"الرقة الأسيرة" أربع أعوام ونيف على التحرير معذبة من يد مغتصب لآخر
"الرقة الأسيرة" أربع أعوام ونيف على التحرير معذبة من يد مغتصب لآخر
● أخبار سورية ١٧ أكتوبر ٢٠١٧

"الرقة الأسيرة" أربع أعوام ونيف على التحرير معذبة من يد مغتصب لآخر

نالت مدينة الرقة عاصمة الرشيد حريتها في وقت مبكر، فكانت أولى المدن التي تخرج عن سيطرة قوات الأسد في آذار من عام 2013، شارك في تحريرها فصائل الجيش السوري الحر من محافظة الرقة ومن محافظات حلب وإدلب ودير الزور، إضافة لفصائل أحرار الشام و"جبهة النصرة" آنذاك، بعد معارك استمرت لأيام قليلة، تلا ذلك تحرير باقي مناطق الريف وإعلان مدينة الرقة محررة كأول مدينة سورية تخرج عن سيطرة الأسد.

 

لم تفرح الرقة بحريتها طويلاً بعد أن دب الخلاف والشقاق بين الفصائل لاسيما مع دخول تنظيم الدولة في العراق والشام وسلسلة الاقتتال مع "جبهة النصرة" وأحرار الشام، وانضمام عناصر الفصيلين للتنظيم، لتعود الرقة "أسيرة" يغتصبها دعاة الإسلام وترفع أعلامهم السوداء على أرضها المخضبة بدماء كل الأحرار بعد سلسلة عمليات اغتيال وتصفية.

 

مع سيطرة تنظيم الدولة وإعلان "دولة الخلافة" والتي باتت مدينة الرقة عاصمتها ومركز القيادة فيها، بدأ التنظيم ممارساته التعسفية بحق أبناء المدينة ونشطائها بعد انضمام غالبية العناصر من أحرار الشام و"جبهة النصرة" للتنظيم، وبات الناشط والثائر ملاحقاً في كل مكان من مدينة الرقة، ثم توسع ذلك ليسير التنظيم على كامل الريف المحرر ويفرض وجوده بشكل قوي كأكبر قوة عسكرية مهيمنة في 12/ كانون الثاني/ 2014، مع بقاي فلول ومواقع لقوات الأسد في عدة نقاط عسكرية سيطرت عليها لاحقاً.

 

عانت مدينة الرقة طوال ثلاثة أعوام ونيف الويلات في ظل سيطرة تنظيم الدولة، من قتل وذبح واعتقالات وتنكيل وقيود فرضت على المدنيين، حكم بالحديد والنار وتضيق مورس بحقهم بشتى الوسائل، اعادهم لعصور الجاهلية وكله باسم تطبيق الشريعة والدين، بعد أن غدا ثوارها ملاحقون في كل بقاع الأرض كمرتدين عن الدين وعد التنظيم بقطع رؤوسهم ورفعها في الساحات العامة وسط المدينة المغتصبة.

 

عمل التنظيم خلال فترة سيطرته على الرقة على طمس المعالم التاريخية فيها واستغلال الموارد البشرية من الشباب وكل الطاقات لضمهم لصفوف التنظيم بعد إخضاعهم لدورات شرعية ومعسكرات تدريب وزجهم على جبهات القتال مع قوات الأسد والجيش الحر ولاحقاً قوات قسد الانفصالية، ساعياً لتوسع سيطرته لتشمل حلب وإدلب وريف حماة وحمص وريف دمشق وصولاً حتى السويداء ودير الزور، لبناء دولة الخلافة المزعومة.

 

يضاف لذلك الضرائب والأتاوات والسيطرة على الأرزاق، ومنع المدنيين من الخروج من المدينة، مع بدء التحالف الدولي هجماته على مدينة الرقة وريفها باسم "محاربة الإرهاب" وتنفيذ ضربات شبه يومية طالت المدنيين بشكل كبير، وقتلت المئات منهم بمجازر متلاحقة زادت في معاناتهم التي يكابدونها في ظل حكم التنظيم.

