
روسيا تُهاجم دمشق في اجتماع مغلق بمجلس الأمن وتقارن أحداث الساحل بالإبادة في رواندا.!!
كشف مصدران مطلعان لوكالة "رويترز" أن روسيا وجهت انتقادات حادة لحكام سوريا الجدد خلال اجتماع مغلق لمجلس الأمن الدولي هذا الأسبوع، محذرة من صعود "الجهاديين" في البلاد، كما قارنت ماجرى من أحداث في الساحل السوري بالإبادة الجماعية التي وقعت في رواندا عام 1994، مما يعكس تناقض الموقف الروسي في ماأعلنت عنه سابقاً وماصرحت به في الاجتماع المغلق بمجلس الأمن.
وحسب المصادر، فقد دعا الكرملين، الذي دعم نظام الأسد لسنوات حتى الإطاحة به في ديسمبر 2024 وفراره إلى روسيا، إلى بقاء سوريا موحدة وأكد أنه على تواصل مع دول أخرى بشأن هذا الموضوع. ومع ذلك، كانت تصريحات روسيا في الإحاطة المغلقة لمجلس الأمن الدولي أكثر حدة من تصريحاتها العلنية، مما يسلط الضوء على الإستراتيجية الروسية في محاولة لاستعادة نفوذها على المسار السياسي في سوريا.
وأشار المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، في الاجتماع المغلق إلى أن أعمال "القتل الطائفي" التي حدثت في الساحل السوري تذكر بالإبادة الجماعية في رواندا، حيث تعرضت أقلية التوتسي والهوتو المعتدلين لمذابح منظمة على يد المتطرفين الهوتو بقيادة الجيش الرواندي والمليشيات المعروفة باسم إنتراهاموي. وأضاف نيبينزيا أن "أحداً لم يوقف القتل في سوريا"، مشيرًا إلى حالة الفوضى والعنف المستمر.
كما انتقد نيبينزيا حل الجيش السوري والتخفيض الهائل في القوى العاملة في القطاع العام، محذرًا من أن سوريا قد تواجه نفس مصير العراق. وأعرب عن قلقه من دور "المقاتلين الأجانب" في زعزعة الاستقرار في البلاد، وهو ما أيده ممثلو الولايات المتحدة وفرنسا والصين في الأمم المتحدة.
وعندما سُئل عن مقارنة العنف في سوريا بالإبادة الجماعية في رواندا، أجاب نيبينزيا قائلاً: "أقول ما أريد في المشاورات المغلقة بناءً على فرضية أنها مشاورات مغلقة ولا يخرج منها شيء".
من جانبها، قالت آنا بورشفسكايا، الخبيرة في الشؤون الروسية بمعهد واشنطن، إن روسيا تتخذ احتياطاتها من خلال توجيه انتقادات شديدة في المحادثات الخاصة بدلًا من التصريحات العلنية، إذ تسعى موسكو لاستعادة نفوذها في سوريا. وأضافت أن روسيا ترغب في أن تُعتبر قوة عظمى مساوية للولايات المتحدة، وتهدف إلى حل الأزمات بالتعاون مع واشنطن، مما يمنحها مزايا إضافية في هذه القضايا.
موسكو تنفي علاقتها بأحداث الساحل السوري أو دعم فلول نظام بشار
نفى مصدر دبلوماسي روسي، في تصريحات لصحيفة "الشرق الأوسط"، أي علاقة لموسكو بتطورات الأحداث التي شهدها الساحل السوري منذ يوم الخميس الماضي، والتي شملت اتهامات لروسيا بتشجيع تحركات عسكرية لفلول النظام ضد الدولة السورية.
وأكد المصدر أن التحليلات التي حاولت تحميل موسكو مسؤولية التورط في هذه الأحداث، عبر الحديث عن تورط عسكريين سابقين في النظام كانوا تحت رعاية روسيا أو تم منحهم اللجوء على أراضيها، لا أساس لها من الصحة. وأوضح المصدر أن هذه الاتهامات غير صحيحة ولا تعكس موقف روسيا الثابت في دعم وحدة الأراضي السورية وسلامتها، مع التأكيد على أنها تسعى لتجنب أي انزلاق للوضع السوري نحو الفوضى أو الاقتتال الأهلي.
وأضاف المصدر الدبلوماسي أن روسيا لن تسمح لأي أشخاص، سواء كانوا ضباطاً سوريين سابقين أو مدنيين، بربط اسم روسيا بأي تحركات ليس لموسكو علاقة بها، سواء كانوا على الأراضي الروسية أو خارجها. وأشار إلى أن قاعدة "حميميم" الروسية في سوريا لا تتدخل في أي شأن داخلي سوري ولا تتحرك إلا بالتنسيق الكامل مع القيادة السورية في دمشق، مشدداً على أن موسكو تواصل التواصل والاتصالات مع السلطات السورية بهذا الشأن.
