
عزوف بعض الأسر عن تنظيم الأسرة يرفع معدلات الولادات المتقاربة ويهدد صحة الأمهات
تشهد آلاف الأسر في عدد من المناطق السورية تراجعاً ملحوظاً في الالتزام ببرامج تنظيم الأسرة، إذ تميل بعض النساء إلى الإنجاب المتكرر بفواصل زمنية قصيرة لا تتجاوز في كثير من الأحيان فترة التعافي من الحمل السابق.
هذا النمط المتسارع من الولادات يضاعف المخاطر الصحية التي تتعرض لها الأمهات، ويزيد من الأعباء المعيشية والاجتماعية على الأسرة، حيث يجد الآباء أنفسهم أمام مسؤوليات مالية متنامية، فيما تتحمل الأمهات جهداً جسدياً ونفسياً يفوق طاقتهن.
أسباب الظاهرة
يرجع عزوف بعض الأسر عن تنظيم النسل إلى جملة من العوامل المتداخلة، أبرزها ضعف الوعي الصحي، واستمرار التمسك بعادات اجتماعية قديمة تشجع على إنجاب عدد كبير من الأطفال، لا سيما الذكور، إلى جانب محدودية الوصول إلى وسائل منع الحمل أو نقص المعرفة بطرق استخدامها.
وتؤكد الجهات الصحية أن ضعف التثقيف المجتمعي حول أهمية المباعدة بين الولادات يُعد من أبرز التحديات التي تواجه برامج تنظيم الأسرة في سوريا.
تنظيم الأسرة ضرورة لصحة الأم والطفل
تقول الطبيبة النسائية "دانية معتصم حمدوش" في تصريح لشبكة "شام" الإخبارية، إن تنظيم الأسرة يمثل أولوية في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، مشيرة إلى أن الالتزام به ينعكس إيجاباً على صحة الأم والطفل معاً، ويمنح الأسرة فرصة لتأمين بيئة مستقرة وتربية متوازنة.
وأضافت أن تقنين الولادات يسهم في تخفيف الضغط على الخدمات الصحية والتعليمية، ويتيح للأسر التخطيط لمستقبل أبنائها بصورة أفضل.
المباعدة بين الولادات... فائدة للأم والأسرة
توضح حمدوش أن المباعدة بين الولادات تمنح جسم الأم الوقت الكافي للتعافي، وتقلل من احتمالية الإصابة بفقر الدم أو المضاعفات الناتجة عن الحمل المتكرر.
كما تتيح فترة راحة نفسية ضرورية للأم تساعدها على استعادة توازنها العاطفي والبدني، وتخفف من التوتر الناتج عن العناية بعدة أطفال في أعمار متقاربة، مما ينعكس إيجاباً على العلاقة الأسرية وعلى تنشئة الأطفال.
المخاطر الصحية للولادات المتقاربة
تشير الطبيبة إلى أن تكرار الولادات، سواء كانت طبيعية أم قيصرية، يحمل مخاطر جدية على صحة الأم. ففي الولادات الطبيعية، قد تواجه النساء ضعفاً في عضلات الحوض أو فقر دم ونزيفاً بعد الولادة، بينما تؤدي الولادات القيصرية المتكررة إلى احتمالية تمزق الرحم أو حدوث التصاقات داخلية ومشكلات في المشيمة، إضافة إلى ارتفاع خطر العدوى أو الجلطات.
وتؤكد أن هذه المخاطر تستدعي توعية أوسع بضرورة المباعدة بين الولادات واستخدام وسائل منع الحمل المناسبة بإشراف طبي.
جهود للتوعية والتثقيف
تعمل منظمات إنسانية وصحية في عدد من المناطق السورية على تنفيذ حملات توعية تهدف إلى تعزيز ثقافة تنظيم الأسرة، والتعريف بوسائل منع الحمل الحديثة وطرق استخدامها الآمنة.
كما تسهم وسائل الإعلام المحلية في نشر رسائل توعوية من خلال تقارير وبرامج تسلّط الضوء على أهمية المباعدة بين الولادات كخيار صحي واقتصادي للأسرة.
ومما لاشك فيك فإن المباعدة بين الولادات ليست ترفاً صحياً، بل ضرورة لحماية الأم من المضاعفات الخطيرة وضمان نمو الأطفال في بيئة مستقرة. كما أنها خطوة أساسية لتخفيف الأعباء الاقتصادية والاجتماعية، وتمكين الأسرة من تحقيق حياة متوازنة وآمنة بعيداً عن الضغوط المعيشية المتراكمة.