تحديات عودة اللاجئين السوريين رغم سقوط نظام الأسد: الواقع والآفاق
تحديات عودة اللاجئين السوريين رغم سقوط نظام الأسد: الواقع والآفاق
● أخبار سورية ٢٦ يناير ٢٠٢٥

تحديات عودة اللاجئين السوريين رغم سقوط نظام الأسد: الواقع والآفاق

رغم سقوط نظام بشار الأسد في أواخر عام 2024 بعد سنوات من الصراع الدموي الذي أدى إلى تهجير الملايين من السوريين، لا تزال فكرة العودة إلى الوطن تمثل معضلة معقدة تواجه معظم اللاجئين السوريين حول العالم. 

وتتداخل مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية لتشكل عوائق تحول دون اتخاذ اللاجئين قرار العودة. في هذا التقرير، ونسلط الضوء في هذا التقرير على أبرز هذه العوائق ونستعرض الخلفيات التي تجعل منها تحديات يصعب تجاوزها في الوقت الراهن.

1. العقوبات الدولية وتأثيرها على الاقتصاد السوري

منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، فرضت الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، حزمة واسعة من العقوبات على نظام الأسد والقطاعات الاقتصادية المرتبطة بها.

ورغم سقوط نظام الأسد، فإن هذه العقوبات لم تُرفع، بل تشير التقارير إلى أن المجتمع الدولي يتردد في اتخاذ خطوات لتخفيف الضغط الاقتصادي قبل وجود حكومة مستقرة وضامنة لحقوق الأقليات والمرأة.

وتشمل العقوبات الدولية قطاعات رئيسية مثل الطاقة، والبنوك، والاستثمار الأجنبي، ما يعيق أي جهد لإعادة الإعمار.

ونتيجة لذلك، يعاني الاقتصاد السوري من شلل شبه كامل، مع انكماش الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية.

وبالنسبة للاجئين الذين يفكرون في العودة، فإن هذه العقوبات تجعل من الصعب العثور على فرص عمل أو تأمين مصادر دخل مستدامة.

2. فقدان الأمن

رغم أن سقوط نظام الأسد كان بمثابة نهاية لمرحلة دموية طويلة امتدت لأكثر من 13 سنة، فإن البلاد لا تزال تعاني من تحديات أمنية كبيرة. فعلى سبيل المثال:
 • ما زالت بعض المناطق، خاصة في شرق سوريا والخاضعة لسيطرة ميليشيات قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، حيث تستمر المعارك لغاية اللحظة بين فصائل من الجيش الوطني السوري وقسد.

 • ما تزال القواعد العسكرية التابعة لروسيا وامريكا وتركيا موجودة في الأراضي السورية، ما قد يعني ذلك استمرار الصراع بين هذه الدول، ما سيزيد من فرص استمرار الحروب.

 • عودة ظاهرة التفجيرات وعمليات الانتقام الطائفية في بعض المناطق تثير قلق اللاجئين الذين يخشون أن يصبحوا أهدافًا لعمليات تصفية أو انتقا، حيث تقوم مجموعات من فلول نظام الأسد بتنفيذ عمليات تستهدف قوات الأمن والمدنيين.

هذا الانعدام المستمر للأمن يجعل العودة مخاطرة كبيرة، خاصة في ظل غياب مؤسسات أمنية موحدة وقادرة على فرض القانون بشكل عادل.

3. ضعف البنية التحتية وارتفاع تكاليف المعيشة

تُعد البنية التحتية واحدة من أكثر الجوانب تأثرًا في الحرب في سوريا، حيث دُمرت نسبة كبيرة من المنازل والمستشفيات والمدارس وشبكات المياه والكهرباء.

ووفقًا لتقارير أممية، فإن إعادة بناء البنية التحتية تتطلب مئات المليارات من الدولارات، وهي مهمة تبدو مستحيلة في ظل العقوبات وضعف الدعم الدولي.

بالإضافة إلى ذلك، تعاني المناطق التي لم تتضرر بشدة من الحرب من ارتفاع كبير في تكاليف المعيشة، بما في ذلك الإيجارات وأسعار المواد الغذائية والخدمات الأساسية، فعلى سبيل المثال، ارتفعت أسعار الإيجارات في دمشق وحلب إلى مستويات تفوق دخل العائلات العائدة، مما يجعل من الصعب عليهم الاستقرار.

4. الرواتب الضعيفة والبطالة المرتفعة

في سوريا، يبلغ متوسط الدخل الشهري في القطاعات العامة والخاصة حوالي 20 دولارًا أمريكيًا، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية. 

البطالة أيضًا في مستويات غير مسبوقة، حيث تقدر نسبتها بأكثر من 50% بين الشباب، فهذه الأرقام تجعل من العودة مخاطرة اقتصادية، خاصة بالنسبة للعائلات التي تعتمد على تحويلات مالية من أقاربها في الخارج، وبدون فرص عمل مستقرة، سيواجه اللاجئون تحديات كبيرة في توفير متطلبات الحياة اليومية.

5. التخوف من عدم قبول جهات خارجية وجود الإسلاميين في الحكم

أحد العوامل المثيرة للقلق بين اللاجئين هو هيمنة هيئة تحرير الشام المصنفة في قوائم الإرهاب العالمية، على مفاصل الحكم في سوريا، رغم التطمينات الكبيرة التي أرسلتها الهيئة للمجتمع الدولي وأيضا الداخل السوري، إلا أن ذلك ما يزال غير مطمئن لبعض اللاجئين وغير مشجع لهم بالعودة.

