
الشعب المكلوم .. سوريون معتقلون في سجون الأسد وقسد وتنظيم الدولة والفصائل الثورية
تعتبر قضية "المعتقلين" من أبناء الشعب السوري الثائر، من أعقد القضايا التي شابها الكثير من المظالم والغموض، والتي كانت أحد أبرز الوسائل التي استخدمها نظام الأسد في تقييد حرية التعبير وكبح جماح الثورة السورية، حيث مارست الأفرع الأمنية عمليات الاعتقال بشكل واسع بعد بدء الحراك الثوري، وزجت في غياهب السجون عشرات الآلاف من أبناء الشعب السوري باسم التعرض لأمن وهيبة الدولة، لا يعلم مصيرهم حتى اليوم.
ولطالما كانت قضية المعتقلين في سجون الأسد والميليشيات التابعة له هي الشغل الشاغل لمؤسسات الثورة المختلفة منها الحقوقية والمدنية وحتى العسكرية، تعمل على توثيق انتهاكات الأسد بحق المدنيين، والعمل على متابعة قضايا المعتقلين ضمن المحافل الدولية والمطالبة بهم، والضغط بما أمكن لحل قضيتهم التي تعتبر من أكبر القضايا المعقدة حتى اليوم، في الوقت الذي يواصل فيه نظام الأسد عمليات الاعتقال والقتل الجماعي في سجونه المظلمة دون أي رقيب.
ولا تقتصر عمليات الاعتقال على القوى الأمنية التابعة لنظام الأسد على الرغم من أنه سبق جميع القوى بأشواط كبيرة، إلا أن الاعتقالات بحق أبناء الشعب السوري استمرت في المناطق التي خرجت عن سيطرة نظام الأسد، حيث مارست جميع القوى الأخرى ولا تزال عمليات الاعتقال لكل من يخالفها في الرأي أو ينتقد تصرفاتها، فانتشرت الاعتقالات بشكل كبير في مناطق سيطرة تنظيم الدولة بتهم عدة منها الانتساب لفصائل الثورة الذين وصفوا بـ "المرتدين"، كما مارست قوات قسد الانفصالية عمليات الاعتقال بهدف التجنيد الإجباري في صفوفها طالت العرب والكرد والسريان والتركمان.
وفي المناطق المحررة أيضاَ كانت الاعتقالات أحد أبرز أعمال الكتائب الأمنية التابعة للفصائل المسيطرة، حيث طالت الاعتقالات المئات من الشباب الثائر بتهمة " أمن الثورة" و "الدعشنة" و مناوئة الفصيل أو الانتماء لفصيل آخر يعاديه، تأتي هيئة تحرير الشام في المرتبة الأولى بعمليات الاعتقال تليها حركة أحرار الشام وجيش الإسلام وفيلق الرحمن وفصائل أخرى، ولا يمكن مقارنة اعتقالاتها بما يقوم به نظام الأسد إلا أنها تسجل ضد الجميع كاعتقالات طالت أبناء الشعب السوري.
وشكل اتفاق المدن الخمسة الموقع مؤخراً بما يتعلق بعمليات التهجير من أطراف العاصمة دمشق ومايقابلها من إجلاء لأهالي كفريا والفوعة نقطة فاصلة في قضية المعتقلين، بعد عجز الفصائل جميعاً لاسيما القائمة على تنفيذ الاتفاق عن إخراج أي من المعتقلين ضمن الصفقة المبرمة، ما دفع ذوي المعتقلين والمدنيين للخروج في مظاهرات شعبية طالبت بالمعتقلين وانتقدت عجز الفصائل عن إخراج أبنائهم بعد عملية التلاعب التي يمارسها نظام الأسد في إخراج معتقلين جدد، والذي يعتبر بند خروج المعتقلين أحد بنود الاتفاق الذي تلاعب فيه نظام الأسد.
ولعل الغضبة الشعبية ضد الفصائل يعود سببها لأمور عدة أولها أن الفصائل اتبعت ذات السياسة التي انتهجها نظام الأسد في حرب مناهضيه، فاعتقلت أبناء الشعب في المناطق المحررة في الوقت الذي وجدت فيه هذه الفصائل لحمايته، إلا أنها أرهقت كاهله بصراعاتها والاعتقالات التي مارستها وعمليات تضييق عدة بدوافع السيطرة والتسلط والتنافس، أيضاَ عدم وجود جهة قضائية مستقلة تضمن حقوق هؤلاء المعتقلين ومحاكمتهم، حيث تشتت المحاكم وتنوعت السجون لكل فصيل على حدة، وأخيراً وليس آخراً هو الصفقات السرية التي باتت تجريها الفصائل في عمليات التبادل على أسرى لديها من قوات الأسد والميليشيات الشيعية، تخرج معتقلين محسوبين على الفصائل ذاتها، وفي النهاية امتلاك الفصائل للمئات من الأسرى لنظام الأسد بينهم جنود وضباط وطيارين وقادة من الميليشيات الشيعية لم يتم تبادلهم حتى اليوم على آلاف المعتقلين في السجون، إلا باتفاقيات سرية حسب وصف البعض.
ولعل الدعوات الأخيرة التي طالب بها ناشطون جميع الفصائل بـ "تبييض سجونها" جاءت بعد حالة اليأس الكبيرة والإحباط التي مني بها الشعب الثائر مع استمرار عمليات الاعتقال بحق أبنائه، وبالتالي كان لا بد من وضع هذا الملف على قائمة الأولويات لديهم، طالبوا بالإفراج عن معتقلي الرأي والمتهمين بالفساد وحجج كثيرة اعتقلوا بها، و استثنوا من مطالبهم كل من تلوثت يداه بدماء الشعب الثائر شريطة وجود محكمة عادلة يشرف عليها قضاة مستقلون ينظرون في جميع الدعاوي.
وقوبلت هذه الدعوات بما أسماه البعض " فقاعات إعلامية " أو بيانات إبر المسكن بعد سلسلة من البيانات التي صدرت عن عدة فصائل أبرزها هيئة وأحرار وفيلق الشام" ودور قضاء عدة، بعفو عام عن كل من قضى نصف حكمه استثنت من ذلك كل معتقل باسم "أمن الثورة" ذلك المصطلح الفضفاض الذي غيب المئات من المعتقلين، حيث أثبتت المتابعات أنه لم يخرج أي من المعتقلين ضمن هذه الإعفاءات إلا عدد يسير جداً وبالتالي لم تحقق مطالب الشعب الثائر.
وتعد قضية المعتقلين، من أعقد القضايا التي شابها الكثير من المظالم والتعديات باسم "أمن الثورة وأمن الوطن وهيبة الدولة"، وباتت الاعتقالات التي تمارسها المكاتب الأمنية بحق أبناء الشعب باباً لتصفية الحسابات والخصوم وزج كل من يعارض السياسات ويرفض أعمالها وينتقد تصرفات عناصرها، فيكون مصيره الاعتقال والزج في غياهب السجون المظلمة، تتطلب التحرك بشكل دائم وعلى جميع الأصعدة للوصول لمرحلة تبييض سجون الجميع من أبناء الشعب السوري، ليبصروا النور بعد سنين من العذاب والضياع.