 

ولعل تجبر تنظيم الدولة وتماديه في ممارساته وقتله وتوسعه في المنطقة ودخول التحالف على خط المواجهة باسم "محاربة الإرهاب" كان أحد أهم الأسباب لتنامي قوة الميليشيات الانفصالية الكردية التي تحتاج لحجة كبيرة للدخول ريف الرقة والبدء بتوسيع مناطق نفوذها لبناء الكيان الذي تخطط له في ربط مناطقها من الحسكة شرقاً حتى عفرين غربا، مستغلة دعم التحالف الدولي عسكرياً ولوجستياً لمحاربة التنظيم بدأت بمعارك عين العرب "كوباني" التي شاركت فيها فصائل الجيش الحر ضمن غرفة عمليات بركان الفرات تقودها وحدات حماية الشعب الكردية.
ومع السيطرة على مدينة عين العرب "كوباني" في كانون الثاني من عام 2015 فرض حزب الاتحاد الديمقراطي نفسه كرقم صعب في المنطقة، مدعوماً من التحالف الدولي، وبرز كقوة قادرة على محاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم الدولة، وهذا ماساعده بشكل كبير على البدء بمشروعه التوسعي في المنطقة الممتدة بين عين العرب" كوباني" ومنطقة الجزيرة، حيث كانت أولى أطماعه التوجه باتجاه مدينة تل أبيض بريف الرقة الشمالي.

 

تمكنت القوات من السيطرة على عشرات المناطق وصولاً لجسر قرقوزاق، والتوسع باتجاه الرقة وصولاً لمدينة تل أبيض التي سيطرت عليها في 15 حزيران من عام 2015، وهنا بدأ يتكشف الوجه الحقيقي في مرحلة جديدة من المجاهرة بالتهجير والتضييق على المكونات العربية في غرفة عمليات بركان الفرات منها لواء ثوار الرقة، بعد إخلال الوحدات الشعبية بوعودها بتسليم المدينة لأهلها.

 

وللاستمرار في مشروعها الانفصالي بادرت في تشرين الأول 2015 للإعلان عن تشكيل عسكري جديد تقوده وحدات الحماية الشعبية باسم "قوات سوريا الديمقراطية" يتكون بشكل أساسي من وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، والمجلس العسكري السرياني، وجيش الثوار مدعومة بشكل كبير من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية باسم "محاربة الإرهاب".

 

وفي أيار 2016 أطلقت قوات سوريا الديمقراطية حملة جديدة ضد تنظيم الدولة باسم " حملة تحرير شمال الرقة" عبر ثلاث أجنحة، الأول من بلدة عين عيسى، والثاني يبدأ من مطعم النخيل، والثالث من اللواء "93"، بدعم جوي كبير من طيران التحالف الدولي الذي أمد قسد بكميات كبيرة من العتاد والسلاح، مكن قسد من التوسع في المنطقة وتهجير غالبية سكانها ثم التحرك باتجاه مدينة منبج بريف حلب الشرقي والسيطرة عليها.

 

اصطدمت قوات قسد بعملية درع الفرات المشكلة من العديد من فصائل الجيش الحر مدعومة تركياً في 24 آب 2016، والتي أوقفت تمددها غرباً ودفعت قسد لإعادة ترتيب أوراقها والتوجه من جديد باتجاه الرقة، فأعلنت تشرين الثاني 2016 عن بدء معركة السيطرة على مدينة الرقة وريفها تحت عنوان معركة "غضب الفرات"، حظيت العملية بمشاركة عشرات المستشارين الأمريكيين و الفرنسيين دعماً لـ”قسد” بغطاء و دعم جوي و لوجستي و استشاري من التحالف الدولي، تركزت المرحلة الأولى من العملية بريف الرقة الشمالي والتي شهدت مواجهات عنيفة مع تنظيم الدولة، تمكنت فيهات قسد من احراز تقدم طفيف على حساب التنظيم خسرت فيه المئات من عناصرها خلال المواجهات.

 

اصطدمت قسد من جديد بمعارضة كبيرة للمكونات العربية من أبناء الرقة في دخول قوات قسد لمدينة الرقة، بعد مالمسوه من تعنتها في تهجير المناطق العربية وممارساتها بحقهم، وعدم الإيفاء بوعودها في تسلم المناطق لإدارة مدنية من أهلها، دفع قسد لتحجيم هذه المكونات بينها لواء ثوار الرقة ومنعه من المشاركة في عملية "غضب الفرات" وتشكيل ميليشيات من المكونات العربية ومجالس مدنية تتبع لها لإضفاء التنوع في قواتها.

