
بيع الأراضي وإعادة البناء: معاناة الأهالي في ريف إدلب بعد التحرير
بعد سقوط النظام البائد، بدأ الناس يفكرون في العودة إلى قراهم وبلداتهم، لكنهم اكتشفوا أن منازلهم مدمرة وغير صالحة للسكن نتيجة القصف الممنهج من قبل قوات النظام المخلوع، ما اضطرهم إلى إعادة بنائها وترميم ما يمكن ترميمه.
إلا أن أغلبهم كانوا يعانون من ظروف اقتصادية قاسية تدهورت خلال سنوات النزوح الماضية، فلم يكن أمامهم خيار سوى اقتراض المال من الآخرين أو بيع أراضيهم التي يملكونها أو البعض منها لتأمين احتياجاتهم وإصلاح منازلهم المتضررة.
مقابل ذلك، تُحظى الأراضي بمكانة رمزية كبيرة لدى الأهالي، وخصوصاً في المناطق الريفية السورية، حيث يعتبر الفلاح الأرض جزءاً لا يتجزأ من عائلته، ولا يبيعها إلا في أشد الظروف، مستنداً إلى المثل القائل: "الأرض عرض لا تُباع".
ويعتني بها أصحابها كما لو كانت أحد أفراد أسرهم، فهي مصدر رزقهم وخيرهم، يحرثونها ويفلحونها ويستثمرون خيراتها في كل موسم، كما يمنح وجود الأرض شعوراً بالأمان لمالكيها، إذ تمثل الحل الذي يخفف كربهم في أوقات الأزمات الاقتصادية، وتشكل سنداً دائماً أمام تقلبات الحياة.
إلا أن الواقع الذي واجهه العائدون فاق توقعاتهم، وإمكانياتهم الاقتصادية وقدراتهم المالية، ما دفعهم إلى اللجوء إلى الأراضي كخيار لتخفيف أعبائهم ومواجهة الأزمة الاقتصادية التي يمرون بها. بل إن بعضهم لم يكتفِ ببيع أراضيهم لتأمين ترميم وإصلاح منازلهم، بل اضطر أيضاً لبيعها لسداد الديون التي تراكمت عليهم خلال سنوات النزوح الماضية.
يقول أبو مصطفى، النازح من ريف إدلب الجنوبي، إنه اضطر للنزوح من قريته قبل ستة أعوام والعيش في بيوت مستأجرة، إذ لم يستطع تحمل ظروف المخيمات القاسية خلال سنوات النزوح. وخلال هذه الفترة، فصله النظام البائد من وظيفته، و تراكمت عليه الديون حتى بلغت نحو ستة آلاف دولار، مما اضطره في النهاية لبيع أرضه لتسديدها.
كما اضطرت بعض الأسر، وخاصة تلك التي زاد عدد أفرادها خلال سنوات النزوح، إلى التنازل عن أراضيها. فمع حصول زيجات جديدة وتشكّل عائلات إضافية ضمنها، أصبح من الضروري إنشاء مساكن إضافية لاستيعابهم في مناطق وقرى العودة.
وفي الوقت ذاته، شهدت تكاليف البناء وموادها ارتفاعاً كبيراً مقارنة بالسنوات الماضية، ما اضطر الأهالي لدفع مبالغ مالية تتجاوز إمكانياتهم المادية. ومع كل قطعة أرض يبيعونها، كانوا يشعرون وكأنهم يتخلون عن جزء من أرواحهم، بحسب ما وصفه من تحدثنا معهم، إلا أن قسوة الظروف أجبرتهم على ذلك.
يأمل أهالي ريف إدلب الذين اضطروا لبيع أراضيهم أن يتمكنوا في الأيام القادمة من الحفاظ على ما تبقى منها، وأن تتحسن أوضاعهم المعيشية بما يسمح لهم في المستقبل باستعادتها أو شراء أراضٍ جديدة لأطفالهم وأحفادهم.
النمط السائد في التفكير لدى الأهالي هو أن الأب يشتري أراضي لبناء منازل لأبنائه مستقبلاً عند زواجهم، بحيث تكون منازل أفراد العائلة متقاربة ومترابطة، محافظين بذلك على تماسك العائلة وارتباط أفرادها ببعضهم البعض.
بعد سنوات النزوح، يواجه أهالي ريف إدلب تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة عند عودتهم، حيث تدمّرت منازلهم وارتفعت تكاليف إعادة البناء، ما اضطر كثيرين منهم لبيع أجزاء من أراضيهم لتسديد الديون أو تمويل الإصلاحات. ورغم الصعوبات، يسعى الأهالي للحفاظ على ما تبقى من أراضيهم، مستندين إلى أهميتها المعنوية والمادية.