
البسطة وسلاح المظلومية: أيتام الأسد وتمثيل دور الضحية
منذ بداية الثورة السورية، لعب مؤيدو نظام بشار الأسد المجرم وخاصة من الطائفة العلوية التي شكّلت عماد دعمه العسكري والأمني دوراً محورياً في دعم آلة القتل والتشريد التي أبادت مدناً وهجّرت شعوباً ودمرت مجتمعاً بأكمله. ومع مرور السنوات وتبدّل المشهد العسكري والسياسي، انتقل هؤلاء من موقع الجلاد إلى تقمص دور الضحية، في محاولة مستمرة لاستدرار تعاطف محلي وخارجي لا يتناسب مع ماضيهم الملطّخ بالدم.
واحدة من أبرز أدوات هذا التمثيل المتكرر لدور "المظلوم"، ظهرت حديثاً في قضية إزالة البسطات العشوائية من قِبل الأمن العام في مناطق الشمال المحرر. هذه الحملات ليست جديدة، وتمت مسبقاً في حلب، وإدلب، وحتى في أحياء كرم الشامي ومناطق ذات غالبية سُنّية، بناءً على شكاوى الناس وتنظيم الأسواق والطرقات. لكن حين طالت هذه الحملة مناطق فيها بعض أبناء الطائفة العلوية، انطلقت نغمة المظلومية من جديد.
البسطة... سلاح سياسي!
ما إن بدأت الحملة، حتى عجّت الصفحات والمنشورات بتعابير درامية من قبيل: "الأمن العام الإرهابي يصادر أرزاق أبناء الطائفة العلوية الكريمة!"، و"تم طردهم من وظائفهم ولم يتبقَّ لهم سوى بسطة صغيرة ليطعموا أولادهم!", و"إنها عملية تجويع ممنهجة للأقليات!"
هذا النوع من الخطاب هو تكرار ممل لأسطوانة باتت مكشوفة، تُوظَّف دوماً لتقليب الرأي العام، مع تجاهل حقيقة أن الإجراءات ذاتها طُبّقت على الجميع، دون تمييز مذهبي أو طائفي. لكن المشكلة ليست في الإجراء، بل في من اعتاد أن يعيش فوق القانون لعقود، فيظن أن أي مظهر من مظاهر تطبيق النظام عليه هو استهداف طائفي!
ذاكرة انتقائية... ومظلومية مصطنعة
ما يثير السخرية حقاً هو أن هؤلاء الذين يتباكون على "البسطات"، هم أنفسهم من صمتوا (أو هللوا!) حين كان النظام يقتل ويعتقل ويقصف الأسواق والمستشفيات والمساجد، ويهجر المدن السنية بأكملها. بل كانوا جزءاً فاعلاً من آلة القمع، وشاركوا فيها عن قناعة وطمع أو عن طائفية بحتة.
ولنتذكّر كيف وظّفوا سابقًا أكذوبة "خطف العلويات"، حين اختفت بعض النساء والفتيات فجأة، وادّعوا أن "الفصائل الإسلامية" خطفتهن وبيعن كسبايا. لاحقًا، خرجت بعض هؤلاء النسوة بأنفسهن ونفين القصة جملة وتفصيلاً، ما وضع هؤلاء المتباكين في موقف لا يُحسدون عليه.
كل ما يحدث اليوم هو تنظيم محلي لخدمة الناس في المناطق المحررة، وهو إجراء طال الجميع، سُنّة وعلويين، عرباً وتركمانًا، رجالاً ونساء. لكن "أيتام الأسد" ما زالوا يظنون أن بمقدورهم خداع الناس كما فعلوا لعقود. غير أن الحقيقة أوضح من أن تُحجب: من قتل وهجّر وخرّب، لا يحق له أن يتحدث عن الظلم.
أما البسطة، فهي ليست قضية معيشية عندهم، بل ورقة سياسية يلعبون بها حين تُمسّ امتيازاتهم القديمة، ويُطلب منهم أخيراً أن يعيشوا مثل غيرهم… مواطنين عاديين، لا مقدّسين.