
"حظر الأسلحة الكيميائية" تكشف عن أكثر من 100 موقع مشبوه في سوريا بعد سقوط نظام الأسد
كشفت منظمة "حظر الأسلحة الكيميائية"، عن وجود أكثر من 100 موقع يُشتبه في ارتباطها ببرنامج الأسلحة الكيميائية السوري، جرى تحديدها بعد انهيار حكم المخلوع بشار الأسد، في أول تقييم رسمي من نوعه منذ سقوط النظام في ديسمبر/كانون الأول 2024.
وأكدت المنظمة أن هذه المواقع تتجاوز بكثير ما اعترف به النظام السابق، إذ يُعتقد أنها تضم منشآت بحثية وتصنيعية ومخازن مواد كيميائية، جرى استخدامها سابقاً في هجمات بالأسلحة الكيميائية، من بينها غاز السارين وغاز الكلور، والتي استُهدفت بها مناطق مدنية ومعارضة خلال سنوات الحرب الطويلة.
وأشار تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن هذه المواقع ما تزال حتى اليوم غامضة وغير مؤمنة بشكل كاف، خاصة بعد فقدان النظام السابق السيطرة عليها عقب الإطاحة به. وتشكل بقايا هذه الأسلحة تحدياً أمنياً وإنسانياً كبيراً للحكومة السورية الانتقالية بقيادة الرئيس أحمد الشرع، وسط تزايد القلق الدولي من وقوعها في أيدي جماعات متطرفة أو استخدامها في مناطق مأهولة بالسكان.
محاولات للسيطرة والتفكيك
وفي مسعى لطمأنة المجتمع الدولي، زار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني مقر منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي، في مارس/آذار الماضي، معلناً التزام الحكومة الجديدة بتفكيك كامل ما تبقى من البرنامج الكيميائي الذي أنشأه النظام السابق، والامتثال التام للاتفاقيات الدولية ذات الصلة.
لكن رغم هذه الخطوة، لا يزال التفاؤل حذراً، إذ لم تعيّن الحكومة بعد ممثلاً دائماً لدى المنظمة، وهي خطوة يُنظر إليها كمؤشر على الجدية. وأكدت مصادر مطلعة أن المنظمة حصلت على موافقة مبدئية لدخول سوريا للتحقق من المواقع الجديدة.
وكان نظام الأسد قد أقر في بداية النزاع بوجود 27 موقعاً فقط، سمح للمفتشين الدوليين بزيارتها وإغلاقها، إلا أن تقارير عديدة أكدت استمرار استخدام الأسلحة الكيميائية حتى عام 2018، مع استمرار النظام في استيراد المواد الخام اللازمة لتصنيعها.
تقديرات ومخاوف جديدة
وتستند التقديرات الأخيرة إلى معلومات من مصادر متعددة، بينها تقارير استخباراتية، ومعلومات قدمها باحثون مستقلون ومنظمات غير ربحية، ما يشير إلى احتمال وجود مواقع لم يتم تحديدها بعد، بعضها ربما مخبأ في كهوف أو مناطق يصعب رصدها عبر الأقمار الصناعية.
وقال رائد الصالح، وزير الطوارئ والكوارث السورية، إن العديد من هذه المواقع لم تُكتشف بسبب التضليل الذي مارسه النظام السابق، مضيفاً أن المنظمات الإنسانية كانت تُمنع من الاقتراب من بعض المناطق.
من جانبه، كشف نضال شيخاني، مدير مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سوريا، أن مؤسسته تمكنت من تحديد مواقع جديدة محتملة، استناداً إلى شهادات لعلماء سوريين لجؤوا إلى أوروبا بعد هروبهم من البلاد.
بعد قضائي وجنائي
ولا يقتصر التوثيق على البعد الأمني، إذ تؤكد منظمات حقوقية أن هذه المواقع والمعلومات المتعلقة بها تُعد دليلاً مهماً في التحقيقات الجارية بشأن الجرائم المرتكبة باستخدام الأسلحة الكيميائية، والتي أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين، بينهم عدد كبير من الأطفال، ومن أبرزها مجزرة الغوطة في أغسطس/آب 2013.