وعلى الرغم من أن مخاوف اللاجئين السوريين ليست نابعة بالضرورة من وجود الإسلاميين أنفسهم، فإن اللاجئين قلقون من أن تتدخل دول إقليمية وغربية، رافضة لوجود الإسلاميين في السلطة، وستعمل لزعزعة الاستقرار وإفشال أي مسعى للسلطات الجديدة، خاصة أن جميع الدول لغاية الأن ترفض رفع العقوبات بشكل كامل.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد علقت جزء بسيط من العقوبات ولفترة 6 أشهر فقط، بينما لم ترفع الدول الأوروبية ايا من عقوباتها بعد، وهو ما يشير لضغوطات غربية وربما تخوفات من السلطة الجديدة في سوريا.

هذا القلق لدى اللاجئين ينبع من التجارب السابقة لدول أخرى، حيث يؤدي التدخل الدولي إلى تعميق الانقسامات الداخلية وتفاقم الصراعات الأهلية.

6. استمرار الصراعات في بعض المناطق السورية

على الرغم من انتهاء الحرب بشكلها التقليدي، لا تزال هناك مناطق في سوريا تعاني من صراعات مسلحة، لا سيما في الشرق حيث تدور اشتباكات متقطعة بين قوات قسد وفصائل الجيش الوطني السوري. هذه الاشتباكات تؤدي إلى نزوح داخلي مستمر وتخلق شعورًا بعدم الاستقرار، مما يثني اللاجئين عن العودة.

كما أن بعض المحافظات مثل السويداء ما تزال تحت سيطرة فصائل مجلية، ولم يتم السماح لقوات الأمن التابعة لسلطة الإدارة الجديدة من دخول المحافظة، وهو ما يعني عدم سيطرتهم على سوريا بشكل كامل، وربما يشير أن الصراع لم ينتهي بعد.

وعلى الرغم من اللقاءات المستمرة بين وزارة الدفاع السورية والفصائل المسلحة، والتي تشير إلى اتفاق مستمر بين الفصائل لتجنب أي صراع مستقبلي، إلا أن هناك تخوف لبعض اللاجئين من عودة الصراع الفصائلي والذي إذا حصل سيكون مدمرا للغاية.

7. المخاوف من الانتقام الطائفي

على مدار سنوات الحرب، ازدادت حدة الانقسامات الطائفية في سوريا. ورغم الدعوات للتسامح والمصالحة التي أصدرتها السلطات السورية الجديدة متمثلة بقائدها أحمد الشرع، إلا أن هناك تقارير تشير إلى حدوث عمليات انتقام ذات طابع طائفي في بعض المناطق.

هذا الوضع يثير مخاوف خاصة بين اللاجئين الذين ينتمون إلى أقليات طائفية أو عرقية. فهم يخشون أن يتعرضوا للتمييز أو حتى العنف عند عودتهم إلى مجتمعاتهم الأصلية.

8. غياب الدعم الدولي لإعادة الإعمار والعودة

على الرغم من التصريحات المتكررة من قبل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية حول ضرورة عودة اللاجئين، فإن المجتمع الدولي لم يقدم دعمًا ملموسًا لإعادة إعمار سوريا أو تسهيل عودة اللاجئين، إذ أن برامج إعادة الإعمار الممولة دوليًا غالبًا ما تتعرض للعرقلة بسبب التنافس السياسي بين القوى الكبرى.

وفي ظل هذا الوضع، لا يزال غالبية اللاجئون السوريون خاصة في الدول المحيطة بسوريا مثل الأردن وتركيا، في حيرة من أمرهم، إذ لدى الكثير منهم تخوفات كبيرة جدا وتحديات هائلة، خاصة ممكن لديهم عائلة كبيرة واطفال صغار لديهم متطلبات كثيرة ليس أولها السكن والغذاء وليس آخرها الدواء والعلاج،.

آفاق الحلول: هل من سبيل لتشجيع العودة؟

لكي تتمكن سوريا من استعادة اللاجئين، يجب معالجة القضايا الأساسية التي تقف عائقًا أمام عودتهم، من خلال الخطوات التالية:


 • رفع العقوبات الدولية بشكل تدريجي: هذا يمكن أن يسهم في إنعاش الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة.

 • إعادة بناء البنية التحتية: يجب على المجتمع الدولي المساهمة في تمويل مشاريع إعادة الإعمار، خاصة في المناطق الأكثر تضررًا.

 • تعزيز الأمن والاستقرار: توحيد الفصائل وإنهاء الصراع بينهم، والإتفاق على تفضيل الحلول السياسية على العسكرية

 •  حقوق الإنسان : ضمان حقوق الإنسان والأقليات والمرأة، وايضا ضمان حرية التعبير وممارسة الشعائر الدينية لكل الطوائف بكل حرية.

 • تعزيز المصالحة الوطنية: يتطلب ذلك جهودًا حقيقية لردم الهوة بين الطوائف وتعزيز التعايش السلمي، خاصة من خلال محاسبة المجرمين لتهدئة النفوس وعدم توجههم للإنتقام بشكل فردي.


ورغم انتهاء مرحلة مهمة في تاريخ سوريا بسقوط نظام الأسد، فإن الطريق نحو عودة اللاجئين لا يزال مليئًا بالتحديات، ويتطلب تشجيع اللاجئين على العودة معالجة جذرية لمجموعة واسعة من القضايا الأمنية والاقتصادية والاجتماعية.

مع ذلك، تبقى مسألة العودة قرارًا فرديًا يتوقف على الظروف الشخصية لكل لاجئ، وهو ما يجعل المستقبل غير واضح المعالم بالنسبة لملايين السوريين في الخارج.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