"دير الزور" خمسة أعوام ونيف على التحرير معذبة من مغتصب لآخر
"دير الزور" خمسة أعوام ونيف على التحرير معذبة من مغتصب لآخر
● أخبار سورية ٣ نوفمبر ٢٠١٧

"دير الزور" خمسة أعوام ونيف على التحرير معذبة من مغتصب لآخر

كانت دير الزور من أولى المحافظات الثائرة على نظام الأسد، شاركت بشكل فاعل في الحراك الشعبي وناصرت درعا وإدلب وحلب وحماة منذ بدايات الحراك، اشتهرت ساحاتها التي ملئت بآلاف المتظاهرين بالأهازيج والأناشيد الثورية الديرية، وبرزت العديد من المناطق التي تصدرت الحراك في أحياء الحميدية والقصور وفي القورية والشحيل والميادين والبوكمال، سميت عدد من الجُمع باسم دير الزور منها "دير الزور النصر القادم من الشرق".

وتصدرت محافظة دير الزور أولى المحافظات التي ظهرت فيها مكونات الجيش السوري الحر التي تلاحمت في معارك التحرير وساهمت منذ عام 2012 بخوض غمار المعارك مع قوات الأسد التي كانت تحكم قبضتها بشكل كبير على المحافظة نظراً لانتشار العديد من الألوية العسكرية حول المدينة أهمها مطار دير الزور العسكري واللواء 137 واللواء 57 ومعسكر الطلائع والبانوراما واللواء 113 دفاع جوي، تمكنت فصائل الحر وفصائل أخرى خلال عامي 2012 و 2013 من انتزاع مناطق واسعة في المحافظة من قبضة قوات الأسد وإعلانها محررة بالكامل.

مع بدء ظهور تنظيم الدولة في العراق وإعلان انتقاله إلى سوريا في نيسان 2013، ثم المعارك التي دارت بين فصائل الحر مع تنظيم الدولة والذي أدى لتراجع المعارك في دير الزور ضد قوات الأسد وانحسار سيطرة الجيش الحر أمام التنظيم في الريف بشكل كبير، ثم بدأ الصراع بين تنظيم الدولة و"جبهة النصرة" آنذاك في شباط 2014 وسقوط غالبية المناطق بيد التنظيم خلال أقل من أسبوعين، كان بداية الانتقال من التحرير لأسر جديد، عانت منه دير الزور لأكثر من خمسة أعوام.

يعتبر الموقع الجغرافي لمحافظة دير الزور شمال شرق سوريا على الحدود العراقية أهمية كبيرة، إضافة للموارد البشرية الكبيرة والموارد الطبيعية من زراعات وثروات باطنية أبرزها النفط، أحد أهم الأسباب التي جعلها محط أنظار القوى التي تسعى لتمكين نفوذها وتقوية دعمها المالي واقتصادها، والتي استغلها تنظيم الدولة لصالحه في تثبيت دعائم دولته في سوريا الممتدة مع العراق عبر حدود دير الزور.

بعد تمكن التنظيم من السيطرة على كامل المناطق المحررة وخروج جميع الفصائل لريف حلب وريف درعا، خاض العديد من المعارك ضد قوات الأسد التي تشاركا سوياً في السيطرة على مدينة دير الزور، حيث حافظت قوات الأسد على المطار العسكري واللواء 137 وعدة أحياء منها" الجورة غربي المدينة، والقصور شرقي حي الجورة، وهرابش شرقي المدينة ملاصقة للمطار العسكري، في الوقت الذي سيطر فيه التنظيم على أحياء " الحميدية، العمال، المطار القديم، الكنامات، الصناعة، الشيخ ياسين، العرضي، الرشدية، الجبيلة، العرفي، الموظفين".

عانى المدنيون في الأحياء الخاضعة لسيطرة قوات الأسد طيلة أعوام لحصار خانق فرضه تنظيم الدولة من الخارج، و تضييق أمني وتجويع واعتقالات من قبل قوات الأسد والميليشيات التابعة لها من الداخل، زاد ذلك المعارك التي خاضها الطرفان في المدينة والقصف الذي طال جميع الأحياء بشكل متوازي من قبل التنظيم أو نظام الأسد وطائراته، حيث تعرضت الاحياء والمناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم لقصف جوي ومدفعي مركز طيلة خمس سنوات، خلفت الآلاف من الضحايا المدنيين وتدمير البنى التحتية.

يضاف لذلك ما عاناه المدنيون في مناطق سيطرة التنظيم من الويلات، من قتل وذبح واعتقالات وتنكيل وقيود فرضت على المدنيين، حكم بالحديد والنار وتضيق مورس بحقهم بشتى الوسائل، اعادهم لعصور الجاهلية وكله باسم تطبيق الشريعة والدين، بعد أن غدا ثوارها ملاحقون في كل بقاع الأرض.

وبعد أكثر من خمس سنوات على الظلم والجور التي عانته دير الزور "عروس الفرات"، وما خلفه من تغيير الخارطة العسكرية في المحافظات الأخرى على يد قوات الأسد وحلفائها لاسيما روسيا وإيران، وماتم لهم من تطبيق اتفاقيات خفض التصعيد وتجميد جبهات القتال، وانحسار قوة تنظيم الدولة في العراق أمام الحشد الشيعي وفي عاصمة خلافته الرقة أمام قوات قسد والتحالف، باتت دير الزور "الكعكة" التي توجهت إليها أنظار الدول الكبرى ووكلائها على الأرض للسيطرة عليها.

