![صورة](/imgs/posts/2025/2/1739048964824.webp)
حقوقية سورية: الإعلام ليس بديلاً عن المحاسبة واستضافة المتورطين بالانتهاكات تطبيع مع الجريمة
قالت "نور الخطيب" مسؤولة قسم الاعتقال والإخفاء القسري في "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، إن إجراء وسائل الإعلام مقابلات مع شخصيات متورطة في انتهاكات جسيمة من مسؤولي نظام بشار الأسد قبل التحقيق معهم ومحاسبتهم هو تطبيع غير مقبول مع الجريمة، وانحراف عن دور الإعلام في كشف الحقيقة لا في تلميع الجلادين.
وأكدت "الخطيب" أن هؤلاء ليسوا شخصيات عادية، بل متورطون في جرائم ضد الإنسانية، ومنحهم منابر إعلامية قبل مساءلتهم هو بمثابة تبييض لسجلهم وتشويه لحقوق الضحايا الذين ما زالوا ينتظرون العدالة.
وأضافت في منشور على "فيسبوك" أنه "حتى لو تضمنت هذه المقابلات أسئلة حول الاتهامات الموجهة إليهم ودورهم في هذه الانتهاكات، فإن مجرد استضافتهم يمنحهم فرصة لإعادة صياغة السردية لصالحهم، في وقت لا تزال فيه العدالة غائبة".
وأكدت المسؤولة الحقوقية أنه "لا يمكن للإعلام أن يكون بديلاً عن المحاسبة، ولا يمكن لمن ارتكبوا الفظائع أن يُمنحوا مساحة للتبرير أو التشكيك في الأدلة ضدهم قبل أن يواجهوا المساءلة القانونية".
واعتبرت أن الامتناع عن استضافتهم في هذه المرحلة لا يندرج ضمن تقييد حرية الإعلام، بل هو التزام بأخلاقيات المهنة واحترام لحقوق الضحايا وعائلاتهم، الذين ما زالوا ينتظرون العدالة والمحاسبة.
وشددت "الخطيب" على أن المسؤولية الصحفية تقتضي كشف الحقيقة والانتصار للعدالة، لا منح الجلادين منصة لتبرير أفعالهم أو التلاعب بالرأي العام، مشيرة إلى أن الإعلام الحر هو الذي ينحاز إلى الضحايا، لا الذي يمنح جلاديهم فرصة لتقديم أنفسهم كرواة للقصة قبل أن يواجهوا محاكم عادلة تكشف حقيقة ما ارتكبوه.
وكانت "وزارة الإعلام السورية" قد أصدرت توجيهًا يُلزم وسائل الإعلام المحلية بالامتناع عن إجراء مقابلات أو نشر تصريحات منسوبة لشخصيات ورموز مرتبطة بالنظام السابق، وأكدت الوزارة عبر قناتها على “تلغرام” أن هذا القرار يأتي حفاظًا على المصلحة العامة ووحدة الصف الوطني، محذرةً من أن أي مخالفة ستعرض الجهة الإعلامية للمساءلة القانونية الفورية.
وسبق أن أصدرت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" بيانًا اليوم، تؤكد فيه ضرورة توقف وسائل الإعلام عن استضافة الأشخاص الذين يدافعون عن نظام الأسد أو يبررون جرائمه، وأكدت الشبكة على أن تلك الاستضافات تؤدي إلى تأجيج مشاعر الضحايا، داعية المنتهكين إلى اتخاذ خطوات عملية لتعزيز السلم الأهلي، مثل الاعتذار وتعويض الضحايا، والابتعاد عن الأضواء والمناصب العامة.
الإعلام ودوره في تأجيج مشاعر الضحايا
لفتت الشبكة إلى أن بعض وسائل الإعلام استضافت شخصيات متنوعة من فنانين ومثقفين ورجال دين معروفين بدعمهم لنظام الأسد وتبريرهم لجرائمه، وشددت الشبكة على أن هذه الاستضافات تأتي دون أن تتخذ هذه الشخصيات أي خطوات تجاه ضحايا النظام الذين يقدر عددهم بالملايين، بل إن بعضها فاقم الوضع عبر استضافة أفراد أنكروا أو حاولوا تبرير الجرائم التي ارتكبها النظام، مما أدى إلى تأجيج مشاعر الضحايا ودفع بعضهم نحو الانتقام.
