
دمشق تسلّم ردّها لواشنطن على شروط تخفيف العقوبات
سلّمت الحكومة السورية الجديدة، بشكل غير معلن ردَّها إلى الإدارة الأميركية على قائمة الشروط التي وضعتها واشنطن لتخفيف العقوبات المفروضة على سوريا، في خطوة وصفتها مصادر دبلوماسية بأنها "جاءت في توقيت ممتاز"، قبيل زيارة مرتقبة لوفد سوري رفيع إلى العاصمة الأميركية الأسبوع المقبل.
وبحسب ما أكدته مصادر متعددة، فإن الرد السوري تضمن ملاحظات على بعض البنود، دون أن يتضمن رفضاً صريحاً، في محاولة لفتح باب التفاهم حول خطوات متبادلة.
الشروط الأميركية: تركيز على الإرهاب وملف الكيميائي والمختفين
وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد أعلنت سابقًا أن أي تخفيف للعقوبات سيكون مشروطاً بتنفيذ حزمة من المطالب، أبرزها: قمع الإرهاب واستبعاد المقاتلين الأجانب من المناصب الرسمية، ومنع إيران ووكلائها من استخدام الأراضي السورية، وتدمير أسلحة الأسد الكيميائية بصورة يمكن التحقق منها.
كما شددت واشنطن على ضرورة التعاون في ملفات حقوق الإنسان، وضمان الحريات الدينية والعرقية، والمساعدة في كشف مصير المواطنين الأميركيين المختفين في سوريا، وفي مقدمتهم الصحفي أوستن تايس.
الوجود الروسي ليس ضمن الشروط.. لكنه موضع جدل داخلي
ورغم الجدل داخل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن القاعدة العسكرية الروسية في سوريا، إلا أن إخراج القوات الروسية لم يكن من ضمن الشروط الأميركية المعلنة، وفق ما أكدته صحيفة "ذا هيل" ومصادر رسمية.
وبحسب ذات المصادر، فقد جرى نقاش موسّع حول الوجود الروسي داخل وزارتي الخارجية والدفاع، مع مطالبة بعض المسؤولين بإزالته، لكن هذا الطرح لم يحظ بالإجماع، مما دفع الإدارة إلى استبعاده مؤقتًا من الشروط.
وفد سوري إلى واشنطن الأسبوع المقبل.. جدول مزدحم وملفات حساسة
من المقرر أن يترأس وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني وفداً رفيعاً يضم وزراء المالية والاقتصاد ومحافظ البنك المركزي إلى واشنطن، لحضور الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي بين 15 و20 نيسان/أبريل.
ورغم أن المشاركة تأتي بصفة اقتصادية، إلا أن الوفد سيجري لقاءات جانبية مع مسؤولين في الإدارة الأميركية وعدد من النواب في الكونغرس، وسط توقعات ببحث قضايا تتعلق بالعقوبات، وإعادة الإعمار، وتثبيت العلاقات الرسمية بين دمشق وواشنطن.
الخارجية الأميركية: نراقب السلوك السوري عن كثب
أكدت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، تامي بروس، في وقت سابق أن بلادها تتابع تطورات الحكومة السورية الجديدة بدقة، مشيدة ببعض المؤشرات الإيجابية، لكنها أكدت أن هناك الكثير مما يجب فعله قبل التفكير برفع شامل للعقوبات.
وقالت بروس إن واشنطن ترحب بالتشكيلة الحكومية الجديدة باعتبارها أكثر شمولاً، لكنها تنتظر خطوات ملموسة تعزز هذا الانفتاح، لا سيما في ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان.
بين الانفتاح والضغط الإسرائيلي.. توازنات دقيقة داخل الإدارة الأميركية
تشهد إدارة ترامب انقسامًا داخليًا بين تيار يدعو إلى التعامل الواقعي مع الحكومة السورية الجديدة، وآخر يطالب بالتشدد في الملفات المرتبطة بإيران والتنظيمات المتطرفة، ويخشى من تحوّل سوريا إلى حليف غير موثوق.
في المقابل، تواصل إسرائيل الضغط لعرقلة أي تقارب أميركي مع دمشق، وتسعى لتثبيت موقف دولي يبقي سوريا ضعيفة ومجزأة. وبينما لم تعتمد واشنطن هذا الموقف رسميًا، فإن بعض الأطراف داخل الإدارة تتأثر به.
الزيارة.. اختبار دبلوماسي ورهان على الاعتراف
وتمثل زيارة الوفد السوري المرتقبة إلى واشنطن اختبارًا دبلوماسيًا حاسمًا للحكومة السورية الجديدة، وتعد الأولى من نوعها منذ الإطاحة بنظام الأسد نهاية العام الماضي.
ويتوقع مراقبون أن تشكّل الزيارة فرصة لعرض رؤية الحكومة بشأن إعادة الإعمار وبناء الدولة، ومحاولة كسب دعم دولي أوسع، وربما طرح ترتيبات تتعلق بالتواجد العسكري الروسي والإيراني في سوريا.
ورغم استمرار عدم الاعتراف الأميركي الرسمي بالحكومة السورية الجديدة، فإن استقبال الوفد السوري والمشاركة في لقاءات رفيعة في واشنطن يشير إلى تحوّل تدريجي في مقاربة الولايات المتحدة للواقع السوري الجديد.
هل تُمهد الزيارة لتخفيف تدريجي للعقوبات؟
في ضوء هذه التطورات، يرى محللون أن واشنطن قد تلجأ إلى تخفيف انتقائي للعقوبات في حال أثبتت الحكومة السورية التزامها بالخطوات المطلوبة، مع احتمال إصدار إعفاءات إضافية أو دعم دولي محدود للمشاريع الإنسانية والبنية التحتية.
غير أن رفع العقوبات بالكامل ما زال يواجه عقبات داخل الكونغرس، وسط تحذيرات من شخصيات نافذة تطالب بالحذر في التعامل مع دمشق الجديدة.
واشنطن تخفض الوضع القانوني لبعثة سوريا في الأمم المتحدة
تزامنًا مع هذه التطورات، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية قبل أيام عن خفض الوضع القانوني لبعثة سوريا السابقة في الأمم المتحدة، وتحويل تأشيرات دبلوماسييها من فئة G1 إلى G3، في إشارة إلى عدم اعتراف واشنطن بالنظام السابق.
وأكدت وزارة الخارجية السورية الجديدة أن الإجراء لا يؤثر على شرعية الحكومة الانتقالية، بل هو خطوة إجرائية تتعلق بممثلي النظام السابق.
في المجمل، يحمل رد الحكومة السورية على الشروط الأمريكية لتخفيف العقوبات وأيضا زيارة الوفد السوري إلى واشنطن أبعادًا تتجاوز الجوانب الاقتصادية والسياسية، وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التفاوض، قد تُفضي إلى خريطة طريق لإعادة دمج سوريا في النظام الدولي، شريطة توافر الضمانات والإصلاحات المطلوبة.