ويطالب ناشطون وذوو ضحايا ومكونات ثورية، الحكومة السورية بقيادة الرئيس أحمد الشرع، بتطبيق العدالة الانتقالية ومحاسبة كل من تورّط في جرائم الحرب، وإقصائهم من مؤسسات الدولة والحياة السياسية.
التسامح لا يكفي حين تلتقي الضحية بالجلاد
رغم دعوات السلطات الجديدة منذ سقوط النظام إلى نشر خطاب التسامح ومكافحة الكراهية، يبقى الواقع أكثر تعقيداً. ففي الشارع، في المدرسة، أو حتى في دور العبادة، قد يواجه المواطن السوري من دمّر حياته أو تسبب بقتل أحبائه. هنا، تبرز تساؤلات مؤلمة: هل يمكن لمن فقد أطفاله في قصف أو فقدَ أحد أطرافه في معتقل أن يغض الطرف؟ هل تكفي كلمات التسامح لتضميد هذا النوع من الجراح؟
بشاعة الذكرى تعيق التعافي
في مقطع مصوّر أعيد تداوله مؤخراً على مواقع التواصل، تعود الذاكرة إلى حمص، "عاصمة الثورة"، حين ظهرت حافلة مليئة بشباب معتقلين، أُجبروا على تغطية رؤوسهم بقمصانهم، وأُخرجوا في حي موالٍ ليتعرضوا للضرب والإهانة من نساء جرى استدعاؤهن عمداً. الضرب بالأحذية، الشتائم، ضحكات العساكر، كلها مشاهد تعيد فتح الجروح. تساءل أحد المتابعين: "ماذا لو أحد هؤلاء المعتقلين نجا ورأى الفيديو وتعرّف إلى من ضربه؟ كيف سيكون شعوره؟".
غضب شعبي ومشاعر لم تهدأ
تفاعلت التعليقات مع الفيديو بشكل عاطفي غاضب، حيث قالت إحدى المتابعات: "ولساتن موجودين، بس للأسف الشباب يلي بالباص راحو وما عاد رجعو". وكتبت أخرى: "نتمنى أن يعيشوا نفس الذل والإهانة اللي عاشوه المعتقلين". وتعليق ثالث يقول: "هؤلاء النساء لم يكنّ يضربن بدافع الجهل، بل دفاعاً عن قاتل يحببنه، والعدالة ستأخذ مجراها يوماً ما".
محنة الضحايا أكبر من كلمات التصالح
ينبغي لكل من يطالب بالتسامح أن يضع نفسه مكان الأم التي فقدت ابنها داخل سجن، دون أن تتلقى جثمانه أو حتى خبراً عن مصيره. أو مكان المصاب الذي يعيش بعجز دائم. كيف يمكن مطالبتهم بتناسي الألم ومدّ اليد إلى من كانوا جزءاً من منظومة الظلم؟
مطالبات بتحقيق العدالة لا الانتقام
منذ بداية الثورة، وثّق السوريون جرائم داعمي النظام، مطالبين بإنصاف الضحايا، وليس بمجرد "نسيان" الماضي. ويؤكد ناشطون أن العدالة الانتقالية ليست خياراً سياسياً، بل ضرورة أخلاقية لضمان الاستقرار والسلم الأهلي.
الناشط عبد الكريم ليله: إرث الإجرام لا يُعاد تدويره
وفي السياق، قال الناشط الإعلامي عبد الكريم ليله إن النظام البائد خلّف إرثاً من العنف تجاوز مؤسسات الدولة، مؤكداً أن المخابرات، الأمن، الضباط، والشبيحة كانوا جزءاً من آلة القمع حتى قبل اندلاع الثورة. وأضاف: "المجتمع السوري يلفظ هؤلاء، ويرفض أي محاولة لإعادة تدويرهم كما تُدور النفايات".
وشدد ليله على أن بناء سلام حقيقي في سوريا يتطلب تطبيقاً صارماً وشاملاً للعدالة الانتقالية، مشيراً إلى أن هذا المبدأ تضمنه المواثيق الدولية، ويجب أن يُطبق لمعاقبة كل من ارتكب جرماً بحق السوريين. وحذر من أن أي تباطؤ أو تجاهل لهذا المسار قد يؤدي إلى اضطراب مجتمعي ويؤخر الوصول إلى استقرار دائم في البلاد.
العدالة لا تقبل التأجيل
في ظل هذا المشهد، لا يزال الشارع السوري يرفض التسويات السطحية، ويتمسك بحقه في محاسبة الجلادين، لا انتقاماً، بل استرداداً للكرامة، وإعادة التوازن إلى مجتمع أنهكته سنوات من القهر والتهميش.