الكرملين: لا نرغب بالتعليق على أحداث اللاذقية.. وأمن العسكريين الروس مضمون
وكان أكد المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن أمن القوات الروسية المنتشرة في سوريا مضمون على المستوى المطلوب، مشددًا على أن التدابير المتخذة تضمن سلامتهم بشكل كامل.
وجاء تصريح بيسكوف خلال إفادة صحفية اليوم الجمعة، ردًا على التقارير التي تحدثت عن تدهور الأوضاع الأمنية في سوريا، حيث أوضح: “الأمن المطلوب لجنودنا مضمون على المستوى المناسب، وبشكل عام، لا نرغب في التعليق على مسار هذه العملية لأننا لا نعرف تفاصيلها”.
توافق في "مجلس الأمن الدولي" على بيان يُدين العنف في الساحل السوري ويدعو لمحاسبة الجناة
كشف دبلوماسيون غربيون عن توافق في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على بيان يندد بالعنف الواسع النطاق في منطقة الساحل السوري، داعياً السلطات السورية المؤقتة إلى حماية جميع السوريين، بغض النظر عن عرقهم أو دينهم.
وأوضح الدبلوماسيون أن البيان، الذي تم الاتفاق عليه بالإجماع من قبل أعضاء مجلس الأمن، سيُعتمد رسمياً في وقت لاحق اليوم الجمعة، ويُعد البيان بمثابة دعوة دولية قوية للسلطات السورية المؤقتة لاتخاذ خطوات ملموسة نحو تحقيق العدالة والحفاظ على وحدة الشعب السوري، مع التأكيد على أهمية حماية حقوق الإنسان لجميع السوريين.
وأفاد البيان، الذي نقلته وكالة رويترز، بأن مجلس الأمن شدد على ضرورة أن تقوم السلطات السورية بمحاسبة مرتكبي أعمال القتل الجماعي والانتهاكات التي ارتكبت في الساحل السوري. وطالب البيان بتطبيق العدالة على كافة الأفراد والجماعات المتورطة في هذه الجرائم.
كما دعا المجلس جميع الدول إلى احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها، محذراً من أي تصرفات قد تؤدي إلى زعزعة استقرار البلاد، مشدداً على ضرورة تجنب أي أعمال قد تسهم في تصعيد الأوضاع.
وأثارت التطورات المسلحة في الساحل السوري موجة واسعة من الإدانات والدعم للحكومة السورية، حيث أكدت عدد من الدول العربية دعمها الكامل لوحدة سوريا واستقرارها، ورفضها لأي محاولات خارجية لزعزعة أمنها. من جانبها دعت دول غربية ومنظمات حقوقية رفضها العنف وتأكيدها على دعم الاسقرار في سوريا، وطالبت بفتح تحقيقات في التقارير التي تحدثت عن انتهاكات حصلت في أثناء الحملات الأمنية والعسكرية في الساحل السوري عقب هجمات فلول نظام بشار.
تبدل الموقف الروسي عقب سقوط الأسد
أثار تبدل الموقف الروسي وكثير من الدول الداعمة لنظام الأسد، حالة من الاستغراب في أوساط أبناء الحراك الثوري السوري، بعد نجاحهم في إسقاط حكم الطاغية "بشار الأسد"، لتحاول تلك الدول في مقدمتها روسيا تبديل مواقفها وإظهار وجه آخر تجاه الشعب السوري، وهي التي مارست شتى أنواع القتل والتدمير وساهمت في "تثبيت الديكتاتور" حتى لحظة سقوطه.
روسيا تستضيف السفاح "بشار"
لم تكتف روسيا بجرائم الحرب التي ارتكبتها في سوريا منذ تدخلها في 2015 لإنقاذ حكم "بشار الأسد"، بل عملت على حمايته بعد سقوطه من خلال منحه وعائلته وكبار ضباطه والمقربين منه حق اللجوء الإنساني، وسط تصريحات متبدلة تحاول فيها الخروج من مسؤوليتها على جرائم الحرب المرتبكة، دون أن تبادل حتى لتسليم الديكتاتور للمحاكمة العادلة.
ذكرى التدخل الروسي في سوريا
يصادف يوم الأربعاء الـ 30 من شهر أيلول لعام 2015، الذكرى السنوية لـ "التدخل الروسي" في سوريا، والذي جاء حاملاً معه الموت والدمار للشعب السوري، لتحقيق هدف واحد في بادئ الأمر متمثلاً في "تثبيت الديكتاتور بشار"، سرعان ماتحول للهيمنة على مقدرات الدولة وثرواتها وتملك القرار العسكري والسياسي فيها وبناء قواعد عسكرية روسيا في حميميم ومرفأ طرطوس، وتثبيت أسطولها قبالة السواحل السورية.
