
ضحايا جدد لمخلفات الحرب في ريفي حلب وإدلب.. والألغام تهديد مستمر يهدد حياة السوريين
وثّقت مؤسسة الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء"، مقتل أربعة مدنيين، بينهم ثلاث نساء، وإصابة خمسة آخرين من نساء وأطفال، بعضهم إصاباتهم خطيرة، وجميعهم من عائلة واحدة، جراء انفجار لغم أرضي من مخلفات الحرب بسيارة كانوا يستقلونها في قرية عرب حسن بريف مدينة منبج شرقي حلب، وذلك يوم الأربعاء 23 نيسان الجاري.
كما وثّقت المؤسسة في اليوم نفسه مقتل طفل وإصابة طفلة أخرى بجروح، وهي ابنة عم الطفل المتوفى، إثر انفجار لغم أرضي من مخلفات نظام الأسد في قرية عابدين بريف إدلب الجنوبي، مؤكدةً أيضاً عدم تلقي فرقها أي بلاغ عن الحادثة.
الألغام.. موت مؤجل للسوريين
وتشكل الألغام ومخلفات الحرب التي تركها نظام الأسد وحلفاؤه في مختلف المناطق السورية تهديداً دائماً وخطيراً، حيث باتت أشبه بالموت المؤجل الذي يلاحق المدنيين السوريين في كل مكان، ويسلب أرواحهم ويعمّق فجوة الاحتياجات الإنسانية في المجتمع.
كما تؤدي هذه المخلفات إلى تقويض الحياة وعرقلة عودة النازحين والمهجرين إلى بيوتهم، وتمنعهم من ممارسة أعمالهم في المزارع أو الحقول التي يعتمدون عليها في تأمين سبل معيشتهم، ما يزيد من معاناة السكان المحليين ويرفع من تكاليف الحياة اليومية عليهم.
تصاعد مقلق في ضحايا الألغام بسوريا.. وتحذيرات من كارثة إنسانية مع عودة النازحين
كشفت تقارير محلية ودولية عن ارتفاع حاد في عدد ضحايا الألغام ومخلفات الحرب في سوريا، وسط جهود متواصلة لفرق إزالة الألغام في عموم البلاد، وأعلن أحمد جمعة، عضو وحدة إزالة الألغام بوزارة الدفاع السورية، أن الوحدة فقدت 12 عنصراً خلال الأشهر الماضية أثناء تنفيذ المهام الميدانية، فيما أُصيب ما بين 15 و20 عنصراً بإصابات بليغة أدت إلى بتر أطرافهم.
وأوضح جمعة، في تصريحات لوكالة "أسوشيتد برس"، أن عمليات إزالة الألغام تواجه صعوبات كبيرة، مرجعاً ذلك إلى حجم المساحات الملوثة بالألغام ونقص أجهزة المسح المتطورة، ما يزيد من خطورة المهمة ويُبطئ وتيرتها.
أرقام مروعة وتحذيرات دولية
وأظهرت بيانات اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن عدد الإصابات جراء الألغام منذ مطلع عام 2025 بلغ أكثر من 500 إصابة، مقابل 388 حادثة و900 إصابة و380 وفاة في عام 2024، معظمهم من الأطفال. كما سجلت الفترة بين كانون الأول 2024 وآذار 2025 نحو 748 إصابة، في مؤشر خطير على تفاقم الوضع.
من جانبه، حذّر رئيس بعثة الصليب الأحمر في سوريا، ستيفان ساكاليان، من أن الإصابات في الربع الأول من 2025 تعادل تقريباً إجمالي إصابات عام 2024، مشيراً إلى أن الأطفال والنساء يتصدرون الضحايا، نتيجة اللعب في مناطق ملوثة أو أثناء جمع الحطب.
وأكد ساكاليان أن أكثر من نصف السكان في سوريا يواجهون خطر الألغام يومياً، ما يفاقم أزمات التعليم والرعاية الصحية، ويرفع مستويات انعدام الأمن الغذائي.
