
عندما نُشغل بالقشور ونُهمل الإيجابيات.. قراءة في البروتوكول السياسي: استقبال "الشرع" في باريس
بعيداً عن أهمية الزيارة الرسمية التي يُجريها رئيس الجمهورية "أحمد الشرع" والوفد المرافق له إلى فرنسا، وكونها أول زيارة لدولة أوربية، ولفرنسا بالتحديد، وبعيداً عن المباحثات التي تحمل الخير للسوريين والانفتاح الدولي على دمشق بعد سنين من القطيعة، هناك فئة كرست كل طاقاتها لتصيد العثرات أو التركيز على التوافه، للانتقاص من أهمية الزيارة، والتشويش في كل وقت.
ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها إهمال الشيئ الإيجابي، والبحث عن بعض الشكليات والتوافه من قبل هؤلاء المغردين على مواقع التواصل، جلهم من أيتام نظام الأسد، وفئات أخرى تعارض الدولة السورية الجديدة، هدفهم التقليل من الحدث، والتشويش والإساءة، ليس آخرها الحديث الرائج عن استقبال الرئيس "الشرع" في فرنسا.
لم يجد هؤلاء بابا لتفريغ أحقادهم إلا الاصطياد، وهذه المرة في نوعية السجادة وطولها، سبق إشاعة الجدل على مصافحة الوزير الشيباني لوزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، وسجالات أخرى، من خلال التركيز على هذه الشكليات التي تعتبر بروتوكولات رسمية تختلف من دولة إلى أخرى، مع تغييب كامل لأهمية الزيارة وتوقيتها والمخرجات الي يمكن أن تصدر عنها ومايليها من دول أخرى ستبادر للانفتاح على القيادة السورية الجديدة.
قراءة في البروتوكول السياسي: استقبال الرئيس الشرع في باريس
أكد الخبير في المهارات الإعلامية والبروتوكول، الدكتور محمد عصام محو، في مقال له على أهمية الفهم البروتوكولي في السياسة، مشيرًا إلى أن هناك اهتمامًا متزايدًا من السوريين بكيفية استقبال رئيس الجمهورية السورية الحالي، أحمد الشرع، خاصة بعد فترة طويلة من الشغور الرئاسي في سوريا.
وأضاف محو أن السوريين لم يكونوا يهتمون بمظاهر استقبال الرئيس السابق، حيث كانت الفوارق بين ظهوره وعدمه لا تُذكر، بينما الآن يشهدون بروتوكولًا مختلفًا بعد وصول الشرع إلى منصب الرئاسة.
أنماط البروتوكولات في الدول المختلفة:
أوضح محو أن الدول تختلف في تطبيق البروتوكولات المتعلقة بالزيارات الرسمية، التي تتنوع حسب نوع الزيارة وظروفها. وقد قسم الأنماط البروتوكولية إلى أربع فئات رئيسية:
1. الدول التي تراعي البروتوكول حسب نوع الزيارة: مثل الإمارات وقطر والسعودية، حيث تختلف البروتوكولات وفقًا لنوع الزيارة (دولة، رسمية، خاصة).
2. الدول التي تطبق بروتوكولات زيارة الدولة بشكل دائم: مثل سلطنة عمان وبعض دول آسيا وأفريقيا، حيث يتم الاهتمام بالتفاصيل مثل استقبالات المطار والبساط الأحمر.
3. الدول التي تتبع سياسة المعاملة بالمثل: مثل الجزائر، حيث يتم الالتزام بالبروتوكول ذاته الذي تم تطبيقه في زيارات سابقة.
4. الدول التي لا تُعمل بروتوكولات استعراض حرس الشرف: مثل فرنسا والولايات المتحدة، حيث تُطبق هذه البروتوكولات جزئيًا وفي حالات معينة.
وأشار محو إلى أن سوريا، بعد رحيل النظام السابق، تلتزم بالمذهب البروتوكولي الرابع، لكنها في طور بناء بروتوكولها الخاص.