حصائل الموت الروسية
في تقريرها السنوي الأخير عن أبرز انتهاكات القوات الروسية منذ بدء تدخلها العسكري في سوريا في 30/ أيلول/ 2015، تشير إحصائيات "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" إلى تورط روسيا بمقتل 6954 مدنياً بينهم 2046 طفلاً و1246 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية على يد هذه القوات.
ووفق الشبكة الحقوقية، تسببت القوات الروسية بمقتل 6954 مدنياً بينهم 2046 طفلاً و978 سيدة (أنثى بالغة)، وما لا يقل عن 360 مجزرة، وأظهر تحليل البيانات أن العام الأول للتدخل الروسي قد شهد الحصيلة الأعلى من الضحايا (قرابة 52 % من الحصيلة الإجمالية). فيما شهدت محافظة حلب الحصيلة الأعلى من الضحايا (قرابة 41 %) بين المحافظات السورية، تلتها إدلب (38%).
كما وثق التقرير قتل القوات الروسية 70 من الكوادر الطبية، بينهم 12 سيدة، جلهم في محافظة حلب، وكانت الحصيلة الأعلى لهؤلاء الضحايا في العام الأول، إضافةً إلى مقتل 44 من كوادر الدفاع المدني، نصفهم في محافظة إدلب التي سجلت الحصيلة الأعلى بين المحافظات، وكانت الحصيلة الأعلى من الضحايا في العام الأول من التدخل العسكري الروسي (قرابة 35 %) وفق ما أورده التقرير. وسجل مقتل 24 من الكوادر الإعلامية جميعهم قتلوا في محافظتي حلب وإدلب.
وطبقاً للتقرير فقد ارتكبت القوات الروسية منذ تدخلها العسكري حتى 30/ أيلول/ 2023 ما لا يقل عن 1246 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنيَّة، بينها 223 مدرسة، و207 منشأة طبية، و61 سوق، وبحسب الرسوم البيانية التي أوردها التقرير فقد شهد العام الأول للتدخل الروسي 452 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية. كما شهدت محافظة إدلب الحصيلة الأعلى من حوادث الاعتداء بـ 629حادثة، أي ما نسبته 51 % من الحصيلة الإجمالية لحوادث الاعتداء.
كما سجل التقرير ما لا يقل عن 237 هجوماً بذخائر عنقودية، إضافةً إلى ما لا يقل عن 125 هجوماً بأسلحة حارقة، شنَّتها القوات الروسية منذ تدخلها العسكري في سوريا في 30/ أيلول/ 2015.
وجاء في التقرير أنَّ حجم العنف المتصاعد، الذي مارسته القوات الروسية كان له الأثر الأكبر في حركة النُّزوح والتَّشريد القسري، وساهمت هجماتها بالتوازي مع الهجمات التي شنَّها الحلف السوري الإيراني في تشريد قرابة 4.8 مليون نسمة، معظم هؤلاء المدنيين تعرضوا للنزوح غيرَ مرة.
لفتَ التقرير إلى أن السلطات في روسيا تنكر إلى اليوم قيامها بأية هجمات ضدَّ المدنيين، وما زال وزير خارجيتها يصرح مراراً أن التدخل الروسي شرعي؛ لأن هذا التدخل كان بطلب من النظام السوري ولمحاربة تنظيم داعش، ويؤكد لافروف بأنَّ بلاده مُلتزمة بقواعد القانون الدولي الإنساني، إلا أنه يتجاوز فكرة أن روسيا لم تقم بفتح تحقيق واحد حول المعلومات المؤكدة على انخراط القوات الروسية في العديد من الهجمات بانتهاكات ترقى لتكون جرائم حرب بحسب عدد من التقارير الأممية والدولية والمحلية.
ووفق الشبكة، تورط النظام الروسي في دعم النظام السوري الذي ارتكب جرائم ضدَّ الإنسانية بحق الشعب السوري، عبر تزويده بالسلاح والخبرات العسكرية، وعبر التدخل العسكري المباشر إلى جانبه، أوضح التقرير أن روسيا استخدمت الفيتو مرات عديدة على الرغم من أنها طرف في النزاع السوري، وهذا مخالف لميثاق الأمم المتحدة، كما أن هذه الاستخدامات قد وظَّفها النظام للإفلات من العقاب.
وأكد أن السلطات الروسية لم تَقم بأية تحقيقات جدية عن أيٍ من الهجمات الواردة فيه أو في تقارير سابقة، وحمل التقرير القيادة الروسية سواء العسكرية منها أو السياسية المسؤولية عن هذه الهجمات استناداً إلى مبدأ مسؤولية القيادة في القانون الدولي الإنساني.