
الحرمان الاقتصادي للنساء: استغلال صامت تحت عباءة الواجب الأسري
في مجتمعات كثيرة، ما تزال المرأة تُواجه أشكالاً متعددة من التمييز والحرمان، لا سيما فيما يتعلق بحقها في إدارة مواردها المالية. يتجلى هذا الحرمان بصورة صارخة في سيطرة الزوج أو الأسرة على أجورها وممتلكاتها، حتى إن كانت هي مصدر الدخل الأساسي. وقد وثّقنا شهادات لنساء سوريات اضطررن للعمل خلال سنوات الحرب، نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي، لكن عملهن لم يكن كافياً لضمان استقلاليتهن المادية.
استناداً إلى هذه الشهادات، تبيّن أن كثيراً من النساء يُحرمن من حق التصرف بأجورهن، رغم أنهن يعملن في وظائف مرهقة وضمن ظروف معيشية قاسية. فبعض النساء العاملات في القطاع الإنساني أو التعليم أو في مهن حرة يُجبرن على تسليم رواتبهن بالكامل للزوج، ولا يُسمح لهن بالاحتفاظ بأي جزء منها، حتى ولو كان لشراء حاجاتهن الشخصية أو لمساعدة أهاليهن، رغم أنهن يعملن بدوام كامل ويُسهمن بشكل كبير في تأمين احتياجات الأسرة.
وجدير بالذكر أن هذه الممارسات لا تنطبق على جميع الحالات، فهناك نساء يحتفظن برواتبهن كاملة، ويتصرفن بها بحرية تامة، بل إن بعضهن لا يُسهمن بأي جزء من الراتب في نفقات المنزل، ويخصصنه لأنفسهن فقط.
أسباب الصمت والآثار النفسية الناتجة
الحرمان من الموارد الاقتصادية، حيثما وُجد، يترك آثاراً نفسية عميقة لدى النساء. فهن يشعرن، كما أوضحن في شهاداتهن، بأنه لا يُعترف لهن بجهودهن، ولا يُمنحن الحد الأدنى من السيطرة على ما يجنين من عملهن. ويولّد ذلك شعوراً بالإحباط، ويُفقدهن الحافز، ويجعلهن في حالة دائمة من التوتر والقلق. كما يفقدن الشعور بالاستقلال الذاتي، وتتحول العلاقة الزوجية إلى علاقة سلطة يتحكم فيها طرف واحد بقرارات الطرف الآخر.
وبناءً على القصص التي رصدناها، تندرج أسباب صمت النساء على هذا النوع من التحكم تحت إطار الخوف من الدخول في مشاكل، والتي من الممكن أن تؤدي إلى الطلاق، في حين عبّرت أخريات عن خوفهن من أن يُحرمن من العمل نهائياً، أو أن يتعرضن للعنف اللفظي أو الجسدي.
سلطة الرجل داخل الأسرة
أما أسباب هذا النوع من الاستغلال، فكما توضح الشهادات، فهي متجذرة في بنية ثقافية واجتماعية ترسّخ سلطة الرجل داخل الأسرة، وتمنحه حق التصرف بأموال زوجته كأنها ملك له. ما زالت هناك قناعة راسخة لدى كثير من الرجال بأن المال الذي تكسبه المرأة هو “حق للأسرة”، وليس لها، وأنه الأجدر بإدارته. يُضاف إلى ذلك غياب الوعي القانوني بحقوق النساء الاقتصادية، وافتقار العديد من النساء إلى دعم قانوني أو اجتماعي في حال قرّرن الاعتراض على هذا الواقع.
لا شك أن حرمان المرأة من التحكم بأجرها وممتلكاتها يشكّل انتهاكاً لحق أساسي من حقوق الإنسان، ويُعتبر شكلاً من أشكال العنف الاقتصادي الذي لا يُنظر إليه بجدية كافية. إنه استغلال صامت يتوارى خلف مبررات “المصلحة العائلية” و”التقاليد”، لكنه يُعمّق شعور المرأة بالهامشية، ويقوّض مساهمتها المجتمعية، ويمنعها من تحقيق ذاتها كفرد مستقل قادر على اتخاذ القرار.
من هنا، فإن تمكين النساء لا يقتصر على توفير فرص العمل، بل يجب أن يشمل تمكينهن من السيطرة الفعلية على أجورهن، وتوعيتهن بحقوقهن القانونية، ومساءلة كل من يصادر هذه الحقوق تحت أي ذريعة. فالكرامة الاقتصادية هي جزء لا يتجزأ من كرامة الإنسان، ولا يمكن الحديث عن عدالة اجتماعية دون أن تكون المرأة قادرة على إدارة ما تكسبه بعرقها وجهدها، بحرية ومسؤولية.