تجربة استقبال الرؤساء في المطار
تحدث محو عن العادات المختلفة لاستقبال الرؤساء في المطار، مشيرًا إلى أن بعض الدول، مثل الأردن ومصر، تستقبل الرئيس دائمًا في المطار ما لم يكن هناك ظرف استثنائي. أما دول مثل روسيا وبعض دول الخليج، فتستقبل الرؤساء في المطار فقط لتكريس قوة العلاقات الثنائية. وأكد أن الدول قد تعفي نفسها من استقبال الرؤساء في المطار في حالة تنظيم مؤتمرات أو قمة رئاسية، حيث يصعب استقبال الجميع.
تفسير البروتوكولات في زيارة الرئيس الشرع إلى باريس
فيما يتعلق بزيارة الرئيس الشرع إلى باريس، ذكر محو أن هناك العديد من المؤشرات البروتوكولية التي يمكن من خلالها قراءة المشهد السياسي، سواء من خلال الصوت أو الكلمات أو حتى حركات الجسم.
وأشار إلى أن استقبال الرئيس الشرع في فرنسا سيكون مشابهًا لاستقبال رؤساء كبار آخرين مثل الرئيس الصيني والرئيس التونسي، حيث سيشهد حضورًا دبلوماسيًا هامًا وتواجدًا مكثفًا من الجالية السورية في فرنسا.
وأشار محو إلى أن الإعلام سيلاحظ الرئيس الشرع وهو يمشي على السجادة الحمراء في باريس، مع حضور حشود سورية تحيي الرئيس في هذا الحدث الكبير. وأضاف محو أنه إذا كان استقبال الرئيس الشرع مميزًا، فهذا يعد تكريماً له باعتباره رئيسًا لسوريا بعد التحرير.
في ختام مقاله، أكد محو أن هذا المقال يهدف إلى رفع الوعي البروتوكولي وتعليم الجمهور كيفية قراءة المشاهد السياسية بعينٍ فاحصة، بعيدًا عن الاستغلال أو التضليل المتعمد. وأضاف أنه قام بتدريب كوادر رئاسية في عدة دول، موجهًا رسالته إلى كل من يسعى للتضليل بشأن المعرفة البروتوكولية.
الصحفي محمد السلوم: مرحلة "طلب الشرعية" انتهت ويجب تجاوزها
علق الصحفي السوري محمد السلوم قائلاً: "علينا كشعب أن نتجاوز عقدة 'طلب الشرعية'، خصوصًا من الأطراف الأجنبية. هذا ليس لأننا لا نحتاج إلى الشرعية، بل لأننا في رأيي قد تجاوزنا هذه المرحلة خلال الأشهر الماضية.
وأضاف: "اليوم، أصبح رئيس الجمهورية أمرًا واقعًا بغض النظر عن المواقف تجاهه. والشرعية التي قد تمنحها لنا أي دولة غربية هي 'شرعية مصلحية' تتماشى مع مصالحها الخاصة؛ ستعتبره شرعيًا طالما كانت لديها مصلحة معه، حتى لو لم يتم انتخابه من قبل أحد، بينما سترى فيه عدم الشرعية إذا انتهت مصلحتها أو أصبح عائقًا أمامها".
وأضاف السلوم أن "من الضروري أن نتجاوز عقدة 'كيف استقبلوه، وزار، ورحل، وعاد، والمطار، والسجاد الأحمر...'. هذه ليست إنجازات ولا يجب أن نفكر فيها على أنها كذلك، حتى لا تُقدم لنا السلطة على أنها مكاسب."
وأشار إلى أن "الإنجازات الحقيقية هي ما نحققه من نتائج: ماذا أسفرت الزيارة أو الزيارات؟ ما هي الاتفاقات الموقعة؟ ما هي العقوبات التي تم رفعها؟ ما هي الوعود التي تم تقديمها؟ ما هي القطاعات التي استفادت؟"، وختم السلوم بالقول: "باختصار، مرحلة 'طلب الشرعية' قد انتهت، ويجب أن لا نبقى عالقين فيها، حتى لا تتحول إلى الشغل الشاغل للسلطة، ومن ثم لنا."