ويعود تاريخ برنامج الأسلحة الكيميائية السوري إلى سبعينيات القرن الماضي، بمساعدة من خبراء تلقوا تدريبهم في دول أوروبية، أبرزها ألمانيا، وكان مركز الدراسات والبحوث العلمية التابع للجيش هو الجهة المشرفة على تطوير البرامج الكيميائية والتقليدية والنووية.
ويأمل المجتمع الدولي أن تسهم هذه الجهود الجديدة في كشف الحقيقة كاملة، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم الكيميائية، وطيّ صفحة هذا الملف المظلم من تاريخ سوريا، بما يضمن العدالة للضحايا، ويمنع تكرار المأساة في المستقبل.
سوريا تفتح منشآت كيميائية سرية أمام المفتشين الدوليين للمرة الأولى منذ الإطاحة بالأسد
في خطوة غير مسبوقة منذ أكثر من عقد، فتحت السلطات السورية أبواب مواقع إنتاج وتخزين أسلحة كيميائية لمفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW)، كانت تعود لفترة حكم بشار الأسد، والذي أطيح به في كانون الأول/ديسمبر الماضي.
ونقلت وكالة “رويترز” عن مصادر دبلوماسية وأممية مطلعة أن فريقًا من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية زار سوريا بين 12 و21 آذار الجاري، في مهمة تهدف إلى التحضير لتحديد وتدمير ما تبقى من ترسانة الأسد الكيميائية المحظورة. وزار الفريق خمسة مواقع، بعضها لم يسبق الإفصاح عنه للمنظمة، وبعضها الآخر تعرض للنهب أو القصف.
وأكدت المصادر أن الفريق حصل على وثائق ومعلومات مفصلة تتعلق ببرنامج الأسلحة الكيميائية الذي كانت تديره حكومة الأسد، إلى جانب الوصول الكامل إلى المواقع والأفراد المعنيين، في ما وصفته المنظمة بأنه “دعم وتعاون كامل من السلطات السورية المؤقتة وبشكل فوري”.
ولم تُفصح المنظمة عن تفاصيل إضافية، لكنها أشارت في بيان نُشر على موقعها إلى أن “الزيارة تمثل تطورًا جوهريًا في العلاقة مع السلطات السورية مقارنة بالموقف المتصلب الذي تبنته حكومة الأسد خلال السنوات الماضية”.
ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها تنفيذ فعلي لأحد الشروط الأميركية التي طُرحت مؤخرًا على دمشق كجزء من خارطة طريق نحو تخفيف جزئي للعقوبات الدولية، كما أفادت “رويترز” الأسبوع الماضي. وقد شملت تلك المطالب الأميركية تدمير ما تبقى من ترسانة الأسلحة الكيميائية، ومنع وجود مقاتلين أجانب في مواقع الحكم العليا، والتعاون في قضايا مكافحة الإرهاب.
وكان ثلاث تحقيقات أممية، من بينها تحقيق مشترك للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، قد خلصت إلى أن قوات الأسد استخدمت غاز السارين وغاز الكلور في هجمات متكررة خلال الحرب، ما أدى إلى مقتل أو إصابة آلاف المدنيين، في انتهاك صارخ للقانون الدولي.
ورغم نفي النظام السابق وروسيا المتكرر لاستخدام هذه الأسلحة، انضمت سوريا إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية عام 2013 بموجب اتفاق أميركي روسي عقب هجوم كيماوي مدمر في الغوطة الشرقية. وأعلنت المنظمة حينها عن تدمير نحو 1300 طن متري من المواد الكيميائية ومكوناتها.
إلا أن مفتشي المنظمة شككوا لسنوات بوجود مخزونات غير معلنة، وطالبوا بزيارة أكثر من 100 موقع يُشتبه في استخدامها لإنتاج أو تخزين هذه الأسلحة في عهد الأسد، وذكرت الوكالة أن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تستعد حاليًا لفتح مكتب ميداني دائم في سوريا، رغم تصاعد التوترات الأمنية في الفترة الأخيرة، وذلك ضمن جهود تعزيز الرقابة والتحقق.
وتُعد المنظمة التي تتخذ من لاهاي مقرًا لها وتضم في عضويتها 193 دولة، الجهة المكلفة بتنفيذ اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية لعام 1997، وقد سبق أن منحت جائزة نوبل للسلام في 2013 لجهودها في التحقق من التزامات الدول الأعضاء.