الانتهاكات المرتكبة من قبل النظام السوري
وأشار البيان إلى أن "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" وثقت ارتكاب نظام الأسد انتهاكات جسيمة وصلت إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، حيث استمرت هذه الانتهاكات على مدى 14 عامًا.
شملت بعض هذه الجرائم قتل ما لا يقل عن 203,000 مدني، بينهم 23,000 طفل، وإخفاء نحو 115,000 شخص قسراً، بينهم قرابة 8,500 امرأة. كما تم استخدام حوالي 82,000 برميل متفجر لقصف المدن السورية. وقد وثقت الشبكة هذه الانتهاكات يوميًا، وأرست قاعدة بيانات تضم ملايين الحوادث الموثقة. كما حددت الشبكة أكثر من 16,200 فرد متورط في هذه الجرائم.
العدالة الانتقالية ضرورة لتحقيق السلم الأهلي
أضاف البيان أن الشبكة تأمل في إقامة مسار للعدالة الانتقالية في سوريا، يتم بموجبه محاسبة المسؤولين الرئيسين عن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، كما أكدت على أن المحاسبة يجب أن تشمل أيضًا داعمي النظام غير المتورطين مباشرةً في الجرائم الكبرى، سواء كانوا من الجهات الأمنية أو الطبقة السياسية والاقتصادية التي أيدت نظام الأسد، حيث تعتبر العدالة الانتقالية ضرورة لضمان الانتقال من حقبة الديكتاتورية إلى الاستقرار واحترام حقوق الإنسان.
خطوات فورية من داعمي النظام لتعزيز السلم الأهلي
ورغم أن تشكيل لجنة العدالة الانتقالية قد يستغرق عامًا أو أكثر، إلا أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان أكدت على أن هناك خطوات فورية يمكن لداعمي نظام الأسد البدء بها لتعزيز السلم الأهلي.
وحددت هذه الخطوات في:
1. إعادة الممتلكات المنهوبة: بما في ذلك الأراضي والمنازل والمتاجر والسيارات إلى أصحابها.
2. تقديم اعتذار علني مكتوب ومصور عبر المنصات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، يتضمن الاعتراف بالمسؤولية عن دعم نظام الأسد.
3. تعويض الضحايا وذويهم مادياً ومعنوياً عن الأموال التي سرقت أو الابتزاز الذي تعرضوا له.
4. الإسهام في إعادة بناء المجتمعات المتضررة، وتمويل مبادرات الناجين والبرامج التعليمية لأسر الضحايا.
5. التطوع لتقديم خدمات مباشرة للضحايا وأسرهم.
6. الالتزام بعدم شغل أي مناصب قيادية في الحكومات السورية المستقبلية.
7. الامتناع عن الظهور في المقابلات الإعلامية أو المشاركة في أي فعاليات عامة قبل تنفيذ هذه الخطوات.
التوصيات للحكومة ووسائل الإعلام
شدد البيان على ضرورة اتخاذ الحكومة الحالية وسائل لمنع إنكار جرائم نظام الأسد أو تبريرها، عبر إصدار تعميم يحظر ذلك، وإدراج تعليم وتوضيح جرائم الأسد ضمن البرامج الإعلامية والتثقيفية. كما دعت الحكومة إلى التأكد من أن أي شخصيات دعمت نظام الأسد قد نفذت جميع الخطوات المشار إليها قبل منحها أي دور في الأنشطة أو التعاون مع مؤسسات الدولة.
أما وسائل الإعلام، فقد أوصى البيان بوقف استضافة أي شخصيات تنكر أو تبرر الجرائم، وضرورة التزام المؤسسات الإعلامية بمعايير أخلاقية ترفض تلميع صورة المتورطين في الجرائم. كما دعا البيان إلى إنتاج برامج توعوية تركز على توثيق أهوال مراكز الاحتجاز وتروي معاناة أسر الضحايا الذين قُتلوا أو اختفوا قسرياً.
أوضحت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن هذه التدابير لا تهدف فقط لحماية السلم الأهلي في سوريا، بل أيضًا لضمان عدم استغلال الفرص من قبل المسؤولين أو الداعمين الذين قد يتسببون في المزيد من الانقسامات في المجتمع السوري.