تهدف روسيا وإيران من نقل معركتها إلى دير الزور و سيطرتهم عليها لقطع أي تفكير لقوات قسد بالتمدد جنوباً والحفاظ على نقاط سيطرتها وما وصلت إليه في الرقة وريف حلب والحسكة، أيضاً ستفتح الحدود العراقية على مصراعيها أمام سوريا باتجاه إيران البعد الاستراتيجي الأكبر لها، كما أن الثروات الباطنية الموجودة فيها من شأنها أن تعيد لنظام الأسد قوته الاقتصادية وتمكن حلفائه من التملك بموارد النفط.

بدأ الزحف باتجاه دير الزور في آذار 2017 من محاور عدة أولها ريف حلب الشرقي حيث تمكنت قوات الأسد والميليشيات الإيرانية خلال أشهر عدة من التوسع على حساب تنظيم الدولة في ريف حلب الشرقي فتسلمت قوات الأسد مسكنة والخفسة ومطار الجراح وعشرات القرى وصولاً حتى الحدود الإدارية في الرقة في شهر حزيران بعد انسحاب تنظيم الدولة منها دون قتال إلا بضع معارك وهمية، تلا ذلك التمدد في الرقة وصولاً لدير الزور، أما المحور الثاني فكان من منطقة عقيربات بريف حماة الشرقي ومن السخنة وحميمية بريفي حمص ودمشق في البادية السورية باتجاه دير الزور.

تمكنت قوات الأسد وميليشيات من الوصول لمحافظة دير الزور من الأطراف الغربية والتمدد بعد معارك عدة باتجاه المطار العسكري والأحياء المحاصرة في المدينة في شهر أيلول 2017 وفك الحصار المفروض عليها منذ ثلاث سنوات، وبدأت تتوسع تباعاً مع انسحابات متتالية للتنظيم من عدة أحياء في مدينة ديرالزور وعشرات المناطق منها مدينة الميادين، مع الأنباء التي تتحدث عن اتفاق سري بين قوات الأسد والتنظيم لتسليم مدينة دير الزور أعلنت عنه قوات سوريا الديمقراطية "قسد" صباح اليوم، في الوقت الذي تتابع فيه قوات الأسد وحلفائها الزحف باتجاه البوكمال، لتنتقل غالبية المناطق من محتل لمحتل جديد، مع الإشارة لمشاركة قوات قسد في السيطرة على أجزاء واسعة من الريف الشمالي لدير الزور.

واجهت دير الزور خلال الأشهر السبعة الماضية هولوكوست حقيقي من الموت الذي صب عليها بصواريخ الحقد من قبل التحالف الدولي وروسيا، هذه القوى التي باتت تتصارع على بقعة جغرافية هي الأغنى استراتيجياً في سوريا، صراع يدفع المدنيون دمائهم لأجل أن تتحقق مصالح هذه الدول، وسط صمت مخزي للعالم أجمع، وبيانات لاتتعدى الحبر الذي كتبت فيه لمؤسسات الثورة العاجزة عن تقديم أي شيء يخفف وطأة الموت والقصف الذي يلاحق مدنيي دير الزور في منازلهم ونزوحهم وفي كل مكان بات الموت يلاحقهم.

لم يترك سلاح لم يجرب فيها, تحت ذريعة مكافحة الإرهاب والحرب على تنظيم الدولة، دير الزور التي تبلغ مساحتها 33 ألف كم وتعتبر ضمن المدن الكبرى في سوريا تعرضت لعملية إبادة حقيقية لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية معدل النيران والقوة المفرطة التي استخدمت من كافة الأطراف لا تستطيع مدينة بهذه المساحة تحملها، هذا ما قاله نشطاء المحافظة.

شهدت دير الزور حركة نزوح هي الأكبر منذ سنوات عدة تشهدها محافظة دير الزور من مناطق عدة في البوكمال والميادين هرباً من الموت إلى مصير مجهول، لاتعرف نهايته، جراء ما تعرضت له المحافظة من هولوكوست حقيقي يستهدف بنيتها التحتية والبشرية وكل ما يعترض طريق عملياتها، سجلت مئات الغارات الجوية خلال أيام قليلة على أرياف المحافظة تتشارك في رمي قنابل الموت طائرات روسيا والتحالف وعلى الأرض تتصارع القوى والوكلاء.

التغريبة الديرية هي الأكبر في موجات النزوح المتلاحقة التي شهدتها المناطق السورية خلال أعوام الثورة بسبب جور وظلم من ادعى نصرتهم، إلا أنه نزوح وهروب إلى المجهول، كون لا ملاذ آمن في دير الزور، ففي الشرق العراق وميليشيات الحشد التي تلاحق المدنيين، وفي الغرب الرقة المعذبة التي نالت نصيبها من الموت والقصف اليومي، فلا موضع تنزح إليه العائلات الهاربة من الموت إلا باتجاه مناطق قوات قسد وهناك مرحلة جديدة من العذاب والموت بشكل آخر.

المصدر: شبكة شام الكاتب: أحمد نور
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