 

تلا ذلك الإعلان عن انطلاقة المرحلة الثانية من معركة "غضب الفرات" بريف مدينة الرقة الغربي، تمكنت خلالها قوات قسد من التوسع على حساب تنظيم الدولة حتى قلعة جعبر، وبدء مرحلة السيطرة سد الفرات ومدينة الطبقة والتوسع شرقاً باتجاه المدينة، ضمن المرحلة الثالثة من معركة "غضب الفرات"، حيث تمكنت خلال أشهر عدة من تطويق الخناق من المحاور الشمالية والغربية والشرقية، لتبدأ بعدها مرحلة دخول أحياء المدينة المعقل الرئيسي لتنظيم الدولة في حزيران 2017.

 

شهدت الفترة الممتدة بين 6/ تشرين الثاني/ 2016 و30/ حزيران/ 2017، انتهاكات كبيرة بحق المدنيين من قبل التحالف الدولي وقوات قسد وتنظيم الدولة، أفردت لذلك الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً حمل عنوان "الاعتداء الأصفر"، وثَّق التقرير استشهاد ما لا يقل عن 1400 مدني، بينهم 308 طفلاً، و203 سيدة في محافظة الرقة يتوزعون إلى 731 مدنياً على يد قوات التحالف الدولي بينهم210 طفلاً، و139 سيدة، و164 مدنياً على يد قوات سوريا الديمقراطية بينهم 31 طفلاً، و31 سيدة، و505 على يد تنظيم الدولة بينهم 67 طفلاً و33 سيدة، كما سجل التقرير ارتكاب قوات التحالف الدولي 53 مجزرة في حين ارتكبت قوات سوريا الديمقراطية 4 مجازر، أما تنظيم الدولة فقد سجل التقرير ارتكابه ما لا يقل عن 6 مجازر.

 

في حزيران 2017 بدأت مرحلة السيطرة على مدينة الرقة من قبل قوات قسد والتحالف الدولي، شهدت الفترة الممتدة بين حزيران 2017 و منتصف شهر تشرين الأول 2017 معارك عنيفة داخل أحياء المدينة بين الطرفين، تعرضت المدينة خلال هذه الفترة لقصف جوي عنيف من طيران التحالف الدولي بأكثر من 3829 غارة جوية وآلاف القذائف التي أطلقتها قوات قسد على أحياء المدينة، خلف القصف قرابة 1873 شهيد من المدنيين و آلاف الجرحى.

 

كما تعرضت البنية التحتية في المدينة لقصف عنيف ومركز استخدمت فيها الصواريخ شديدة الانفجار والتأثير، ساهمت بتدمير 90 % من البنية السكنية، حيث دمرت أحياء بالكامل بفعل القصف العنيف الذي طالها، كما تعرضت المرافق المدنية لاستهداف مباشر كالمساجد والمشافي والمدارس، خلفت دمار كبير في 29 مسجد، و 8 مشافي، و 40 مدرسة، و 4 جسور، و 5 جامعات، بحسب إحصائية لفريق "الرقة تذبح بصمت".

 

في الخامس عشر من تشرين الأول لعام 2017 تمكنت قوات قسد من استكمال السيطرة على كامل مدينة الرقة بعد انسحاب من تبقى من عناصر التنظيم ضمن اتفاق أبرم مع قسد باتجاه دير الزور، وبذلك باتت الرقة أمام مرحلة جديدة من الاحتلال والأسر والاغتصاب على يد محتل جديد بعد ما ذاقه أبنائها ومدنيها ومابدوه من معاناة وقصف ومجازر ارتكبت بحقهم في المدينة وخلال نزوحهم، مع استمرار أوجاعهم في المخيمات التي تديرها قوات قسد والتي يذوق فيها المدنيون أصنافاً من العذاب والمعاناة والموت اليومي بأشكال عدة، فيما غدت مدينتهم حبيسة احتلال آخر أزيلت فيه الراية السوداء واستبدلت براية صفراء، يضعهم أمام تحديات ومرحلة جديدة من النضال للوصول لتحرير المدينة على يد أحرارها وثوارها ورفع علم الثورة السورية خفاقاً في ساحاتها.

المصدر: شبكة شام الكاتب: أحمد نور
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