
جيل الثورة والتضحية: بين مقاعد الدراسة وساحات القتال
في ظل سنوات الثورة السورية، التي انطلقت طلباً للحرية والعدالة والكرامة، انتفض الشعب السوري ضد الظلم والاستبداد، ووقف في وجه نظام آل الأسد، الذي حكم البلاد بالحديد والنار لأكثر من خمسة عقود. وقف السوريون يداً واحدة في وجه الطغيان، وخرجوا في الساحات يهتفون لكرامتهم، مطالبين بوطنٍ حرٍّ عادل.
ومن بين هؤلاء، كان العديد من الشباب الذين اختاروا طريق الدفاع عن الوطن، فحملوا البندقية إلى جانب القلم، وانضموا للفصائل الثورية يقاتلون من أجل مستقبل أفضل. كثير منهم كانوا طلاب جامعات، يجمعون بين الدراسة والجبهات، بين حلم الشهادة الأكاديمية والشهادة في سبيل الله والوطن.
استشهد بعضهم قبل أن تكتمل فصول حكايتهم، فغابوا عن مشاهد النصر والتخرج، لكنهم تركوا خلفهم أثراً خالداً في قلوب ذويهم ورفاقهم، بينما واصل الآخرون طريقهم، حاملين ذكراهم ومسؤولية تحقيق حلمهم.
والآن، وبعد أن حققت الثورة السورية انتصاراتها، ولم تذهب تضحيات أولئك الشباب الأبرار سُدى، ما تزال مشاعر الفقد والحنين حاضرة في قلوب السوريين، خاصة تجاه أولئك الذين ضحّوا بأرواحهم من أجل الوطن، وغابوا عن لحظات الفرح والنصر التي كانوا يستحقونها.
وفي كل لحظة، وفي كل مناسبة، يستحضر الأهالي ذكرى أولئك الشباب الذين رحلوا، ويغمرهم الحزن لأنهم لم يعيشوا لحظات الفرح والانتصار، ولم يُكتب لهم أن يتموا دراستهم، أو يفرحوا بالتخرج، أو يحظوا بحياة طبيعية كغيرهم من الشباب.
وقد عكست حفلات التخرج التي أُقيمت مؤخرًا في إدلب وحلب وغيرها من المناطق هذه المشاعر العميقة، حيث كان الحنين حاضراً في قلوب الجميع تجاه أولئك الشهداء، الذين رُفع ذكرهم وتكريمهم في هذه الاحتفالات، وتظل ذكراهم حية في نفوس أهاليهم وزملائهم.
ومن تلك اللحظات المؤثرة، حضور أم في جامعة حلب الحرة لحفل التخرج، حيث جاءت لتحضره نيابةً عن ابنها الذي استشهد. حضرت الحفل، وصار الشباب يهتفون: "أم الشهيد، نحنا ولادك". كما كرّم الرئيس السوري أحمد الشرع والد أحد الشهداء، جمعة رياض ديرك، ابن قرية الشاتورية بريف إدلب، الذي استشهد في كمين غادر نفذته فلول النظام في ريف اللاذقية.
وفي سياق مماثل، نشرت جامعة إدلب مقطع فيديو يوثّق تكريم والدي الشهيد الخريج محمد طاهر همام عبد الباقي، أحد شهداء الجامعة الذين ارتقوا في معارك التحرير.كان المشهد مؤثراً للغاية، إذ لم يستطع والده ووالدته كبح دموعهما أمام الحضور، وكان تأثير المشهد عميقاً على الجميع، حيث تجلّت روح الوفاء والتكريم في أبهى صورها الإنسانية.
هؤلاء الشباب الذين ضحّوا بأرواحهم في سبيل وطنهم، ولم تُتح لهم الفرصة لحضور لحظات الفرح والتكريم – لحظات التخرج والانتصار – تركوا خلفهم أثراً خالداً، ستتناقله الأجيال لعشرات السنين. ستظل ذكراهم حاضرة في أذهان السوريين، الذين لن ينسوا يوماً تضحياتهم وعطاءهم الذي لا يُقدّر بثمن.