
الزواج في الغوطة الشرقية يستمر رغم الحصار و عقبات المادة تقف عائقاً خانقاً
تتابع “نور” رقصات رفيقاتها ، في ليلة زفافها ، في غمرة ما يصطلح عليه بـ”فرحة العمر” ، بانتظار أن تنتهي الحفلة لتنتقل إلى بيت زوجها ، في مشهد بات اعتيادياً في الغوطة الشرقية ، التي رغم كل ما واجهته و تواجهه ، لا زال أهلها قادرين على مواجهة وأد الحياة بتوليد حيوات جديدة .
تضم الغوطة ، الخارجة عن سيطرة الأسد و نظامه من قرابة الخمس سنوات ، في جنابتها أكثر من ٤٠٠ ألف نسمة ، يسعى هؤلاء للقفز فوق حفر الموت المنتشرة بكثرة و المتكاثرة بشكل مستمر ، بالحفاظ على ديمومة الحياة ، و سجل قرابة ١٧٥٠٠ حالة زواج في الغوطة الشرقية منذ عام ٢٠١٣ ، كان نصيب مدينة دوما منها ما يقارب ٥٣٠٠ حالة.
لا تختلف التحضيرات لـ”العرس” ، التي أجرتها “نور” ، من مدينة ( دوما) ، عن السابق كثيراً ، و لكن مقدار الاختلاف الضئيل يجعل منه شاقاً ، على “نور” و أهلها و عريسها ، فمع الحصار و خطورة التنقل ، لايوجد بهجة لما يعرفه السوريين بـ”تجهيز العرس” ، فخطر القصف المستمر ، حول المحال و الأسواق إلى البيوت ، و بدلاً من النزول إلى السوق تتنقل “نور” بين البيوت التي تضم في احدى غرفها محلاً يحوي بضائع من لباس و مسلتزمات أي فتاة مقدمة على الزواج .
كانت تكاليف الزواج في الغوطة الشرقية ، تقارب الألف دولار أمريكي ، و هي تكاليف باهظة مع ضيق مصادر الرزق في ظل حصار مستمر و متواصل و خانق منذ أربع سنوات ، مما جعل القادرين على الزواج قلة ، الأمر الذي نشّط دور هيئات و مؤسسات تعمل على تيسير أمور و مساعدة المقبلين على الزواج ، من ضمنها انتشار ظاهرة الزواج الجماعي .
تسري ذات العادات ، التي كانت قبل الثورة على الفترة الحالية ، اذ يقسم المهر إلى ثلاثة أقسام “مقدم” و “مؤخر” و “ ملبوس بدن” ، و تقول “نور” ، وتبلغ من العمر ٢١ عاماً ، أنه مهرها كان 150 الف ليرة سورية ( تقريباً ٣٠٠ دولار) مقدم و150 ألف مؤخر و150 ألف “ملبوس البدن” ، مع الاشارة إلى أن المقدم والمؤخر لا تأخذهم العروس وفق عادات الغوطة الشرقية.
يلعب الحصار دوراً محورياً في تصعيب عملية تجهيز العروس لزفافها و الحياة الجديدة التي ستدخلها ، فاضطرت “نور” للاستغناء عن الكثير من المستلزمات بسبب عدم توافرها أو تواجدها بأسعار فلكية ، و ذات الأمر ينطبق على اللباس مع جنون الأسعار حيث يصل سعر متر القماش الواحد 1500 ليرة وما فوق .
و يقول صلاح المصري مدير مكتب القطاع الأوسط في مجلس ريف دمشق الإغاثي ، أن يقوم المكتب بتقديم مبالغ مجزئة للراغبين بالزواج بين ( ذهب - ملبوس العروس - تجهيزات بيت الزوجية) ، اضافة إلى تكفل المكتب باقامة عرس جماعي ( يحتفل بـ ١٥ شاب و شابة ) بين الفترة و الأخرى ، و لكن مع اشتداد القصف و الخوف على حياة المدنيين من التجمعات ، فتم إلغاء جزئية حفل الزفاف.
و بين “المصري” ، الذي يشرف على مكتب مسؤول عن رعاية الأيتام و التعليم و الصحة ، أن هناك عزوف كبير من الشباب المتواجدين في الغوطة عن الزواج بسبب الحصار ، الذي خلف بطالة كبيرة في صفوف الشباب و غلاء فاحش بالأسعار التي شملت جميع مناحي الحياة ، الأمر الذي دفع المكتب لاطلاق مشروع “ليسكنوا إليها” ، الذي شمل قرابة ٢٠٠ شاب في الغوطة .
و أشار “المصري” أن العادات و التقاليد في مختلف مناطق الغوطة متشابهة تقريباً و لا اختلاف بينها ، فالأعراس تفصل بين الرجال و النساء ، حيث كان المكتب ينظم عرس مشترك للرجال ، في حين كان العريس يتكفل بحفلة “النساء” .