
الأطفال المشردون في سوريا: وجوه صغيرة في شوارع الألم
في صورة اختصرت كل معاني الإنهاك والخذلان، ظهرت طفلة سورية نائمة على الرصيف، وقد غلبها التعب بعد يوم طويل من بيع المحارم. ألقت النقود بجانبها، وخلدت إلى نوم عميق في مكان لا يليق بالطفولة، حافية القدمين، بلا غطاء، بلا مأوى، ولا من يسأل عن حالها.
هذه الصورة التي تداولها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، دفعت أحدهم إلى توجيه نداء عاجل إلى وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل في سوريا، هند قبوات، يناشدها فيه التدخل لإنقاذ هذه الطفلة وسواها من الأطفال الذين شرّدتهم الحرب وألقت بهم الحياة إلى قارعة الطريق.
وكتب الناشط: “نناشد السيدة الوزيرة، وكل من لديه ذرة إنسانية، أن يتحرك فوراً لإنقاذ هذه الطفلة وغيرها من الأطفال المشردين في شوارع سوريا”. لكن الحقيقة المؤلمة أن هذه الطفلة ليست استثناء. إنها واحدة من آلاف القصص التي تمر أمامنا يومياً.
أسباب الظاهرة
اندلاع الحرب في سوريا قبل أكثر من عقد أدى إلى انهيار البنية الاجتماعية والاقتصادية، وكان الأطفال هم الضحايا الأشد ضعفاً. الكثير من السوريين فقدوا منازلهم ونزحوا إلى أماكن لا تتوفر فيها أدنى مقومات الحياة، ونتيجة لذلك، تشرد الكثير من الأطفال، إما مع عائلاتهم التي تسكن في المخيمات، أو وحدهم في الشوارع بعد أن فقدوا ذويهم.
الوضع الاقتصادي المتدهور فاقم المأساة، فمع غياب فرص العمل، وارتفاع الأسعار، وسقوط الطبقة الوسطى في مستنقع الفقر، وجدت العديد من الأسر نفسها غير قادرة على إطعام أطفالها أو تعليمهم. بعض العائلات اضطرت إلى دفع أطفالها نحو الشارع للعمل. في المقابل، لم تكن هناك بنية مؤسساتية قادرة على استيعاب هؤلاء الأطفال وتقديم الدعم والرعاية لهم تحميهم من التشرد في الشوارع.
التشرد لا يعني فقط فقدان المأوى
المشكلة لا تتوقف عند نوم الأطفال على الأرصفة، بل تمتد إلى ما هو أعمق: هؤلاء الأطفال يعيشون دون تعليم، دون رعاية صحية، دون حماية قانونية. في الشوارع، يصبحون عرضة للاستغلال بكل أشكاله، من العمل القسري إلى العنف الجسدي والجنسي. يعيشون في دائرة من الخوف الدائم، ولا يعرفون الطمأنينة والاستقرار.
الحرمان من التعليم يفتح باباً واسعاً أمام دورة مستمرة من الجهل والفقر، إذ يُترك هؤلاء الأطفال خارج المدارس، بعيداً عن أي فرصة لبناء مستقبل مختلف. تتشكل لديهم هويات هشة، يتربّون في بيئات مشوّهة، وتُغرس في داخلهم مشاعر الغضب والاغتراب والتمرد، مما يجعل بعضهم لاحقاً عرضة للانحراف أو الانضمام إلى جماعات خارجة عن القانون.
أثر الظاهرة على المجتمع ومستقبل البلاد
حين يُترك آلاف الأطفال في الشوارع دون مأوى أو تعليم أو رعاية، فإن ذلك لا يعني فقط مأساة فردية لكل طفل، بل كارثة جماعية لمستقبل سوريا بأكمله. فالمجتمع الذي ينشأ فيه هذا الجيل من الأطفال المتشردين، سيكون أمام تحديات كبيرة تتعلق بالأمن والاستقرار والتنمية.
حلول ممكنة
يرى ناشطون أن أولى خطوات الحل تكمن في الاعتراف بوجود الظاهرة وعدم التقليل من حجمها. وعلى السلطات أن تدرك أن الأطفال المشردين ليسوا مجرد مشكلة اجتماعية عابرة، بل قضية وطنية تتطلب تدخلاً عاجلاً على كافة المستويات.
ونوّهوا إلى أنه من الضروري أن تتحرك وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بسرعة لتوفير مراكز إيواء وتأهيل لهؤلاء الأطفال، تأمين غذائهم، علاجهم، وإعادتهم إلى مقاعد الدراسة. كما ينبغي التعاون مع منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية التي تملك خبرة في حماية الطفولة، من أجل إطلاق برامج شاملة تستهدف إعادة دمج هؤلاء الأطفال في المجتمع.
الحل لا يقتصر على الجانب الإغاثي، بل يجب أن يشمل أيضاً إصلاحات قانونية تضمن حقوق الطفل وتمنع استغلاله، إلى جانب دعم اقتصادي للعائلات الفقيرة التي تدفع أطفالها إلى الشارع بدافع الحاجة. كذلك، لا بد من إطلاق حملات توعية عامة تعزز ثقافة حماية الطفل، وتشجع المجتمع على التفاعل الإيجابي مع هذه القضية.