جهود الدفاع السورية والدعم التركي
وفي السياق ذاته، صرّح وزير الدفاع في الحكومة السورية الجديدة، اللواء مرهف أحمد أبو قصرة، أن فرق الهندسة التابعة للوزارة تواصل تنفيذ عمليات إزالة الألغام وفق خطة شاملة تشمل تمشيط القرى والطرقات الرئيسية، على أن يجري لاحقاً التوسّع نحو الأراضي الزراعية والمناطق المفتوحة.
وأعرب أبو قصرة عن شكره لوزارة الدفاع التركية على الدعم اللوجستي الذي قدّمته، وساهم في رفع كفاءة الأعمال وتسريع تنفيذها. وبدأت كتيبة الهندسة بالفرقة 88 مدرعات مؤخراً تنفيذ حملة تمشيط شملت قرى في ريف حماة الشمالي، أبرزها "تل الجبين" و"تل ملح" و"الحماميات" و"الجلمة".
"حماة تنبض من جديد" ومبادرات محلية
أطلق مجلس مدينة حماة حملة "حماة تنبض من جديد" لإزالة مخلفات النظام السابق من المؤسسات والمرافق، وشملت الحملة أيضاً إزالة الكتل الإسمنتية من محيط مديرية الصحة ومقرات أمنية سابقة. كما تم تنظيف محيط مبنى الأمن العسكري على طريق حمص – حماة.
تقارير دولية: الألغام تحصد أرواح الأبرياء بعد سقوط الأسد
قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في تقرير حديث، إن أكثر من 600 شخص سقطوا بين قتيل وجريح بسبب الألغام منذ سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024، موضحة أن عدد الضحايا ارتفع بشكل حاد بسبب عودة السكان إلى مناطق ملوثة، وسط غياب التوعية وعدم وجود خرائط للألغام.
ووفق إحصاءات المنظمة، فإن الذخائر والألغام التي استخدمها النظام على مدى 14 عاماً قتلت ما لا يقل عن 249 شخصاً، من بينهم 60 طفلاً، وأصابت 379 آخرين. وتُعد هذه المعدلات الأعلى منذ بداية النزاع السوري.
"الخوذ البيضاء": خطر متزايد رغم انتهاء المعارك
بدورها، أكدت مؤسسة "الخوذ البيضاء" في تقريرها الصادر بمناسبة "اليوم الدولي للتوعية بمخاطر الألغام"، أن سوريا تعيش اليوم تحت تهديد يومي من الألغام رغم توقف المعارك العسكرية، مشيرة إلى أن الحقول السكنية والأراضي الزراعية ملوثة على نطاق واسع نتيجة استخدام النظام للأسلحة بشكل عشوائي.
ورصدت المؤسسة تزايداً في أعداد الضحايا بعد عودة جزء من النازحين إلى ديارهم، خاصة في المناطق التي كانت خطوط تماس أو تعرضت لقصف مباشر، أو شهدت تهجيراً قسرياً.
دعوات لتأسيس مركز وطني لمكافحة الألغام
دعا رئيس بعثة الصليب الأحمر في سوريا إلى تأسيس هيئة وطنية ومركز متخصص لإزالة الألغام، يضم كافة الجهات المعنية، بهدف توحيد الجهود وتقديم الدعم النفسي والمادي للضحايا، وتكثيف حملات التوعية المجتمعية.
تشير المعطيات المتوفرة إلى أن خطر الألغام في سوريا بلغ مرحلة حرجة تهدد ملايين السوريين، بالتوازي مع عودة السكان تدريجياً إلى مناطقهم. وفي ظل هذا الواقع، تتزايد الحاجة إلى تكاتف الجهود الدولية والوطنية لتسريع إزالة الألغام، وتعزيز الوعي المجتمعي، وتوفير الرعاية للمصابين.