
بعد نشر مقطع تعنيف طفلة من قبل والدها.. العنف ضد الأطفال يثير القلق
تشهد مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر انتشار مقاطع صادمة تُوثّق تعنيف أطفال سوريين على يد ذويهم، في مشاهد قاسية تستفز مشاعر المتابعين وتدفعهم للمطالبة بمحاسبة الجناة وتقديم الدعم للضحايا. ومع تكرار هذه الحالات، باتت المؤشرات تشير إلى اتساع الظاهرة في بعض المناطق، وسط ظروف اجتماعية واقتصادية متشابكة تساهم في تغذيتها.
وفي كل مرة تُنشر فيها هذه الفيديوهات، يُقابلها موجة من الغضب الشعبي، حيث يُعرب كثيرون عن استعدادهم لتقديم الدعم النفسي والمادي للأطفال المعنّفين، مطالبين بكشف تفاصيل الحالات ومحاسبة الفاعلين. ويطرح هذا التفاعل المتكرر سؤالًا ملحًّا: ما أسباب استمرار هذه الممارسات رغم الرفض المجتمعي الواسع؟
تركيا: القبض على رجل عنّف طفلته بوحشية في غازي عنتاب
أعلنت ولاية غازي عنتاب التركية، يوم الأحد 6 نيسان/أبريل، القبض على رجل ظهر في مقطع فيديو وهو يعتدي بوحشية على طفلته، في حادثة أثارت موجة استنكار واسعة على وسائل التواصل.
وظهر الرجل في الفيديو وهو يركل الطفلة، ثم يسحبها من شعرها بعنف وهو يصرخ بها بالعربية: “قولي بابا”، بينما كانت تبكي، وسط تصوير من شخص آخر لم يظهر في المشهد.
وأوضحت الولاية أن المقطع تم تداوله في 4 نيسان، وتم تحديد هوية المعتدي، ويُدعى (ي.إ.)، وهو شخص أجنبي، وجرى اعتقاله من قبل فرق الدرك، فيما وُضعت الطفلة تحت حماية مديرية خدمات الأسرة والشؤون الاجتماعية.
ولم يوضح البيان جنسية المعتدي، لكن مصادر محلية وتركية أكدت أنه سوري، بينما تضاربت الروايات حول دوافع هذا الاعتداء الوحشي.
مفاهيم موروثة تشرّع العنف
لا يزال بعض الأهالي يعتبر أن الضرب وسيلة “فعّالة” في التربية، مستندين إلى موروث شعبي مفاده: “نحن انضربنا ولم يصبنا مكروه”. إلا أن هذا النمط من التفكير يُغفل الآثار النفسية العميقة التي قد تتركها هذه الممارسات على الطفل، والتي تتراوح بين الخوف الدائم، فقدان الشعور بالأمان، وكره الأهل، فضلًا عن تكوين شخصية مهزوزة يصعب عليها الثقة بالآخرين أو الدفاع عن نفسها.
وغالبًا ما يكون الجهل وقلة الوعي الحقوقي والديني من أبرز العوامل الداعمة لهذا السلوك، إذ تُحرّم الشريعة الإسلامية ضرب الأطفال بطرق مهينة، وتدعو إلى التربية بالرحمة والموعظة الحسنة، بينما تُظهر بعض الحالات أن الجناة يفتقرون إلى أبسط معايير التعليم أو الثقافة.
الخلافات الزوجية.. والأطفال هم الضحية
في عدد من الحالات التي تم توثيقها، تبيّن أن بعض مقاطع تعنيف الأطفال صُوّرت عمدًا كوسيلة ضغط أو انتقام بين الأزواج، لا سيما في حالات الانفصال أو النزاع على الحضانة. حيث يعمد الأب –في بعض الوقائع– إلى تصوير فيديوهات ضرب لأطفاله بهدف إرسالها إلى زوجته، لدفعها إلى التراجع عن قراراتها، أو التنازل عن حقوقها، أو إثارة مشاعر الذنب والندم لديها.
وفي سياق مشابه، اشتكت عدد من النساء من قيام الأزواج السابقين بتعنيف الأطفال فقط بهدف إيذائهن نفسيًا، مما يسلّط الضوء على غياب منظومة الحماية الاجتماعية والقانونية للأسرة والطفولة.
الضغوط الاقتصادية.. سبب إضافي
يلعب العامل المادي دورًا رئيسيًا في زيادة معدلات العنف داخل بعض الأسر. فالفقر والبطالة وشحّ الموارد يدفع بعض الآباء إلى تفريغ توترهم في أفراد عائلاتهم، لتتحول البيئة المنزلية إلى دائرة عنف دائمة، يتعرض فيها الأطفال لأشدّ أشكال العقاب البدني لأتفه الأسباب.
آثار نفسية وجسدية خطيرة
لا تقتصر تداعيات العنف على اللحظة الآنية فحسب، بل يمتد أثره ليُهدّد حاضر الطفل ومستقبله. إذ يفقد الطفل ثقته بنفسه، ويعيش في حالة دائمة من القلق والخوف، ويصبح أكثر عرضة للتنمّر أو الاستغلال. وفي الحالات القصوى، قد تخلّف الضربات آثارًا جسدية بالغة تصل إلى الإعاقات الدائمة.
جهود توعوية لمواجهة الظاهرة
تحاول المنظمات الإنسانية ووسائل الإعلام المحلية والناشطون تسليط الضوء على هذه القضايا باستمرار، عبر إطلاق مبادرات توعوية وتقديم جلسات دعم نفسي وتدريب للأهالي، ضمن مشاريع الحماية المجتمعية التي تُعنى بالطفل.
وفي كل حالة موثقة، تعمل الجهات الحقوقية والإعلامية على المطالبة بتوفير الحماية للطفل، واتخاذ الإجراءات القانونية بحق الجناة، في محاولة للحد من انتشار الظاهرة وضمان بيئة آمنة للأطفال في مختلف المناطق.