
تعنيف طفلة يسلط الضوء على آثار الانفصال الأسري .. طفولة مسحوقة تحت خلافات ما بعد الطلاق
ألقت الشرطة التركية في ولاية غازي عنتاب القبض على الشاب السوري "يوسف الطه"، المنحدر من قرية الطوبة بريف حلب، وذلك عقب انتشار مقطع مصور له وهو يعذب طفلته الصغيرة من طليقته، بطريقة قاسية، أثار جدلاً واسعاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي السوري والتركي على حد سواء.
وبحسب الروايات، فإن الرجل قام بتسجيل الفيديو في محاولة للضغط على طليقته التي انفصل عنها قبل أسبوعين، ولم يقم بتسليمها ابنته رغم مطالبتها بحضانتها رسمياً، ووفق المصادر ذاتها، فقد قام "الطه" بإرسال المقطع المصور مباشرة إلى طليقته بهدف استفزازها ودفعها للتنازل عن شكواها وحقوقها، حيث ظهر في الفيديو إلى جانب زوجته الثانية، بينما تولّى تصوير المقطع شقيق زوجته.
وردت طليقته بنشر الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، وسلمته لاحقاً إلى الشرطة، التي تمكنت من تحديد موقعه داخل مزرعة ريفية في إحدى قرى غازي عينتاب، حيث تم القبض عليه، عقب إثارة المقطع جدلاً واستنكاراً واسعاً على مواقع التواصل في سوريا وتركيا، فتح هذا الحدث الباب أمام قضية جوهرية ترتبط بعواقب الانفصال "الطلاق" بين الأزواج على الأطفال بشكل عام.
سوريا تحتل المركز السابع عربياً في حالات الطلاق
ومرّت سوريا خلال سنوات الحرب الممتدة لـ 14 عاماً بظروف قاسية على كافة الأصعدة سواء الاقتصادية والأمنية والاجتماعية وغيرها، لتؤثر على حياة الأفراد بشكل سلبي وتقلبها رأسا على العقب. ومن أبرز المشاكل التي تم تسجيلها خلال الفترات السابقة هو تفكك أسر وازدياد عدد حالات الطلاق في عموم مناطق سوريا.
وبحسب تقارير ودراسات عن ظاهرة الطلاق، فإن موقع "داتا بانداز" تحدث عن أعلى معدلات الطلاق في العالم لعام 2024، وكان ترتيب الدول العربية لعام 2024 بحسب معدل نسبة الطلاق كالتالي: ليبيا أولاً بنسبة 2.5، ثم مصر بنسبة 2.3، والسعودية بنسبة 2.1، والجزائر والأردن بنسبة 1.6، ثم سوريا والكويت بنسبة 1.3، وأخيراً الإمارات وقطر بنسبة 0.7. فتحتل سوريا المرتبة السابعة عربياًً في معدلات الطلاق لعام 2024. فكل 29 ألف حالة زواج يقابلها 11 ألف حالة طلاق، نتيجة لسوء الأوضاع المعيشية.
ويعدُّ الأطفال الفئة الأكثر تضرراً من انفصال الوالدين عن بعضهما البعض، نظراً لحالة الشتات التي سيعيشها بينهم، فكل واحد منهما بعد الطلاق سوف يطمح إلى اتخاذ حياة جديدة بعيدة عن الٱخر، في حين أن الطفل كل ما يطمح له هو حضن دافئ يعيش في كنفه بعيداً عن الألم أو المعاناة التي من المفترض بمثل هذه السن ألا يتجرعها.
الطفل ما بين رفض أبيه وتهرب أمه
أحياناً يُبتلى الطفل بأبوين مهملين لا يعرفان سوى مصلحتهما الشخصية وإن كانت على حساب الأبناء، فبحسب حالات رصدناها، كان هناك أطفال يعانون من رفض الأب الذي يطلب منهم الرجوع إلى أمهم بحجة أنه غير قادر على رعايتهم، كما ترفضهم الأم بذريعة أنها غير قادرة على تحمل التكاليف المادية لوحدها وأن الأب مقصر في دفع النفقة، ليعيش الأبناء حالة من الصراع.
أحياناً يقعُ الأطفال ضحايا التصرفات الاستفزازية التي يقوم بها أحد الشريكين تجاه الٱخر، لينتقم الطرف المُستفز بالتعامل مع الطفل فيضربه أو يحرمه من الأشياء المحببة بالنسبة له، وهذا ما حصل مع طفلة سورية كانت تعيش في غازي عنتاب مع والدها، الذي صورَ مقطع فيديو لها وهو يضربها ضرباً مبرحاً للضغط على طليقته كي تتنازل عن دعوى رفعتها ضده، وانتهتْ القصة بدخول الأب إلى السجن ودخول البنت إلى المشفى.
سوء معاملة في البيت الجديد
كما يتجرعُ الإبن الإحساس بالخسارة عقب طلاق أبويه، فلا يستوعب التغيير الذي طرأَ بشكل مفاجئ على حياته، ففي السابق كان مع والديه وفجأة صار مضطراً للاعتياد على غياب أحدهما، ويُجبر ببعض الأحيان على أن يختار بينهما، وممكن أن يبتعد عن كل منهما ويعيش في منزل الجد والجدة، إما أهل الأب أو أهل الأم، وفي هذه الحالة سيعاني من الشعور بعدم انسجام مع عائلة فُرض عليه العيش معهم، كما سوف ينتابه القلق كونه بعيد عن أبويه.
في الوقت ذاته اشتكى أطفال من سوء معاملة تلقوها في المنزل الجديد، وسبق وانتشر في منصات التواصل الاجتماعي فيديو بريف إدلب الشمالي لطفلة قام جدها بربطها خارج المنزل، ليسارع الجيران لإنقاذها ونقلها إلى المشفى، وبدا من خلال المقطع المصور أن الفتاة الصغيرة كانت في حالة يُرثى لها. وبسبب هذا النوع من التعامل الذي من الممكن أن يجده الطفل في البيت الجديد، سوف يشعر بالحقد والغضب تجاه أحد الآباء الذي يعتقد أنه كان سبب الانفصال. عدا عن إمكانية فقدانه الإحساس بالأمان والاحتكار والنبذ.
تحاولُ منظمات إنسانية أن تقدم مبادرات لتوعية الناس حول مخاطر الطلاق وتأثيره على الأطفال، وبضرورة وجود حوار بين الزوجين والإختيار الصحيح كي لا يعاني الأبناء من مستقبل مجهول ومحفوف بالمصاعب نتيجة قرار خاطئ وغير مسؤول.